الحج خطوة بخطوة
دليل مرئي مفصل لمراحل الحج في مكة المكرمة.
ينطلق ملايين المسلمين من شتى بقاع الأرض لأداء شعيرة الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام، الذي فرضه الله تعالى على كل مسلم بالغ قادر مرة واحدة في العمر.
وبدأت هذه الرحلة المباركة هذا العام بين الرابع والثامن من يونيو/حزيران الجاري، إذ توافد الحجيج إلى المشاعر المقدسة، مستجيبين لنداء إبراهيم عليه السلام، ومحققين أمنية لطالما راودت قلوبهم.
لكن، كيف تسير مناسك الحج يوما بيوم؟ وكيف تبدو تفاصيل هذه الرحلة الروحانية على أرض الواقع؟
في الفيديو التوضيحي التالي، نستعرض الخطوات الأساسية لأداء الحج. وإن كنت ترغب في فهم أعمق لكل نسك، فتابع القراءة والمشاهدة لتغوص في تفاصيل الرحلة الإيمانية التي تهز القلوب وتجدد العهد مع الله.
الوصول إلى الحج
قبل الشروع في أداء المناسك، يبدأ الحجاج رحلتهم بالإحرام، وهو أولى خطوات الدخول في النسك. ويُستهل الإحرام بالنية، أي نية أداء فريضة الحج تقربا إلى الله.
يرتدي الرجال خلال الإحرام رداء وإزارا أبيضين غير مخيطين، في حين تلبس النساء لباسا محتشما يراعي ضوابط الشريعة من دون تعيين لون محدد. وتعد هذه الهيئة رمزا قويا للمساواة، إذ تذوب فيها الفوارق الطبقية والمادية والعرقية، ليقف الجميع سواسية بين يدي الله، لا يميزهم سوى التقوى والنية الخالصة.
المواقيت الزمانية: أهم موعد زمني في الحج هو توقيت أداء ركنه الأعظم، وهو الوقوف في صعيد عرفة (يوم التاسع من ذي الحجة) لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة". واتفق الفقهاء على جواز بداية الإحرام للحج من أول شهر شوال إلى يوم التاسع من ذي الحجة.
المواقيت المكانية: وهي الأماكن التي عينها النبي -صلى الله عليه وسلم- ليُحرِم منها من أراد الحج أو العمرة حسب الجهة التي يقدم منها إلى مكة، وهي 5 أماكن: ذو الحليفة، والجحفة، ويلملم، وقرن المنازل، وذات عرق.
ويتم الإحرام في هذه المواقيت عند السفر برا، أما في حال السفر جوا، فيمكن لبس الإحرام قبل ركوب الطائرة أو على متنها والتلبية عند المرور فوق الميقات أو بمحاذاته.

طواف القدوم والسعي بين الصفا والمروة
بعد دخول مكة المكرمة محرمين، يبدأ كثير من الحجاج مناسكهم بأداء طواف القدوم، وهو طواف حول الكعبة المشرفة، بيت الله الحرام، 7 مرات عكس اتجاه عقارب الساعة. ويمثل هذا الطواف تجسيدا لوحدة المسلمين في عبادة الله الواحد، واتحادهم في الاتجاه والمقصد.
عقب الطواف، ينتقل الحاج إلى شعيرة السعي، حيث يمشي 7 مرات بين جبلي الصفا والمروة داخل أروقة المسجد الحرام، استحضارا لقصة السيدة هاجر وبحثها عن الماء لرضيعها إسماعيل عليه السلام، في مشهد يعكس الإيمان والصبر والتوكل على الله.
وفي قلب المسجد الحرام بمكة المكرمة، تتربع الكعبة المشرفة، أقدس بقاع الإسلام وأول بيت وضع للناس لعبادة الله. والكعبة –التي يعني اسمها "المكعب"– هي القبلة التي يتجه نحوها أكثر من مليار مسلم حول العالم في صلاتهم كل يوم.
يؤمن المسلمون بأن النبي إبراهيم وابنه إسماعيل (عليهما السلام) شيّدا الكعبة بأمر من الله، لتكون رمزا للتوحيد ومهوى أفئدة المؤمنين.
وتبلغ أبعاد الكعبة نحو 13.1 مترا ارتفاعا، و12.8 مترا طولا، و11.03 مترا عرضا. وهي مكسوة بغطاء أسود حريري يُعرف بالكسوة، تتزين بخيوط من الذهب والفضة تنسج آيات من القرآن الكريم، في منظر مهيب يبعث في النفس الخشوع والرهبة.
المبيت في منى
بعد أداء طواف القدوم والسعي، يتوجه الحجاج إلى مِنى، الواقعة على بُعد نحو 8 كيلومترات شرق المسجد الحرام. وهناك يقضون يومهم في الدعاء والذكر والمبيت استعدادا ليوم عرفة، الركن الأعظم من الحج.
تُعرف منى بـ"مدينة الخيام"، إذ تضم أكثر من 100 ألف خيمة بيضاء مجهزة لإيواء الحجاج، في مشهد مهيب يعكس وحدة المسلمين وتفرغهم الكامل لعبادة الله في أيام معدودات.


يوم عرفة.. ذروة الشعائر وموقف الدعاء
في اليوم التاسع من ذي الحجة، يتوافد الحجاج منذ الصباح الباكر إلى صعيد عرفات، الواقع على بعد نحو 15 كيلومترا شرقي منى، ليشهدوا الركن الأعظم من الحج. ويقفون هناك بدءا من زوال الشمس (وقت الظهر) حتى غروبها، في مشهد مهيب يرفعون فيه أكف الدعاء، ويستغفرون ويتضرعون إلى الله، سائلين القبول والمغفرة.
الوقوف بعرفة هو قلب الحج وروحه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة"، دلالة على عظم هذا اليوم ومكانته. ويعد هذا الوقوف تذكيرا بموقف الحشر، حين يقف الناس جميعا بين يدي الله تعالى يوم القيامة، لا فرق بين غني وفقير، أو قوي وضعيف.
ولا يقتصر فضل هذا اليوم على الحجاج فحسب، بل يستحب للمسلمين حول العالم صيام يوم عرفة، لما له من أجر عظيم، إذ يكفر الله به ذنوب عام مضى وعام مقبل، كما يحثون على الإكثار من الدعاء والذكر والتدبر في عظمة الموقف.

المبيت في مزدلفة استعدادا للجمرات
مع غروب شمس يوم عرفة، ينفر الحجاج بهدوء من صعيد عرفات إلى مزدلفة، الواقعة على بُعد نحو 9 كيلومترات، في مشهد يعكس الانضباط والطاعة. وهناك، يجمعون بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير، ويقضون ليلتهم تحت السماء، في سكينة وتأمل وذكر لله تعالى.
في مزدلفة، يجمع الحجاج الحصى التي سيستخدمونها في شعيرة رمي الجمرات في اليوم التالي، مستحضرين بذلك رمزية طرد الشيطان والانتصار على النفس، ضمن رحلتهم لتطهير القلوب والتقرب إلى الله.

عيد الأضحى ورمي جمرة العقبة الكبرى
يوافق اليوم العاشر من ذي الحجة أول أيام عيد الأضحى المبارك، العيد الذي يحتفل به المسلمون حول العالم، إحياء لذكرى تضحية النبي إبراهيم عليه السلام واستسلامه لأمر الله.
وفي هذا اليوم، يؤدي الحجاج عددا من الشعائر:
- رمي جمرة العقبة الكبرى:
يتوجه الحجاج من مزدلفة إلى منى، حيث يرمون جمرة العقبة -وهي كبرى الجمرات الثلاث– بـ7 حصيات متتالية. وترمز هذه الشعيرة إلى مقاومة الشيطان ورفض وساوسه، اقتداء بموقف إبراهيم عليه السلام حين تصدى للشيطان بثبات في طريقه لتنفيذ أمر الله.
ويمثل الرمي لحظة انتصار رمزية على هوى النفس والنزعات الدنيوية، وتأكيدا للعزم على السير في طريق الطاعة والخضوع لأوامر الله وحده.

- الهدي
يُقدم الحجاج، أو وكلاؤهم نيابة عنهم، ذبائح من الحيوانات في هذا اليوم، إحياءً لذكرى استجابة النبي إبراهيم عليه السلام لأمر الله واستعداده لتقديم ابنه قربانا طاعة لله، قبل أن يفديه الله بكبش عظيم. ويُعد الهدي تجسيدا للتضحية في سبيل الله، وتعبيرا عن العطاء والكرم.
- الحلق أو التقصير
بعد إتمام ذبح الهدي، يقوم الرجال بحلق رؤوسهم أو تقصيرها، بينما تقتصر النساء على تقصير جزء يسير من شعر الرأس، في فعل رمزي يعكس التنقية والتجديد الروحي، ودلالة على اكتمال مرحلة من مراحل النسك.
- طواف الإفاضة (الطواف الرئيسي)
يعود الحجاج إلى مكة المكرمة لأداء طواف الإفاضة حول الكعبة المشرفة، ثم يعقبونه بالسعي بين الصفا والمروة 7 مرات. وتُحيي هذه الشعيرة قصة السيدة هاجر عليها السلام، حينما بحثت يائسة عن الماء لطفلها إسماعيل، مؤكدين بذلك الإيمان العميق والصبر والثبات في رحلة التوحيد.

رمي الجمرات واستكمال المناسك
بعد أداء طواف الإفاضة، يعود الحجاج إلى منى ليواصلوا مناسكهم برمي الجمرات الثلاث كل يوم على مدار اليومين الرابع والخامس من الحج. وتُرمى كل من الجمرات الصغرى والوسطى والكبرى بـ7 حصيات لكل واحدة، في تأكيد لطرد وساوس الشيطان والتمسك بطريق الطاعة.
وبالنسبة إلى الحجاج الذين يختارون المبيت في منى ليوم إضافي، يكررون رمي الجمرات الثلاث مرة أخرى في اليوم الخامس، وهي فرصة إضافية للتقرب إلى الله وإتمام النسك على أكمل وجه.

طواف الوداع– الختام الروحي لرحلة الحج
قبل مغادرتهم مكة المكرمة، يؤدي الحجاج طواف الوداع، وهو الطواف الأخير حول الكعبة المشرفة، ويمثل هذا الطواف وداعا روحانيا للمسجد الحرام، وختاما لمناسك الحج التي جمعت بين العبادات واللحظات الإيمانية العميقة.
يُعد طواف الوداع تعبيرا عن الشوق للعودة يوما ما إلى هذا المكان المبارك، واستمرارية العهد مع الله بعد انتهاء رحلة الحج، ليحمل الحاج في النفس نبل الذكر والامتنان.
