تسهيلات إسرائيل للضفة.. ظاهر إنساني وجوهر سياسي

عوض الرجوب-رام الله
تثير التسهيلات التي أعلنها جيش الاحتلال الإسرائيلي لفائدة الفلسطينيين في الضفة الغربية بالتزامن مع احتجاز أموال الضرائب الفلسطينية تساؤلات حول مغزاها، وفيما إذا كانت ذات أبعاد إنسانية بحتة، أم تهدف إلى سحب البساط من تحت السلطة الوطنية الفلسطينية، والتواصل بشكل مباشر مع الجمهور الفلسطيني.
وأعلن جيش الاحتلال مؤخرا تخفيض سن الذين يحق لهم الحصول على تصاريح عمل في إسرائيل إلى 22 عاما، فضلا عن تمكين من هم فوق الخامسة والخمسين من دخول إسرائيل دون تصاريح. وتزامن ذلك مع إزالة عدد من الحواجز الإسمنتية والترابية في منطقتي الخليل وطولكرم.
وتأتي التسهيلات في وقت تحذر فيه دوائر أمنية إسرائيلية من انفجار الوضع بعد مضي نحو ثلاثة أشهر على حجز إسرائيل أموال الضرائب التي تجبيها نيابة عن السلطة الفلسطينية والمقدرة شهريا بنحو 130 مليون دولار، مما حال دون صرف كامل رواتب موظفي السلطة.
تخفيف وضغط
ورأى مختصون تحدثوا للجزيرة نت أن التسهيلات تأتي من باب التخفيف على المواطنين والضغط على السلطة عبر الإيحاء بإمكانية التواصل المباشر مع الفلسطينيين بعيدا عن السلطة، من خلال مكاتب الارتباط المنتشرة بمحافظات الضفة.

ويقول أستاذ الدراسات الإسرائيلية عادل شديد إن ظاهر خطوات الاحتلال إنساني، لكن جوهرها سياسي يندرج ضمن رؤية زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو بأن السلام الاقتصادي يؤدي لاستقرار أمني وسياسي، دون حل جذري للصراع.
وأضاف شديد أن سياسة الاحتلال بالمرحلة القادمة هي إيصال رسالة مباشرة للمواطن الفلسطيني بأن قيادته تضر به في حال استمرت بالتوجه للمؤسسات الدولية ومجلس الأمن الدولي ووقف التنسيق الأمني، وأن إسرائيل في المقابل أكثر حرصا على مصلحته، ومعنية بانهيار أوضاعه ومستعدة لإعطاء تسهيلات.
وقال المتحدث للجزيرة نت إن الهدف المتمثل في "خلق شرخ ودق إسفين ومسافة بين المواطن والمجتمع من جهة والسلطة من جهة ثانية" سيستمر إذا واصلت السلطة مساعيها لتدويل القضية الفلسطينية.
ولم يستبعد شديد أن تتراجع إسرائيل عن تسهيلاتها في أي مواجهة سياسية أو ميدانية قادمة، بما يوحي للمواطن أيضا بأن السلوك السياسي الفلسطيني يلحق الضرر به، وبالتالي إبعاده عن الشأن السياسي.
أموال الضرائب
وأشار شديد إلى رسالة أخرى من وراء حجز أموال الضرائب رغم تحذيرات الجهات الأمنية من عواقبها، وهي أن تل أبيب هي من يحدد صرف رواتب السلطة ومتى "فاستمرار الراتب مرتبط باستمرار السلطة كما هي".
وخلص إلى أن سياسة الاحتلال تستهدف إظهار السلطة بمظهر الضعيف المترهل أمام المجتمع، بينما الاحتلال هو الحاكم الفعلي وبإمكانه تجاوز السلطة والتعامل مع المواطنين مباشرة عبر مكاتب الارتباط ومنحهم تصاريح للعمل والتجارة بعيدا عن مؤسسات السلطة.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس دعا المجلس المركزي باجتماعه الأخير إلى إعادة النظر في دور السلطة الوطنية ووظائفها، وكذلك دراسة كيفية قيام سلطة وطنية ذات سيادة حقيقية، في حين قرر المجلس المركزي تحميل إسرائيل مسؤولياتها كافة، تجاه الشعب الفلسطيني في دولة فلسطين المحتلة، بصفتها سلطة احتلال وفقاً للقانون الدولي.

كما قرر المجلس المركزي وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع الاحتلال الإسرائيلي، في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، لكن هذه القرارات لم تنفذ.
سياسة الفصل
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أحمد رفيق عوض أن منح التسهيلات يُعد عقابا للسلطة، ومحاولة للفصل بينها وبين جمهورها، وذلك عبر استدراج الأخير لسوق العمل الإسرائيلية "فهو يسهل للجمهور ويحاصر السلطة ويضعفها… وهذا لا يتناقض مع حجز أموال الضرائب".
واعتبر عوض أن التسهيلات محاولة لامتصاص غضب الجمهور بناء على توصيات جهات أمنية نصحت نتنياهو بتخفيف حالة الاحتقان، ومنع انفجار قد ينشأ بسبب ارتفاع نسب البطالة والفقر.
وأضاف الأستاذ الجامعي أن خطة نتنياهو القادمة هي "إضعاف السلطة بما يحول دون تمكّنها من تدويل القضية الفلسطينية، واتخاذ قرارات قوية وسيادية" مؤكدا أن السلطة "في أزمة حقيقية ولا تستطيع أن تقف أمام جمهورها" وأن "التصدي لهذه السياسة يتطلب التوعية بإجراءات الاحتلال وكيف يدس السم في العسل".
وخلص عوض إلى أن اللجوء للخيارات الصعبة والمضي في التدويل يحتاج إلى تضحيات والتفاف جماهيري حول السلطة، والتي يتوجب عليها بأن تكون صريحة وشفافة ومنفتحة على الآخر، والقبول برعاية وقيادة جماعية للمصالح الوطنية.