الشركات وتزايد المخاطر المائية

الشركات وتفاقم المخاطر المائية

undefined

أندرو ستير

– تكاليف متصاعدة
– تحليلات وتوقعات
– من صميم العمل التجاري

إن قضية المياه لا تغيب أبداً عن الأخبار هذه الأيام، فقد شهدت منطقة شمال الهند هذا الصيف واحداً من أعنف مواسم الرياح الموسمية منذ ثمانين عاما، والتي حصدت أرواح أكثر من ثمانمائة إنسان وأرغمت مائة ألف آخرين على هجر ديارهم.

 
وفي الوقت نفسه واجهت منطقة وسط أوروبا أسوأ فيضانات منذ عقود بعد أمطار غزيرة رفعت مستويات أنهار كبرى مثل الألب والدانوب. وفي الولايات المتحدة ما يزال قرابة نصف سكان البلاد يعانون من الجفاف، في حين سجلت الأمطار الغزيرة أرقاماً قياسية في شمال شرق البلاد، ودمرت المحاصيل في الجنوب، وطالت أخيراً ولاية كولورادو.

وقد بدأت الشركات تنتبه إلى المخاطر المتصاعدة التي تفرضها المياه -سواء بوفرتها المفرطة أو ندرتها- على عملياتها وأرباحها، ففي المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هذا العام وصف الخبراء خطر المياه بأنه واحد من أربعة مخاطر هي أكبر ما تواجه الشركات في القرن الحادي والعشرين.

وعلى نحو مماثل أفاد 53% من مسؤولي الشركات التي شملتها دراسة الاستقصاء التي أجراها مشروع الكشف عن الكربون، بأن المخاطر المتمثلة في المياه بدأت بالفعل في حصد القتلى، بسبب الأضرار التي تلحقها بالممتلكات، وارتفاع الأسعار وسوء نوعية المياه وتعطل الأعمال واضطرابات في سلسلة التموين.

تكاليف متصاعدة
وما تزال تكاليف مخاطر المياه في تصاعد مستمر، إذ تشير تقديرات دويتشه بنك سيكيوريتيز إلى أن الجفاف الأخير في الولايات المتحدة، والذي أثر على 32 ولاية أميركية، من شأنه أن يخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو نقطة مئوية واحدة. ويسهم تغير المناخ والنمو السكاني وغيرهما من العوامل في رفع مستوى المخاطر.

تقديرات دويتشه بنك سيكيوريتيز تشير إلى أن الجفاف الأخير في الولايات المتحدة، والذي أثر على 32 ولاية أميركية، من شأنه أن يخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو نقطة مئوية واحدة

إن نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي يتم إنتاجه فعلياً في مناطق تعاني من ندرة المياه، ووفقاً للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية ففي غياب الإدارة الأكثر استدامة لموارد المياه قد ترتفع الحصة إلى 45% بحلول عام 2020، الأمر الذي يعرض قسماً كبيراً من الناتج الاقتصادي العالمي للخطر.

وتدرك الشركات أن إستراتيجيات إدارة المخاطر السليمة تعتمد على بيانات ثابتة، وعندما يتعلق الأمر بالمخاطر المالية فإن خبراء البيانات لديهم القدرة على الوصول إلى كميات هائلة من المعلومات، ولكن الأمر لم ينطبق على التعامل مع مشكلة المياه إلى غاية الآن.

وقد انضم معهد الموارد العالمية إلى شركات مثل غولدمان ساكس وجنرال إليكتريك وشركة شل لتطوير منبر على الإنترنت تحت اسم "أكوادكت" للمساعدة في قياس مخاطر المياه ورسم خرائط لها، ويستخدم هذا المنبر أحدث البيانات وتقنيات تصميم النماذج لتقديم صورة مفصلة وواضحة عن مخاطر المياه في مختلف أنحاء العالم. وبفضل هذه البيانات سيصبح بوسع الشركات أن تتخذ قرارات أفضل وأكثر استنارة.

على سبيل المثال، جمع مركز أبحاث أمن الطاقة -وهو منظمة غير ربحية- بين خرائط الإجهاد المائي (تجاوز الطلب على الماء الكمية المتوفرة منه) التي أعدها منبر أكوادكت ومجموعة من بيانات التكسير الهيدروليكي (من موقع FracFocus.org) لكي يجد في النهاية أن ما يقارب نصف آبار الزيت والغاز الصخري في الولايات المتحدة تقع في مناطق تعاني من إجهاد مائي مرتفع.

تحليلات وتوقعات
وفي أوائل العام المقبل، يعتزم منبر أكوادكت تقديم توقعات خاصة بالإجهاد المائي استناداً إلى أحدث التحليلات العلمية، بما في ذلك التأثيرات المتوقعة لتغير المناخ. وقد بدأت حاليا شركات كبرى تحصل بالفعل على بيانات حول المخاطر المائية، فقد طلبت شركة ماكدونالدز على سبيل المثال من أكثر من 350 من أكبر مورديها أن يعدوا تقارير عن درجة تعرضهم لمخاطر المياه باستخدام البيانات التي توفرها أداة منبر أكوادكت.

والواقع أن دمج مخاطر المياه مع بطاقة الأداء البيئي التابعة لشركة ماكدونالدز يشكل خطوة مهمة في إشراك الموردين، ليس فقط بشأن كفاءة استخدام المياه، بل أيضاً في الإشراف العام، بما في ذلك التعاون مع أصحاب المصلحة المحليين في مناطق تجمع المياه.

وتعمل شركة الملابس العالمية "إتش آند أم" على الحد من المخاطر المتعلقة بنوعية المياه في سلسلة التموين الخاصة بها، ومن خلال برنامج أسمته "إنتاج أنظف" تعمل الشركة مع منظمات العمل الأهلي غير الحكومية في بنغلاديش والصين على تنفيذ تحسينات موفرة للتكاليف، وتعمل على التقليل من تأثير مصانع النسيج التابعة لها على نوعية المياه المحلية.

شركات كبرى بدأت تحصل على بيانات حول المخاطر المائية، فقد طلبت شركة ماكدونالدز من أكثر من 350 من أكبر مورديها أن يعدوا تقارير عن درجة تعرضهم لمخاطر المياه

وفي خطوة مشابهة، تستهدف شركة المشروبات سابميلر خفض حجم المياه المستخدمة في إنتاج البيرة بين عامي 2008 و2015 بنسبة الربع، وهي تعمل الآن على تعزيز مرونتها في استخدام المياه في مختلف عملياتها العالمية. ومن خلال "شراكة مستقبل المياه" حددت الشركة مرافقها التي تقع في مناطق تواجه مخاطر خاصة بأمن المياه، وأنشأت شراكات في نقاط تجمع المياه للتصدي لهذه المخاطر.

من صميم العمل التجاري
والرسالة هنا واضحة مفادها أن إدارة مخاطر المياه تتحول الآن إلى ممارسة معتادة من صميم العمل التجاري، والواقع أن أكثر من تسعين موقعاً على مبادرة (CEO Water Mandate) التابع لميثاق الأمم المتحدة العالمي تعهدوا بتطوير وتنفيذ سياسات من أجل استدامة المياه والممارسات المرتبطة بها، وإنجاز تقارير عن الأمر سواء في عمليات شركاتهم أو شركات الموردين المتعاملين معهم، إضافة إلى العمل مع المعنيين بالأمر من أجل التصدي لمخاطر المياه. وتؤكد الشركات الرائدة أن الإدارة المستدامة لموارد المياه تعود بالفائدة على جميع المشاركين.

ورغم أن العديد من المديرين التنفيذيين استخفوا تقليدياً بمقدار المخاطر الناجمة عن تغير المناخ وتدهور الموارد، فإن فهم المخاطر المتعلقة بالمياه -والعمل على الحد منها- هو مجرد وسيلة واحدة تبدأ بها الشركات في سبيل دمج إدارة الموارد الطبيعية في إستراتيجياتها وعملياتها الأساسية.

ويستثمر قادة الأعمال الأذكياء في أدوات جديدة قادرة على توفير بيانات شاملة وحديثة، وتتجه الشركات بشكل متزايد إلى ما هو أبعد من مجرد الاعتراف بالمخاطر الطبيعية، حيث شرعت في تطوير إستراتيجيات لمواجهة هذه المخاطر. ومع تزايد عدد الشركات التي تنخرط في هذا الاتجاه فإن المتلكئين سيجدون أنفسهم عاجزين عن المنافسة، وسوف يضطرون هم أيضاً إلى العمل قبل أن يأتي الطوفان القادم أو موجة الجفاف التالية.

ــــــــــ
رئيس معهد الموارد العالمية ومديره التنفيذي

المصدر : بروجيكت سينديكيت