رغم عواصف السياسة تايلند ترحب بنحو 34 مليون سائح

صهيب جاسم-بانكوك
صمدت السياحة في تايلند أمام عواصف الأزمات السياسية التي ضربت البلاد في السنوات الأخيرة والتي سلمتها إلى الحكم العسكري، كما ظل هذا القطاع قويا رغم التباطؤ الاقتصادي في شرق آسيا، حتى إن البلاد تتوقع جذب 33.8 مليون سائح هذا العام.
ويقول رئيس وحدة الإستراتيجيات والتطوير في مصرف الجيش التايلندي (تي أم بي) بينجارونغ سوانكيري في حديث للجزيرة نت إن السياحة أثبتت رسوخها عنصرا مهما للاقتصاد التايلندي على أثر ثلاث سنوات شهدت تباطؤا اقتصاديا في تايلند ودول مجاورة.
ويعتمد على قطاع السياحة بشكل مباشر أكثر من مليوني تايلندي، وهو قطاع يساهم بنحو 8.6% من الناتج المحلي الإجمالي لتايلند، إلى جانب القطاعات الصناعية والخدمات الأخرى التي تستفيد من قدوم نحو 2.5 مليون سائح شهريا.

ورغم تأثر قطاعات صناعية وزراعية في تايلند بالتراجع الاقتصادي في دول المنطقة، وبأزمة البلاد السياسية التي انتهت بتدخل العسكر قبل نحو عامين، فإن ذلك لم يؤثر سلبا على تدفق السياح الذين اقترب عددهم من ثلاثين مليونا العام الماضي. وتعيش البلاد مرحلة انتقالية يفترض أن تؤدي إلى استفتاء على دستور جديد في أغسطس/آب المقبل.
ويذكر بينجارونغ أن قطاع السياحة في تايلند يضم عددا كبيرا من الأعمال الصغيرة والمتوسطة. وهذا ما دفع كثيرا من المشتغلين بالزراعة للانتقال إلى العمل السياحي بإنتاج مصنوعات تقليدية أو فتح محال لبيع الهدايا أو مطاعم تبيع أشهر أطباق المطبخ السيامي التي تزيد على 500 طبق تقليدي.
المنافسة ونوعية السياح
وتواجه تايلند اليوم منافسات من دول جوارها بصور مختلفة. فرغم أنها انتبهت لقطاع السياحة قبل كثير من دول جنوب شرق آسيا، فإن المنافسة بدأت تحتدم مع دول مثل ماليزيا والصين وكوريا الجنوبية، وتتسع لتشمل دولا ذات ثروات طبيعية هائلة لكنها لا تجذب الكثير من السياح مثل إندونيسيا والفلبين.

وتشمل دائرة المنافسة قادمين جددا مثل ميانمار ولاوس وفيتنام، لكن تظل تايلند أفضل من دول كثيرة من حيث البنى التحتية والمنظومة السياحية، بينما يكمن التحدي في قدرة تايلند على الحفاظ على ثرواتها الطبيعية في سواحلها ومرتفعاتها من الاستنزاف المفرط من قبل عشرات الملايين من السياح.
ويقول رئيس هيئة السياحة التايلندية يوتاساك سوباسورن للجزيرة نت إن جذب عدد أكبر من السياح الأجانب لبلاده لم يعد أولوية في حد ذاته، بل يتم التركيز اليوم على فئات معينة من السياح مثل الأثرياء الأكثر إنفاقا أو الراغبين في قضاء سنوات تقاعدهم في مرتفعات ومنتجعات السواحل أو الباحثين عن العلاج.
عاصمة للتسوق
ومع ظهور عشرات بل مئات من مجمعات التسوق في العواصم الآسيوية القريبة من تايلند، فإن الشركات التي تدير مجمعات التسوق في بانكوك تسعى لأن تظل العاصمة التايلندية مركزا هاما لتسوق السياح والتجار من شتى بقاع العالم، مدعما بصناعات تبدأ من المنتجات التقليدية، مرورا بإنتاج واستيراد سلع من علامات تجارية عالمية، وصولا إلى السيارات وقطع غيارها والأجهزة الإلكترونية.

وشهدت بانكوك آخر الشهر الماضي افتتاح أسواق حديثة تريد جذب مزيد من المشترين الباحثين عن تجارب تسوق مختلفة، في منافسة واضحة مع الدول الآسيوية المجاورة.
السلع والخدمات الحلال
ورغم أن تايلند ذات غالبية بوذية فإن قدوم السياح العرب والآسيويين والأوروبيين المسلمين فتح آفاقا واسعة لأعمال وصناعة المنتجات والخدمات "الحلال" التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية.

ولا يقتصر ذلك على المطاعم الحلال التي يديرها عرب ومسلمون وتايلنديون من الأقلية المسلمة، بل يمتد الأمر إلى إنتاج نحو أربعة آلاف مصنع تايلندي عشرات الآلاف من السلع الغذائية ومستحضرات التجميل ذات الشهادات "الحلال" الصادرة عن مركز علوم الحلال ومجلس الشؤون الإسلامية بتايلند.
بل تطور الأمر في الفترة الأخيرة إلى افتتاح فنادق "حلال" يديرها ويمتلكها مسلمون، آخرها فندق "الميراث" الذي تمتلكه أسرة مسلمة من سكان بانكوك، المدينة التي يقطنها وحدها نحو مليون مسلم إضافة إلى ملايين آخرين في شمال وجنوب البلاد.
وكان أصحاب هذا الفندق يديرون مطاعم "حلال"، وقد وجدوا أن مسلمين كثرا يبحثون عن محل إقامة تطمئن إليه قلوبهم، حسب وصف المدير العام لفندق الميراث أحمد سانيا ساينغبون في حديثه للجزيرة نت.
وتتوفر في الفندق الوجبات الحلال، ويضم مكانا للصلاة، بل يصلى الناس فيه التراويح خلال أيام رمضان. وهناك حرص على استخدام منظفات ومطهرات آمنة للفرش والملابس، ويجد الزائر في غرفته مصحفا وسجادة صلاة وملصقا يذكره بمواعيد الصلاة في تايلند.