اقتصاد مدمر في العراق بعد ست سنوات من الغزو

r : Iraqi Oil Minister Hussain al-Shahristani (R) listens as Midland Refineries director-general Dathar Al Khashab speaks as they tour a new 70,000 barrels per day refining

وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني (يمين) سمح لشركات النفط بالحصول على حصة أغلبية في مشروعات تطوير حقول النفط والغاز (رويترز-أرشيف)

بعد ست سنوات من الغزو الأميركي للعراق بدد انهيار أسعار النفط آمال الحكومة العراقية في إعادة إعمار البلاد وإعادة بناء اقتصاد دمرته ثلاثون سنة من الحروب والعقوبات الدولية.

 

وتقول صحيفة إندبندنت البريطانية في مقال إن العراق يواجه ما وصفه أحد المسؤولين العراقيين بـ"الكارثة" حاليا بعد انهيار أسعار النفط إلى نحو خمسين دولارا للبرميل من 147.24 دولارا في منتصف يوليو/تموز الماضي بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية.

 

كما تمثل صدمة النفط صداعا جديدا للرئيس الأميركي باراك أوباما لتزيد من تعقيد خططه لاستعادة الاستقرار إلى العراق وسحب القوات.

 

فبالإضافة إلى عدم توفر الأموال لإعادة البناء, فإن شحها يعني عدم استطاعة الحكومة تطوير صناعة النفط التي تمثل الرافد الرئيسي للإيرادات.

 

اقتصاد مدمر

ومن المفترض أن يتمتع العراقيون بالثراء مثلهم مثل السعوديين والكويتيين بالنظر إلى ضخامة ما يحويه باطن أرضهم من الثروة النفطية. لكن على عكس ذلك، انخفض المستوى المعيشي للعراقيين إلى ما دون دول أفريقيا جنوب الصحراء. وبعد ست سنوات من الإطاحة بالرئيس السابق صدام حسين يظل العراق يعاني من اقتصاد مدمر.

 

ورغم أن هبوط أسعار النفط أضر باقتصادات الدول النفطية فإن حاجات العراق تظل أكبر من غيره.

 

"
يعتقد كثير من العراقيين أن أحد أسباب احتلال الولايات المتحدة لبلدهم هو السيطرة على احتياطه النفطي
"

فقد تحسن الوضع الأمني للعراق منذ سنوات المذابح التي امتدت من 2005 و2007. ومعنى انخفاض حدة العنف أن العراقيين بدؤوا يتوقعون الاستفادة من السلام بحيث أصبحت الحكومة مطالبة بتوفير الوظائف والتعليم والرعاية الصحية وكلها دون مستويات الدول المجاورة للعراق.

 

لكن وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني حذر من أن العراق سوف يلجأ إلى خفض موازنته مرة أخرى لتضاف إلى ثلاث تخفيضات في الأشهر الأخيرة.

 

كما قدم الشهرستاني لشركات النفط الأجنبية تنازلا كبيرا هذا الأسبوع في محاولة يائسة لرفع إنتاج بلاده من النفط. فقد سمح لها بالحصول على حصة أغلبية في مشروعات تطوير حقول النفط والغاز وعلى 75% من الأرباح.

 

وقال الشهرستاني إن هناك حاجة لاستثمار خمسين مليار دولار لزيادة إنتاج العراق من النفط إلى ستة ملايين برميل يوميا من 2.4 مليون برميل حاليا.

 

وتزامن انخفاض أسعار النفط مع انخفاض المساعدات الأميركية ما جعل الوضع أصعب على العراق لشراء أسلحة للقوات المسلحة.

 

وقال الجنرال فرانك هيلمك رئيس القيادة الأمنية الانتقالية لقوات التحالف "عندما كنا نستطيع أن نقدم للعراق الأموال لم تكن هناك مشكلة، لكن النفط اليوم لم يعد بسعر 120 دولارا للبرميل. كما أنه لا توجد هناك رغبة للولايات المتحدة في إعطاء العراقيين مبالغ ضخمة".

 

المالكي يعزز موقفه

وعندما ارتفعت عائدات النفط استطاع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تعزيز موقفه السياسي عن طريق إيجاد وظائف جديدة وتخصيصها لمؤيديه.

 

ويقول مسؤول عراقي سابق إن عدد موظفي الدولة ارتفع من 1.2 مليون موظف في 2005 إلى 2.8 مليون في 2008.

 

وتقول وزارة الدفاع الأميركية إن عدد الجيش وقوات الشرطة والمؤسسات الأمنية الأخرى ارتفع إلى 609 آلاف حاليا من 250 ألفا قبل عامين. كما شهد عام 2008 ارتفاعا في مرتبات المدرسين وموظفي الدولة.

 

ونتيجة لهذا الإنفاق السخي فإن 80% من الموازنة تخصص للمرتبات والمعاشات ومخصصات الغذاء والأمن. ويفوق الإنفاق الشهري العائدات بنسبة كبيرة.

 

وتعتمد الحكومة العراقية على بعض الفوائض من الموازنات السابقة في إنفاقها الحالي لكن هذه الفوائض بدأت في النضوب ما عرض بعض العقود للخطر.

 

فقد استطاعت الحكومة تسديد سبعة مليارات دولار نقدا كدفعة أولى من عقد لاستيراد توربينات ومعدات كهربائية لكنها تريد الآن تأخير الدفعات الباقية.

 

"
تقول وزارة الدفاع الأميركية إن عدد الجيش وقوات الشرطة والمؤسسات الأمنية الأخرى بالعراق ارتفع إلى 609 آلاف حاليا من 250 ألفا قبل عامين كما شهد عام 2008 ارتفاعا في مرتبات المدرسين وموظفي الدولة
"

وعلى المدى البعيد يبشر المستقبل بأن العراق في وضع يساعده على رفع إنتاجه من النفط ليحاكي إنتاج السعودية. فلديه نحو 115 مليار برميل من النفط على شكل احتياطيات في باطن الأرض، لكنه ينتج حاليا من ثمانين حقلا للنفط استطاع تطوير 15 منها فقط.

 

وتقول تقديرات إن احتياطي البلاد من النفط قد يصل إلى 215 مليار برميل  تتركز حول البصرة في الجنوب. لكن قطاع النفط يعاني من تقادم تجهيزات الحقول التي يصل عمرها إلى ثلاثين عاما إضافة إلى هروب الفنيين خارج البلاد للحصول على وضع مالي أفضل.

 

وفي الوقت الذي تحتاج فيه وزارة النفط إلى الخبرة الأجنبية لا ترغب في توقيع اتفاقيات مشاركة إنتاج مع الشركات الأجنبية.

 

السيطرة على احتياطيات النفط

ويعتقد الكثير من العراقيين أن أحد أسباب احتلال الولايات المتحدة لبلدهم هو السيطرة على احتياطه النفطي.

يذكر أن قرار تأميم صناعة النفط عام 1972 من القرارات التي لم ينتقدها أحد العراقين لا في زمن الرئيس السابق صدام حسين ولا بعده، حتى إن أي محاولة في اتجاه معاكس توصم بأنها خيانة للمصلحة القومية.

 

لكن المكان الوحيد الذي استطاعت أن تخترق فيه الشركات هذه القاعدة هو إقليم كردستان ما أدى إلى نزاع مستمر بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية.

 

ينتج العراق حاليا من ثمانين حقلا للنفط استطاع تطوير 15 منها فقط (رويترز-أرشيف)
ينتج العراق حاليا من ثمانين حقلا للنفط استطاع تطوير 15 منها فقط (رويترز-أرشيف)

 

كل هذه الأمور لم تكن مهمة في الماضي القريب. فقد تدفقت على خزائن الدولة مليارات الدولارات بسبب ارتفاع أسعار النفط ودعت وزارة النفط الشركات العالمية لتوفير التكنولوجيا والخدمات لقطاع النفط، لكن ليس للمشاركة في الإنتاج.

 

ويبقى الوضع بين الوزارة والشركات بدون تغيير. لكن ميزان القوى بين الدول النفطية والشركات تغير كثيرا في الأشهر الأخيرة مع انخفاض أسعار النفط، ربما بصورة أكبر لصالح الشركات.

المصدر : إندبندنت