سياسات مصر النقدية حرام على البرلمان بأمر رئيسه
عبد الرحمن محمد-القاهرة
ورغم إعلان عدد غير قليل من النواب تحفظهم على ما ذهب إليه رئيس البرلمان، فإنه تمكن من إقناع أغلبية نواب المجلس بالتصويت بالموافقة على القرار الذي وافقت عليه اللجنة العامة.
وكان عبد العال قد قال في جلسة عامة قبل يومين إن "نوابا دأبوا على الظهور في برامج تلفزيونية للحديث عن السياسة النقدية للدولة بشكل يضر بالاقتصاد القومي، لذا فإني أرجو من أعضاء المجلس عدم الظهور للحديث عن السياسة النقدية، وإلا فسيحال من يخالف ذلك للجنة القيم".
وشهد البرلمان اعتراضا من قبل نواب على هذه التصريحات، كان أبرزهم هيثم الحريري وخالد عبد العزيز ومحمد طنطاوي، الذين اعتبروا ذلك يأتي في إطار "الحجر على حرية الرأي، ويتماشى مع اتجاه تحويل البرلمان إلى مجلس الصوت الواحد، وفيه مخالفة لأبسط القواعد الدستورية".
سابقة برلمانية
وقال أحد نواب المجلس للجزيرة نت -طالبا عدم الكشف عن اسمه- إنه "لا يمكن القبول بتهديدات رئيس المجلس لنوابه"، معتبرا إياها "سابقة لم تعهدها أي من البرلمانات في الماضي والحاضر، وتجعلنا أضحوكة للعالم وتدعم اتهامات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بكوننا مجلسا صوريا لا دور له".
ويرى جمال حشمت الذي يرأس مجلسا شكله برلمانيون سابقون معارضون للسلطة المصرية الحالية في مدينة إسطنبول، أن "هذا تصرف طبيعي لموظفين جاؤوا لملء ما يسمى بمجلس النواب، إثر صفقة مع المخابرات الحربية كما اعترف أحدهم، وبالتالي فلهم أغراض كما للنظام منهم أغراض. هم يستمتعون بالمال والمزايا والجاه في مقابل إقرار ما يطلب منهم".
وأضاف -في اتصال مع الجزيرة نت- "مجلس الشعب له أدوار معروفة، منها إقرار الموازنة العامة ومناقشة خطط الدولة الاقتصادية والاجتماعية، ومراقبة الأداء الحكومي وتشريع ما يلزم ليحقق للناس أمنهم وحرياتهم وكفاية معيشتهم، ومجلس نواب العار هذا لم يحقق من ذلك شيئا، فقد مرر مئات القوانين فيها تفريط بحقوق مصر وثرواتها دون مناقشة".
وأشار إلى أن "تعليمات عدم الحديث عن السياسات النقدية سبقها قرار عدم إذاعة جلسات المجلس حتى لا تفتضح التمثيلية المخابراتية، والحجج لذلك معدة سلفا على اعتبار أننا في ظروف استثنائية كما هي حجة الاٍرهاب المسلطة لتمرير كل جريمة وكل نقيصة في حق مصر".
ويواجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والبنك المركزي الذي يدير السياسة النقدية انتقادات متزايدة في ضوء أزمة الدولار الحادة التي أدت إلى ارتفاع الأسعار، بما في ذلك الأدوية، بينما باتت مئات المنتجات غير متوفرة أو يصعب العثور عليها.
وخفض البنك المركزي في مارس/آذار الماضي قيمة الجنيه المصري رسميا بنحو 14%، ليصبح سعر الدولار في البنوك 8.88 جنيهات، بينما يباع الدولار في السوق السوداء حاليا بنحو 11 جنيها.
انطباعات اقتصادية
ويرى الكاتب الاقتصادي مصطفى عبد السلام أن "أخطر ما في تصريحات عبد العال، ما تعطيه من انطباع للمستثمر الخارجي والداخلي بأن الحكومة ومعها البرلمان يسعيان لإخفاء بعض الحقائق الاقتصادية عنهم وعن الرأي العام، وهو ما يثير ريبة كبيرة في سلوك الحكومة وأرقامها ويشكك في بياناتها".
وأضاف للجزيرة نت "هذا السلوك أيضا يعطي انطباعا للمؤسسات الدولية بوجود أزمات حادة تسعى الحكومة لطمسها دون التعامل معها أو إشراك الرأي العام في ذلك، ونتيجة لكل ذلك ستزيد حالة عدم اليقين داخل المجتمع، وهي من أكبر معوقات الاستثمار".
ومضى قائلا "من المضحك أن رئيس البرلمان بهذه الممارسات يثبت أيضا أنه جهة تابعة ليست منفصلة عن الجهات التنفيذية، وبالتالي فإن السؤال هو إذا كانت الصحافة مكممة وكذلك نواب البرلمان فمن يعبر عن المواطن؟".
في المقابل، يرى الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية يسري العزباوي، أن من الضروري "منع تداول أي معلومات تمس الأمن القومي من النواب أو غيرهم، سواء كانت متعلقة بالسياسات النقدية أو غيرها، خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد".
إلا أنه استدرك قائلا "النائب طبقا للائحة له الحرية الكاملة لإبداء آرائه، والحصانة التي يمتلكها تدعم ذلك، وأي مواقف تقيد هذه الحرية فهي غير دستورية، إلا ما يخص الحديث عما يضر الأمن القومي، وهذا معمول به في برلمانات دول العالم بلا استثناء، حيث تناقش مثل هذه الأمور في جلسات مغلقة".