الأمن الغذائي بمصر

epa03215537 Egyptians harvest wheat to be send to mills at Sharqiya governorate 140 km north east Cairo in Egypt s fertile Delta region 11 May 2012. Egypt has been affected by increasing unrest in the country over rising food costs.Egypt spends billions of dollars on wheat purchases every year even as the economy falters and foreign reserves tumble after the uprising that toppled president Hosni Mubarak in February 2011. Wheat purchases are crucial to Egypt s more than 80 million people. Wheat is used to make subsidized bread that allows millions to survive on low pay. Egyptians pay as little as 5 Piasters (less than one US cent) to buy saucer-sized flat loaves of 130g each. EPA/KHALED ELFIQI

undefined

عبدالحافظ الصاوي

مقومات إنتاج الغذاء
تحديات الغذاء بمصر

يعد الأمن الغذائي من قضايا الأمن القومي، ولذلك تعمل الدول على تحقيق أمنها الغذائي قدر المستطاع من خلال إنتاجها المحلي، نظرًا لما يعتري المصادر الخارجية من مخاطر التقلبات الاقتصادية والسياسية.

وعادة ما توجه الدول سياساتها الزراعية والغذائية لتوفير السلع الإستراتيجية من المصادر المحلية، إلا إذا كانت الدولة مشاركة في تجمع إقليمي يسمح بتوفير احتياجاتها، من الغذاء بشكل آمن، وفي إطار المزايا النسبية التي تحكم سياسات الإنتاج بهذه التجمعات.

والأمن الغذائي -بمعناه البسيط- هو إتاحة الدولة الغذاء لأفرادها بالكميات المطلوبة وبالأسعار المناسبة على مدار العام، سواء تحقق ذلك من خلال مصادر محلية أو خارجية.

يعمل بمصر نحو 6.6 ملايين فرد في القطاع الزراعي، على مساحة من الأراضي الزراعية تقدر بنحو 8.5 ملايين فدان، ويساهم قطاع الزراعة بنحو 14.8% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي.

وتعاني مصر في تحقيق أمنها الغذائي من مشكلات الاعتماد على الخارج لتوفير العديد من السلع الغذائية الإستراتيجية مثل القمح والسكر والزيوت، مما يتسبب في تفاقم مشكلات دعم الغذاء، والعجز في ميزان المدفوعات، واستنزاف احتياطيات النقد الأجنبي.

مقومات إنتاج الغذاء
تتوفر لمصر العديد من المقومات التي تساعدها على تحقيق أمنها الغذائي بشكل أفضل مما هو الحال الآن، سواء كانت هذه المقومات تتعلق بالموارد والإمكانيات الزراعية، أو بتبني سياسات من شأنها زيادة كميات المحاصيل الزراعية والغذائية.

وفيما يلي نتناول هذه المقومات:

– الإمكانيات الزراعية
يعمل بمصر نحو 6.6 ملايين فرد في القطاع الزراعي، على مساحة من الأراضي الزراعية تقدر بنحو 8.5 ملايين فدان، ويساهم قطاع الزراعة بنحو 14.8% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي.

وحسب بيانات العام المالي 2011/2012، بلغت مساهمة القطاع الزراعي 218 مليار جنيه مصري في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي البالغ 1.4 تريليون جنيه.

كما بلغت الاستثمارات المنفذة في قطاع الزراعة بنفس العام نحو 5.3 مليارات جنيه، منها 2.67 مليار جنيه استثمارات للقطاع الحكومي والعام، ونحو 2.69 مليار جنيه للقطاع الخاص. إلا أنه لوحظ أن نصيب الاستثمارات في قطاع الزراعة ضعيف كنسبة من إجمالي الاستثمارات المنفذة خلال عام 2011/2012، إذ بلغ مجمل هذه الاستثمارات نحو246.1 مليار جنيه. ولذلك يحتاج الأمر إلى المزيد من التركيز والتنشيط للاستثمارات في قطاع الزراعة.

السياسات الزراعية
ثمة مجموعة من السياسات الخاصة بإنتاج الغذاء في مصر من شأنها أن تساعد على مواجهة أزمة الغذاء، منها استمرار السياسة المتبعة منذ عامين في وزارة التموين لتشجيع زراعة القمح، من خلال رفع سعر توريد القمح المحلي ليصل إلى400 جنيه للأردب، مما يجعل زراعة القمح بالنسبة للفلاح مجزية اقتصاديًا، ولا يفضل التوجه لإنتاج محاصيل أخرى.

وكذلك العودة إلى ما يعرف بالتركيب المحصولي، ليساعد ذلك على توجه السياسة الزراعية إلى إنتاج محاصيل الغذاء الزراعية، على أن يكون ذلك متناسبًا مع طبيعة إمكانيات كل محافظة من حيث مساحة الأراضي، وتوفير المياه. ولعل التوجه الموجود الآن لدى الحكومة المصرية -من تبني برامج لاستصلاح مساحات جديدة بسيناء والساحل الشمالي والواحات- يساعد على توفير أراض جديدة، يتم التركيز فيها على إنتاج الحبوب والزيوت النباتية. وسوف يتم من خلال التركيب المحصولي تحقيق التوازن في إنتاج الغذاء لكل من الإنسان والحيوان على السواء، دون وجود جور على إنتاج كلا الصنفين.

أيضًا لابد من تلافي السياسة الزراعية التي اتبعت قبل الثورة، حيث تخلت الحكومة تمامًا عن دعم المزارعين، وغاب الإرشاد الزراعي بنسبة كبيرة، مما ضيع جهودا كبيرة مبذولة بمراكز الأبحاث الزراعية لتطوير المحاصيل الزراعية بمصر، لكي تكون أكثر إنتاجية.

ومن خلال مراكز البحوث، من السهل العودة لإنتاج البذور في مصر بدلا من استيرادها من الخارج، وهو ما أصاب الاقتصاد المصري بضررين بالغين، هما فساد التربة المصرية من خلال أصناف البذور المستوردة، وزيادة العجز بميزان المدفوعات.

التحديات التي تواجهها مصر في مجال الغذاء -في غالبيتها- تتعلق بالسياسات المتبعة في المجال الاقتصادي بوجه عام، وفي المجال الزراعي بشكل خاص، ولم تكن هناك جهود جادة لتقليص حجم هذه التحديات، أو التغلب عليها.

ولدى مصر بنية مؤسسية جيدة بمجال التعاونيات الزراعية، ولكنها تحتاج إلى إعادة تفعيل، بعد ما أهملت الفترة الماضية، وعلى أن يكون نشاطها مبنيا على أسس اقتصادية، وبعيدا عن تلقي الدعم الحكومي المباشر. وسوف يؤدي ذلك إلى تكوين شركات تابعة للتعاونيات الزراعية، تساعد في اتباع نظم زراعة وإنتاج وحصاد أفضل من خلال "الميكنة" الحديثة، لتوفير المفقود الكبير في الإنتاج الزراعي، والذي يقدر بنحو 30% في ظل أساليب الإنتاج التقليدية المتبعة الآن بالزراعة المصرية.

تحديات الغذاء بمصر
التحديات التي تواجهها مصر في مجال الغذاء في غالبيتها تتعلق بالسياسات المتبعة في المجال الاقتصادي بوجه عام، وفي المجال الزراعي بشكل خاص، ولم تكن هناك جهود جادة لتقليص حجم هذه التحديات، أو التغلب عليها.

وفيما يلي بعض هذه التحديات:
– تواضع الاكتفاء الذاتي

تتضح أهمية ضخ المزيد من الاستثمارات في قطاع الزراعة بمصر، إذا ما علمنا أن نسب الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الإستراتيجية متواضعة، فحسب بيانات عام 2011، بلغت نسب الاكتفاء الذاتي من محصول القمح 48.8 %، وتعد مصر المستورد الأول للقمح على مستوى العالم، بحجم استيراد يصل إلى نحو ستة ملايين طن سنويا.

وتصل نسبة الاكتفاء الذاتي من محصول الذرة الشامية 51%، ومن محصول الأرز 98%، مع ملاحظة أن السنوات السابقة على عام 2011 كانت مصر تحقق فيها فائضًا بمحصول الأرز، وكانت قد توقفت عن تصديره على مدار السنوات الخمس الماضية، إلا أنها عاودت فتح باب التصدير للأرز في عام 2012.

وتتدنى نسبة الاكتفاء الذاتي من محصول الفول لتصل إلى 37.3%، ويعد الفول من الوجبات الشعبية في مصر، حيث تعتمد نسبة كبيرة من المواطنين عليه كوجبة غذائية إلى جانب الخبز. أما العدس فتصل نسبة الاكتفاء الذاتي منه في نفس العام إلى 2.2%.

أما الزيوت النباتية فتعاني مصر فيها من نقص شديد وتعتمد على استيرادها بنسب كبيرة، وتصل نسبة الاكتفاء الذاتي منها حدود 20%، أما السكر فتصل نسبة الاكتفاء الذاتي منه نحو 48%.

إلا أن مصر تحقق اكتفاءً ذاتيًا في بعض المحاصيل تصل إلى نسبة 100%، مثل البطاطس، والخضروات الطازجة، والموالح، والفواكه الطازجة، وتعد هذه المحاصيل من المحاصيل التصديرية لمصر، وبخاصة إلى دول الاتحاد الأوروبي ودول الخليج.

أما اللحوم بأنواعها، فإن مصر لم تصل فيها بعد إلى مستوى الاكتفاء الذاتي الكامل، إلا أن معدلات الأداء فيها لابأس بها، فاللحوم الحمراء تصل نسب الاكتفاء الذاتي منها 82.2%، والدواجن 97%، والأسماك الطازجة 89.3%.

-عجز الميزان التجاري للغذاء
تبين الأرقام الخاصة بالفترة من عام 2000 وحتى 2010 وجود عجز في الميزان التجاري للسلع الزراعية في مصر. ففي عام 2000 بلغت الصادرات الزراعية في مصر 509 ملايين دولار، بينما بلغت الواردات 3 مليارات دولار، وفي عام 2005 بلغت الصادرات الزراعية 1.1 مليار دولار، بينما بلغت الواردات الزراعية 3.9 مليارات دولار، وفي عام 2010 بلغت الصادرات 4.6 مليارات دولار، بينما بلغت الواردات نحو 8.6 مليارات دولار. وبذلك يتضح أن الميزان التجاري للسلع الزراعية يعاني من عجز مزمن يتراوح ما بين 3 مليارات دولار و4 مليارات دولار سنويًا.

وتشير بيانات عام 2011/2012 إلى أن المواد الغذائية تمثل 8.5% من حجم التبادل التجاري الكلي لمصر البالغ 77.8 مليار دولار، حيث بلغت الصادرات الغذائية لمصر 1.2 مليار دولار، في حين بلغت الواردات الغذائية 5.4 مليارات دولار.

أما إذا تناولنا وضع الحبوب، فنجد أنها تمثل نسبة 5.5% من إجمالي التبادل التجاري لمصر، وبلغت صادرات مصر من الحبوب 0.2 مليار دولار، بينما بلغت الواردات 4.1 مليارات دولار.

-دعم الغذاء
يحتل دعم الغذاء بندًا رئيسيًا في الموازنة العامة المصرية، وبخاصة ما يتعلق بدعم الدقيق وما يسمى السلع التموينية، وهي تلك السلع الأساسية التي تصرف على بطاقات التموين من سلع أساسية مدعومة، مثل الأرز والسكر والزيت والشاي.

وحسب بيانات البيان المالي للعام المالي 2012/2013، فإن الدعم الفعلي للسلع الأساسية خلال العام المالي 2011/2012 قد بلغ 26.5 مليار جنيه، استحوذ دعم الخبز وحده على 16.1 مليار جنيه منها، بينما بلغت قيمة الدعم لباقي السلع الأساسية (زيوت وسكر وأرز وشاي) 10.4 مليارات جنيه.

إلا أن هناك جهودًا من قبل وزارة التموين الحالية لتخفيف عبء الدعم من خلال مواجهة الفساد في ملف الدعم، حيث لجأت الوزارة إلى تحرير سعر الدقيق في أكثر من محافظة، على أن يكون الدعم في مرحلة الخبز المنتج، حتى تمكن السيطرة على عمليات تهريب الدقيق المدعم إلى أسواق القطاع الخاص، وفي نفس الوقت تهدف وزارة التموين إلى تحسين مستوى إنتاج الرغيف من خلال المواصفات التي وضعتها، لاستلام الخبز المنتج من الأفران.

تستحق قضية الغذاء بمصر أن توضع لها برامج زمنية، من خلال الدراسات الكثيرة التي تعدها الجامعات والمراكز البحثية، وبخاصة في ظل الزيادة السكانية بمصر، وكذلك التداعيات بالسوق العالمي للغذاء، حيث تتحكم فيه النوازع السياسية بشكل كبير، وتؤثر فيه التقلبات المناخية، والتي يتوقع لها الكثير من السلبيات خلال الفترة القادمة.

 وتحدي الأمن الغذائي بمصر يستحق كذلك أن يكون معيارًا لاختيار الحكومات القادمة، على أن تشتمل برامج الأحزاب أجندات واضحة في مجال إنتاج الغذاء، يمكن تحقيقها ومحاسبة الحكومات عليها.
ــــــــــــ
كاتب مصري

المصدر : الجزيرة