مأساة الفقراء مع الغلاء بمصر

الفقر والبطالة في مصر



                                                   عبد الحافظ الصاوي

غلاء في ظل فقر وبطالة

غياب الدعم الحكومي

الحكومة تعلمت الدرس

 

على ما يبدو أن فقراء مصر وعاطليها ليس أمامهم إلا أن يقتاتوا على مؤشرات اقتصادية، فالحكومة لا تكف عن الحديث باستمرار عن تحسن هذه المؤشرات.

 

فوزير التنمية الاقتصادية صرح خلال هذا الأسبوع لوسائل الإعلام بأن معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي بلغ 5.6% في الربع الأول من العام 2010/2011، واستدل بذلك على أن مصر قد أتمت التعافي من الآثار السلبية للأزمة المالية، في الوقت الذي تعم فيه البلاد موجة من الغلاء شملت جميع أنواع المواد الغذائية.

 

وحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة فقد بلغ معدل التضخم خلال سبتمبر/أيلول الماضي 11.7%، وشهدت مجموعة الشراب والطعام ارتفاعا بنسبة 21.3%، وعلى رأسها اللحوم والأسماك والدواجن والألبان ومنتجاتها والزيوت والدهون والخضروات والفواكه.  

 

وتشير بيانات وزارة المالية لأسعار التجزئة إلى وجود ارتفاع في أسعار العديد من السلع الغذائية، فالطماطم وصل سعرها بين 8 و10 جنيهات للكيلو (الدولار يساوي 5.7 جنيهات)، واللحوم الحمراء بين 60 و70 جنيها للكيلو، والدواجن بين 18.5 و23 جنيها للكيلو.

 

وتجاه هذه الأسعار اتخذت الحكومة إجراء وحيدا، وهو القيام بشراء الطماطم من أماكن إنتاجها وبيعها مباشرة في المجمعات الاستهلاكية التابعة للحكومة، وبيعها بسعر خمسة جنيهات للكيلو، بما يعادل 50% من سعرها لدى القطاع الخاص.

 

فمشكلة الغذاء وارتفاع تكاليفه بالنسبة للفقراء في مصر أصبحت من الملامح الواضحة. وأبرز صور المشكلة تظهر من خلال الدعاية لانتخابات مجلس الشعب القادمة التي بدأت مبكرا.

 

فخلال شهر رمضان الماضي نشط العازمون على الترشيح للبرلمان بتوزيع المواد الغذائية الجافة على الأسر الفقيرة، أو إقامة موائد الرحمن لإفطار الصائمين من أجل الحصول على أصوات الفقراء والمستفيدين من هذه المعونات الغذائية.

 

وخلال هذه الأيام رصدت إحدى  الصحف المستقلة استغلال الدعاية الانتخابية لأزمة أسعار السلع الغذائية. فأقام أحد المرشحين سرادق لبيع صلصة الطماطم بأسعار مخفضة لمواجهة أسعار الطماطم التي بلغ سعر الكيلوغرام منها 10 جنيهات، فأقام منافسه سرادقا آخر لبيع اللحوم بأسعار مخفضة.

 

غلاء مع فقر وبطالة

الغلاء عامة ترفضه كل المجتمعات، سواء كانت غنية أو فقيرة. ولكن الوضع في مصر يصبح أشد خطرا في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في المرحلة الماضية.

 

فقد أشار تقرير الأمم المتحدة عن تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية إلى أن الأزمة المالية العالمية ساعدت على زيادة عدد الفقراء في مصر. وحسب التقرير ارتفعت نسبة الفقراء إلى 21.9% من السكان في يونيو/حزيران 2009 بعد أن كانت 18.9% في العام 2007/2008.

 

"
ذكر تقرير الأمم المتحدة عن أهداف الألفية أن 75% من الوظائف التي تم توفيرها بالاقتصاد المصري في الفترة بين 1998 و2008 تعد وظائف غير لائقة، حيث إنه تم توفيرها من خلال القطاع غير الرسمي، وهو عادة غير منتج وذو دخل منخفض
"

كما ذكر التقرير أن نحو 32.5% من سكان الصعيد يقعون تحت دائرة الفقر. ويعد أعلى معدلات الفقر بين محافظات الصعيد في محافظة أسيوط، حيث وصلت نسبة الفقر بين سكانها إلى 66%.

 

كما تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن نسبة العاطلين في العام 2009 بلغت 9.4% من قوة العمل، أي ما يعادل 2.3 مليون عاطل، وأن الفئة العمرية من الشباب بين 20 و24 سنة هي صاحبة أكبر معدل بطالة بنحو 46.8%، بينما تحل بعدها الفئة العمرية بين 29 و39 سنة بمعدل بطالة 21%.

 

في حين ذكر تقرير الأمم المتحدة عن أهداف الألفية أن 75% من الوظائف التي تم توفيرها بالاقتصاد المصري في الفترة بين 1998 و2008 تعد وظائف غير لائقة، حيث إنه تم توفيرها من خلال القطاع غير الرسمي، وهو عادة غير منتج وذو دخل منخفض.

 

كما أشار التقرير إلى أن نحو 37% من العاملين في مصر يصنفون في فئة العمالة الموسمية، وهؤلاء مرشحون بنسبة كبيرة للوقوع في براثن الفقر.

  

وذهب أحمد يحيى رئيس شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية بالقاهرة إلى أن الارتفاع الحاصل في العديد من السلع الغذائية كالخضروات والفواكه أو اللحوم والدواجن أو في السكر يرجع بشكل أساسي إلى نقص الإنتاج واعتماد مصر على الاستيراد مما يجعلها عرضة للتقلبات الحادثة في السوق العالمية.

 

وضرب مثلا على ذلك بالسكر، حيث تعتمد مصر على استيراد نحو 40% من احتياجاتها، وعندما حدثت أجواء مناخية غير مواتية في الدول الكبرى المنتجة للسكر مثل البرازيل والهند قفزت أسعار السكر في مصر بنحو 20%.

 

ورفض يحيى فكرة تدخل الدولة في الأسعار لتعارض هذا مع اقتصاديات السوق وأنه سيترتب على تدخل الدولة وجود تشوهات في الأسعار الحقيقية. وأضاف أن الدولة لديها جهاز تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار يمكنها من خلاله أن تضبط أي ممارسات احتكارية أو تضر بالمنافسة.

 

وطرح يحيى أن يكون التدخل من قبل الحكومة في الأجل القصير بفتح باب الاستيراد وإزالة المعوقات البيروقراطية أو إعفاء المستوردين للسلع الإستراتيجية أو الأساسية التي ترتفع أسعارها من بعض الرسوم التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة، كما حدث في صناعة الدواجن، حيث أعفي المستوردون من رسوم الإشراف البيطري.

 

ولكن على الدولة في الأجل الطويل، من وجهة نظر يحيى، أن تزيد من إنتاج السلع الأساسية، حتى يمكن تحقيق توازن في سوق السلع بالاقتصاد المصري ويقل الاعتماد على الخارج.

 

وأكد يحيى أن معاناة الفقراء ومحدودي الدخل في مصر ستظل قائمة ما لم توجد حالة من التوازن بين الأجور والأسعار.

 

وبسؤاله عن مستقبل أداء أسعار السلع أوضح أن عملية التنبؤ تحتاج إلى دراسات وتحليل لأداء السوق بشكل مستمر، وهو ما يفتقد إلى حد كبير في السوق المصرية، وأن دور الغرفة التجارية يتوقف فقط عند الرصد والإحصاء.

 

غياب الدعم الحكومي

الغلاء فوق طاقة الناس، ودور الإعلام سلبي، هذا رأي الحاج أحمد سعد، وهو فلاح من محافظة دمياط.

 

فمن وجهة نظره أن برنامجا تلفزيونيا ذهب ليروج إلى الغلاء المنتظر في أسعار الأسماك بسبب منع بعض الدول للصيادين المصريين من الدخول للمياه الخاصة بتلك الدول، وبدلا من أن يناقش الإعلام البحث عن حلول لمشاكل الصيادين أو وجود حلول لارتفاع أسعار اللحوم والخضروات والفاكهة، أصبح يبحث عن مبرر لزيادة أسعار الأسماك.

 

وأوضح سعد أن هناك شريحة من الفقراء كان الله في عونهم، يحصلون على معاش الضمان الاجتماعي من الحكومة يصل إلى 160 جنيها شهريا، لأسرة مكونة من 5 أفراد. تليهم الأسر المكونة من 3 أفراد ويحصلون على 120 جنيها.

 

ويحصل الفرد الذي لا يعول على معاش نحو 90 جنيها. ويتساءل الحاج أحمد عن قدرة هذه الدخول في تلبية احتياجات هذه الشريحة من الفقراء، من اللحوم أو الخضروات أو الفواكه. وجزم أحمد بأن هذه المعاشات لا تكفيهم لتناول الفول والطعمية بل قد تعجز هذه المعاشات عن أن توفر لهم الخبز فقط.

 

وطالب أحمد بضرورة تقديم الدعم الكامل لقطاع الزراعة بجميع أنشطته الزراعي والإنتاج الحيواني والسمكي، وأكد أن الفلاح في ظل ارتفاع أسعار الردة والفول وجميع أنواع العلف يلجأ إلى توفير الحشائش والقش للبهائم  بدلا من العلف، فكيف يطلب من الفلاح في ظل هذه الظروف بأن ينتج اللحوم أو الألبان.

 

الحكومة تعلمت الدرس

"
في ظل اقتصاديات السوق التي تنتهجها مصر ليس بإمكانها التحكم في الأسعار خاصة أنها فقدت آلية مهمة كان من الممكن الاستفادة بها في مثل هذه الظروف وهي الجمعيات التعاونية
"

فسر مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ظاهرة ارتفاع أسعار العديد من السلع الغذائية في مصر على مدار الشهور الماضية بأنها ترجع إلى عوامل خارج نطاق سيطرة الحكومة.

 

فالطماطم ارتفع سعرها بسبب قلة المعروض نتيجة تلف الزرع مع موجة الحر الشديدة التي مرت بها مصر هذا الصيف، وكذلك القمح بسبب حرائق روسيا وامتناعها عن تصدير القمح.

 

وفي ظل اقتصاديات السوق التي تنتهجها مصر ليس بإمكانها التحكم في الأسعار خاصة أنها فقدت آلية هامة كان من الممكن الاستفادة بها في مثل هذه الظروف وهي الجمعيات التعاونية.

 

فهذه الجمعيات كانت تستطيع طرح العديد من السلع بأسعار مخفضة لفترة طويلة وبكميات تحدث توازنا في السوق مما يضطر القطاع الخاص لمجاراتها.

 

أما فكرة لجوء الحكومة إلى زيادة الدعم للسلع الغذائية من خلال الموازنة فقد استبعدها مصطفى بسبب ارتفاع العجز بالموازنة العامة واقترابه من معدل 8%.

 

وأضاف مصطفى أن الحكومة تراهن على أن موجة الغلاء ستكون مؤقتة، سواء للأسباب الداخلية أو الخارجية.

 

 مصطفى كامل: ارتفاع الأسعار يرجع إلى عوامل خارج نطاق سيطرة الحكومة
 مصطفى كامل: ارتفاع الأسعار يرجع إلى عوامل خارج نطاق سيطرة الحكومة

وعن سر اطمئنان الحكومة تجاه رد الفعل الشعبي خاصة الفقراء  بالتصويت ضدها في الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية، أجاب مصطفي بأن الحكومة من هذه الناحية في غاية الاطمئنان، لأنها تجري انتخابات غير نزيهة وتتحكم في اختيار أعضاء البرلمان، فضلا عن أن من يذهبون للانتخابات في مصر نسبة قليلة لا يمكنها أن تسبب قلقا للحكومة.

 

ومن جهة أخرى فالحكومة تقوم بتحجيم قوى المعارضة التي تتوقع أن تستفيد من سخط الفقراء في الانتخابات البرلمانية مثل جماعة الإخوان المسلمين فتقوم باعتقال قادتها للحد من أنشطتها وعدم استفادة الجماعة من توظيف حالة السخط على الحكومة بسبب ارتفاع الأسعار أو غيرها.

 

وأكد مصطفى أن الحكومة في مصر تعلمت من أحداث عام 1977، فلا تسمح بارتفاع جماعي للسلع في السوق والإعلام عن ذلك مخافة السخط الشعبي، إنما تسمح بذلك على مدار فترات، من خلال ارتفاع أسعار السلع الواحدة تلو الأخرى.

 

أما حمدي حسن عضو مجلس الشعب عن الإخوان المسلمين فقال إن الحكومة لا تهتم في هذا البلد إلا بمصالح رجال الأعمال، ولم يعد يعنيها الفقراء ولا ما يتناولونه من أطعمة أو أشربة. ولولا العمل الخيري بمصر الذي يساند الفقراء ويقدم لهم الدعم في مناسبات مختلفة، بل وفي بعض الأحيان يقدم الدعم للعديد من الأسر بشكل دائم، لكانت أوضاع الفقراء في مصر مأساوية وسبة في وجه هذه الحكومة.

 

 حمدي حسن: الحكومة لا تهتم إلا بمصالح رجال الأعمال (الجزيرة نت) 
 حمدي حسن: الحكومة لا تهتم إلا بمصالح رجال الأعمال (الجزيرة نت) 

وأكد حسن أنه ليس من قبيل المبالغة أن هناك أسرا مصرية ليست قليلة العدد تنتظر تناول اللحم من العام للعام في مناسبة عيد الأضحى، الذي يتصدق فيه المضحون باللحوم للفقراء.

 

وبين حسن أن الفقراء في ظل هذا الغلاء أصبحوا لا يفكرون في نوعية الغذاء بل ما يسد رمقهم أيًا كان نوعه.

 

فالأسواق الشعبية يتم فيها الآن بيع هياكل الدجاج، وهي بقايا الدجاج بعد نزع شرائح اللحم منها لعمل "البنيه" أو يقومون بشراء أجنحة الدجاج ليعدوا بعض الأطعمة التي تحتاج إلى وجود مرق اللحم. فهل هذا المستوى يليق بالشعب المصري؟، وبسؤاله عما يمكن أن تفعله الحكومة لمواجهة هذه المشكلة، أجاب: أن تحمل عصاها وترحل.

  

إبراهيم أحمد عامل بإحدى شركات النسيج، أعرب عن صعوبة التعايش مع التكاليف المرتفعة للحياة، في ظل الأجور المحدودة والزيادة المستمرة والسريعة لمختلف السلع.

 

وبسؤاله عن كيفية تدبير أموره الاقتصادية في أوضاع الغلاء الحالية، قال "احنا ماشيين بنكلم نفسنا.. ندبر أمورنا ببعض المدخرات من خلال الجمعيات أو السلف من الأقارب أو قبول مساعدتهم.. لم نعد نفكر في شراء اللحم لكن لا مانع من شراء دجاجة كل أسبوع".  

_______________

كاتب مصري        

المصدر : الجزيرة