الغلاء يهدد العادات الاجتماعية السودانية

إبراهيم العجب-الخرطوم
أبدى عدد من السودانيين خشيتهم من أن تضطر ارتفاع تكاليف المعيشة إلى اختفاء الألفة والترحاب بالضيوف في البيت السوداني، ويحل محلها الخوف والعجز عن عدم الإيفاء بالضروريات. الجزيرة نت تجولت في أسواق أم درمان والخرطوم والتقت باعة ومتسوقين.
فاشتكى أحد التجار العاملين في سوق أم درمان من أن الارتفاع الكبير لأسعار بعض السلع جعل الناس يعزفون عن الشراء خاصة للمواد التي لا تدخل ضمن السلع الرئيسية.
وعن ارتفاع الأسعار ذكر على سبيل المثال أن سعر الزيت ارتفع بشكل كبير، حيث زادت قيمة قارورة الزيت ذات الـ(4.5) أرطال إلى 45 جنيها (18 دولارا) بعد أن كان سعرها 25 جنيها، والبصل من سبعة جنيهات إلى عشرة.
وأضاف التاجر أن كل شيء زاد بنسبة (200%) عن سعره الأصلي، مشيرا إلى أنه يفكر بترك مهنته لما تتسبب له من خلافات مع المواطنين.
من جهتها اعتبرت المدرسة نهال أحمد الشيخ أن الزيادات الأخيرة في الأسعار ألقت بظلالها علي كل شيء، وهو ما قد يؤثر على عادات السودانيين.
وأشارت إلى أن المجتمع السوداني مشهور بالأسر الممتدة، إذ ينضم في كثير من الأحيان الأقرباء الذين يأتون من أطراف الخرطوم أو الأقاليم الأخرى لقضاء ضرورات اجتماعية تجعلهم يمكثون الأيام والليالي.
وهذه العلاقات الأسرية والاجتماعية -وفق نهال- تتطلب الكثير من الصرف، فالأسرة الصغيرة تتجاوز متطلباتها اليومية الضرورية 40 جنيها (16 دولارا) دون استضافة الضيوف.
بائعة الشاي سعدية محمد تعول أسرة من خمسة أفراد أفادت بأن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة دفعت بالأسعار للصعود بشكل جنوني حتى وصل سعر جوال الفحم إلى 100 جنيه (40 دولارا)، ورطل السكر 1.5 جنيه (0.6 دولار)، ورطل الشاي إلى تسعة جنيهات (3.6 دولارات).
وبذلك لن يتجاوز دخل سعدية اليومي 15 جنيها (ستة دولارات) بعد خصم مكونات الشاي، وهو ما يدفعها وبقية أفراد أسرتها لتناول وجبة واحدة في اليوم.

زيادة عالمية
وللوقوف على أسباب زيادة الأسعار التقت الجزيرة نت الخبير الاقتصادي والأستاذ بجامعة جوبا عبد الرحمن عمر الذي عزا ارتفاع الأسعار لبعض السلع إلى ارتفاع أسعارها عالميا، مشيرا إلى أنها تخضع لقانون العرض والطلب مما أدى إلى ارتفاع الأسعار في السودان.
وحث عمر على معالجة سريعة في إقامة الجمعيات التعاونية، وتوفير الاحتياجات الأساسية، والتوسع في زراعة القمح، وإحياء المشروعات المهجورة في جميع أنحاء السودان.
كما طالب بتفعيل دور البنك الزراعي في تمويل صغار المزارعين بالسلفيات المجزية، ودعم الأسر الفقيرة، ودعم فاتورة الكهرباء والماء.
هيكلة الدولة
من جهتها اعتبرت وزيرة الدولة السابقة بوزارة المالية عابدة المهدي أن ما حدث من زيادات جنونية للسلع لم يكن مفاجئا بل كان هناك تدرج في الخلل وسوء السياسات الاقتصادية من خلال إدارة الدولة للمال بطريقة غير رشيدة في الصرف والاقتراض.

وذكرت أن إهمال القطاعات الإنتاجية والترهل في الصرف الحكومي بصورة عشوائية فاقم الأزمة الحادثة خاصة الصرف المفرط في مرافق الحكومة، مما شكل ضغوطا على الاقتصاد وسعر الجنيه الذي يعاني أصلا من عدم الاستقرار مقابل العملات الأجنبية.
وأضافت أن التخوف من انفصال الجنوب وتداعياته على الاقتصاد أثر على سعر الجنيه، ولذلك لجأ البنك المركزي للعديد من الإجراءات لتقليل الفجوة بين أسعار الصرف مع قلة العرض وزيادة الطلب.
وللخروج من المأزق، طالبت المهدي بإعادة هيكلة الدولة، وإيجاد حل سياسي لمشاكل السودان حتى يتم تقليل الصرف على المؤسسات العسكرية "التي تستحوذ على 75% من ميزانية الدولة"، كما طالبت بزيادة الموارد، وإعادة النظر في سياسة التحرر الاقتصادي.