الجولان المحتل رافعة لاقتصاد إسرائيل

صورة 13 ما تبقى من مساحات أراض زراعية للسكان العرب بالجولان
undefined

محمد محسن وتد-الجولان المحتل

أجمعت حكومات إسرائيل المتعاقبة ومنذ احتلال الجولان على ضرورة السيطرة على الأرض والموارد والثروات الطبيعية ومصادر المياه والينابيع بغية تثبيت مشروعها الاستيطاني وتشجيعه، واعتمدت سياسات متطابقة بالمضمون وإن تباينت شكلا من أجل تهويد الجولان والاستيطان به لحسم قضية ضمه لنفوذ دولة الاحتلال، وبالتالي الاستيلاء على مقدراته وثرواته لتوظيفها بالنهوض بالاقتصاد الإسرائيلي.

وسخرت إسرائيل ومنذ الأيام الأولى للاحتلال القوانين العسكرية الهادفة لوضع اليد على الثروة المائية والسيطرة على الأرض بعد تهجير السكان قسرا، وفي منتصف يونيو/حزيران 1967 صدر أول أمر عسكري يقضي باعتبار الجولان منطقة عسكرية مغلقة يحظر على المواطنين أيا كانت هويتهم وجنسياتهم الدخول إليها أو الخروج منها دون الحصول على تصريح من الحاكم العسكري.

واستمرت سلطات الاحتلال بإصدار الأوامر العسكرية للحيلولة دون عودة المواطنين السوريين لقراهم وأراضيهم، وأعلن عن جميع القرى والمزارع التي طرد أصحابها وأهلها منها مناطق عسكرية مغلقة، واعتبرت نحو ثلاثمائة قرية ومزرعة "قرى متروكة"، وإلى جانب ذلك، ففي منتصف يوليو/تموز 1967 أقيمت أول مستوطنة بالجولان على أنقاض قرية العليقة المدمرة، عرفت باسم مستوطنة "مروم جولان" لتنضم إليها 33 مستوطنة يقطنها حاليا 25 ألفا.

كما استولت إسرائيل على مصادر المياه بموجب الأمر العسكري من مارس/آذار من 1968 وأوكلت الصلاحيات للحاكم العسكري بالتصرف في مصادر المياه، حيث كشفت عن نحو مائة نبع مياه، وقامت لاحقا ببناء أربعين مجمعا مائيا وبركة اصطناعية تخزن بها نحو مائة مليون متر مكعب من مياه الأمطار والينابيع تستخدم لري المزروعات التابعة للمستوطنات، وحفرت سبع آبار تستعملها لسحب المياه الجوفية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن الجولان يوفر لإسرائيل ما نسبته 30% من استهلاكها السنوي.

‪المزارع سليم العجمي فوق أرضه التي قام باستصلاحها وزراعتها لمنع مصادرتها‬ (الجزيرة)
‪المزارع سليم العجمي فوق أرضه التي قام باستصلاحها وزراعتها لمنع مصادرتها‬ (الجزيرة)

استنزاف وإكراه
وأبقت إسرائيل للسكان السوريين بالجولان البالغ تعدادهم 25 ألفا، يقول المزارع سليم العجمي، عشرات آلاف الدونمات فقط للسكن واستعمال 25 ألف دونم (3342 هكتارا) منها للزراعة، حيث تحرمهم من أبسط الخدمات وتحظر عليهم استعمال المياه بشكل حر لري المزروعات في مسعى من الاحتلال لإرغام السكان وإكراههم على ترك الأرض والتخلي عن الزراعة التي ترمز إلى البقاء والصمود.

وأضاف العجمي لـ "الجزيرة نت" أن السكان، ورغم التضييق والضرائب الباهظة التي فرضت عليهم واستمرار مصادرة الأرض والمياه وتوظيفها للمستوطنات، تشبثوا بالأرض وتمسكوا بالزراعة ويواصلون مشاريع استصلاح الأراضي الجبلية وإن كانت المشاريع مكلفة كونها السبيل الوحيد للحفاظ على الأرض.

ولفت إلى أن إسرائيل تستنزف طاقات السكان وتبيعهم المياه بأسعار مضاعفة يصل سعر الكوب الواحد إلى دولارين بينما يحصل عليه المستوطن بأسعار زهيدة، وهذا ما انعكس وأثر سلبا على إنتاجهم الزراعي في فرع تربية الأبقار والمواشي والمحاصيل الحقلية وزراعة الحبوب والتي اختفت تماما، ولم يبق للسكان سوى زراعة اللوزيات والتفاح والكرز.

إستراتجية متعاظمة
ويعتبر الجولان المحتل، الذي تبلغ مساحته 1200 كيلومتر مربع، بموارده وأراضيه ومياهه الجوفية رافعة للاقتصاد الإسرائيلي، يقول مُخطط المدن نزيه بريك، عدا الهدف المعلن باعتباره المنطقة درعا عسكريا وعمقا إستراتيجيا للأمن القومي، فقد حولت مياه الجولان لتكون الشريان الرئيسي في حياة إسرائيل.

‪بركة رام أكبر خزان مياه للمزارعين السوريين بالجولان دأبت إسرائيل على سرقة مياهها‬ (الجزيرة)
‪بركة رام أكبر خزان مياه للمزارعين السوريين بالجولان دأبت إسرائيل على سرقة مياهها‬ (الجزيرة)

وذكر بريك أن نحو خمسمائة ألف دونم (66 ألفا و850 هكتارا) تستعمل مراع لتربية الأبقار والمواشي التي توفر ما يقارب 50% من اللحوم للسوق الإسرائيلي ونحو 20% من الطلب على الحليب، وهناك مائة ألف دونم (13 ألفا و370 هكتارا) تستغلها المستوطنات لزراعة الفواكه والخضراوات والحبوب والأزهار، وما تبقى من أراض تصنف محميات طبيعية تستعمل للتدريبات العسكرية.

ولفت في حديثه للجزيرة نت إلى أن إسرائيل ترى في حاجتها الإستراتيجية المتعاظمة للمياه ومصادره، خصوصا تلك الموجودة بالجولان، أولوية عليا بكل ما يتعلق بأمنها القومي ومستقبلها، وعليه اشترطت باتفاقيات السلام التي وقعتها مع الأردن والفلسطينيين تنظيم قضية توزيع مخصصات المياه والتحكم بذلك لضمان حصولها على الحصة الأكبر.

وشدد بريك على أن إسرائيل تتمادى أمام المجتمع الدولي في تبرير سيطرتها على مرتفعات هضبة الجولان لاعتبارات عسكرية وأمنية دفاعا عن جبهتها الداخلية، لكن هذه التبريرات والذرائع الأمنية ما هي إلا وسيلة للمراوغة لإحكام سيطرتها على مصادر المياه والثروات الطبيعية في هذه المنطقة.

المصدر : الجزيرة