أين العملة الخليجية الموحدة؟

صباح نعوش
أنجزت دول مجلس التعاون أهم الخطوات لبلوغ الاتحاد النقدي. لكن العملة الموحدة لم تصدر بعد لأسباب أغلبها غير جوهري. وتقود العملة الموحدة إلى ادخار عمولة الصرف التي يدفعها الأشخاص حالياً لقاء تحويل عملة محلية إلى عملة محلية أخرى بسبب انتقالهم من بلد إلى آخر في منطقة الخليج. وهذا المكسب مهم لأن 48% من الخليجيين المسافرين إلى خارج بلدانهم يذهبون إلى دول خليجية. وسوف ترتفع هذه النسبة في المستقبل لعدة أسباب من بينها القطار الخليجي الذي سيدشن في عام 2018.
كما سيساعد اختفاء العمولة على تنمية التجارة البينية سواء تعلق الأمر بالسلع أو بالخدمات.
ففي عام 2013 بلغت الصادرات الخليجية البينية 121.2 مليار دولار وهي ترتفع سنويا. لاشك أن هذا الحجم لا يشكل سوى 11.4% من التجارة الخارجية لدول مجلس التعاون مقابل تجارة بينية في منطقة اليورو قدرها 62.8%.
بيد أن هذه النسبة المتدنية للتجارة البينية الخليجية لا تمثل عنصراً سلبياً بل تعني ضعف المكاسب التي يمكن لبلدان الخليج تحقيقها من العملة الموحدة قياساً بالمكاسب التي تجنيها الدول الأوروبية من اليورو.
ومن زاوية أخرى ستحقق العملة الخليجية الموحدة شفافية عالية في الأسعار وبالتالي ترتفع المنافسة لصالح المستهلكين. في الوقت الحاضر تتطلب مقارنة أسعار سلعة معينة تباع في بلدان خليجية إجراء عدة عمليات حسابية لتعادل العملات. أما بعد ظهور العملة الموحدة فلن يحتاج الشخص إلى مثل هذه الحسابات. أي سوف تسهم العملة الموحدة في زيادة المبادلات الخليجية البينية خاصة بعد انتشار الإنترنت وتسهيلات الدفع بالبطاقة المصرفية وتقدم الخدمات البريدية ومنح الإعفاء الجمركي.
إنجازات التعاون الخليجي
معايير التقارب
القرارات السياسية الأوروبية
مشاكل هامشية
إنجازات التعاون الخليجي
بالنظر لهذه المكاسب أنجزت دول مجلس التعاون عدة خطوات ضرورية للعملة الموحدة.
أنجزت دول مجلس التعاون أهم الخطوات لبلوغ الاتحاد النقدي لكن العملة الموحدة لم تصدر بعد لأسباب أغلبها غير جوهري |
فمن حيث أسعار الصرف تلتزم جميع دول المجلس بأحكام المادة الثامنة من اتفاقية صندوق النقد الدولي المتعلقة بتحرير العملة. كما تتبنى العملات الخليجية الحالية نظام التثبيت مقابل الدولار الذي سيسهل تحديد قيمة العملة الموحدة. لاشك أن الكويت خرجت عن هذه القاعدة باعتمادها على سلة عملات بدلا من الدولار. ولكن من الناحية العملية تستحوذ العملة الأميركية على حصة الأسد في مكونات هذه السلة.
وعلى الصعيد القانوني شرعت دول المجلس أنظمة مشتركة تتعلق بالمياه والزراعة والصناعة والسياحة وبراءات الاختراع والعلامات التجارية والإغراق.
ومن الزاوية التجارية تم إنشاء منطقة التجارة الحرة التي أفضت في عام 2003 إلى اتحاد جمركي خليجي. أصبحت المبادلات البينية معفية من الرسوم الجمركية والمبادلات الخارجية خاضعة لسعر موحد قدره 5%. كما قررت دول المجلس إنشاء السوق الخليجية المشتركة.
ومن حيث المؤسسات استحدثت لجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية عام 1983 لتنسيق السياسات النقدية. كما أسست اللجنة الفنية للاتحاد النقدي والاقتصادي في عام 2002 والتي تهتم بقضايا هذا الاتحاد بما فيها معايير التقارب.
وفي عام 2008 صادقت دول خليجية على اتفاقية الاتحاد النقدي التي تتضمن عدة أحكام أهمها استحداث المجلس النقدي الذي سيتحول إلى بنك مركزي خليجي وسيشرف على العملة الموحدة. ويتكون المجلس النقدي من البنوك المركزية للدول الأعضاء في الاتحاد النقدي ويتمتع بالاستقلال عن وزارات الدول الأعضاء. ويجتمع على الأقل ست مرات في السنة ويتخذ قراراته بالإجماع.
كما حقق الخليجيون خطوة على درجة كبيرة جدا من الأهمية وهي الموافقة على خمسة معايير للتقارب الاقتصادي.
معايير التقارب
التقارب هو تقليص التباين الاقتصادي بين الدول وفق مؤشرات محددة تحديداً دقيقاً. فكلما ازداد التقارب تحسنت الأسس التي يقوم عليها الاتحاد النقدي.
سعر الفائدة: يجب أن لا يزيد على معدل أدنى ثلاثة أسعار في دول المجلس مع إضافة نقطتين مئويتين. وهذا المعيار متحقق حالياً في جميع هذه الدول لأن أسعار الفائدة قصيرة الأجل لا تتجاوز 1% أي أقل من النقطتين المضافتين.
التضخم: يتعين أن لا يزيد على معدل التضخم في دول المجلس مع إضافة نقطتين مئويتين. ومعدلات التضخم في هذه الدول متقاربة وتقل عن 4%.
الديون العامة: ينبغي أن لا تزيد على 60% من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الصعيد العملي لا تعاني دول المجلس من الديون بل أنها بالدرجة الأولى دائنة.
الاحتياطي الرسمي: لابد من أن يغطي مبلغ السلع المستوردة لمدة لا تقل عن أربعة اشهر. وهذا المعيار متحقق في الدول الموقعة على اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي.
الميزانية العامة: يجب أن لا يزيد العجز المالي عن 3% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا هو المعيار الأهم لكنه غير متحقق في عام 2015.
باستثناء الاحتياطي الرسمي نلاحظ أن معايير التقارب الخليجية منقولة نقلاً حرفياً عن معايير التقارب الأوروبية.
إن تحديد نسبة كل معيار خليجي بما يساوي تماماً نسبة كل معيار أوروبي أمر مرفوض. إذ تختلف مالية واقتصاديات المنطقتين الخليجية والأوروبية اختلافاً كبيراً ولا تتشابه مشاكلهما وأولوياتهما. لذلك فإن معايير التقارب الأوروبية لا تصلح لدول الخليج. كما نلاحظ التحديد المشوه لبعض المعايير.
فعلى سبيل المثال يراد من معيار أسعار الفائدة في منطقة اليورو تقليص كلفة الحصول على القروض طويلة الأجل في سبيل رفع المقدرة الاستثمارية للشركات فيزداد الاستهلاك ويتحسن النمو وتتراجع البطالة. في حين ينصرف المعيار الخليجي إلى أسعار الفائدة قصيرة الأجل (اقل من ثلاثة أشهر) التي لا علاقة لها بالمقدرة الاستثمارية بل بتحقيق أرباح سريعة فقط. وهذه الأسعار لا تحتاج أساساً إلى معيار في دول المجلس لأنها مرتبطة بأسعار الفائدة على الدولار حالها في ذلك حال أسعار الصرف الثابتة.
والمعيار المالي الذي لم يكن منسجماً مع الوضع المالي الخليجي لم يعد منسجماً معه حاليا. فقد أدى هبوط أسعار النفط في الآونة الأخيرة إلى عجز مالي خليجي بلغ معدله 6.3% في عام 2015 أي أكثر من ضعف نسبة العجز المسموح بها في المعيار. يخلق هذا الوضع اضطراباً من شأنه تأجيل تداول العملة الموحدة.
القرارات السياسية الأوروبية
لكن واضعي السياسة النقدية الخليجية المستقبلية الذين نقلوا حرفياً معايير التقارب الأوروبية لم يقلدوا منطقة اليورو عندما يتعين عليهم تقليدها. لعبت القرارات السياسية الأوروبية دوراً بارزاً في تجاوز الصعاب من أجل ظهور اليورو.
من المشاكل الثانوية التمسك بالعملة المحلية بحجة أنها تمثل التقاليد والحضارة والتاريخ بل والسيادة أيضاً. |
فرغم أهمية معايير التقارب نصت معاهدة ماستريخت على إمكانية قبول الدولة في الاتحاد النقدي إذا بذلت جهوداً لتحسين التقارب. وهكذا أفضت هذه المرونة الناجمة عن اعتبارات سياسية واضحة إلى قبول غالبية الدول الأوروبية التي لم ينطبق عليها المعيار المالي.
بل انتمت اليونان إلى منطقة اليورو رغم أن جميع المعايير لم تنطبق عليها. يتعين إذاً على دول المجلس عدم اعتبار الوضع المالي الحالي عقبة كبيرة أمام العملة الموحدة خاصة وأن مشكلة هبوط أسعار النفط مرحلية.
كما وضعت الدول الأوروبية جدولاً زمنياً محدداً لجميع مراحل الانتقال إلى اليورو. احترم هذا الجدول وطبق بحذافيره. في حين اتخذت دول المجلس قراراً بتداول العملة الموحدة بحلول عام 2010 لكنها لم تنفذ ذلك.
مشاكل هامشية
لا توجد حتى اليوم تسمية رسمية للعملة الخليجية الموحدة الأمر الذي يشير إلى خلافات حول هذه النقطة غير الجوهرية.
وقد اقترحت عدة أسماء منها خليجي وكرم والدينار الخليجي. ويبدو أن التسمية الأخيرة هي الأفضل لأربعة أسباب على الأقل: أولها إن كلمة الدينار وردت في القرآن الكريم (سورة آل عمران). وثانيها أن الدينار هو الاسم الذي أطلقه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان على أول عملة عربية إسلامية. وثالثها أن عملات سبع دول عربية تحمل هذا الاسم. ورابعها أن الوحدة الحسابية المستخدمة في صندوق النقد العربي هي الدينار العربي كما أن الوحدة الحسابية للبنك الإسلامي للتنمية هي الدينار الإسلامي.
أما الخلاف السطحي الثاني فيتعلق بمقر البنك المركزي الخليجي.
الإمارات أول دولة أبدت رغبتها في استضافة هذا البنك باعتبارها من المراكز التجارية المرموقة على الصعيدين الخليجي والعالمي. لكن المادة الرابعة من اتفاقية الاتحاد النقدي المذكورة آنفاً اتخذت من الرياض مقراً لهذا البنك.
أسهم هذا الوضع في انسحاب الإمارات من هذه الاتفاقية أي من العملة الموحدة. وأصبح كل طرف متمسكاً بقوة بموقفه في حين يتعين النظر إلى هذه المسألة بمنظار المصلحة المشتركة. فمن غير المنطقي التضحية بعضوية الإمارات في الاتحاد النقدي من أجل أن تكون الرياض مقراً للبنك. ومن غير المقبول خروج الإمارات من هذا الاتحاد لمجرد أن يتخذ البنك من الرياض مقراً له.
إن تحديد دولة المقر لا ينبني على المكانة المصرفية للدولة بل على اتفاق الأطراف.
لاشك أن مقر البنك المركزي الأوروبي يقع في مدينة فرانكفورت أي في أكبر بلد من الناحية الاقتصادية في منطقة اليورو. وهذا يعطي دعماً للرياض. لكن السعودية تحتضن أيضاً أجهزة مجلس التعاون الأخرى خاصة الأمانة العامة في حين لا تقع مقرات أغلب الأجهزة الأوروبية بما فيها المفوضية في الدول الأوروبية الكبرى بل في بلجيكا ولكسمبورغ.
ومن المشاكل الثانوية التمسك بالعملة المحلية بحجة أنها تمثل التقاليد والحضارة والتاريخ بل والسيادة أيضاً.
والواقع أن العملات المتداولة حالياً في دول المجلس حديثة جداً حيث ظهرت في الستينيات من القرن المنصرم. علماً بأن المشكلة الأساسية لا ترتبط بقدم العملة بل بتداعيات استبدالها بعملة موحدة.
وافقت فرنسا مثلاً على استبدال الفرنك باليورو رغم أن أصول الفرنك تعود إلى منتصف القرن الرابع عشر. وتبنت اليونان اليورو رغم أن الدراخما يعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد.
وإذا كانت العملة المحلية رمزاً للسيادة الوطنية فإن الجمرك أيضاً رمز لهذه السيادة. عندئذ يصبح من غير المنطقي الموافقة على تطبيق تعريفة جمركية موحدة منذ عام 2003 وعدم الموافقة على تداول عملة خليجية موحدة لحد الآن.
لكن هنالك عقبتين أساسيتين أمام العملة الخليجية الموحدة. الأولى عدم تفعيل السوق المشتركة والثانية خروج الإمارات وعمان من الاتحاد النقدي الخليجي.
الاتحاد النقدي مرحلة متقدمة جداً من مراحل التكامل الاقتصادي ويتطلب سوقاً مشتركة بين أعضائه.
هناك عقبتان أساسيتان أمام العملة الخليجية الموحدة، الأولى عدم تفعيل السوق المشتركة والثانية خروج الإمارات وعمان من الاتحاد النقدي الخليجي " |
لقد قررت دول المجلس إنشاء هذه السوق اعتباراً من عام 2008. ومن المعلوم أنها تتطلب تساوي جميع المواطنين الخليجيين في القيام بأي نشاط اقتصادي ومزاولة أية مهنة في أي بلد خليجي سواء تعلق الأمر بالزراعة أم بالصناعة أم بالخدمات. ولهم معاملة مماثلة في ملكية العقارات والأسهم. وتستوجب السوق المشتركة كذلك التحرير الكامل لانتقال رؤوس الأموال والتنسيق في الميادين الضريبية. كما يتعين منح الحرية لانتقال اليد العاملة بين الدول الأعضاء. ولكن لم تشرع أنظمة وقوانين لتنفيذ أغلب هذه المتطلبات. عندئذ يصبح قرار إنشاء السوق الخليجية المشتركة حبراً على ورق وبالتالي يتأخر إصدار العملة الموحدة.
أما العقبة الثانية فهي عدم وجود إجماع خليجي حول العملة الموحدة. يستحسن إذاً إيجاد الصيغة الملائمة للجميع كأن تقوم البلدان الموقعة على اتفاقية الاتحاد النقدي (السعودية وقطر والبحرين والكويت) بإصدار العملة الموحدة فتصبح بعد المرور بمرحلة انتقالية العملة الرسمية الوحيدة القابلة للتداول.
أما الإمارات وعمان فتستمر كل منهما بالتعامل بالعملة المحلية لكنهما تمنحان موافقتهما لتداول العملة الموحدة في أسواقهما.
إن هذا المقترح يحقق رغبة المجموعة الأولى في إصدار العملة الموحدة. أما المجموعة الثانية فتبقى متمسكة بعملتها المحلية وسياستها النقدية الحالية وربما تغير موقفها في المستقبل لتنضم إلى الاتحاد النقدي إن وجدت مكاسب اقتصادية مجدية لها. ولن يسبب استخدام عملتين في الإمارات وعمان أي ارتباك أو تعقيد في المعاملات اليومية لأن جميع عملات الخليج المحلية والموحدة ستكون مرتبطة بأسعار صرف ثابتة مقابل الدولار وبالتالي بأسعار ثابتة بينها.
لم تصدر حتى الآن العملة الخليجية الموحدة لأسباب ترتبط بالإرادة السياسية بالدرجة الأولى. إذ يكفي تشريع بعض الأنظمة لاستكمال السوق المشتركة والإعلان الرسمي عن ميلاد هذه العملة.
ــــــــــــــــ
باحث اقتصادي عراقي