2008 عام الذعر وانهيار الثقة

حوّل انهيار بنك الإقراض العقاري الأميركي ليمان براذرز الهبوط الاقتصادي في العالم إلى أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية.
وقالت صحيفة فايننشال تايمز في تعليق لها على مرور عام على انهيار البنك العملاق إنه رغم أن الخسائر المباشرة من انهيار البنك لم تكن كبيرة فإن الذعر الذي أصاب الأسواق المالية والبنوك والشركات تسبب في أضرار للاقتصاد العالمي فاقت أزمة النفط في بداية سبعينيات القرن الماضي وانفلات السيطرة على التضخم في نهاية تلك السبعينيات، كما فاقت انهيار سوق التقنية في مطلع القرن الحالي.
واستشهدت الصحيفة بوصف محافظ بنك إنجلترا المركزي مارفن كنغ بأن عام 2008 كان عاما شديد الصعوبة.
وقالت إن التعقيد كان سمة صيف 2008 حيث دلت المؤشرات على صعوبة الوضع الاقتصادي في العالم، وأعادت إلى الأذهان توقعات صندوق النقد الدولي في الصيف الماضي عندما أكد أن الاقتصاد العالمي دخل مرحلة صعبة بين انخفاض الطلب في الدول الصناعية وارتفاع معدلات التضخم في كل أنحاء العالم.
لكن أحدا لم يعرف بدقة مدى التدهور الذي وصل إليه الاقتصاد العالمي في تلك الفترة.
وقد بدأ الموقف يتدهور بعدما فقدت الحكومة الأميركية الأمل في أن ينقذ القطاع الخاص أكبر مؤسستين للإقراض العقاري بالولايات المتحدة فاني ماي وفريدي ماك، فتدخلت هي لإنقاذهما بضخ مليارات الدولارات فيهما.
في الوقت نفسه كانت اقتصادات الدول الأخرى قد ضعفت مع ارتفاع أسعار النفط إلى 147 دولارا للبرميل، مما أدى إلى خفض مداخيل الأسر والشركات.
لكن انهيار ليمان براذرز منتصف سبتمبر/أيلول 2008 كان الضربة القاضية للاقتصاد العالمي.
واستشهدت فايننشال تايمز بوصف مارفن كنغ بما حدث بقوله "إن ذعرا ماليا اعترى الأسواق في سبتمبر/أيلول، فقد انهارت عدة مؤسسات مالية, كما أدى انهيار الثقة في العالم إلى انخفاض في الإنتاج الصناعي والإنتاج القومي".
تجمد الائتمان
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2008 أصبح من الواضح أن تجمد سوق الائتمان وعدم مقدرة الشركات على زيادة رؤوس أموالها وغياب التمويل اللازم لعمليات التجارة والخوف الذي اعترى الأسواق.. كل ذلك أدى إلى جمود عمليات الشركات، فعلقت قرارات الاستثمار وانخفض الإنتاج الصناعي وانهارت التجارة العالمية.
وحالما أدرك صناع السياسة الأخطار المحدقة، أقدمت الدول الصناعية السبع الكبرى على خفض أسعار الفائدة وتعهدت بعدم السماح بالمزيد من انهيارات المصارف وبدأت إعطاء ضمانات للتمويل.
لكن مع هذه الإجراءات طغت إجراءات التقشف والاقتصاد في الإنفاق إضافة إلى الذعر المالي خلال بقية العام 2008، وانكمش الاقتصاد العالمي في نهايته لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، وكان الأسوأ لم يأت بعد، فقد أدت قرارات الشركات تأجيل عمليات الشراء الكبرى إلى تضخم مخزونات المصانع.
ومن أجل حل هذه المشكلة أقدمت الدول الصناعية السبع الكبرى على خفض الإنتاج بصورة حادة بداية 2009، ولذلك انخفض معدل النمو الاقتصادي السنوي لهذه الدول بنسبة 8.4% في أول فصل من العام الحالي بينما ارتفعت نسبة البطالة.
وقالت فايننشال تايمز إن بذور عودة الاستقرار إلى الاقتصاد العالمي وظهور شعاع من الأمل في الانتعاش الذي بدأ يظهر الآن هي ثمرة تلك الإجراءات الصناعية القاسية والقرارات المالية والنقدية التي اتخذتها مختلف دول العالم.
الاقتصادات الناشئة
وأضافت الصحيفة أن الاقتصادات الناشئة هي التي قادت العالم إلى التخلص من براثن الركود، فقد ارتفع معدل الإنتاج الصناعي للصين في فبراير/شباط الماضي ببطء قبل أن يسجل نموا أقوى، كما أن البرازيل سارت على نفس النهج، ثم توسعت دائرة النمو الاقتصادي في العالم في الربع الثاني لتشمل اليابان وفرنسا وألمانيا، كما ظهرت في الولايات المتحدة هذا الصيف أيضا بوادر انتعاش في سوق المساكن.
وتابعت بالقول إنه كما فاجأ عمق الركود العديد من الاقتصاديين فإن الكثيرين منهم فوجئوا أيضا بعودة الانتعاش.
وتقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن مؤشراتها تفيد باحتمالات انتعاش لم تكن موجودة قبل عدة أشهر.
رغم ذلك لا يزال صانعو السياسة يشعرون بالحذر، وقال وزير الخزانة الأميركي تيموثي غيثنر أمام الكونغرس الأسبوع الماضي "إن الثقة التي تظهر مصحوبة بالاستقرار الاقتصادي في سبتمبر/أيلول الحالي تختلف كثيرا عن الخوف والذعر الذي ساد في ذات الشهر من العام الماضي.. لكن الطريق أمام التعافي الحقيقي يظل بعيدا".
ويقول دون لبسكي نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي "في الوقت الذي تم فيه تجنب الأسوأ فإن عملية التعافي لا تزال بعيدة عن التحقيق".
ويضيف أن "احتمالات النمو في بقية العام تعتمد على تنفيذ عدة إجراءات سياسية أساسية وعلى تطبيقها من قبل القطاع الخاص".
ونقلت فايننشال تايمز عن نورييل روبييني -وهو أحد الاقتصاديين القلائل الذين تنبؤوا بحدوث الأزمة- إنه يعتقد بأن نمو الاقتصاد العالمي سيكون ضعيفا مع ضعف قطاع إنفاق الأسر والمشكلات التي يواجهها النظام المالي والمشكلات التي تواجهها الشركات وافتقار الاقتصاد العالمي إلى التوازن.