ما الذي يحدث في صناعة النفط العراقية؟

سعد الله الفتحي - ما الذي يحدث في صناعة النفط العراقية؟


سعد الله الفتحي

كلفة الإنتاج ومسؤولية الشركات الأجنبية
مقترحات لتجاوز الصعوبات
المشاكل مع حكومة إقليم كردستان
تطور طاقة تكرير النفط
معالجة الغاز وإشكالية الهدر

عقد المنتدى العراقي للنخب والكفاءات حلقة دراسية بشأن الصناعة والنفط والكهرباء في العراق في 21 مايو/أيار 2015، وشمل الجزء المتعلق بالنفط ثلاث أوراق قدمت من فالح الخياط وشريف محسن وسعد الله الفتحي، وهم مديرون عامون سابقون في وزارة النفط العراقية.

وقد ركز الخياط على التطورات الحاصلة في قطاع النفط في جنوب العراق منذ جولات التراخيص في العام 2009، وكيف عرضت الحقول النفطية في مزاد تسابقت فيه شركات النفط العالمية.

ففي جولتي التراخيص الأولى والثانية في 2009 منحت الشركات عقودا لتطوير 93 مليار برميل من الاحتياطي العراقي في 11 حقلا، بينها أربعة حقول مطورة ومنتجة وبإدارة شركة نفط الجنوب لعقود مضت، فتحولت الشركة المذكورة إلى متفرج أو منسق ومشارك ضعيف في لجان الإدارة المشتركة، واستمرت في إدارة حقول صغيرة هامشية.

وقد حدد الإنتاج التجاري الإضافي اللازم لإطلاق استعادة الكُلف بمقدار متواضع لم يتجاوز 157 ألف برميل باليوم بالنسبة لعقود الجولة الأولى، أو بزيادة الإنتاج الأصلي من 1.593 مليون برميل يوميا إلى 1.750 مليون برميل، وقد تمكنت الشركات من تحقيق الهدف في السنة الأولى، وبدأت باستعادة استثماراتها مما يعني أن التطوير اللاحق أصبح في الواقع ممولا من العراق وليس من الشركات.

في جولتي التراخيص الأولى والثانية أحال العراق 93 مليار برميل من الاحتياطي للتطوير من قبل الشركات العالمية في 11 حقلا، أربعة منها منتجة ومطورة سابقا مما أضعف دور الشركات الوطنية

ومن الناحية القانونية، يرى البعض عدم شرعية العقود بسبب تجاوزها البرلمان، ويضيف هؤلاء أن وزارة النفط لم تحاول حتى الحصول على غطاء من البرلمان يخولها حق التفاوض والإحالة ضمن شروط محددة. ولكن هذه المسألة لم تعد مهمة إذ كما يقول العراقيون "وقع الفأس بالرأس".

كلفة الإنتاج ومسؤولية الشركات الأجنبية
إن المعدل السنوي للزيادة في إنتاج الحقول الجنوبية منذ 2010 كان 230 ألف برميل يوميا، وقد كلفت هذه الزيادة المتواضعة العراق مليارات الدولارات، بحيث أصبح معدل الكلفة بحدود تسعة دولارات للبرميل، وأكثر من عشرين دولارا بالنسبة للإنتاج الإضافي الجديد، كما يستدل على ذلك من دراسة لوزارة النفط في نهاية 2013 مقارنة بكلفة لا تتجاوز دولارين إلى ثلاثة للبرميل قبل العام 2003.

ومن الواضح أن الشركات العالمية لا تهتم كثيرا بمسألة الكلف لأنها تسترجعها في جميع الأحوال، ويبدو أنه ليس هناك من يقف لها محاسبا ومكاتبا.

ويجد العراق صعوبة في دفع مستحقات الشركات كما صرح بذلك وزير نفطه، وخاصة بعد انخفاض أسعار النفط، وستصل مستحقات الشركات لنهاية العام 2015 إلى 55 مليار دولار، مما قد يضطر بغداد لتخصيص 850 ألف برميل يوميا لمواجهة تلك المستحقات.

لقد أعطيت الشركات الجزء الأسهل المتعلق بتطوير الحقول، في حين أخذت الوزارة المهمات الصعبة في معالجة الغاز ومد خطوط الأنابيب وتوسيع طاقات الخزن والمرافئ ومشروع حقن الماء وغيرها. إن خطوط النقل وطاقات الخزن متأخرة عن طاقة الإنتاج، مما يستدعي تعويض الشركات عن إنتاج غير متحقق لا يمكن تصديره.

لقد تبخر حلم إنتاج 12 مليون برميل يوميا في 2017، وحتى هدف إنتاج تسعة ملايين برميل في 2020 يبدو بعيد المنال قياسا بما تحقق سابقا. لذا فالوزارة تتفاوض حاليا مع الشركات لتخفيض سقوف الإنتاج، ومحاولة جعل الشركات تتحمل جزءا من مخاطر انخفاض أسعار النفط. وستتمسك الشركات بصيغة عقودها إلا إذا تم تعويضها كما حدث سابقا.

مقترحات لتجاوز الصعوبات
وقد اختتم الخياط عرضه باقتراح تسريع المفاوضات مع الشركات ومصارحة الشعب بالواقع الصعب. كما اقترح اعتماد هدف إنتاج ستة ملايين برميل في 2025، مع محاولة عدم زيادة الإنتاج بشكل كبير في السنتين أو الثلاث القادمة إلى غاية اكتمال مشاريع النقل والخزن، وبذل الجهد لوقف حرق الغاز، وتأسيس شركة النفط الوطنية لإدارة القطاع النفطي والعقود، على أن تكون مستقلة وتدار من مهنيين ومجلس إدارة عالي الكفاءة.

لقد تبخر حلم إنتاج 12 مليون برميل يوميا في 2017، وحتى هدف إنتاج تسعة ملايين برميل في 2020 يبدو بعيد المنال قياسا بما تحقق سابقا، لذا فوزارة النفط العراقية تتفاوض حاليا مع الشركات لتخفيض سقوف الإنتاج

ويبقى أنه من السهل تقديم هذه الاقتراحات، ولكن من الصعب تنفيذها، وخاصة أن الوزارة لم تستمع إلى نصيحة عدد كبير من الخبراء العراقيين منذ العام 2009.

وبخصوص شمال وغرب العراق، فقد أوضح شريف محسن أن العنف الذي تشهده تلك المناطق أفقد الحكومة السيطرة على مساحات شاسعة وعدد من حقول النفط والغاز. فحقول كركوك تقع بصورة عامة تحت سيطرة البشمركة الكردية التي استغلت احتلال تنظيم الدولة الإسلامية لمدينة الموصل وتقدمت لاحتلال كركوك وحقولها.

وينطبق الشيء ذاته على حقول شمال نينوى، حيث امتد نفوذ البشمركة غرب نهر دجلة ويقال إن حكومة إقليم كردستان تصدر النفط من هذه الحقول بالسيارات، وأما حقل القيارة فيسيطر عليه التنظيم وتتبادل قوات الحكومة والتنظيم السيطرة على حقول صلاح الدين المتوقفة عن الإنتاج.

وحتى الحقول التي في عهدة الشركات العالمية تأثرت وتوقفت أعمالها في حقلي القيارة والنجمة النفطيين، وفي حقلي المنصورية وعكاس الغازيين في محافظتي ديالى والأنبار.

المشاكل مع حكومة إقليم كردستان
وبسبب هذه الأوضاع والمشاكل مع إقليم كردستان فإن بغداد لم تستطع اجتذاب الشركات للعمل في ست رقع استكشافية في المنطقة. وقد احتجت حكومة الإقليم حتى على دراسة فنية لحقل كركوك كانت الوزارة تنوي القيام بها بالتعاون مع شركة نفط بريطانية.

وهكذا باستثناء بعض الإنتاج في كركوك الذي يغذي مصفى محليا ومحطات الكهرباء والتصدير عن طريق خط الإقليم، فلا يوجد ما يمكن متابعته هناك تحت سيطرة الحكومة.

وحتى الاتفاق بين الحكومة وكردستان العراق والذي يتم بموجبه التصدير عن طريق شركة تسويق النفط (سومو) قد تم اعتماده بعجالة لتمكين الإقليم من الحصول على 17% من الميزانية الاتحادية، إضافة إلى رواتب وتكاليف البشمركة، وذلك بالرغم من أن الحكومة لا تستطيع تحريك ولو فصيل من تلك القوات، إلا أن الاتفاق يتعرض للضغوط ويهدد الإقليم بالتخلي عنه، وتصدير النفط بشكل مستقل، إضافة إلى تصدير كميات إضافية من النفط والمكثفات بالسيارات خارج الاتفاق.

ويتساءل شريف محسن عن سبب تركيز الحكومة على الجنوب بشكل غير متوازن مع إمكانيات الشمال والغرب، ويشير إلى أن مشاريع البنية التحتية بالمنطقة متوقفة لنفس الأسباب حيث لا تستطيع الحكومة المضي بتنفيذ اتفاقياتها مع سوريا والأردن وتركيا لمد خطوط أنابيب جديدة، أو لإعمار خطوط قائمة.

حقول كركوك وبعض حقول نينوى تقع بصورة عامة تحت سيطرة البشمركة التي استغلت أحداث احتلال الموصل من قبل تنظيم الدولة الإسلامية فمدت نفوذها إلى تلك الحقول

ويضيف محسن أن الإقليم وقع 58 عقدا دون أي تخطيط أو موافقة من وزارة النفط، علما بأن معظم إنتاج الإقليم يتم من حقول كانت مكتشفة ومحفورة من لدن الوزارة في السابق. وتعاني الشركات العاملة هناك من نقص بالسيولة مما سبب تباطأ في أعمالها، وبيع بعض أصولها وما صاحب ذلك من انخفاض في أسعار أسهمها في السوق.

ودعا المتحدث إلى اعتماد أسلوب متكامل في تخطيط وتنفيذ المشاريع النفطية دون التحيز المناطقي، وأن تتصرف وزارة النفط بمهنية ووطنية لمصلحة كل العراقيين.

تطور طاقة تكرير النفط
وأما العرض المتعلق بالمصافي فقد قدمه كاتب هذه السطور، إذ استعرض التطورات منذ العام 2003، وبين تاريخ تطور الطاقة الكلية للتكرير.

فقد أخرت الحروب والحصار هذا القطاع بعد التدمير الذي لحقه في العدوان على العراق في 1991. وكان الإعمار عملا بطوليا بالرغم من تدني بعض مواصفات المنتجات بفعل الحصار، إذ لم يستطع العراق المضي بخطته المعدة لتحديث وتطوير وتوسيع المصافي. ومع ذلك فقبيل الاحتلال الأميركي كانت المصافي تعمل بـ88% من طاقتها، وكانت البلاد تصدر 150 ألف برميل يوميا من المنتجات.

وبزوال معوقات الحصار بعد العام 2003 لم تنطلق الخطة، خاصة ما يتعلق بإنشاء مصفى الوسط حيث كانت التصاميم كاملة وقد بوشر بأعمال الإنشاء في نهاية الثمانينيات وتدنت نسبة الاستفادة من الطاقة إلى 60% حتى الوقت الحاضر، مع استمرار التدني في مواصفات المنتجات وخاصة بالنسبة لأوكتين الغازولين ونسبة الكبريت في زيت الغاز.

واضطر العراق لاستيراد كميات متنامية من المنتجات الخفيفة عبر ميناء وقتي لا يفي بالكفاءة. وقد بلغ معدل استيراد تلك المنتجات 88 ألف برميل يوميا، وكلفت ما يقرب من أربعين مليار دولار كانت كافية لتحديث كل المصافي، وإضافة طاقات جديدة. كما وسعت الوزارة طاقة التكرير في الدورة والبصرة دون توسيع طاقات الوحدات اللاحقة لمعالجة المنتجات وتحسين مواصفاتها.

كما أعلنت الوزارة في 2010 نيتها بناء أربعة مصافي بطاقة إجمالية تبلغ 740 ألف برميل يوميا في مواقع اختيرت حتى قبل إجراء دراسات الجدوى، وكانت بعض المواقع غير مبررة بسبب الاستهلاك المحدود في المنطقة، والكلفة العالية في نقل المنتجات إلى أماكن الاستهلاك أو للتصدير. كما أصرت وزارة النفط على عرض هذه المشاريع للاستثمار ولكنها لم تستطع استقطاب شركات معتبرة لهذا النشاط.

معالجة الغاز وإشكالية الهدر
وتنطبق معاناة ووضع المصافي على معامل معالجة الغاز في الشمال، وخاصة في الجنوب. فالطاقة المتاحة في الموقعين يمكنها معالجة 16.5 مليار متر مكعب في السنة، إلا أن معدل استخدام هذه الطاقة بين عامي 2004 و2014 لم يتجاوز 44% مما يجعل تسعة مليارات متر مكعب تحرق هدرا.

وفي سنة 2014 قدر الغاز المهدر في الجنوب بما يزيد على 12 مليار متر مكعب أو ما يكافئ 208 آلاف برميل نفط يوميا، في وقت استهلكت فيه محطات الكهرباء الوقود السائل الممكن تصديره.

وقد كانت شركة غاز البصرة المؤسسة في 2011 بين العراق وشركتي شل وميتسوبيشي بطيئة في معالجة منشآت الغاز، ولم تتمكن من إنشاء طاقات جديدة تتماشى مع الزيادة في إنتاج النفط. ويستنتج من ذلك أن من الصعب تحديد أسبقيات المعالجة، إذ لا بد من الشروع بالعمل في كل الاتجاهات بزيادة الطاقة والتحديث ووقف هدر الغاز. إنه لعمل كبير ومضنٍ ولكن ليس هناك خيار آخر.
ـــــــــــــ
مدير عام سابق في وزارة النفط العراقية

المصدر : الجزيرة