أوروبا في مواجهة غازبروم

نينا خروشوفا

 

نينا خروشوفا

دأب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استخدام اعتماد أوروبا على غاز بلاده الطبيعي كسلاح ضغط في مجال السياسة الخارجية لسنوات، دون خوف من أن يرد الاتحاد الأوربي على تحديه حتى الآن.

لكن الاتحاد الأوروبي بإطلاقه قضية مكافحة احتكار ضد غازبروم، شركة الغاز العملاقة المملوكة للدولة الروسية، يرسل إشارة واضحة بأن حماقة بوتين لم تعد مخيفة كما كانت في السابق.

الطاقة في روسيا تحت مظلة بوتين
هجوم قانوني منسق

الطاقة في روسيا تحت مظلة بوتين
الرسالة التي وجهها المفوض الأوروبي للتنافسية، ومفادها أن قواعد السوق تسري على الجميع، هي رسالة اعتاد بوتين على تجاهلها لسنوات.

الاقتصاد الروسي يترنح بالفعل تحت وطأة العقوبات الغربية المفروضة رداً على ضم الكرملين شبه جزيرة القرم والاعتداءات المتواصلة بشرق أوكرانيا. ويتوقع أن ينكمش الإنتاج هذا العام بنحو 4%، وخُفضت تصنيفات الائتمان الروسية إلى درجة عالي المخاطر، أو شبه عالي المخاطر

فلطالما كان استناد بوتين إلى ذرائع اقتصادية وقانونية لتحقيق أهدافه السياسية سمة مميزة لحكمه. فمنذ أكثر من عقد، صادر الكرملين شركة يوكوس أويل التي كانت تنتج آنذاك 20% من إجمالي إنتاج روسيا من النفط، وسجن مؤسسها ميخائيل خودوركوفسكي لعشر سنوات، حيث لفقت له تهم التهرب الضريبي بعد أن تجرأ على معارضة بوتين.

وسرعان ما انضوى كل اللاعبين الرئيسيين في الاقتصاد الروسي القائم على الطاقة تحت مظلة بوتين السياسية، الأمر الذي مكنه من استخدام صادرات الدولة من النفط والغاز عصا جيوسياسية. أما دول الاتحاد الأوروبي التي لم يستطع إرهابها عسكرياً بسبب وجود الناتو، فكان يتودد إليها بالتخفيضات تارة، أو يعاقبها بزيادات كبيرة في الأسعار تارة أخرى.

ويُعد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أوفى أصدقاء بوتين في أوروبا (رغم رغبة رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس البادية في تغيير ذلك واقتناص اللقب) بينما لا ينفك قادة بولندا عن التحذير من احتمال أن تشكل روسيا مجدداً تهديداً للقارة. نتيجة لذلك، تتقاضى غازبروم من المجر 260 دولاراً أميركياً مقابل كل ألف متر مكعب من الغاز، بينما تدفع بولندا 526 دولارا، وهو أعلى سعر على مستوى الاتحاد الأوروبي.

لقد دفع البولنديون ثمناً باهظا، لكنهم كانوا محقين في مخاوفهم. فقد بدا إسقاط الرحلة 17 للخطوط الجوية الماليزية شرقي أوكرانيا في يوليو/تموز الماضي بمثابة بداية النهاية لسمعة روسيا كدولة متحضرة، كما هي الحال بالفعل الآن. كما تعقد حالياً في لندن جلسات المرافعات في قضية مقتل ألكسندر ليتفينينكو، وهو ضابط سابق منشق عن جهاز الاستخبارات السوفياتية (كيه جي بي). وفي بداية هذه المرافعات، ادعى المحامي الموكل من قبل أسرة ليتفينينكو أن الدليل بالقضية يقود إلى باب بوتين.

إن الاقتصاد الروسي يترنح بالفعل تحت وطأة العقوبات الغربية المفروضة رداً على ضم الكرملين شبه جزيرة القرم والاعتداءات المتواصلة في شرق أوكرانيا. ويتوقع أن ينكمش الإنتاج هذا العام بنحو 4%، كما خُفضت تصنيفات الائتمان الروسية إلى درجة "عالي المخاطر" أو "شبه عالي المخاطر".

والآن تحارب المفوضية الأوروبية بوتين بنفس سلاحه، إذ أنها بسعيها إلى معاقبة غازبروم لتلاعبها بأسعار الطاقة تصوب خنجراً إلى قلب نظامه.

هجوم قانوني منسق
علاوة على ذلك، فإن دعوى مكافحة الاحتكار التي أقامها الاتحاد الأوروبي تبدو جزءاً من هجوم قانوني منسق. ففي الشهر الماضي، قضت المحكمة الدائمة للتحكيم في لاهاي بأن تدفع روسيا خمسين مليار دولار أميركي لحاملي أسهم شركة يوكوس، وهو حكم يُنتظر تأييده عند الاستئناف. وقد بعث هذا الحكم في جوهره بذات الرسالة المقصودة من دعوى مكافحة الاحتكار المرفوعة ضد غازبروم، وهي أن القواعد تسري على الجميع، وأن الممتلكات المسلوبة لابد أن تُعاد إلى أصحابها.

سيجبر الاتجاه الذي تتبعه أوروبا بوتين على الخضوع للمساءلة عن أفعاله، شاء أم أبى, وقد لا يكون بوسع الاتحاد الأوروبي إعادة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا، لكن تحركاته القانونية من شأنها أن تمثل تحذيراً لبوتين من أن تكتيكات الذراع القوية لن تجدي طويلا

بالطبع، لن تستطيع أوروبا أن تتحمل بسهولة اقتطاع 30% من شحنات الغاز الطبيعي التي تصلها إذا أمر بوتين غازبروم بوقف أعمالها هناك. لكن هذا مستبعد على أية حال: حيث تشكل الموارد الطبيعية 70% من صادرات روسيا، وتمثل التحويلات من عوائد غازبروم وحدها 5% على الأقل من ميزانية روسيا. وخلال العقد الماضي، ساهم ارتفاع أسعار النفط والغاز في سرعة نمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي، الأمر الذي حافظ على شعبية بوتين، ووفر له الموارد لإعادة بناء قوة روسيا العسكرية، التي تستعرضها الآن في أوكرانيا.

بعبارة أخرى، فإن قدرة غازبروم (والحكومية الروسية) على تحمل خسارة السوق الأوروبي أقل من قدرة أوروبا على تحمل قطع إمدادات الغاز الروسي. وقد أثبتت المساومات الصعبة من جانب الصين، خلال بحث بوتين اليائس عن مشترين بدلاء، مدى حماقة أسلوب التهديد بوقف الصادرات.

رويداً رويدا تقترب لحظة حقيقة. إذ تسعى دول كثيرة في العالم إلى تقليل اعتمادها على موردي الطاقة المتقلبين أو عديمي الأخلاق، وذلك بتبني تقنيات جديدة مثل التكسير الهيدروليكي، أو زيادة المشتريات من أماكن مثل أستراليا والنرويج وقطر والولايات المتحدة، حيث خففت الأخيرة القيود على تصدير الموارد الطبيعية.
ـــــــــــــــــــ
عميدة بجامعة نيو سكول في نيويورك، وكبيرة زملاء المعهد العالمي للسياسات حيث تدير المشروع الروسي

المصدر : بروجيكت سينديكيت