الأزمة تغير قواعد الثراء بأميركا

AFP/ (FILES)Microsoft co-founder and chairman Bill Gates (L) and his Melinda Gates (C) listen as US investment guru Warren Buffett (R) addresses a press conference in this 26 June 2006 file photo in New York regarding his pledge of 10 million class B shares of Berkshire Hathaway Corporation to the Bill & Melinda Gates Foundation.

بيل غيتس (يسار) والمستثمر الأميركي وارن بوفي خسرا مليارات الدولارات (الفرنسية–أرشيف) 

غيرت الأزمة المالية والاقتصادية هيكلة الفئة الأغنى بالولايات المتحدة ويقول اقتصاديون إن تغييرا مهما يأخذ مجراه.

 

فلن تصبح الفئة الغنية بالضرورة أكثر غنى، بل على العكس فقد أصبح الغني في العامين الأخيرين أكثر فقرا وقد لا يعود الكثيرون من الأغنياء إلى مستويات الثراء السابقة في أي وقت قريب.

 

ويقول الاقتصاديون إن ما أسموه بـ"انفجار المداخيل" في أعلى القمة ألحق الضرر بالجميع بعدما تركزت القوة الاقتصادية والسياسية في قبضة عدد قليل من الأيدي.

 

وفي تقرير بعنوان "صعود الأكثر غنى يصطدم بسقف واقعي" قالت صحيفة نيويورك تايمز إن مقابل كل مصرفي استطاع أن يعيد ثروته إلى مستوى ما قبل فترة الكساد هناك كثيرون آخرون من المستثمرين الذين فقدوا وظائفهم والملايين من الدولارات. ونتيجة لذلك يقول اقتصاديون ومحللون إن فترة الثلاثة عقود التي أصبح فيها الأثرياء أكثر ثراء وزاد فيها عددهم قد ولت إلى غير رجعة.

 

مدى التدهور

لكن من غير الواضح المدى الذي وصل إليه تدهور حال الأغنياء. ويمكن قياس ذلك عن طريق معرفة ما إذا كان الارتفاع الأخير في مؤشرات أسواق الأسهم سيستمر وما القوانين التي سيصدرها الكونغرس في أعقاب الأزمة.

 

"
أصبح الغني في العامين الأخيرين أكثر فقرا وقد لا يعود الكثيرون من الأغنياء إلى مستويات الثراء السابقة في أي وقت قريب
"

وعلى أقل تقدير فإنه يمكن القول بأن من غير المحتمل أن يعود الأغنياء إلى مستوى الثراء السابق للأزمة.

 

وفي العام الماضي أشارت الشركتان الاستشاريتان لإدارة الأصول كاب جميناي وميرل لينش إلى أن عدد الأميركيين الذين يملكون ثروة صافية تبلغ 30 مليون دولار على الأقل قد تراجع بنسبة 24%. كما تراجع الدخل الشهري الناتج عن أرباح الأسهم بنسبة 20% منذ الصيف الماضي، وهو التراجع الأكبر الذي تسجله الحكومة الأميركية منذ أن بدأت تحتفظ بالسجلات في العام 1959.

 

وطبقا لمجلة فوربز فإن بيل غيتس مؤسس مايكروسوفت والمستثمر الأميركي المعروف وارن بوفي خسرا المليارات في السنة الماضية.

 

وعلى سبيل المثال، تراجعت ثروة مبتكر البرنامج الإلكتروني للحماية من الفيروسات جون ماكفي الذي يحمل اسمه من 100 مليون دولار إلى 4 ملايين دولار فقط.

 

وسوف يعرض ماكفي منزله الفخم للبيع في وقت قريب لأنه يحتاج إلى المال لتسديد فواتيره بعد أن أخذ على حين غرة فغرق في فقاعة سوق العقار وخسر الكثير في انهيار أسواق الأسهم. يقول ماكفي "لم أعرف أنه سيحدث هذا التزامن في الانهيار".

 

ويمكن ملاحظة تضاؤل البذخ عند الأغنياء. فقد تراجع مؤشر ماي موزس الذي يتتبع أسعار التحف الفنية بنسبة 32% في الأشهر الستة الأخيرة. ولم يتمكن فريق كرة القدم الأميركي نيويورك يانكيز من بيع الكثير من البطاقات المرتفعة الثمن في ملعبهم الجديد، ما اضطرهم إلى خفض أسعارها، كما سجّل سوق العقارات تراجعا في عدد المنازل الفخمة المباعة.

 

ففي فيل في ولاية كولورادو تم بيع خمسة منازل فقط يزيد سعر كل واحد منها عن مليوني دولار خلال النصف الأول من العام الحالي انخفاضا من 34 منزلا في 2007 , أما في حي برونكسفيل الغني في نيويورك فإن العدد انخفض إلى اثنين من 17 في الفترة نفسها.

 

ونقلت نيويورك تايمز عن نيل سوس كبير اقتصاديي بنك كريدت سويس القول "كان توزيع الدخل متساويا في الفترة الممتدة بين 1929 و1979، ومنذ بداية الثمانينيات بدأت الفجوة تتسع، وأظنّ أننا نتجه اليوم إلى توزيع متساوٍ أكثر للثروة".

 

ويتوقع عدد قليل من الاقتصاديين عودة الولايات المتحدة إلى الدخل المتساوي الذي كان موجودا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. ويقول هؤلاء إن عدم المساواة سيظل أكبر مما كان في القرن الماضي. فلم تغير إدارة الرئيس أوباما بصورة نهائية قواعد حي وول ستريت للمال، كما لم تزد الضرائب على الدخول العليا بنسبة 70% كما كان الحال حتى العام 1980. ثم إن قوى السوق التي زادت عدم المساواة مثل العولمة لن تتلاشى.

 

العودة للطفرة

ويقول الاقتصاديون إن من غير المحتمل أن يستطيع الأغنياء استرداد خسائرهم فورا كما حدث في أعقاب انهيار سوق التكنولوجيا في أوائل العقد الحالي حيث عوضت أسواق الأسهم الخسائر عام 2007، فلن تعود وول ستريت إلى مستويات الإقراض التي خلقت طفرة الأسهم.

 

"
عدم المساواة في المداخيل سيظل أكبر مما كان في القرن الماضي. فلم تغير إدارة الرئيس أوباما بصورة نهائية قواعد حي وول ستريت للمال كما لم تزد الضرائب على الدخول العليا بنسبة 70% كما كان الحال حتى عام 1980
"

وتقول نيويورك تايمز إن التغيير الذي حدث للطبقة الغنية بالولايات المتحدة سيترك بصماته على الجامعات والمتاحف والمؤسسات الأخرى التي طالما تلقت هبات من هؤلاء. كما أن الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات ستعاني أيضا بسبب اعتمادها على عائدات الضرائب من الطبقة الغنية.

 

لكن السؤال الأشمل هو ما مدى تأثير ذلك على الطبقة المتوسطة؟

 

وخير جواب على هذا السؤال الدراسة التي قام بها الاقتصاديان توماس بيكيتي وإيمانويل سايز لتحليل بيانات مصلحة الضرائب القومية الأميركية. وأظهرت الدراسة أنه حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي فإن أعلى دخل لكل واحدة من عشرة آلاف أسرة أميركية هي الأغنى بالولايات المتحدة بلغ مليوني دولار سنويا قبل الضرائب. وقد تضاعف هذا الرقم عام 2007 إلى 11.5 مليون دولار.

 

ويقول إيمانويل سايز الذي يعمل حاليا أستاذا بجامعة بيركلي في كاليفورنيا إنه يعتقد أن الرقم حاليا انخفض إلى 6 أو 8 ملايين دولار. ولكي يعود الرقم إلى 11 مليونا فإن ذلك يحتاج إلى فقاعة مالية ضخمة.

 

وقد تضاعف دخل كل واحد من الـ1% الأغنى من الأميركيين إلى 400 ألف دولار في 2007 منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي.

 

وبالمقارنة فقد ارتفع متوسط الدخل، وهو 50 ألف دولار سنويا في نهاية السبعينيات، بمقدار 20% فقط في العام 2007.

المصدر : نيويورك تايمز