مستشار أوباما: ارتفاع عجز الميزانية ينذر بتفاقم التضخم

أظهرت أرقام أميركية رسمية الأسبوع الماضي استمرار انخفاض مستوى الأسعار والخدمات بسبب انخفاض معدل التضخم، لكن السبب الرئيس في ذلك هو انخفاض كبير في أسعار السلع وصل إلى 30%. لكن هذا الانخفاض لن يتكرر مرة أخرى.
ويقول مارتن فيلدستاين أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد عضو المجلس الاستشاري لإنعاش الاقتصادي بإدارة الرئيس باراك أوباما في مقال نشرته صحيفة فايننشال تايمز الاثنين إن الارتفاع الكبير في عجز الموازنة الأميركية ينذر بزيادة كبيرة في معدل التضخم في المستقبل.
وطبقا لمكتب الموازنة التابع للكونغرس تتضمن موازنة إدارة الرئيس أوباما عجزا يصل إلى 13% من الناتج المحلي الإجمالي في 2009 ونحو 10% في 2010. وحتى في حال انتعاش اقتصادي قوي فإن نسبة الدين الحكومي الأميركي إلى الناتج المحلي الإجمالي ستتضاعف إلى 80% في السنوات العشر القادمة.
الإسراف المالي والتضخم
ويضيف فيلدستاين أن هناك ما يكفي من الشواهد التاريخية لتأكيد العلاقة بين الإسراف المالي والتضخم التابع له.
لكن الشواهد أيضا والتحليل الاقتصادي يظهر أن الآثار التضخمية يمكن تجنبها إذا لم تكن العجوزات المالية مرافقة لزيادة في المعروض النقدي وتخفيف السياسات المالية.
وعادة يرتفع معدل التضخم عندما يفوق الطلب العرض. كما أن العجز المالي يزيد الطلب عندما تزيد الحكومة من شراء السلع والخدمات أو تقوم بخفض الضرائب وتحفز المستهلكين على زيادة الإنفاق.
لكن هل سيؤدي العجز المالي الكبير إلى زيادة الأسعار؟ الجواب يعتمد على واقع السياسات النقدية. ففي حال عدم ترافق العجز المالي مع زيادة في المعروض النقدي الحفز المالي سيزيد معدل أسعار الفائدة على المدى القصير ما يعني إعاقة ارتفاع الطلب ومنع ارتفاع التضخم.
ولذلك فإن التخوف من التضخم يكمن في حقيقة أن العجز المالي سوف يؤدي إلى زيادة المعروض النقدي.
" الارتفاع الكبير في عجز الموازنة الأميركية ينذر بزيادة كبيرة في معدل التضخم في المستقبل " |
ويحدث هذا في الدول النامية التي لا تستطيع إصدار سندات حكومية فهي مضطرة لأن تقدم على طبع النقود. أما عندما لا يؤدي العجز إلى زيادة في المعروض النقدي فإن الشواهد تؤكد أنه لن يكون هناك زيادة في الأسعار.
ويقف مثالا صارخا على ذلك انخفاض التضخم كثيرا بالولايات المتحدة في بداية ثمانينيات القرن الماضي في الوقت الذي كانت ترتفع فيه عجوزات الموازنة.
فقد انخفض التضخم بسبب تقييد الاحتياطي الاتحادي للسياسة النقدية وسماحه لأسعار الفائدة بالارتفاع بصورة كبيرة.
الحال مختلف حاليا
لكن الحال مختلف حاليا. فعجز الموازنة الأميركية مصاحب لزيادات سريعة في المعروض النقدي وزيادة كبيرة في احتياطيات البنوك التجارية ما قد يتحول في وقت قصير إلى نمو نقدي متسارع.
ويرتفع الاحتياطي النقدي الزائد في البنوك التجارية بنسبة 15% سنويا ليصل إلى أكثر من 700 مليار دولار حاليا.
ويتكون المعروض النقدي من ودائع لدى البنوك مؤمنة حكوميا تملكها الشركات والعائلات وتتزايد بسبب المخاوف من نقص السيولة والتخوف من الاستثمار في مجالات أخرى بسبب الوضع القائم. لكن هذه الحالة قد تتغير عندما تتحسن الأوضاع الاقتصادية وتتحول هذه الأموال إلى مصادر للتضخم.
وتوقع فيلدستاين زيادة العلاقة بين العجوزات المالية الحكومية ونمو الاحتياطي النقدي للبنوك بشكل متسارع، بسبب السهولة النوعية التي يشتري بها الاحتياطي الاتحادي السندات الحكومية الأميركية التي تتحول في النهاية إلى سيولة في السوق.
كما أن الاحتياطي الاتحادي يخلق كمية كبيرة من السيولة بسياسته الخاصة بتقديم القروض مباشرة للقطاع الخاص. ورغم أن تقديم هذه القروض لا يزيد عجز الموازنة أدى شراء الاحتياطي الاتحادي أكثر من تريليون دولار من السندات الخاصة للشركات أدى إلى زيادة احتياطيات البنوك التجارية إلى أكثر من 700 مليار دولار.

وتقوم هذه البنوك بوضع الأموال لدى الاحتياطي الاتحادي مرة أخرى. لكن عندما يبدأ الاقتصاد بالتعافي يمكن تحويلها إلى قروض جديدة ونمو جديد للنقد. وسيلجأ الاحتياطي الاتحادي عند ذلك إلى محاولة منع هذه الأموال من رفع معدل التضخم.
لكن مهمة البنك المركزي لن تكون سهلة عند ذلك، لأن البنوك قد لا تقبل بتحويل احتياطياتها إلى ديون أخرى على الاحتياطي الاتحادي الذي لا يملك ما يكفي من سندات الخزانة للقيام بعمليات في السوق المفتوحة. أضف إلى ذلك أن مؤشرات الفائدة على المدى البعيد لا تعكس حقيقة أخطار التضخم القادمة.