أي مستقبل للاستثمار الأجنبي في الجزائر؟

وإذا كان هدف الحكومة من منح الصفقات للشركات المحلية دون غيرها هو الحفاظ على احتياطي البلاد من العملة الصعبة، فإن خبراء يرون القرار منفّرا ويرسم صورة سوداء عن مناخ الاستثمارات.
وقد تراجع احتياطي الصرف إلى 96 مليار دولار خلال ديسمبر/كانون الأول الجاري بعدما كان يفوق 144 مليار دولار عام 2015، في وقت يتوقع أن ينخفض إلى 84 مليارا نهاية 2018.
عين الخطأ
تآكل احتياطي الصرف هو ما أخاف رئيس الوزراء أحمد أويحيى ودفعه لاتخاذ القرار "وقفا لنزيف العملات الأجنبية نحو الخارج"، إلا أن أستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة فارس مسدور يرى أن القرار "يفقد الجزائر مصداقيتها ويسوّد وجهها أمام الخارج"، مضيفا للجزيرة نت أن "عين الخطأ هو منح الصفقات لشركات لم تدخل المناقصة".
وحسب مسدور فإنه كان من المفروض أن تجرى مناقصة محلية ودولية، فمن يقدم أفضل عرض هو من يحصل على الصفقة.

وبالنسبة للخبير المالي فرحات آيت علي، فإن هذا النوع من القرارات يلغي أي طموح استثماري في الجزائر، كما لا يستبعد أن يؤدي إلى إلغاء حتى الاستثمارات المحلية الجادة في البلاد "باستثناء المستثمرين الذين صنعهم النظام".
ويؤكد آيت علي للجزيرة نت وجود إشكالات أخرى تعرقل الاستثمار الأجنبي، منها غياب الاستقرار التشريعي "بدليل أن الحكومة تشرع في الصالونات وخارج البرلمان".
وبرأيه، فلا وجود لاستثمارات أجنبية بسبب إجراءات تنظيمية وقانونية تمنع إقامة استثمارات جدية، "فالأجانب لا يأتون في إطار شراكات محلية غير قادرة لا ماليا ولا تقنيا على مسايرة الشراكة".
معاملة تفضيلية
وسعت الحكومة بالتنسيق مع البنك العالمي لتطوير مناخ الاستثمار، واعتماد قانون استثمار يقدم مزايا للمستثمرين، إلا أن ذلك لم يغير من الواقع شيئا بسبب كثرة العقبات والعراقيل الإدارية.
من جانبه يرفض أستاذ الاقتصاد بجامعة ورقلة ناصر سليمان التشكيك في نوايا الحكومة، غير أنه يقول إن حجز الصفقات الاقتصادية للشركات المحلية دون الأجنبية سيؤثر على تدفق الاستثمارات الأجنبية لأن المستثمر الأجنبي لا يريد هذه المعاملة التفضيلية، كما أنه سيضر بسمعة الجزائر في مجال الاستثمار الأجنبي.
وسبق لأحمد أويحيى عندما كان رئيسا للوزراء في 2004 أن أصدر تعليمات لشركات القطاع العام بأن لا تودع أموالها إلا في البنوك الحكومية، مما أثار حينها حفيظة بنوك القطاع الخاص، كما أصدر قبل أيام تعليمات أخرى لشركات القطاع العام كي يقتصر تعاملها مع شركات التأمين الحكومية دون الخاصة.
وحسب ناصر سليمان في حديثه للجزيرة نت فإن القرار الجديد سيضاف إلى سلسلة العوائق الأخرى التي تواجه الاستثمارات الأجنبية ومنها على وجه الخصوص القاعدة المعروفة 51/49.
وتلزم هذه المادة كل مستثمر أجنبي بضرورة إشراك طرف جزائري في أي مشروع اقتصادي، على أن يمتلك الأخير 51% من رأسمال الشركة، في حين لا تتجاوز حصة الطرف الأجنبي 49%.

وباعتقاد سليمان فإن تأثير هذا القرار على تقلص احتياطي الصرف من العملات الأجنبية سيكون محدودا للغاية "لأن ما ستربحه الدولة باليمين سوف تخسره بالشمال".
وعلى العكس من هذا، يعتقد أستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة كمال رزيق أن القرار سيؤثر إيجابا على تدفق الاستثمارات الأجنبية في إطار الشراكة "لأن ما قاله رئيس الوزراء موجود في قانون الصفقات العمومية 2015".
ويؤكد رزيق للجزيرة نت أن الشركات الأجنبية ستجد نفسها مجبرة على دخول السوق الجزائرية إذا أرادت تحقيق أرباح في ظل موازنة تتراوح بين 50 و60 مليار دولار.
غير أن رزيق يعترف بعدم جدوى مثل هذه القرارات إن لم تصاحبها إصلاحات هيكلية وعميقة على الاقتصاد الجزائري، "لأن حجز الصفقات العمومية للشركات المحلية هو إجراء مؤقت لا يمكن أن يصمد مستقبلا أمام توجّه الحكومة للانضمام الى منظمة التجارة العالمية". كما ينصح الحكومة بالالتفات إلى الاستثمارات العربية والتركية "لأن الرهان على الشراكة مع فرنسا رهان كاذب ولا يحقق المبتغى".