دليلك السياحي إلى اكتشاف ألبانيا.. الجوهرة المخفية في غرب البلقان

ألبانيا، الجوهرة المخفية في غرب البلقان، تعدّ من أسرع الوجهات السياحية نموًا في أوروبا، حيث تمتزج فيها الثقافة الغنية بالمغامرات الشيقة.

يتناغم المناخ المتنوع مع التضاريس المدهشة، فتجد فيها شواطئ مشمسة، وغابات كثيفة، ووديانًا خصبة، وسهولًا هادئة، مما يجعلها وجهة مثالية تلبي شغف عشاق المغامرات والاستجمام معًا
يتناغم المناخ المتنوع مع التضاريس المدهشة، فتجد فيها شواطئ مشمسة، وغابات كثيفة، ووديانًا خصبة، وسهولًا هادئة، مما يجعلها وجهة مثالية تلبي شغف عشاق المغامرات والاستجمام معًا
يتناغم المناخ المتنوع في ألبانيا، مما يجعلها وجهة مثالية تلبي شغف عشاق المغامرات والاستجمام معًا (الجزيرة)
يتناغم المناخ المتنوع في ألبانيا، مما يجعلها وجهة مثالية تلبي شغف عشاق المغامرات والاستجمام معًا (الجزيرة)

ألبانيا، الجوهرة المخفية في غرب البلقان

بيرات.. مدينة

قلعة كرويا.. رحلة عبر الزمن بين التاريخ العريق والطبيعة الخلابة

دورس.. عروس الأدرياتيكي التي تسحر زوارها

30 معلما في 4 جولات.. مسارك السياحي لاستكشاف العاصمة الألبانية تيرانا

ألبانيا - الجوهرة المخفية في غرب البلقان، تأسر زوارها بجمالها الطبيعي الأخّاذ، ومدنها التاريخية العريقة، وسواحلها الفيروزية التي تعانق البحر الأدرياتيكي والأيوني. تعدّ من أسرع الوجهات السياحية نموًا في أوروبا، حيث تمتزج فيها الثقافة الغنية بالمغامرات الشيقة، مع تكاليف سفر منخفضة مقارنة بجاراتها الأوروبيات.

في مساحة جغرافية صغيرة نسبيًا، تمتد ألبانيا من القمم الشاهقة لجبال الألب الألبانية في الشمال إلى الشواطئ الخلابة في الجنوب، ومن القلاع الحصينة التي تحكي فصولًا من البطولات إلى الأسواق العتيقة التي تنبض بالحياة. هنا، تتجلى تأثيرات الحضارات الشرقية والغربية، حيث تتجاور المآذن العثمانية مع الأبراج البيزنطية، ويشكل التعايش الديني لوحة ثقافية نابضة بالحضارة والتنوع.

في هذه الأرض، يتناغم المناخ المتنوع مع التضاريس المدهشة، فتجد فيها شواطئ مشمسة، وغابات كثيفة، ووديانًا خصبة، وسهولًا هادئة، مما يجعلها وجهة مثالية تلبي شغف عشاق المغامرات والاستجمام معًا. لكن التنوع في ألبانيا لا يقتصر على طبيعتها الخلابة، بل ينعكس في ثقافتها الغنية وموروثها الشعبي، حيث تتميز كل منطقة بأزيائها التقليدية وألحانها الفريدة، بينما تعكس الفنون والعادات الاجتماعية روح التعددية والتعايش العريق. حتى مطبخها يعكس هذا الغنى الثقافي، حيث تتداخل فيه التأثيرات العثمانية والإيطالية والبلقانية، ما يمنح زائريها تجربة استثنائية تلامس جميع الحواس.

غير أن سحر ألبانيا لا يكمن في طبيعتها الخلابة وتاريخها العريق فحسب، بل يتجلى أيضًا في دفء أهلها وكرم ضيافتهم، ما يجعل الزائر يشعر وكأنه في وطنه الثاني.

في هذا الدليل السياحي، تصحبكم الجزيرة نت في رحلة لاكتشاف واحدة من آخر الكنوز المخفية في أوروبا، حيث نستعرض أجمل معالمها الطبيعية، ونغوص في عمق ثقافتها الغنية، ونتوقف عند تجاربها السياحية الفريدة التي تجعلها وجهة استثنائية لا تُشبه غيرها.

في هذا الدليل السياحي، تصحبكم الجزيرة نت في رحلة لاكتشاف واحدة من آخر الكنوز المخفية في أوروبا
في هذا الدليل السياحي، تصحبكم الجزيرة نت في رحلة لاكتشاف واحدة من آخر الكنوز المخفية في أوروبا (الجزيرة)

عشرة محاور:

  • 1 ـ ألبانيا.. معلومات أساسية.
  • 2 ـ لماذا ألبانيا وجهة سياحية فريدة؟
  • 3 ـ المدن التاريخية الألبانية.. متاحف مفتوحة تروي فصول التاريخ.
  • 4 ـ السياحة الساحلية في ألبانيا.. سحر البحرين الأدرياتيكي والأيوني.
  • 5 ـ المحميات الطبيعية في ألبانيا.. روائع بيئية ومقاصد سياحية ساحرة.
  • 6 ـ قلاع ألبانيا.. حين ينطق الحجر بتاريخ الأمة وينبعث تراثها من بين الأسوار.
  • 7 ـ متاحف ألبانيا.. نهضة ثقافية تعيد رسم المشهد السياحي.
  • 8 ـ الملامح الثقافية والفنية والعادات والتقاليد.
  • 9 ـ البازارات الأثرية.. أسواق تنبض بالتراث وتزخر بمنتجات الحرف اليدوية.
  • 10 ـ خمس نصائح ذهبية لرحلة لا تُنسى في ألبانيا.

1 ـ ألبانيا.. معلومات أساسية

تقع ألبانيا في غرب منطقة البلقان، جنوب شرق أوروبا، وتتميز بموقع استراتيجي جعلها عبر العصور نقطة التقاء للحضارات الكبرى، ما بين الشرق والغرب. يحدها من الشمال الجبل الأسود، ومن الشمال الشرقي كوسوفا، ومن الشرق مقدونيا الشمالية، ومن الجنوب اليونان، بينما تمتد سواحلها الغربية على البحر الأدرياتيكي وسواحلها الجنوبية الغربية على البحر الأيوني، مما وفر لها إطلالة بحرية مميزة سهلت الاتصال التجاري والثقافي مع حضارات البحر الأبيض المتوسط.

  • البداية التاريخية.. من الإيليريين إلى الرومان:

يعود تاريخ ألبانيا إلى آلاف السنين، حيث كانت موطنًا للإيليريين، وهم الشعب القديم الذي يُعتبر الأجداد الأوائل للألبان. كانت هذه القبائل معروفة بمقاومتها القوية ضد الإمبراطوريات الكبرى مثل الإغريق والرومان، وقد تركت خلفها العديد من الآثار التي لا تزال قائمة حتى اليوم، مثل القلاع والحصون المنتشرة في المناطق الجبلية.

تعتبر مدينة كرويا رمز للهوية الألبانية وتحفل بتاريخ عريق في أحضان طبيعة خلابة.
تعدّ ألبانيا جوهرة مخفية في غرب البلقان تأسر زوارها بجمالها الطبيعي ومدنها التاريخية العريقة (الجزيرة)

مع دخول الرومان إلى المنطقة في القرن الثاني قبل الميلاد، أصبحت ألبانيا جزءًا من الإمبراطورية الرومانية، مما أدى إلى ازدهار المدن الساحلية مثل دورس، التي تحولت إلى مركز تجاري مهم بفضل موقعها البحري الاستراتيجي. كما شهدت مدينة أبولونيا نهضة ثقافية وعلمية، حيث كانت تضم إحدى أشهر الأكاديميات الفلسفية في العالم القديم.

  • العصور الوسطى وصعود إسكندر بك:

مع انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية، خضعت ألبانيا لتأثيرات مختلفة من الإمبراطوريتين البيزنطية والصربية، إلا أنها احتفظت بهويتها الخاصة. وفي القرن الخامس عشر، برز القائد العسكري الشهير إسكندر بك، الذي أصبح رمزًا قوميًا للألبان بفضل مقاومته القوية ضد الإمبراطورية العثمانية. خاض هذا القائد معارك شرسة ضد الجيوش العثمانية، وتمكن من صدها لسنوات طويلة، مما أكسبه احترامًا عالميًا حتى في أوروبا الغربية، حيث اعتبرته البابوية مدافعًا عن المسيحية في وجه التوسع العثماني.

  • الحكم العثماني.. أربعة قرون من التأثير:

بعد وفاة إسكندر بك، سقطت ألبانيا تحت الحكم العثماني عام 1478 واستمر هذا النفوذ لأكثر من أربعة قرون. تميزت هذه الحقبة بتحولات اجتماعية ودينية وثقافية عميقة، حيث اعتنق غالبية الألبان الإسلام، مما ساهم في ظهور ثقافة تمزج بين العناصر العثمانية الشرقية والأوروبية الغربية. ازدهرت الفنون والهندسة المعمارية، وبُنيت المساجد والجسور والحمامات العثمانية التي لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم.

26_نهر_كيري_أحد_الأنهار_الجبلية_الصغيرة_والمميزة_في_شمال_غرب_ألبانيا
تعدّ ألبانيا من أسرع الوجهات السياحية نموًا في أوروبا حيث تمتزج فيها الثقافة الغنية بالمغامرات الشيقة (الجزيرة)
  • الاستقلال وبناء الدولة الحديثة:

مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تصاعدت الحركات الوطنية الألبانية التي طالبت بالاستقلال عن العثمانيين. وفي 28 نوفمبر 1912، أعلن الزعيم إسماعيل كمال استقلال ألبانيا عن الحكم العثماني، ليبدأ بذلك فصل جديد في تاريخ البلاد. رغم ذلك، واجهت ألبانيا تحديات كبيرة، أبرزها الصراعات الداخلية والتدخلات الأجنبية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث احتلتها إيطاليا لفترة ثم ألمانيا النازية، قبل أن تتحول إلى جمهورية اشتراكية تحت قيادة أنور هوجا عام 1946.

  • العزلة الشيوعية وسقوط النظام:

خلال حكم أنور هوجا، أصبحت ألبانيا واحدة من أكثر الدول عزلة في العالم، حيث انتهج النظام سياسة صارمة منغلقة على الذات، وقطع العلاقات حتى مع الدول الاشتراكية الأخرى مثل الاتحاد السوفيتي والصين. تميزت هذه الفترة بالقمع السياسي والاقتصادي، وبناء آلاف المخابئ الدفاعية في جميع أنحاء البلاد خوفًا من الغزو الخارجي. ومع انهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية، شهدت ألبانيا اضطرابات داخلية، إلى أن انهار النظام رسميًا عام 1991، معلنًا بداية حقبة جديدة من التحول الديمقراطي والانفتاح على العالم.

  • ألبانيا اليوم.. وجهة سياحية صاعدة:

بعد أكثر من ثلاثة عقود من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، أصبحت ألبانيا اليوم واحدة من أسرع الوجهات السياحية نموًا في أوروبا. تتميز البلاد بتضاريسها المتنوعة التي تجمع بين الجبال الشاهقة، والوديان الخصبة، والشواطئ البكر، حيث يزدهر قطاع السياحة بفضل الجمال الطبيعي الذي لم يطله التوسع العمراني المفرط، بالإضافة إلى التراث الثقافي العريق الذي يمتد عبر العصور.

  • مناخ ألبانيا: يتمتع بطابع متوسطي، حيث يكون الصيف دافئًا وجافًا، والشتاء معتدلًا ورطبًا، مما يجعلها وجهة مثالية للزيارة على مدار العام، وإن كان الربيع والخريف هما الأفضل للاستمتاع بتجربة متكاملة بعيدًا عن ازدحام السياح.
  • اللغة الرسمية: تُعتبر الألبانية اللغة الرسمية، وتنقسم إلى لهجتين رئيسيتين: "التوسك" في الجنوب و"الغيغ" في الشمال، كما أن العديد من السكان يتحدثون الإيطالية والإنجليزية، مما يسهل التواصل مع الزوار الأجانب.
  • سمة التنوع المذهل: تُعد ألبانيا نموذجًا فريدًا للتنوع المذهل لدولة استطاعت أن تجمع بين ماضيها العريق ومستقبلها الواعد، حيث تمتزج المعالم الأثرية بالحياة العصرية، والتقاليد القديمة بروح الانفتاح والتطور.
في مساحة جغرافية صغيرة نسبيًا، تتنوع جغرافية ألبانيا من قمم الجبال الشاهقة إلى الشواطئ الخلابة (الجزيرة)

2 ـ لماذا ألبانيا وجهة سياحية فريدة؟

تمزج ألبانيا بين التاريخ العريق، والطبيعة الخلابة، والثقافة الغنية، مما يجعلها واحدة من أكثر الوجهات السياحية تميّزًا في قلب البلقان. فهي جسر ثقافي بين الشرق والغرب، حيث تتجلى فيها بصمات الحضارات الرومانية والعثمانية والإيطالية، سواء في عمارتها أو عاداتها وتقاليدها. كما تُعد نموذجًا فريدًا للتعايش الديني، إلى جانب كونها دولة مستقرة تشهد نموًا سريعًا بعد عقود من العزلة.

بفضل موقعها الاستراتيجي وتكاليفها المعقولة، تمنح ألبانيا زائريها تجربة سياحية متكاملة، تجمع بين القلاع التاريخية والشواطئ الساحرة والمأكولات التقليدية الشهية، فضلًا عن كرم الضيافة الأصيل الذي يترك في النفوس أثرًا لا يُنسى.

إليك تسع أسباب تجعل من زيارتك لألبانيا تجربة سياحية استثنائية لا تُفوَّت!

  • 1 ـ بوابة البلقان.. موقع استراتيجي وسهولة الوصول

تقع ألبانيا في قلب البلقان الغربي، ما يمنحها موقعًا استراتيجيًا يسهل الوصول إليها من مختلف أنحاء أوروبا. بإطلالتها الساحرة على البحر الأدرياتيكي وقربها من إيطاليا واليونان، تشكل البلاد وجهة مثالية للمسافرين الباحثين عن تناغم فريد من الطبيعة الخلابة وسهولة التنقل.

في مساحة جغرافية صغيرة نسبيًا، تتنوع جغرافية ألبانيا من قمم الجبال الشاهقة إلى الشواطئ الخلابة
في مساحة جغرافية صغيرة نسبيًا، تتنوع جغرافية ألبانيا من قمم الجبال الشاهقة إلى الشواطئ الخلابة (الجزيرة)

يربط مطار تيرانا الدولي (Nënë Tereza Airport) ألبانيا بالعديد من العواصم الأوروبية عبر رحلات مباشرة، مما يجعلها وجهة مريحة للسفر جوًا. كما تتيح شبكة الطرق البرية الحديثة والعبّارات البحرية القادمة من إيطاليا واليونان خيارات إضافية للوصول، ما يوفر تجربة سفر سلسة تلبي احتياجات مختلف الزوار.

  • 2 ـ جسر حضاري وهوية ثقافية فريدة

تقف ألبانيا عند مفترق الطرق بين الشرق والغرب، حيث ساهم موقعها الاستراتيجي في غرب البلقان في تشكيل هويتها الثقافية الفريدة، وجعلها جسرًا تلتقي عنده الحضارات الكبرى. فمن الحضارة الإليرية والرومانية والبيزنطية، مرورًا بالعصر العثماني، وصولًا إلى التأثيرات الإيطالية الحديثة، تشكلت في ألبانيا فسيفساء ثقافية نابضة تعكس عمق تراثها الإنساني.

يبرز هذا الإرث بوضوح في مدنها التاريخية، مثل بيرات  وجيروكاسترا، المدرجتين ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. تُعرف بيرات باسم 'مدينة الألف نافذة'، بفضل منازلها البيضاء المتراصة وهندستها العثمانية المتناسقة، بينما تشتهر مدينة جيروكاسترا ببيوتها الحجرية العتيقة التي تعكس روعة العمارة العثمانية في البلقان.

التنوع الحضاري منح ألبانيا طابعًا استثنائيًا ينعكس في معمارها، وموسيقاها، وعاداتها، مما يجعل زيارتها أشبه برحلة عبر الزمن بين عصور التاريخ المختلفة
التنوع الحضاري منح ألبانيا طابعًا استثنائيًا ينعكس في معمارها، وموسيقاها، وعاداتها، مما يجعل زيارتها أشبه برحلة عبر الزمن بين عصور التاريخ المختلفة (الجزيرة)

إلى جانب ذلك، تحتضن ألبانيا قلاعًا تاريخية تحكي فصولًا من ماضيها العريق، مثل قلعة كرويا، التي كانت معقل البطل الوطني إسكندر بك في مقاومته ضد العثمانيين، وقلعة أشكودرا، التي تطل بإطلالة خلابة على بحيرة شكودرا. أما المتاحف المنتشرة في تيرانا ومدن أخرى، فهي نوافذ على تاريخ ألبانيا، من العصور القديمة حتى الحقبة الشيوعية، مانحة الزائر تجربة ثقافية غنية تعيد إحياء تاريخ البلقان.

هذا التنوع الحضاري منح ألبانيا طابعًا استثنائيًا ينعكس في معمارها، وموسيقاها، وعاداتها، مما يجعل زيارتها أشبه برحلة عبر الزمن بين عصور التاريخ المختلفة.

  • 3 ـ شعب بلقاني بهوية إسلامية وثقافة أوروبية

في قلب البلقان، حيث تتلاقى الحضارات وتتشابك التأثيرات الثقافية، يتألق الشعب الألباني بهوية فريدة تجمع بين الهوية الإسلامية، والتقاليد البلقانية، والثقافة الأوروبية. فمع تعداد سكاني يناهز السبعة ملايين نسمة، يشكل الألبان أكبر شعب مسلم في البلقان، لكن هويتهم تتجاوز البعد الديني لتعكس مزيجًا حضاريًا فريدًا، نتاج موقعهم الاستراتيجي كجسر بين الشرق والغرب.

3_تُعدُّ _مدينة_اشكودرا_ إحدى أيقونات التنوع الحضاري والثقافي في منطقة البلقان
في ألبانيا تتجلى تأثيرات الحضارات الشرقية والغربية لتشكل لوحة ثقافية نابضة بالحضارة والتنوع (الجزيرة)

تمتد جذور الألبان عميقًا في التاريخ، إذ يُعدّون من أقدم شعوب المنطقة، وتُعتبر لغتهم—التي تنتمي إلى العائلة الهندأوروبية—واحدة من أقدم اللغات الأوروبية التي لا تزال حية حتى اليوم. ورغم هذا الامتداد التاريخي، فقد حافظت ألبانيا على خصوصيتها الثقافية، حيث تتجلى روح البلقان في مدنها وأسواقها العتيقة، بينما يعكس معمارها وموسيقاها وأزياؤها مزيجًا فريدًا من التأثيرات الألبانية المحلية، والسمات العثمانية الشرقية، والنكهة الإيطالية الأوروبية، ما يجعل ثقافتها لوحة نابضة بالحياة تعكس التقاء العوالم المختلفة.

  • 4 ـ النموذج الأول للتعايش الديني في أوروبا

في منطقة البلقان، حيث تركت الصراعات العرقية والدينية بصماتها على العديد من الشعوب، تبرز ألبانيا كنموذج استثنائي للتعايش الديني. فعلى مدار التاريخ، لم تسجل أي صراعات دينية بين مكوناتها المجتمعية، مما حافظ على التنوع الديني الفريد للبلاد بين الإسلام والكاثوليكية والأرثوذكسية، وحمى تراثها الديني المتعدد من الاندثار.

تتميز ألبانيا بثقافتها الغنية وموروثها الشعبي حيث تتفرد كل منطقة فيها بأزيائها التقليدية وألحانها الفريدة
تتميز ألبانيا بثقافتها الغنية وموروثها الشعبي حيث تتفرد كل منطقة فيها بأزيائها التقليدية وألحانها الفريدة (الجزيرة)

يظهر هذا التناغم بوضوح في المعالم الدينية التي تزين مدن ألبانيا التاريخية، من المساجد العثمانية التي تحمل بصمات الفن الإسلامي الراقي، إلى الكنائس والأديرة البيزنطية والرومانية التي تعكس الإرث المسيحي العريق. هذا التمازج الثقافي والديني جعل من ألبانيا وجهة سياحية مميزة، حيث يجد الزائر نفسه في بلد يحتضن إرثًا دينيًا متنوعًا يعكس تاريخه الطويل من التعايش السلمي.

وليس من المستغرب أن تُصنَّف ألبانيا، وفق دراسات صادرة عن الاتحاد الأوروبي، كأحد أبرز النماذج في التعايش الديني داخل البلقان وأوروبا، حيث تتجسد في شوارعها وساحاتها ثقافة الاحترام والانفتاح المتبادل بين الأديان، ما يجعلها نموذجًا فريدًا في التعددية والتسامح.

  • 5 ـ من التحديات والانغلاق إلى الاستقرار والانفتاح

بعد أن كانت آخر دول شرق أوروبا والبلقان التي وصلت إليها رياح التغيير عقب سقوط الشيوعية، مرت ألبانيا بمرحلة انتقالية صعبة امتدت لعقدين من الزمن. غير أن العقد الثالث، بدءًا من انضمامها إلى حلف الناتو عام 2009، ثم حصولها على صفة الدولة المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عام 2014، شكّل نقطة تحول نحو الاستقرار والانفتاح على العالم.

تعد أشجار الزيتون والآبار بمثابة رموز تراثية ثقافية تعكس هوية كرويا
سحر ألبانيا يكمن أيضًا في عادات وتقاليد أهلها الراسخة وكرم ضيافتهم ما يجعل الزائر يشعر وكأنه في وطنه الثاني (الجزيرة)

اليوم، تشهد ألبانيا نهضة عمرانية وتطورًا سريعًا في بنيتها التحتية، إلى جانب طفرة ملحوظة في الخدمات السياحية، مما جعلها وجهة أكثر جذبًا للسياح والمستثمرين على حد سواء. وبينما تسير بخطى ثابتة نحو التكامل الأوروبي، تواصل البلاد تقديم مزيج فريد يجمع بين تراثها العريق وحداثتها المتسارعة، لتصبح واحدة من أكثر الوجهات الواعدة في منطقة البلقان.

  • 6 ـ  وجهة سياحية أوروبية ساحرة بأسعار معقولة

تعد ألبانيا واحدة من أكثر الوجهات السياحية الاقتصادية في أوروبا، حيث توفر مزيجًا رائعًا من الطبيعة الخلابة، والمعالم التاريخية، والتجارب الثقافية الفريدة، وكل ذلك بتكاليف أقل مقارنة بالدول المجاورة.

يمكن للسياح الاستمتاع بإقامة مريحة في فنادق راقية أو بيوت الضيافة التقليدية بأسعار تنافسية، بينما تتيح المطاعم المحلية تجربة المأكولات الألبانية الشهية بأسعار مناسبة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تكلفة التنقل والمواصلات الداخلية منخفضة، مما يتيح للزوار استكشاف المدن الساحلية والريف الألباني دون الحاجة إلى ميزانية كبيرة.

بينما تمتد سواحل ألبانيا الغربية على البحرين الأدرياتيكي والأيوني مما وفر لها إطلالة بحرية مميزة
بينما تمتد سواحل ألبانيا الغربية على البحرين الأدرياتيكي والأيوني مما وفر لها إطلالة بحرية مميزة (الجزيرة)

هذا التوازن بين الجودة والتكلفة يجعل ألبانيا خيارًا مثاليًا للمسافرين الباحثين عن مغامرة سياحية غنية بالتجارب، دون إنفاق مبالغ طائلة، مما يعزز مكانتها كوجهة سياحية متميزة في منطقة البلقان.

  • 7 ـ أرض الضيافة.. دفء الاستقبال وكرم فطري

يُعرف الشعب الألباني بكرم الضيافة الأصيل، وهو تقليد متجذر في ثقافتهم منذ قرون. فالزائر لألبانيا ليس مجرد سائح، بل ضيفًا مرحبًا به وسط مجتمع يعتز بتقاليده العريقة وروحه الدافئة. هذه البيئة الفريدة تمنح الزوار إحساسًا بالانتماء وكأنهم في وطنهم الثاني، ليبقى أثر الزيارة محفورًا في الذاكرة، وتجعل من كل رحلة إلى ألبانيا تجربة إنسانية مميزة لا تُنسى.

  • 8 ـ  تنوع جغرافي مذهل يجمع بين المغامرة والاسترخاء

تمتلك ألبانيا تنوعًا جغرافيًا استثنائيًا يجعلها وجهة فريدة تجمع بين المغامرة والاسترخاء في آنٍ واحد. فمن الشمال إلى الجنوب، ومن الجبال الوعرة إلى الشواطئ الفيروزية، يجد السائح نفسه في رحلة مدهشة يتنقل فيها بين مشاهد طبيعية آسرة وتجارب سياحية متنوعة.

في الشمال، تمتد جبال الألب الألبانية بقممها الشاهقة، حيث يمكن لعشاق المغامرة الاستمتاع بالتنزه والتسلق بين أحضان الطبيعة البكر. أما في الجنوب، فتأسر الريفييرا الألبانية الزوار بشواطئها الساحرة ومياهها الكريستالية، مقدمةً لهم ملاذًا مثاليًا للاسترخاء أمام أمواج البحر الأيوني الهادئة.

تُعد ألبانيا نموذجًا فريدًا للتنوع المذهل لذا أصبحت اليوم واحدة من أسرع الوجهات السياحية نموًا في أوروبا
تُعد ألبانيا نموذجًا فريدًا للتنوع المذهل لذا أصبحت اليوم واحدة من أسرع الوجهات السياحية نموًا في أوروبا (الجزيرة)

وبين هذه العوالم المتنوعة، تبرز البحيرات الطبيعية مثل بحيرة أوهريد وبحيرة شكودرا، حيث ينعكس صفاء المياه على أجواء المكان، مقدمًا فرصة رائعة للاستمتاع برحلات القوارب أو تجربة الصيد في أحضان الطبيعة.

هذا التنوع الجغرافي المذهل يجعل ألبانيا وجهة متكاملة ترضي عشاق المغامرة والطبيعة، وتوفر في الوقت ذاته ملاذًا هادئًا للراغبين في الاستجمام، مما يرسّخ مكانتها بين أبرز الوجهات السياحية الأوروبية لمحبي الاستكشاف والتجارب الفريدة.

  • 9 ـ وجهة آمنة لجميع المسافرين

تُصنَّف ألبانيا ضمن أكثر الدول أمانًا في أوروبا، حيث يتميز سكانها بالود والترحاب، مما يخلق أجواء مريحة للزوار من مختلف أنحاء العالم. كما أن معدلات الجريمة فيها منخفضة مقارنةً بالعديد من الوجهات السياحية الأخرى، مما يجعلها خيارًا مثاليًا للعائلات والمسافرين المنفردين على حد سواء.

تمزج ألبانيا بين التاريخ العريق والطبيعة الخلابة والثقافة الغنية ما جعلها واحدة من أكثر الوجهات السياحية تميّزًا في البلقان
تمزج ألبانيا بين التاريخ العريق والطبيعة الخلابة والثقافة الغنية ما جعلها واحدة من أكثر الوجهات السياحية تميّزًا في البلقان (الجزيرة)

بفضل هذه البيئة الآمنة، يمكن للزوار استكشاف مدنها التاريخية، وشواطئها الساحرة، ومناطقها الطبيعية الخلابة بكل طمأنينة، مما يجعل من ألبانيا وجهة مثالية لتجربة سياحية مريحة وخالية من القلق.

3 ـ المدن التاريخية الألبانية.. متاحف مفتوحة تروي فصول الزمن

تنبض المدن التاريخية الألبانية بروح الماضي، حيث تتشابك العمارة العثمانية مع الآثار الرومانية والقلاع العريقة، لتروي قصة أمة صاغت هويتها عبر القرون. من جيروكاسترا، مدينة الحجر المسجلة ضمن قائمة التراث العالمي، إلى بيرات، متحف العمارة العثمانية المفتوح، تأسر هذه المدن زوارها بأزقتها المرصوفة وأسواقها العتيقة.

وبينما تحمل كرويا إرث المقاومة بقيادة إسكندر بك، تجمع أشكودرا بين التنوع الثقافي والطبيعة الخلابة، في حين تظل دورس بوابة الحضارات على شواطئ الأدرياتيكي. كل مدينة ألبانية هي صفحة من كتاب التاريخ، تدعو السائح لخوض تجربة فريدة بين القلاع والأسواق والقصور، حيث يلتقي عبق الماضي بسحر الحاضر.

بفضل موقعها الاستراتيجي وتكاليفها المعقولة تمنح ألبانيا زائريها تجربة سياحية متكاملة
بفضل موقعها الاستراتيجي وتكاليفها المعقولة تمنح ألبانيا زائريها تجربة سياحية متكاملة (الجزيرة)

ولا تكتمل أي زيارة للمدن التاريخية الألبانية دون التجوّل في أحيائها التاريخية، فكل مدينة تاريخية في ألبانيا تخفي في قلبها حكايات الزمن، تحكيها أزقتها الضيقة، وأسواقها التقليدية، وعمارتها التي تحمل بصمات حقب مختلفة.

من الشمال إلى الجنوب، تجد البلدة القديمة في كل مدينة ألبانية تحتضن إرثها الثقافي بكل تفاصيله؛ من البازار القديم الذي يعج بالحرف التقليدية، إلى المساجد والكنائس التي تشهد على تاريخ طويل من التعايش، وصولًا إلى المنازل العثمانية في جيروكاسترا وبيرات، والطابع الأوروبي والإيطالي في تيرانا ودورس وأشكودرا. هذه المراكز ليست مجرد مواقع تاريخية، بل هي نبض المدينة وروحها التي تمنح الزائر تجربة فريدة لا تقتصر على الاستكشاف، بل تمتد لتشمل التفاعل مع السكان المحليين وتذوق المأكولات التقليدية.

إليك ستًا من أبرز المدن الألبانية التاريخية، وسنبدأ من أقصى جنوب البلاد ونتجه شمالًا:

  • 1- جيروكاسترا.. "المدينة الحجرية" أولى مدن ألبانيا في قائمة التراث العالمي

في جنوب ألبانيا، تتربع جيروكاسترا كواحدة من أكثر المدن التاريخية سحرًا، حيث تمتزج العمارة العثمانية بالحياة الثقافية الألبانية. تُعرف باسم "مدينة الحجر"، بفضل بيوتها التاريخية ذات الأبراج العالية التي تبدو كقلاع مصغّرة، مما منحها تميزًا معماريًا فريدًا. وتُعد القلعة القديمة التي تعود إلى العصور الوسطى قلب المدينة النابض، حيث تشرف على الأسواق القديمة والمسجد الأثري، لتكوّن معًا متحفًا مفتوحًا يعكس تراثًا يمتد لقرون.

1-تعد مدينة جيروكاسترا جوهرةُ ساحرة في جنوب ألبانيا فهى عثمانية في طرازها المعماري ألبانية في ثقافاتها وفنونها
تعد جيروكاستر المسجلة ضمن قائمة التراث العالمي بمثابة متحف مفتوح للعمارة العثمانية العريقة (الجزيرة)

في عام 2008، أصبحت جيروكاسترا أول مدينة ألبانية تُدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، تقديرًا لطابعها العمراني الفريد وصونها المتميز للإرث العثماني في البلقان. كما أنها مركز ثقافي نابض بالحياة، إذ تستضيف المهرجان الشعبي الوطني الذي يجمع الفنون الألبانية من مختلف أنحاء البلقان، مما يجعلها وجهة سياحية تجمع بين عبق التاريخ وزخم الفلكلور الألباني الأصيل.

  • 2- بيرات.. متحف مفتوح يحكي لك تطور فنون العمارة عبر العصور

في قلب جنوب ألبانيا، تُعرف **بيرات** بلقب "مدينة النوافذ فوق النوافذ"، حيث تتراص بيوتها العثمانية على سفوح التلال في مشهد معماري نادر. هذه المدينة، التي تمتد جذورها لأكثر من 2400 عام، تحكي قصة تطور فنون العمارة عبر العصور، من القلعة التاريخية التي تهيمن على المشهد، إلى المساجد والكنائس الأثرية التي تعكس التنوع الثقافي والديني الفريد. في المدينة القديمة، تتجاور البيوت ذات الشرفات الخشبية، بينما يمتد جسر حجري عمره خمسة قرون فوق نهر أوسوم، ليكمل لوحة تاريخية بديعة.

1_قلعة_بيرات_بوابات_أسوار-5
تنبض المدن التاريخية الألبانية بروح الماضي حيث تتشابك العمارة العثمانية مع الآثار الرومانية والقلاع العريقة (الجزيرة)

في عام 2008، أصبحت **بيرات ثاني مدينة ألبانية تُدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو**، تقديرًا لطرازها العثماني الفريد وتاريخها العريق في التعايش السلمي بين الأديان. هذا المزيج الاستثنائي من التراث المعماري والثقافي جعلها وجهة سياحية متميزة، حيث يشعر الزائر بأنه يسافر عبر الزمن، مستكشفًا كنوزًا محفوظة بعناية تروي فصولًا من تاريخ الحضارات المتعاقبة على هذه الأرض.

  • 3- تيرانا.. مزيج التراث العريق والحداثة المتسارعة

منذ أن أصبحت عاصمة ألبانيا الدائمة عام 1925، تجسد تيرانا مزيجًا متناغمًا بين التراث العريق والتطور المعماري المتسارع، مما جعلها إحدى أكثر العواصم حيوية في البلقان. وسط شوارعها النابضة بالحياة، تروي مقاهيها ومطاعمها قصصًا تمتد من الماضي إلى الحاضر، حيث تحول بعضها إلى متاحف إثنوغرافية تعكس الهوية الثقافية للمدينة، مما يمنح الزوار فرصة فريدة لاكتشاف الضيافة الألبانية وأصالة المطبخ المحلي في أجواء تبقى محفورة في الذاكرة.

42-يعد جامع تيرانا الكبير بمثابة تحفة عثمانية حديثة تزين قلب العاصمة الألبانية (1)
يعد جامع تيرانا الكبير بمثابة تحفة عثمانية حديثة تزين قلب العاصمة الألبانية (الجزيرة)

منذ تأسيسها عام 1614، شهدت تيرانا تحولات معمارية مذهلة، إذ تمتزج فيها المآذن العثمانية بالتصاميم الإيطالية والأوروبية، إلى جانب لمسات الحداثة المستوحاة من الطراز السوفيتي، مما يضفي على المدينة طابعًا فريدًا يجمع بين الماضي والحاضر. وبين ساحتها الرئيسية، ساحة "إسكندر بك"، وأحيائها التاريخية، يتجول الزائر عبر الزمن، مستمتعًا بمشاهد التنوع الثقافي والمعماري الذي يجعل من تيرانا وجهة لا تُشبه غيرها.

  • 4- دورس.. عروس الأدرياتيكي التي تأسر زوارها بتاريخها العريق وجمالها الطبيعي

على ضفاف البحر الأدرياتيكي، تأسر دورس زوارها بتاريخها العريق وجمالها الطبيعي، فهي أقدم مدن ألبانيا، تأسست في القرن السابع قبل الميلاد تحت اسم "إبيدامنوس"، وشهدت تعاقب الحضارات من الإيليريين إلى العثمانيين، مما جعلها كنزًا أثريًا مفتوحًا. بين شوارعها القديمة، يقف المدرج الروماني شامخًا، فيما تروي أسوارها البيزنطية وحماماتها الرومانية قصص الزمن، بينما تحرسها قلعة دورس وبرجها الفينيسي، اللذان يعكسان ماضيها الدفاعي العريق.

تشير شهادات لاحتمال وجود مدينة غارقة تُعرف بـ
تشير شهادات لاحتمال وجود مدينة غارقة تُعرف بـ"دورس القديمة" بنحو 27 ميلًا بحريًا شمال غرب المدينة (الجزيرة)

لكن سحر دورس لا يقتصر على آثارها، بل يمتد إلى شواطئها الذهبية الممتدة على 64 كيلومترًا، حيث يُعد شاطئ جوليم وخليج لالزلي ملاذًا لمحبي البحر والاسترخاء. وبين طابعها الثقافي المتنوع، يبرز جامع الفاتح وكاتدرائية القديسة لوسيا، شاهدين على تداخل الأديان في نسيج المدينة. في متحفها الأثري، تبوح دورس بأسرارها الغارقة في أعماق الزمن، فيما يقف قصر الملك زوغ الأول على تلالها المطلة، كرمز لحقبة تاريخية حديثة. إنها وجهة فريدة تجمع بين عبق التاريخ وسحر الطبيعة، في مشهد يأسر القلوب.

  • 5- كرويا.. جوهرة التراث الألباني

على بعد 32 كم شمال تيرانا، تتربع مدينة كرويا على سفح الجبل، حاملةً إرثًا تاريخيًا يعود إلى العصور الوسطى. تشتهر بقلعتها الأسطورية، التي كانت معقلًا للبطل الوطني إسكندر بك في مقاومته للجيوش العثمانية.

يعد البازار القديم قلب المدينة النابض، وأحد أعرق أسواق المنتجات اليدوية في ألبانيا، حيث تُعرض الحرف التقليدية الألبانية من سجاد مزخرف، وأوانٍ نحاسية، ومجوهرات فضية، في مشهد يعكس أصالة التراث. أما جامع السوق الأثري، الذي يعود تاريخه إلى خمسة قرون، فيجسد جمال العمارة الإسلامية العثمانية.

تنتشر زوايا وتكايا الطريقة البكتاشية على تلال وجبال المنطقة المحيطة وداخل مدينة كرويا
تنتشر زوايا وتكايا الطريقة البكتاشية على تلال وجبال المنطقة المحيطة وداخل مدينة كرويا (الجزيرة)

داخل أسوار القلعة، يقف متحف إسكندر بك شاهدًا على نضال الألبان، بينما يكشف المتحف الإثنوغرافي تفاصيل الحياة الألبانية عبر العصور. ومن أسوار القلعة، تمتد الإطلالات البانورامية الساحرة على المناظر الطبيعية المحيطة، مما يجعل كرويا وجهة فريدة تمزج بين التاريخ والجمال.

  • 6- اشكودرا.. لؤلؤة البلقان ومنارتها الثقافية

تعدُّ مدينة "أشكودرا" في شمال غرب ألبانيا واحدة من أبرز أيقونات التنوع الحضاري والطبيعي في البلقان، حيث تلتقي فيها روح الشرق والغرب، مشكّلة لوحة ثقافية غنية تمتزج فيها التأثيرات العثمانية والفينيسية والإيطالية. تتميز المدينة بموقعها الاستراتيجي عند التقاء ثلاثة أنهار، أهمها نهر درين الذي يربط بحيرتي أوهريد وأشكودرا، ما منحها بيئة طبيعية فريدة جعلتها وجهة لعشاق المغامرات والطبيعة. تضم "بحيرة أشكودرا" واحدة من أهم المحميات البيئية في أوروبا، كما تحتضن معالم تاريخية بارزة مثل "جسر ميسي" العثماني و"قلعة أشكودرا"، التي تعكس تاريخ المدينة العريق ودورها المحوري في المنطقة.

13_تلتقي_ثلاثة_أنهار_عند_المدخل_الجنوبي_لقلعة_اشكودرا_لتشكل_شبه_جزيرة_محاطة_بالمياه
تعدُّ مدينة اشكودرا شمال ألبانيا واحدة من أبرز أيقونات التنوع الحضاري والطبيعي في البلقان (الجزيرة)

أما على الصعيد الثقافي، فتشتهر "أشكودرا" بأنها مدينة متحفية بامتياز، حيث تضم "متحف ماروبي للتصوير الفوتوغرافي"، الأقدم من نوعه في البلقان، إلى جانب معالم معمارية فريدة مثل شارع كولي إدرومينو الذي يعكس الطراز الفينيسي. كما كانت مركزًا للتعليم الإسلامي، حيث لعبت مدارسها دورًا مهمًا في تخريج العلماء والمفكرين. وبينما تزخر بتراث معماري عثماني في مساجدها وبيوتها التقليدية، فإن تأثيرات الحضارات المتعاقبة تظهر جليًا في برج "ساعة الإنجليز" والمباني الأوروبية الطراز. في النهاية، تبقى "أشكودرا" وجهة استثنائية تجمع بين سحر الطبيعة وعمق التاريخ، مما يجعلها إحدى أجمل مدن ألبانيا وأكثرها غنىً ثقافيًا.

4 ـ السياحة الساحلية في ألبانيا.. سحر البحرين الأدرياتيكي والأيوني

يمتد الساحل الألباني بين البحر الأدرياتيكي والبحر الأيوني، ليقدم تنوعًا مذهلًا بين الشواطئ الرملية الهادئة على طول الأدرياتيكي والسواحل الصخرية الخلابة التي تحتضنها أمواج الأيوني. من فيليبويه في الشمال إلى كساميلي  في الجنوب، تتعاقب المناظر الطبيعية بين الخلجان السرية، البحيرات الساحلية، والمياه الكريستالية التي تعكس روعة الطبيعة.

يتميز الساحل الأدرياتيكي ـالذي يمتد من شمال ألبانيا حتى منبع المياه الباردة في مدينة فلورا الجنوبيةـ برماله الذهبية الممتدة في شواطئ مثل شينجيني، دورس، لاليزيت، حيث تندمج الراحة مع الأنشطة البحرية المتنوعة، بينما يسحر الساحل الأيوني ـالذي تمتد شواطئه من فلورا وحتى جنوب البلادـ زواره بتضاريسه الوعرة، مثل خليج فلورا، وخليج دافينا، جزر كساميل، مما يجعله وجهة مثالية لمحبي الغوص، القوارب، والمغامرات البحرية.

قصر الملك زوغ الأول يعلو تلة ترتفع 98 مترًا فوق سطح البحر مما يمنح الزوار إطلالات خلابة
قصر الملك زوغ الأول يعلو تلة ترتفع 98 مترًا فوق سطح البحر مما يمنح الزوار إطلالات خلابة (الجزيرة)

في كل زاوية من هذا الساحل، يجد الزائر تجربة استثنائية تجمع بين الاسترخاء والاستكشاف، حيث يلتقي جمال الطبيعة بعبق التاريخ، ليجعل من ألبانيا وجهة سياحية لا تُنسى في قلب البحر الأبيض المتوسط.

والآن، نستعرض عشرة من أبرز الشواطئ التي يتميز بها الساحل الألباني بجمالها وتنوعها، بدءًا من الشمال وصولًا إلى الجنوب

  • 1ـ فيليبويه.. توازن مثالي بين الاسترخاء والمغامرة

على الساحل الشمالي الغربي لألبانيا، تمتد فيليبويه بشاطئها الرملي الهادئ الذي يبلغ طوله 20 كيلومترًا، مما يجعلها وجهة مثالية لمحبي الاستجمام والمغامرة. تتميز بمياهها الصافية، وبنيتها السياحية المتطورة التي تشمل مطاعم حديثة وخيارات إقامة متنوعة، فضلًا عن سهولة الوصول إليها من مدينة أشكودرا. لكنها ليست مجرد شاطئ، بل بوابة لاكتشاف الطبيعة الألبانية، حيث يمكن للزوار الانطلاق في رحلة نهرية عبر بحيرة كوماني نحو وادي فالبونا وجبال الألب الشمالية، ليحظوا بتجربة تجمع بين هدوء الساحل وسحر المغامرة الجبلية.

  • 2ـ شاطئ شنجين.. وجهة ساحلية تجمع بين الراحة والجمال

يقع شاطئ شنجين في منطقة ليجه شمال ألبانيا، وهو من أبرز الوجهات السياحية في البلاد، حيث تمتد رماله الذهبية الطويلة وسط أجواء نابضة بالحياة، بفضل انتشار الفنادق والمتاجر والمقاهي الشاطئية التي توفر جميع الخدمات السياحية، مما يجعله خيارًا مثاليًا لعطلة شاطئية ممتعة.

يمتد الشاطئ على مساحة واسعة بطول 3 كيلومترات وعرض يصل إلى 75 مترًا، مع مدخل مائي متدرج يسمح بالسباحة على بُعد 30 مترًا من الشاطئ. كما تضفي غابة الصنوبر في أحد أجزائه لمسة طبيعية منعشة، توفر الظل والهواء النقي. وتكتمل التجربة بخيارات إقامة متنوعة من فنادق وشقق سياحية، تقع على مسافة قريبة، مما يجعل شنجين وجهة مثالية للاستجمام والاسترخاء.

Albania beaches Lalzi Bay Adriatic sea sunset
خليج لاليزيت يعد خيارًا مثاليًا لمحبي الاستجمام (شترستوك)
  • 3ـ خليج لاليزيت.. حيث يلتقي سحر الشاطئ بجمال الطبيعة

في شمال غرب تيرانا، يقع خليج لاليزيت، أحد أجمل الوجهات السياحية في ألبانيا، حيث تمتزج الرمال البيضاء بالمياه الفيروزية. يمتد هذا الشاطئ الساحر وسط غابات صنوبرية كثيفة تحيط بالساحل، ما يمنح المكان مناخًا متوسطيًا معتدلًا وهواءً نقيًا غنيًا برائحة الأشجار العطرية. بفضل شواطئه الواسعة ومياهه الهادئة، يعد ليالزيت خيارًا مثاليًا لمحبي الاستجمام، حيث يمتد الانحدار المائي تدريجيًا، مما يجعله آمنًا للعائلات والأطفال. وتكتمل التجربة بالبنية التحتية المتطورة، إذ تنتشر على طول الشاطئ المقاهي والمطاعم والأسواق، إلى جانب منتجعات وفنادق راقية توفر إقامة مريحة تناسب جميع الأذواق.

  • 4ـ شاطئ دورس.. الوجهة البحرية الأكبر والأكثر حداثة في ألبانيا

يُعد شاطئ دورس، من أكبر وأهم الشواطئ في ألبانيا، بل وواحدًا من أكثرها حداثة وجاذبية في المنطقة. وبفضل قربه من العاصمة تيرانا، يمثل خيارًا سريعًا ومريحًا للراغبين في قضاء وقت ممتع على الساحل. في السنوات الأخيرة، شهد الشاطئ إقبالًا متزايدًا، خاصة من قبل الألبان المقيمين خارج البلاد، في دول غرب البلقان مثل كوسوفا، مقدونيا الشمالية، والجبل الأسود، ما يجعله نقطة جذب سياحي متنامية.

تسحر دورس عروس الأدرياتيكي زوارها بتنوع معالمها الأثرية والثقافية وجمالها الخلاب
يُعد شاطئ دورس من أكبر وأهم الشواطئ في ألبانيا وواحدًا من أكثرها حداثة وجاذبية في المنطقة (الجزيرة)
  • 5ـ شاطئ جوليم.. مزيج من الاسترخاء والمغامرة

يبعد شاطئ جوليم 40 كيلومترًا غرب العاصمة تيرانا و10 كيلومترات جنوب دورس، ويتميز برماله الذهبية ومياهه الفيروزية الصافية، مما يجعله مثاليًا لمحبي الاستجمام. رغم ازدحامه في الموسم السياحي، تتيح مساحته الواسعة أجواءً هادئة ومنعشة. يوفر الشاطئ مرافق متكاملة، من مطاعم ومقاهٍ إلى نوادٍ شاطئية خاصة، مع خيارات ترفيهية تشمل الجيت سكي وركوب القوارب، فضلًا عن خدمات إنقاذ، مما يجعله وجهة جذابة للعائلات والمغامرين.

  • 6ـ شاطئ ذريماذا.. ملاذ هادئ بين المياه الفيروزية والمنحدرات الساحلية

على الساحل الألباني، جنوب مدينة فلورا، يشكل شاطئ ذريماذا وجهة ساحرة لعشاق الاسترخاء والمغامرة، بمياهه البلورية وحصاه الناعم. رغم أن جزءًا منه مخصص للمنتجعات، إلا أن مساحته الواسعة تتيح أماكن مجانية للزوار، مع خيارات إقامة تشمل المخيمات القريبة. يمكن للزائر الاستمتاع بأجوائه الهادئة أو خوض تجربة مميزة عبر الأنشطة المائية المتوفرة، مثل ركوب الجيت سكي والقوارب، ليكون بذلك ملاذًا مثاليًا للهروب من صخب الحياة اليومية.

sea and beach of southern Albania near Himare
شاطئ في جنوب ألبانيا بالقرب من هيمارا (شترستوك)
  • 7ـ شاطئ سبيله في هيمارا.. مزيج بين الطبيعة الخلابة والترفيه العصري

في غرب مدينة هيمارا، جنوب مدينة فلورا، وتحديدًا في قلبها السياحي، يمتد شاطئ سبيله الساحر على طول 500 متر وعرض يصل إلى 20 مترًا. يتميز هذا الشاطئ برماله الناعمة ومياهه العميقة التي تتيح السباحة فور الدخول إليها.

يفصل الشاطئ عن منطقة الترفيه والمطاعم ممشى مصمم خصيصًا لهذا الغرض، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بجميع الخدمات التي يحتاجونها. يجذب الشاطئ أعدادًا كبيرة من السياح المحليين والأجانب، من العائلات والشباب إلى عشاق الطبيعة والمستكشفين، الذين يأتون لاكتشاف سحره الطبيعي وأسرار تراثه الثقافي الفريد.

  • 8ـ خليج جرامه.. كنز مخفي بين صخور كارابورون

وعلى بُعد 25 كم جنوب مدينة فلورا، يكشف خليج غرما عن مشهد خلاب حيث تلتقي المياه الزرقاء العميقة بالمنحدرات الصخرية الحادة، مكوّنة مشهدًا يخطف الأنفاس. كان ملاذًا قديمًا للسفن، وما زالت جدرانه تروي قصص الماضي عبر نقوش بحرية تعود لآلاف السنين. اليوم، يُعرف خليج جرامه بأنه ملاذٌ صغير لمحبي المغامرة والاستكشاف، وهو وجهة مثالية لأولئك الباحثين عن تجربة سياحية مختلفة بعيدًا عن الشواطئ التقليدية.

  • 9ـ خليج دافينا.. متعة السباحة بين شواطئ البحر وسحر الكهف

في قلب شبه جزيرة كارابورون، يكشف خليج دافينا عن سحره الفريد بمياهه الصافية ومساراته الطبيعية، وأبرزها مسار البحرين، الذي يجذب عشاق الاستكشاف. بعد أن كان محظورًا لسنوات، أصبح اليوم وجهة آسرة، تميزه مغارة بحرية تضم شاطئًا مخفيًا داخلها، حيث يمكن للزوار السباحة في مياه نقية بعيدًا عن الشمس، في تجربة استثنائية تمزج بين المغامرة وسحر الطبيعة.

Albania, Vlorë, Dafina bay - 13 August 2024 - Overview of Dafina Bay in Albania
خليج دافينا في ألبانيا (شترستوك)
  • 10ـ كساميلي.. جوهرة البحر الأيوني

على الساحل الجنوبي لألبانيا، تتألق كساميلي بجمالها الأخاذ، حيث تمتزج المياه الفيروزية بالشواطئ الرملية الناعمة. تقع جنوب ساراندا، بالقرب من موقع بوترينت الأثري، حيث يلتقي البحر الأيوني بقناة كورفو، ما يمنح الزوار تجربة استثنائية. سواء بالغوص بين الشعاب المرجانية الملونة أو الاسترخاء تحت أشعة الشمس على "الجزر الثلاث" الشهيرة، تبقى كساميلي وجهة طبيعية ساحرة لا تُضاهى.

5 ـ المحميات الطبيعية في ألبانيا.. روائع بيئية ومقاصد سياحية ساحرة

تزخر ألبانيا بطبيعة خلابة تضم محميات وطنية متنوعة، حيث تتناغم الجبال الشاهقة مع الوديان الخضراء، وتنساب الأنهار الصافية نحو بحيرات ساحرة، مما يجعلها ملاذًا مثاليًا لمحبي المغامرة والاسترخاء. هذه الوجهات تمنح الزوار فرصة نادرة لاكتشاف طبيعة بكر لم تطلها يد التغيير، حيث يكمن السحر في تفاصيلها الهادئة والمناظر التي تخطف الأنفاس.

إليك خمسًا من أبرز الحدائق الوطنية المحمية في ألبانيا التي تستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم:

  • 1ـ "نهر فيوسا" في جنوب ألبانيا.. آخر الأنهار البرية في أوروبا

نبدأ من جنوب ألبانيا، حيث يُعد نهر فيوسا، آخر الأنهار البرية في أوروبا، وفي 13 مارس 2023، أعلنت الحكومة الألبانية تحويله إلى حديقة وطنية، ليصبح أول نهر بري محمي في أوروبا، كما تعاونت مع الحكومة اليونانية لإنشاء حديقة أوؤس-فيوسا العابرة للحدود لحماية النهر بالكامل. مما يعزز السياحة البيئية ويوفر فرصًا اقتصادية مستدامة للمجتمعات المحلية، حيث يجذب الزوار الباحثين عن تجربة طبيعية أصيلة وسط التنوع البيئي المذهل.

يتدفق نهر فيوسا وروافده الرئيسية بحرية لمسافة تزيد عن 400 كيلومتر، بدءًا من سلسلة جبال "بيندوس" في اليونان، حيث يُعرف باسم "أوؤس"، وصولًا إلى ساحل البحر الأدرياتيكي في ألبانيا. وتعتبر مناطق النهر والنطاق المحيط به موطنًا لنظام بيئي غني يضم أكثر من 1100 نوع من الكائنات الحية، من بينها 13 نوعًا من الحيوانات ونوعان من النباتات المصنفة عالميًا على أنها مهددة بالانقراض وفقًا لـ IUCN.

Cooperation concept: Adventure and sport. Two yellow rafts floating among the rocks on the crystal clear, blue-green water. Perpendicular drone view of the rafters floating on Vjose river, Albania.
يتدفق نهر فيوسا وروافده الرئيسية بحرية لمسافة تزيد عن 400 كيلومتر (شترستوك)
  • 2ـ جبال الألب الألبانية.. مغامرات بين روائع الطبيعة وسحر الثقافة

بينما في أقصى شمال ألبانيا، وعلى قمم تناطح السحاب، تمتد جبال الألب الألبانية كإحدى أروع الوجهات الجبلية في أوروبا، حيث تتناغم القمم الوعرة مع الوديان العميقة، وتنساب البحيرات الجليدية كحبات لؤلؤ وسط طبيعة بكر تأسر القلوب. هذه السلسلة الجبلية، التي تشكل جزءًا من الألب الدينارية، تزخر بمحميات طبيعية تحتضن أنواعًا نادرة من الكائنات، من الوشق البلقاني المراوغ إلى الدب البني الأوروبي، مما يجعلها جنة لعشاق الطبيعة.

لكن ما يميز هذه المنطقة ليس فقط جمالها الطبيعي، بل أيضًا عمقها الثقافي. فهنا، في القرى الجبلية الصغيرة، يحافظ السكان على تقاليدهم العريقة، من البيوت الحجرية التقليدية إلى المأكولات المحلية الأصيلة مما يجعلها وجهة مثالية لعشاق المغامرة والاستكشاف، حيث يمكنهم المشي لمسافات طويلة، وتسلق القمم، وخوض تجارب فريدة في استكشاف الكهوف، كل ذلك وسط مشاهد بانورامية تأسر الأبصار، مما يجعل جبال الألب الألبانية كنزًا مخفيًا بانتظار من يكتشفه.

  • 3ـ "وادي فالبونا".. جوهرة مخفية بين أحضان جبال الألب الألبانية

وفي قلب جبال الألب الألبانية، يمتد وادي فالبونا على مساحة 8000 هكتار، ليشكل واحدة من أعظم العجائب الطبيعية المحمية في ألبانيا. تحيط به قمم شاهقة ومنحدرات وعرة تتغير ألوانها مع تعاقب الفصول، فتمنح المكان هالة من السحر والغموض.

يتميز الوادي بتنوع بيولوجي مذهل، إذ تتدفق بين ثناياه أنهار عذبة ترسم لوحات طبيعية خلابة، كما يحتضن نظامه البيئي المتكامل أنواعًا نادرة من الحيوانات، مما يجعله ملاذًا لعشاق الحياة البرية.

رغم وعورة الطرق المؤدية إليه، يبقى وادي فالبونا أحد الكنوز الطبيعية النادرة التي تمنح زائريها تجربة لا تُنسى، حيث يمكنهم الانطلاق في رحلات المشي الجبلي، التخييم تحت سماء مرصعة بالنجوم، التجديف في تياراته الجارفة، أو تسلق جباله الوعرة. أما في الشتاء، فيتحول الوادي إلى عالم ثلجي خلاب يجذب محبي الرياضات الشتوية.

Old Mill in Valbona Valley. You have to cross wooden bridge above blue waters of river to the to the old stone building where the mill is.
رغم وعورة الطرق المؤدية إليه، يبقى وادي فالبونا أحد الكنوز الطبيعية النادرة التي تمنح زائريها تجربة لا تُنسى (شترستوك)
  • 4ـ "منتزه دايتي" وسط ألبانيا.. واحة طبيعية شرق تيرانا

وفي وسط البلاد، على بُعد 26 كم شرق العاصمة، يرتفع منتزه دايتي الوطني كواحة طبيعية تمتد على مساحة 3,300 هكتار، حيث تمتزج الغابات الكثيفة بالحياة البرية الغنية، ما يجعله من أهم الوجهات البيئية والسياحية في ألبانيا.

يوفر المنتزه مغامرات شيقة في أحضان الطبيعة، مع إطلالات خلابة على تيرانا وساحل الأدرياتيكي، إلى جانب أنشطة متنوعة مثل المشي الجبلي، وتسلق المرتفعات، والتزلج شتاءً. يمكن الوصول إليه بسهولة عبر الطريق البري أو التلفريك البانورامي، الذي يوفر للزوار تجربة بصرية فريدة فوق هذه الجوهرة الطبيعية.

  • 5ـ ديفياكا-كارافاستا.. واحة طبيعية تحتضن الحياة البرية في قلب ألبانيا

وعلى بُعد 90 كيلومترًا جنوب غرب العاصمة تيرانا، وبالقرب من شواطىء البحر الأدرياتيكي، تمتد الحديقة الوطنية ديفياكا-كارافاستا وهى أكبر محمية للأراضي الرطبة غير الساحلية في ألبانيا، حيث تتناغم البحيرات الشاطئية، والغابات الكثيفة، والمستنقعات الهادئة لتشكل موطنًا لـ 228 نوعًا من الطيور النادرة، وعلى رأسها البجعة الكروانية المهددة بالانقراض.

وإلى جانب ثرائها البيولوجي، يُعد شاطئ ديفياكا الممتد 15 كيلومترًا واحدًا من أجمل الوجهات الساحلية. إنها واحة ساحرة تجمع بين المغامرة والاسترخاء، مما يجعلها وجهة فريدة لمحبي مراقبة الطيور والتصوير الفوتوغرافي، حيث يندمج التنوع البيئي مع روعة البحر الأدرياتيكي في مشهد طبيعي آسر.

بهذه المحميات، توفر ألبانيا تجربة سياحية متكاملة تجمع بين المغامرة والاسترخاء في أحضان الطبيعة الخلابة.

الحديقة الوطنية ديفياكا-كارافاستا هى أكبر محمية للأراضي الرطبة غير الساحلية في ألبانيا
الحديقة الوطنية ديفياكا-كارافاستا هى أكبر محمية للأراضي الرطبة غير الساحلية في ألبانيا (شترستوك)

6 ـ قلاع ألبانيا.. حين ينطق الحجر بتاريخ الأمة وينبعث تراثها من بين الأسوار

في غرب البلقان، حيث تلتقي الحضارات وتتقاطع المسارات التاريخية، تتناثر قلاع ألبانيا كالجواهر المتلألئة فوق قمم الجبال والتلال، وعلى ضفاف الأنهار والبحار. هذه القلاع، التي يزيد عددها على الثلاثين، تطورت عبر الزمن لتعكس التنوع الثقافي والمعماري الذي شهدته البلاد، متأثرة بالحضارات الإيليرية، والرومانية، والبيزنطية، والعثمانية، والبندقية.

تنوعت القلاع في مواقعها وأدوارها، فبعضها كان يحرس السواحل لصد الغزاة القادمين من البحر، مثل قلعة دورس، بينما اتخذت أخرى مواقع استراتيجية على الطرق التجارية، مثل قلعة بريزا. أما القلاع التي تربعت فوق القمم الجبلية، كقلعتي كرويا وجيروكاسترا، فقد شكلت معاقل منيعة للحكم والإدارة

مع مرور الزمن، لم تعد هذه القلاع مجرد حصون معزولة، بل نمت خارج أسوارها مدن حية، خاصة خلال الحقبة العثمانية، حيث تحولت بعض القلاع إلى نواة لمدن توسعت تدريجيًا، مثل قلعة ألباسان التي أصبحت مركزًا حضريًا نابضًا بالحياة. وداخل أسوارها، لا تزال آثار الحضارات المتعاقبة ماثلة في المساجد العثمانية، والكنائس البيزنطية، والمعالم الدفاعية التي تعكس تنوعًا معماريًا وثقافيًا فريدًا.

واليوم، ومع استمرار أعمال الترميم التدريجي، بدأت هذه القلاع تستعيد بريقها، متحولة إلى مراكز سياحية وثقافية تجذب عشاق التاريخ وجمال المشهد. فمن بازار قلعة كرويا، الذي يبعث الحياة في التراث الحرفي، إلى قلعة جيروكاسترا، التي تتردد بين أسوارها أصداء المهرجانات الفنية، تواصل هذه القلاع سرد حكاياتها، حيث ينطق الحجر بلغة التاريخ، ويبعث التراث من داخل الأسوار.

وفيما يلي لمحة عن تسعٍ من أبرز هذه القلاع، التي تجذب السياح من مختلف أنحاء العالم بسحرها الفريد.

  • 1 ـ قلعة جيروكاسترا ينبعث التراث من الحجر: تُعرف جيروكاسترا المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو بـ"المدينة الحجرية"، فيما تقف قلعتها المهيبة على ارتفاع 370 مترًا فوق سطح البحر، وتمتد بطول 500 متر، تحتضن القلعة معرض المدافع التاريخية، إلى جانب طائرة حربية ودبابة إيطالية، مما يجعلها وجهة فريدة لعشاق التاريخ العسكري. كما تُصبح القلعة مسرحًا نابضًا بالحياة خلال المهرجان الفلكلوري الوطني، حيث يلتقي الفن بالتاريخ في أجواء ثقافية ساحرة.
10-في عام 1419 سيطرت الإمبراطورية العثمانية على مدينة جيروكاسترا وقَلعتها التاريخية وقامت بإصلاحها وتجديدها وتحويلها إلى مركز دفاعي رئيسي عن المنطقة المحيطة.
سيطرت الإمبراطورية العثمانية على مدينة جيروكاسترا وقَلعتها التاريخية وقامت بإصلاحها وتجديدها وتحويلها إلى مركز دفاعي رئيسي عن المنطقة المحيطة (الجزيرة)
  • 2 ـ قلعة بيرات.. متحف مفتوح للتراث المتنوع: تعكس قلعة بيرات مزيجًا رائعًا بين الطرازين العثماني والبيزنطي، حيث تقع على تل مرتفع يمنحها إطلالة بانورامية رائعة على مدينة بيرات ونهر أوسوم لا تزال بعض العائلات تعيش داخل أسوارها، مما يجعلها واحدة من القلاع القليلة المأهولة بالسكان في البلقان. تضم القلعة متحف أونوفري الوطني، الذي يعرض فن الأيقونات الألباني، وهي جزء من التراث العالمي لليونسكو، حيث يجسد روح التسامح الديني والتنوع الثقافي في ألبانيا.
ألبانيا
قلعة بيرات (الجزيرة)
  • 3 ـ قلعة كرويا.. أجمل القلاع التي تجسد التراث الألباني: تُعد قلعة كرويا من أجمل القلاع التي تجسد التراث الألباني، إذ كانت المعقل الرئيسي لإسكندر بك ورمزًا للمقاومة ضد العثمانيين. شُيدت في العصر البيزنطي، وتتميز بجدرانها الدفاعية القوية وموقعها الاستراتيجي المطل على المدينة. اليوم، أصبحت القلعة وجهة سياحية بارزة، حيث يقع أمامها وتحت أسوارها أحد أقدم البازارات الألبانية، الذي يعرض أجمل منتجات الحرف اليدوية التقليدية، مما يمنح الزوار تجربة ثقافية أصيلة.
قلعة كرويا الألبانية.. تحتضن تاريخ عريق في أحضان طبيعة خلابة
من أسوار قلعة كرويا تمتد الإطلالات البانورامية الساحرة على المناظر الطبيعية المحيطة (الجزيرة)
  • 4 ـ قلعة أشكودرا.. الحجر في أحضان الطبيعة: تعرف أيضًا باسم روزافا، وتُعد واحدة من أهم القلاع الألبانية، حيث تُطل على التقاء أنهار بونا وكير ودريـني في مشهد طبيعي مذهل. تتكون القلعة من ثلاثة أفنية متدرج*، تضم برجًا دفاعيًا ومسجدًا عثمانيًا، مما يعكس تاريخها العريق كمركز عسكري وحضاري.
37_تم_تجديد_قلعة_اشكودرا_عدة_مرات_على_يد_الرومان_والبيزنطيين_والعثمانيين_وأمراء البندقية_مما_أضفى_عليها_طابعًا_معماريًا_متعدد_الثقافات
تم تجديد قلعة اشكودرا عدة مرات على يد الرومان والبيزنطيين والعثمانيين وأمراء البندقية مما أضفى عليها طابعًا معماريًا متعدد الثقافات (الجزيرة)
  • 5 ـ قلعة دورس.. حصن الحضارات العريقة: تُعد قلعة دورس إحدى أقدم القلاع الألبانية، إذ شيدها الإمبراطور البيزنطي أنستاسيوس الأول في القرن الخامس الميلادي لحماية المدينة الساحلية. أضاف العثمانيون لمساتهم الدفاعية إليها لاحقًا، وأبرز معالمها برج البندقية، الذي بات اليوم نقطة جذب سياحية، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بجولات تفاعلية وتقنيات عرض حديثة تعزز تجربة استكشاف الماضي.
شُيدت أسوار قلعة دورس الحالية في نهاية القرن الخامس الميلادي بأمر من الإمبراطور البيزنطي أنسطاسيوس الأول
شُيدت أسوار قلعة دورس الحالية في نهاية القرن الخامس الميلادي بأمر من الإمبراطور البيزنطي أنسطاسيوس الأول (الجزيرة)
  • 6 ـ قلعة تيرانا.. مزيج فريد بين التاريخ والحداثة: في قلب العاصمة، وعلى طريق المشاة السياحي "مراد توبتاني"، تقف قلعة تيرانا شاهدة على تحولات الزمن. يعود تاريخها إلى العصر البيزنطي، وقد شهدت توسعات خلال العهد العثماني، مما منحها طابعًا معماريًا مميزًا. اليوم، يحتضن البازار القديم داخل أسوارها أسواق الحرف اليدوية والمطاعم التقليدية، مما يجعلها وجهة مثالية لاكتشاف الثقافة الألبانية.
    32-تُعد قلعة تيرانا من أبرز الوجهات السياحية التي تجمع بين عبق التاريخ وسحر الحداثة
    تُعد قلعة تيرانا من أبرز الوجهات السياحية التي تجمع بين عبق التاريخ وسحر الحداثة (الجزيرة)
  • 7 ـ قلعة بريزا.. بوابة التاريخ والطبيعة: تتربع قلعة بريزا على قمة قريبة من العاصمة، مانحة زوارها إطلالات بانورامية خلابة على سهول تيرانا، مما يجعلها نقطة التقاء ساحرة بين التاريخ والطبيعة. تمتد جذورها إلى العصور الوسطى، حيث كانت جزءًا من شبكة التحصينات الدفاعية لألبانيا، مما يعكس دورها العسكري الاستراتيجي. بفضل موقعها الفريد، تُعد القلعة وجهة مثالية لعشاق التاريخ والمغامرة، حيث يمكن استكشافها في رحلة قصيرة تحمل في طياتها عبق الماضي وسحر الطبيعة.
ruins of Preze Castle, Tirana
قلعة بريزا هي نقطة التقاء ساحرة بين التاريخ والطبيعة (شترستوك)
  • 8 ـ قلعة بيتريلا.. ضمن خط الدفاع عن ألبانيا: من موقعها المرتفع، تُطل قلعة بيتريلا على سهول تيرانا الخضراء موفرة إطلالة رائعة ومشهدًا بانوراميًا فريدًا. لعبت القلعة دورًا استراتيجيًا في عهد إسكندر بك، حيث كانت ضمن خط الدفاع عن ألبانيا ضد العثمانيين. اليوم، تجذب الزوار بتاريخها العريق وجمالها الطبيعي، مما يجعلها محطة لا تُفوّت لمحبي التاريخ والمناظر الخلابة.
Petrela castle, Albania, bird eye view
قلعة بيتريلا، ألبانيا، منظر عين الطير (شترستوك)
  • 9 ـ قلعة ألباسان.. قلب المدينة التاريخي: على عكس القلاع الجبلية الأخرى، شُيدت قلعة ألباسان في سهل خصب، مما ساعدها على التحول إلى مركز حضري نشط. أعاد السلطان محمد الفاتح تحصينها عام 1466، واليوم، تحولت جهتها الغربية إلى منتزه سياحي يضم مقاهي ومطاعم تقدم أشهى الوجبات الألبانية التقليدية، مما يجعلها وجهة تاريخية وثقافية نابضة بالحياة.
11 May 2024, Elbasan Albania, Elbasan Castle (Albanian: Kalaja e Elbasanit) is a 15th-century fortress in Elbasan, Albania.
شُيدت قلعة ألباسان في سهل خصب، مما ساعدها على التحول إلى مركز حضري نشط (شترستوك)

7 ـ متاحف ألبانيا.. نهضة ثقافية تعيد رسم المشهد السياحي

في السنوات الأخيرة، شهدت ألبانيا تحولًا ثقافيًا لافتًا جعلها تتصدر المشهد السياحي في منطقة البلقان، وأصبحت المتاحف إحدى ركائز الجذب السياحي، ليس فقط لتنوعها وثرائها، بل أيضًا لأنها تعكس هوية البلاد المتعددة وتراثها العريق. ولم تعد ألبانيا تُعرف فقط بشواطئها الفيروزية وجبالها الخضراء، بل أضحت أيضًا وجهة رئيسية لعشاق التاريخ والفنون بفضل متاحفها التي تضاعف عددها وتنوعت اختصاصاتها، مقدمة تجربة ثقافية متكاملة تجمع بين الأصالة والتجديد.

من المتحف الوطني للتاريخ في قلب العاصمة تيرانا، الذي يوثق مسيرة ألبانيا عبر العصور، إلى متحف بيت الأوراق، الذي يكشف أسرار الدولة في الحقبة الشيوعية، تزخر البلاد بمؤسسات ثقافية تسلط الضوء على محطات مفصلية من تاريخها. في كرويا، يروي متحف إسكندر بك ملحمة القائد الذي قاد مقاومة الألبان ضد العثمانيين، بينما يروي متحف بيرات الإثنوغرافي تفاصيل الحياة التقليدية للألبان بمقتنياته الفريدة. أما متحف الأسلحة في جيروكاسترا، فيحفظ إرث المقاومة الألبانية عبر مجموعة نادرة من الأسلحة التي تعود لحقب مختلفة.

10-يُعد المتحف التاريخي الوطني في تيرانا أكبر متاحف ألبانيا ويقدم لمحة شاملة عن تاريخ البلاد الغني
يُعد المتحف التاريخي الوطني في تيرانا أكبر متاحف ألبانيا ويقدم لمحة شاملة عن تاريخ البلاد الغني (الجزيرة)

تتنوع متاحف ألبانيا بين التاريخ والفنون، وتنقسم إلى الفئات التالية:

  • ـ المتاحف الوطنية: تسلط الضوء على التاريخ العام، وأبرزها المتحف الوطني للتاريخ في العاصمة تيرانا.
  • ـ المتاحف المحلية: تعكس تاريخ وتراث مدن محددة، مثل متحف بيرات الإثنوغرافي ومتحف غيروكاسترا للأسلحة.
  • ـ المتاحف المتخصصة: تركز على مجالات معينة، مثل متحف بيت الأوراق والمتاحف البحرية في فلورا وساراندا.
  • ـ صالات العرض الفنية: تقدم أعمالًا محلية وعالمية، مثل المعرض الوطني للفنون في تيرانا ومعرض كورتشا الفني.

في ظل تزايد أعداد السياح الباحثين عن تجارب ثقافية عميقة، لعبت المتاحف دورًا محوريًا في تعزيز السياحة الثقافية في ألبانيا، حيث تقدم للزائر تجربة تجمع بين المحتوى الثري وأساليب العرض الحديثة. واليوم، لم تعد السياحة في ألبانيا تقتصر على الاستمتاع بمناظرها الطبيعية الخلابة، بل أصبحت فرصة لاستكشاف تراثها العريق وثقافتها الغنية، مما يجعل المتاحف محطات لا غنى عنها لكل من يريد التعرف على قصة هذا البلد الفريد في قلب البلقان.

8 ـ الملامح الثقافية والفنية والعادات والتقاليد

ألبانيا وجهة غنية بالتنوع الثقافي، حيث تمتزج الفنون التقليدية والمهرجانات الشعبية مع العادات المحلية الفريدة. من اللغة الألبانية التي تتنوع بين لهجتين تعكسان التاريخ والاجتماعيات، إلى المهرجانات مثل مهرجان جيروكاسترا الذي يحتفي بالفلكلور والموسيقى الألبانية، تقدم ألبانيا تجربة ثقافية شاملة. الأزياء التقليدية، المطبخ الألباني الذي يعكس نكهات البحر الأبيض المتوسط والبلقان، بالإضافة إلى كرم الضيافة الذي يُظهر حفاوة الاستقبال والاهتمام بالزوار، تجعل من زيارة ألبانيا تجربة مميزة تجمع بين التراث العريق والضيافة الدافئة.

إليك خمسًا من أبرز الملامح الثقافية والفنية والاجتماعية والعادات والتقاليد المحلية الألبانية:

  • 1 ـ لهجتان للغة واحدة.. تنوع يعكس الثراء الثقافي اللغوي

عندما تسير في شوارع ألبانيا، ستسمع نغمات مختلفة للغة نفسها، تعكس تنوع الأرض والطبيعة والتاريخ. تنقسم اللغة الألبانية إلى لهجتين رئيسيتين، إحداهما تسود في الشمال والأخرى في الجنوب، وهذا الاختلاف لا يقتصر على اللفظ فحسب، بل يمتد إلى طريقة التفكير، والفنون، والموروث الشعبي لكل منطقة.

42-يعد جامع تيرانا الكبير بمثابة تحفة عثمانية حديثة تزين قلب العاصمة الألبانية (1)
يعد جامع تيرانا الكبير بمثابة تحفة عثمانية حديثة تزين قلب العاصمة الألبانية (1) (الجزيرة)

في الشمال، حيث الجبال الوعرة والتقاليد العريقة، تتميز اللهجة المحلية بالقوة والتحفظ، وتعكس ثقافة المجتمعات العشائرية التي قامت على قوانين الشرف والضيافة الصارمة. أما في الجنوب، حيث الأرض أكثر انبساطًا، تتسم اللهجة هناك بإيقاع أكثر ليونة وانسيابية، مما يعكس روح المدن القديمة وتأثير العصور المختلفة التي مرت على المنطقة.

لم يكن هذا التنوع مجرد اختلاف لغوي، بل امتد تأثيره إلى الموسيقى والفلكلور والقصص الشعبية، حيث تميل الأغاني الشمالية إلى القوة والحدة، بينما تحمل الأغاني الجنوبية ألحانًا أكثر انسيابية وعاطفية. ورغم هذا التنوع، تظل اللغة الألبانية رمزًا لوحدة شعبها، وهويةً راسخة عبر القرون، في وطن يوصف بحق بأنه "أرض النسور".

  • 2 ـ الفنون التقليدية والمهرجانات الشعبية.. تراث فريد وثراء متنوع

تزخر ألبانيا بتراث ثقافي غني يمتد عبر الأجيال، ويتجلى في الفنون التقليدية والمهرجانات الشعبية التي تعكس هوية هذا البلد العريق. ومن أبرز هذه الفعاليات مهرجان جيروكاسترا الوطني للفنون الشعبية، الذي يُقام كل خمس سنوات في القلعة التاريخية لمدينة جيروكاسترا، أحد مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو. منذ انطلاقه عام 1968، أصبح هذا الحدث الأهم للحفاظ على الموسيقى الشعبية والفنون الفولكلورية، ليس فقط داخل ألبانيا، بل أيضًا بين الألبان المنتشرين في دول البلقان وأوروبا وأمريكا. وتتحول أجواء القلعة العتيقة خلال أيام المهرجان إلى ساحة احتفالية تتردد فيها الألحان التقليدية، بينما يرتدي الفنانون أزياءً تعكس تنوع التراث الألباني، مثل الجوبليتا، الزي التقليدي للمرتفعات الشمالية، والذي حظي باعتراف اليونسكو كجزء من التراث الثقافي غير المادي عام 2022.

يُعتبر البازار القديم في مدينة كرويا أجمل وأروع الأسواق الأثرية التقليدية في ألبانيا
يُعتبر البازار القديم في مدينة كرويا أجمل وأروع الأسواق الأثرية التقليدية في ألبانيا (الجزيرة)

ومن بين الفنون التي تتألق في المهرجان، يبرز فن الإيسو-بولييفونية، أحد أكثر الأشكال الموسيقية الألبانية تميزًا، حيث يتداخل الغناء الجماعي في تناغم فريد يحمل صدى العصور الماضية. هذه الموسيقى الفريدة، التي أدرجتها اليونسكو ضمن التراث الثقافي غير المادي للبشرية، كانت محل إعجاب شخصيات تاريخية مثل الشاعر البريطاني لورد بايرون، الذي أبدى انبهاره بفرادتها وروحها العميقة. وعلى وقع الإيقاعات الفلكلورية، تتراقص فرق الفنون الشعبية على أنغام "رقصة تروبويا"، التي تعكس حيوية المجتمع الألباني، وتُؤدى بخطوات نشيطة وإيقاع سريع، مما جعلها واحدة من الجواهر الثقافية التي حظيت مؤخرًا بمكانة مرموقة ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو.

ولا يقتصر الثراء الموسيقي الألباني على الألحان الجماعية أو الرقصات الفلكلورية، بل يمتد ليشمل مدنًا مثل أشكودرا، التي تُعد جسرًا موسيقيًا بين الشرق والغرب، حيث مزجت بين التأثيرات العثمانية واللمسات الأوروبية، فأنتجت أنماطًا فريدة مثل أغاني "الأهينغ" ذات الروح الشرقية، و"اليارات"، التي تجمع بين المقامات العثمانية والطابع الغربي. هذا الامتزاج الثقافي يعكس تطور الهوية الموسيقية الألبانية، التي لا تزال حاضرة بقوة في وجدان الناس، وتجذب المهتمين بالتراث والفنون من مختلف أنحاء العالم.

وهكذا، تظل ألبانيا وجهة متميزة لعشاق الفنون والتقاليد، حيث يجد الزائر نفسه غارقًا في عالم من الألحان الثرية، والأزياء الزاهية، والاحتفالات التي تنبض بالحياة، في تجربة ثقافية متكاملة تجمع بين التاريخ والحاضر، وتجعل من كل مهرجان قصة جديدة تُروى عبر الأجيال.

  • 3 ـ الأزياء التقليدية الألبانية.. لغة التراث المنسوجة بالمحبة والإبداع

تُعد الأزياء التقليدية الألبانية من أعمق مظاهر التراث الشعبي، إذ تعكس بألوانها وزخارفها مزيجًا فريدًا من التأثيرات الثقافية المتعاقبة، بدءًا من الإيليرية القديمة (أجداد الألبان)، مرورًا بالبيزنطية والعثمانية، وصولًا إلى اللمسات المحلية التي أضفت لكل منطقة طابعها الخاص. لم تكن هذه الأزياء مجرد لباس، بل كانت رمزًا للهوية والانتماء، تُحاك بخيوط المحبة والإبداع، وتحمل في طياتها قصص الأجيال التي تناقلتها عبر الزمن.

"بازار كرويا القديم"... أجمل أسواق ألبانيا الأثرية لمنتجات الحرف اليدوية (الجزيرة)

تميّزت ملابس الرجال بين "الفستانيلا" ذات الطابع الاحتفالي، والسراويل المطرزة التي ازدانت بالحلي الفضية كالأحزمة والخناجر المزخرفة، في حين تألقت النساء بأزياء فريدة، من "الجُبلة" الجرسية إلى الأثواب المطرزة، حيث حملت كل قطعة رمزية خاصة تعبر عن العمر والمكانة الاجتماعية. أما الحلي المعدنية، التي كانت العرائس تتزين بها بكثرة، فقد شكلت عنصرًا جماليًا ارتبط بالمعتقدات التقليدية التي اعتبرتها رمزًا للحماية وجلب الحظ.

ورغم تغير الزمن، ما زالت هذه الأزياء تحظى بمكانة خاصة، إذ تتجلى اليوم في الفرق الفلكلورية والمهرجانات، لتحكي عبر خيوطها وزخارفها قصة ألبانيا الغنية بالفن والتقاليد والتاريخ.

  • 4 ـ المطبخ الألباني.. رحلة مذاقية تجمع بين الأصالة والتنوع

يُعد المطبخ الألباني أحد الكنوز الثقافية التي تميّز البلاد، حيث يجمع بين تأثيرات البحر الأبيض المتوسط والبلقان والعثمانيين في توليفة غنية بالنكهات. يعتمد على مكونات طازجة ومحلية، مثل زيت الزيتون النقي، والأعشاب العطرية، واللحوم المشوية، والمأكولات البحرية الطازجة، مما يمنح أطباقه طابعًا خاصًا يجمع بين البساطة والغنى بالنكهات.

Tavë kosi is a very tasty and rich traditional Albanian dish. It literally means “pot in yoghurt” and is a very popular dish in the Balkan region.
طبق تافا كوسي أحد الأطباق الألبانية الأشهر، حيث يُطهى لحم الضأن باللبن والبيض ليمنح مذاقًا فريدًا لا يُقاوم وهو طبق شائع جدًا في منطقة البلقان (شترستوك)

يبرز طبق تافا كوسي كأحد الأطباق الألبانية الأشهر، حيث يُطهى لحم الضأن باللبن والبيض ليمنح مذاقًا فريدًا لا يُقاوم، بينما يقدم طبق فرجس تجربة غنية بمكوناته من الفلفل والطماطم والجبن الطازج. ولا تكتمل رحلة الطعام دون تذوق البوريك، المعجنات التقليدية المحشوة بالجبن أو اللحم أو السبانخ، والتي تُعد خيارًا أساسيًا في المائدة الألبانية. أما المدن الساحلية مثل فلورا وساراندا، فتعكس تأثيرات المطبخ المتوسطي من خلال أطباق السمك الطازج والمأكولات البحرية التي تُحضر بأساليب تقليدية تعزز نكهتها الطبيعية.

ولمحبي الحلويات، تُعد البقلاوة الألبانية من أشهر الأصناف، حيث تتكون من طبقات عجين رقيقة محشوة بالمكسرات ومغمورة بالعسل، مما يجعلها حلوى مثالية لعشاق المذاق الغني. إلى جانب ذلك، تشتهر البلاد بالمخابز التي تقدم الخبز الطازج والمعجنات الشهية، مما يجعل تجربة الطعام في ألبانيا مزيجًا رائعًا بين الأصالة والتنوع، ويعكس روح الضيافة الدافئة التي تشتهر بها البلاد.

  • 5 ـ كرم الضيافة في ألبانيا.. تقليد أصيل يجسد روح الترحاب

يُعد كرم الضيافة أحد الركائز الأساسية في الثقافة الألبانية، حيث ترسخت هذه العادة منذ قرون كجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية. فلا يُنظر إلى الضيف في البيت الألباني كزائر عابر، بل يُستقبل بحفاوة وكأنه فرد من العائلة، حيث يُخصص له مكان خاص مجهز بكل ما يلزم ليشعر بالراحة والاهتمام.

في المنازل التقليدية، تلعب "الأودا"، وهي غرفة استقبال الضيوف، دورًا محوريًا في الحياة الاجتماعية. فهنا يجتمع الرجال لمناقشة شؤون الحياة، وتبادل الأحاديث حول التاريخ والسياسة، والاستمتاع بالغناء حتى ساعات متأخرة من الليل. وهذه اللقاءات ليست مجرد جلسات ترفيهية، بل تمثل وسيلة مهمة للحفاظ على التراث الثقافي ونقل الموروث الشعبي عبر الأجيال.

Albanian dress with folk clothes and celebrate in Tirana, Independence day 28 November 2024
الترحاب الفطري يجعل زيارة ألبانيا تجربة فريدة، حيث يشعر الزائر بأنه بين أهل يقدّرون الضيف ويمنحونه مكانة خاصة (الجزيرة)

ولعل أكثر ما يميز كرم الألبان هو حرصهم على تقديم أفضل ما لديهم من طعام وشراب لضيوفهم. فغالبًا ما تُخصص أوانٍ فاخرة وغرف مفروشة بأناقة لاستقبال الزوار، في مشهد يعكس الاحترام العميق للعادات والتقاليد. هذا الترحاب الفطري يجعل زيارة ألبانيا تجربة فريدة، حيث يشعر الزائر بأنه بين أهل يقدّرون الضيف ويمنحونه مكانة خاصة، تعكس روح الأصالة والدفء الإنساني المتجذر في الثقافة الألبانية.

9 ـ البازارات الأثرية.. أسواق تنبض بالتراث وتزخر بمنتجات الحرف اليدوية

تمثل الأسواق الأثرية في ألبانيا واحدة من أبرز المحطات التي تترك أثرًا عميقًا في نفوس زوارها، فهي ليست مجرد أماكن للتسوق، بل مزيج من التاريخ والثقافة والضيافة الأصيلة. وكما يشتهر الشعب الألباني بكرم الضيافة، فإن هذه الأسواق تمنح الزائر إحساسًا بالترحيب والدفء، حيث يجد السائح نفسه بين تجار يتعاملون معه كضيف كريم، يشاركونه قصص المنتجات التي يصنعونها بحب، ويقدمون له تجربة تتجاوز مجرد البيع والشراء.

عند التجول في هذه الأسواق، مثل "بازار كرويا القديم"، يشعر الزائر وكأنه في رحلة عبر الزمن، حيث تصطف المحلات الخشبية العتيقة على جانبي الطريق الحجري المؤدي إلى القلعة التاريخية. هنا، لا تقتصر التجربة على شراء المنتجات فحسب، بل تمتد إلى التعرف على الحرفيين الذين يتوارثون مهاراتهم جيلاً بعد جيل، في مشهد يعكس ترابط الألبان العميق مع إرثهم الثقافي.

ما زال البازار القديم في مدينة كرويا يحتفظ بجوهر العمارة التقليدية العثمانية
ما زال البازار القديم في مدينة كرويا يحتفظ بجوهر العمارة التقليدية العثمانية (الجزيرة)

السجاد المطرز، والمشغولات النحاسية، والأزياء التقليدية ليست مجرد سلع معروضة، بل هي قطع تحكي قصص الأجداد، وتحمل في طياتها لمسات من التاريخ وروح المكان. وكما يشعر الزائر في ألبانيا بأنه في وطنه الثاني بفضل كرم الاستقبال، فإنه في هذه الأسواق لا يقتني مجرد تذكار، بل يحمل معه جزءًا من دفء الضيافة وروح ألبانيا الفريدة.

إلى جانب التسوق، تتيح هذه الأسواق للزوار فرصة فريدة لمشاهدة الحرفيين أثناء العمل، مما يضفي بُعدًا تعليميًا وثقافيًا على التجربة. كما تضم الأسواق مقاهي ومطاعم صغيرة تقدم الأطباق التقليدية، ما يجعل الزيارة متكاملة، تجمع بين التسوق والاستمتاع بالمذاقات المحلية الأصيلة.

10 ـ خمس نصائح ذهبية لرحلة لا تُنسى في ألبانيا

بمجرد أن تطأ قدماك أرض ألبانيا، تبدأ مغامرة فريدة تأخذك بين سحر الطبيعة وعبق التاريخ ودفء الضيافة الألبانية. فالسفر إلى هذا البلد ليس مجرد رحلة، بل بوابة لاكتشاف عالم مليء بالمفاجآت، والتعرف على شعب يختزن في قلبه دفء الضيافة وثراء التقاليد العريقة.

هنا، ستجد الشواطئ التي تنافس أجمل السواحل الأوروبية، والجبال التي تأسر القلوب بروعتها، والآثار التي تحكي قصص حضارات تعاقبت على هذه الأرض منذ آلاف السنين. لكن أكثر ما سيبقى في ذاكرتك هو الإنسان الألباني، بكرمه الأصيل وابتسامته الصادقة التي تجعلك تشعر وكأنك بين أهلك وأحبّتك.

لإنجاح زيارتك إلى ألبانيا وجعلها تجربة استثنائية، لا يكفي أن تخطط لمسار رحلتك، بل عليك أن تنغمس في سحر المكان وتفاصيله الآسرة. استعد لتذوّق نكهات المطبخ الألباني التقليدي، والتجول في الأسواق العتيقة، وترك قدميك تستكشف أزقة المدن القديمة دون عجلة، مستمتعًا بكل زاوية تختزن قصة من الماضي.

في هذا القسم، سنرشدك إلى مجموعة من النصائح التي ستجعل زيارتك أكثر سلاسة ومتعة، وتساعدك على استكشاف هذا البلد بروح المستكشف الشغوف، لا كسائح يمر مرور العابرين.

  • 1 ـ اختر التوقيت الأمثل لرحلتك

تعد دورس إحدى أقدم مدن ألبانيا وتتميز بكثرة معالمها التاريخية والثقافية
تعد دورس إحدى أقدم مدن ألبانيا وتتميز بكثرة معالمها التاريخية والثقافية (الجزيرة)

لضمان تجربة سياحية ممتعة ومريحة في ألبانيا، يُفضَّل زيارتها خلال فصلي الربيع أو الخريف، حيث يكون الطقس معتدلًا، وأيام النهار أطول، ما يتيح لك فرصة مثالية لاستكشاف المعالم السياحية دون عناء الحر الشديد أو الازدحام.

أما في فصل الصيف، فقد ترتفع درجات الحرارة بشكل يجعل التنقل بين المواقع الأثرية والطبيعية أكثر إرهاقًا، إلى جانب زيادة الإقبال السياحي، مما يؤدي إلى ازدحام الأماكن وارتفاع الأسعار، خاصة في الفنادق ووسائل النقل. لذا، إن كنت تبحث عن رحلة أكثر هدوءًا وانسجامًا مع الطبيعة، فاجعل اختيار توقيت السفر جزءًا أساسيًا من خطتك.

  • 2 ـ كن صادقًا واحترم العادات والتقاليد

عند التعامل مع الشعب الألباني، احرص على التحلي بالصدق والاحترام، فالألبان يقدّرون الصراحة والوفاء بالوعود، ويولون أهمية كبيرة للنزاهة في التعاملات الشخصية والاجتماعية. إن كنت صادقًا في كلامك والتزمت بكلمتك، فستكسب ثقتهم سريعًا، وستجدهم شعبًا ودودًا مضيافًا، يفتح لك أبواب تراثه وثقافته بكل ترحاب.

تم تشييد هذا مبنى بلدية مدينة دورس في قلب المدينة عام 1929، ليصبح رمزًا ثقافيًا ومعماريًا
تم تشييد هذا مبنى بلدية مدينة دورس في قلب المدينة عام 1929، ليصبح رمزًا ثقافيًا ومعماريًا (الجزيرة)

لكن احذر من الإخلال بوعودك أو التلاعب بالكلام، فالوثوق بالآخرين لديهم قيمة عميقة، وإذا فُقدت الثقة، فمن الصعب استعادتها. التعامل بروح الصدق والوضوح سيجعل تجربتك في ألبانيا أكثر دفئًا، ويمكّنك من استكشاف عمق كرم هذا الشعب وأصالته عن قرب.

  • 3 ـ تعلّم بعض الكلمات الألبانية:

لا تحتاج إلى إتقان اللغة الألبانية للاستمتاع برحلتك، لكن تعلّم بعض الكلمات البسيطة يمكن أن يجعل تواصلك مع السكان المحليين أكثر ودًّا. كلمات مثل **"شكراً" (Faleminderit)، "صباح الخير" (Mirëmëngjes)، "مرحبًا" (Përshëndetje)، "إلى اللقاء" (Mirupafshim)، و"احترامي لك" (Respekt për ju)** ستُظهر احترامك لثقافتهم وتقديرك لبلدهم.

يكفي أن تبادر بهذه العبارات البسيطة حتى تلمح الابتسامة على وجوههم، فالألبان يقدّرون الزوار الذين يحاولون التحدث بلغتهم، ولو بكلمة واحدة. قد تكون هذه اللفتة الصغيرة مفتاحًا لمعاملة أكثر ودًّا في الأسواق والمطاعم، وحتى عند طلب المساعدة في الشارع.

3 ـ يشكل بازار جيروكاسترا الأثري المركز التاريخي للمدينة ويمتد في عدة شوارع متقاطعة تبدو من أعلى على شكل نجمة ترسل اشعتها في اتجاهات خمس وهى الشوارع الخمس للسوق
يشكل بازار جيروكاسترا الأثري المركز التاريخي للمدينة ويمتد في عدة شوارع متقاطعة تبدو من أعلى على شكل نجمة ترسل اشعتها في اتجاهات خمس وهى الشوارع الخمس للسوق (الجزيرة)
  • 4 ـ  كن سفيرًا جيدًا:

عند زيارتك لألبانيا، تذكَّر أنك لا تمثل نفسك فقط، بل تحمل معك صورة بلدك وثقافته. كن ضيفًا مهذبًا يحترم القوانين، يحافظ على الهدوء في الأماكن العامة، ويتعامل بلطف مع السكان المحليين.

السياحة ليست مجرد استكشاف أماكن جديدة، بل هي أيضًا فرصة لترك أثر جميل وانطباع مشرف. فتصرفك الإيجابي وأدبك في التعامل يعكسان صورة راقية عن بلدك، ويجعلان الألبان أكثر ترحيبًا بك وبمن يأتي من وطنك مستقبلاً.

استمتع برحلتك، لكن تذكَّر أن السفر متعة ومسؤولية معًا، وسلوكك المحترم قد يفتح لك الأبواب لتجربة أكثر دفئًا وودًّا في هذا البلد المضياف.

قلعة_بيرات_بوابات_أسوار
ألبانيا ليست فقط مدنها الشهيرة، بل تخفي بين جبالها وتلالها ووديانها كنوزًا طبيعية وثقافية مذهلة (الجزيرة)
  • 5 ـ لا تكتفِ بالمسار التقليدي.. استكشف الجواهر الخفية في ألبانيا

ألبانيا ليست فقط مدنها الشهيرة، بل تخفي بين جبالها وتلالها ووديانها كنوزًا طبيعية وثقافية مذهلة. انطلق بعيدًا عن المسارات التقليدية، واستكشف القرى الجبلية الساحرة مثل "ثيث" (Theth) و"فال بونا" (Valbona)، حيث تأسر القلوب طبيعة بكر تحتضنك بحنان، وتمنحك تجربة فريدة من المغامرة بين المسارات الجبلية والتضاريس الخلابة.

انطلق لاستكشاف سحر المحميات الطبيعية، حيث تمتزج المغامرة بالهدوء في قلب الطبيعة البكر. ولا تفوّت فرصة الغوص في البحيرات الكبريتية ذات الفوائد العلاجية، حيث تلتقي الراحة بالاستشفاء في مشهد يأسر الروح. جرّب التجديف في الأنهار الجبلية الصافية، حيث ينساب الماء بين الصخور بانسجام مذهل، يمنحك لحظات من الانتعاش والإثارة.

وإن كنت من عشاق التجارب الأصيلة، فانضم إلى الجولات الريفية على ظهور الخيل، حيث تسير بين مروج خضراء وقرى هادئة تحتضن قصص الماضي بين جدرانها الحجرية العتيقة. هنا، ستشعر وكأنك تعيش في لوحة طبيعية نابضة بالحياة، حيث يروي لك كل منزل حجري حكاية قديمة عن الحياة الجبلية الألبانية، بكل ما تحمله من بساطة وأصالة.

كل خطوة خارج المدن الكبرى هي مغامرة جديدة تنتظرك، حيث ستجد الطبيعة في أبهى صورها، وستلتقي بسكان يرحبون بك بكرمهم الفطري وابتسامتهم الصادقة. امنح نفسك فرصة لاكتشاف هذا الوجه الخفي لألبانيا، ذاك الذي لن تجده في الكتيبات السياحية، ولكنه سيبقى محفورًا في ذاكرتك إلى الأبد.

بيرات.. مدينة "النوافذ فوق النوافذ"

ستقف مندهشا من جمال مشهد بيرات بنوافذها المستطيلة التي تصطف جنبا إلى جنب في كل جدار، ويعلو بعضها فوق بعض وكأن المباني ما هي إلا "نوافذ فوق النوافذ"!

بيرات.. مدينة "النوافذ فوق النوافذ"
بيرات.. مدينة "النوافذ فوق النوافذ"
مشهد من أعلى قلعة بيرات يظهر حي مانجلام أسفل القلعة (الجزيرة)
مشهد من أعلى قلعة بيرات يظهر حي مانجلام أسفل القلعة (الجزيرة)

بيرات، ألبانيا - تعد مدينة بيرات جنوب ألبانيا، بمثابة حاضنة لكنوز التراث الثقافي الألباني بتنوعه الفريد والواسع.. فأعلى التل المرتفع تقبع قلعتها التاريخية مثل التاج منذ 24 قرنا، كأرشيف حجري يحكي لنا قصة تطور فنون العمارة الإنسانية عبر العصور.

وفي وسط قلعتها يقع أقدم جوامع ألبانيا الأثرية والذي تم بناؤه قبل حضور العثمانيين إلى المنطقة، بينما على صخرة شديد الانحدار في الجزء الجنوبي من القلعة تطل أجمل كنائس ألبانيا الأثرية بسمتها البيزنطية.

وإذا ما نزلت من القلعة إلى المدينة القديمة التي توسعت خلال الحقبة العثمانية، في الأسفل على ضفتي نهر أوسوم، الذي يتدفق من الشرق باتجاه الغرب، ستجد كنوزا معمارية رائعة استثنائية في المجمع الإسلامي التاريخي الذي يضم أكبر وأجمل جوامع ألبانيا الأثرية، ويحتضن كذلك أجمل تكية للصوفية في البلقان.


فإذا ما التفت باتجاه النهر فإنك ستشاهد أكبر وأجمل جسر حجري تم بناؤه في منطقة الجنوب الألباني قبل 5 قرون، وهو من الجسور القليلة التي ما زالت تستخدم حتى يومنا هذا بعد إعادة ترميمه عدة مرات في فترات زمنية مختلفة.

18_جسر_جوريتسا_الحجري_الأثري_2
جسر جوريتسا الحجري الأثري (الجزيرة)

وإذا صوبت نظرك تجاه الحي الذي يقع أسفل قلعتها، على الضفة الشمالية لنهر أوسوم، ستنبهر بروعة الطراز العثماني لمبانيها القديمة، وستقف مندهشا من جمال مشهد نوافذها المستطيلة الكثيرة التي تصطف جنبا إلى جنب في كل جدار، ويعلو بعضها فوق بعض مع كل طابق في مشهد نادر وكأن المباني ما هي إلا "نوافذ فوق النوافذ"!

7_الطريق_بين_القلعة_أعلى_والمدينة_القديمة_أسفل_1
الطريق بين القلعة بالأعلى والمدينة القديمة بالأسفل (الجزيرة)

لكنك ستنبهر أكثر حينما تعلم أن كل ما سبق ذكره من كنوز التراث الثقافي المعماري لمدينة بيرات يأتي ضمن 210 معالم أثرية، منها 150 معلما، ما زال بحالة جيدة، من بينها 60 معلما من الفئة الأولى، والبقية من الفئة الثانية.

2ـ قلعة_بيرات_دروب_بيوت_أثرية_تحولت_لفنادق_مطاعم_متاجر_4
دروب قلعة بيرات وبيوتها الأثرية تحولت لفنادق ومطاعم ومتاجر (الجزيرة)

في هذه اللحظات المثيرة ستشعر بأن كل ما حولك من معالم أثرية يرجع بك للوراء أزمنة عديدة.. وقتها ستدرك بأن زيارتك لمدينة بيرات، والتي كانت نقطة اتصال بين إمبراطوريات وحضارات الغرب والشرق على مدى أكثر من ألفي عام..

9_نماذج_لعمارة_عثمانية_لبيوت_عريقة_تحولت_لفنادق_1
نموذج لعمارة عثمانية تحولت إلى فندق (الجزيرة)

وتقع في جنوب العاصمة الألبانية تيرانا بنحو 70 كيلومترا، زيارة "تاريخية، غير مسبوقة.. واستثنائية، فريدة من نوعها".

7_الطريق_بين_القلعة_أعلى_والمدينة_القديمة_أسفل_2
الطريق بين القلعة بالأعلى والمدينة القديمة بالأسفل (الجزيرة)

لكن ذهولك لن يتوقف، بل سيستمر وأنت تعايش بنفسك على مدار ساعات تراثا إنسانيا إضافيا غير ملموس، يتمثل في عادات وتقاليد راسخة لدى سكان هذه المنطقة، يأتي في مقدمتها روح التعايش في أبهى صوره بين أبناء المجتمعات الدينية في المدينة، وهو ما ساهم بشكل كبير في الحفاظ على هذا الإرث الإنساني المتنوع وعدم محوه أو تلاشيه حتى اليوم.

9_نماذج_لعمارة_عثمانية_لبيوت_عريقة_تحولت_لفنادق_2
بيوت عريقة تحولت لفنادق (الجزيرة)

وكل هذا دفع بالحكومة الألبانية عام 1961 إلى إعلان بيرات "مدينة متحفية" محمية من الدولة، كما أضيفت لاحقا إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي المحمي عام 2008 لاعتبارين، أولهما: كونها مثالا نادرا لمدينة عثمانية الطراز ما زالت محفوظة بحالة جيدة حتى اليوم، أما الاعتبار الثاني: فكونها نموذجا فريدا من نوعه في التعايش بين أتباع الديانات السماوية، مما ساهم بشكل كبير في لفت أنظار العالم إلى هذه البقعة الحضارية الثرية بتراثها المادي والمعنوي، أسفر عن إقبال متزايد من قبل السائحين من مختلف دول العالم على زيارتها والتعرف على تراثها.

وقد زارت "الجزيرة نت" بيرات الملقبة بمدينة "النوافذ فوق النوافذ" وقامت على مدى يومين بالتجول في دروبها الجميلة وأزقتها الضيقة وتصوير معالمها الثقافية والأثرية العديدة والكثيرة.

وفي هذا التقرير المعلوماتي المصور نصحبكم معنا للتعرف على أسرار هذه المدينة العتيقة.. وسنرسم لكم مسار برنامج نموذجي لزيارة غير مسبوقة إلى حاضنة كنوز التراث الثقافي الألبانية "بيرات".


القلعة.. أرشيف حجري

نبدأ مغامرتنا المثيرة في مدينة بيرات من أقدم بقعة فيها وهي قلعتها التاريخية المبنية على تل صخري مرتفع شديد الانحدار، وتأخذ القلعة شكل مثلث، رأسه نحو الشرق وقاعدته باتجاه الغرب. ويبلغ محيط سورها 1440 مترا، وفيها 24 برجا وبوابتان تقع في الجهة الشمالية الشرقية. وتم وضع أسس القلعة الأولى في عهد الدولة الإليرية (أجداد الألبان) بنحو 4 قرون قبل الميلاد.

قلعة_بيرات_بوابات_أسوار
أسوار قلعة بيرات (الجزيرة)

وأعيد بناء القلعة عدة مرات وعلى فترات زمنية متباعدة، وذلك في القرن السادس ثم الـ13 ثم الـ15 ثم الـ19، لذا أهميتها اليوم لا تنحصر فقط في كونها واحدة من أكبر القلاع في ألبانيا المأهولة بالسكان، بل في كونها بمثابة أرشيف حجري يحكي لنا قصة تطور فنون العمارة عبر القرون، بدءا من الحقبة الإليرية، ومرورا بالعصر الروماني ثم العصر البيزنطي بسمته الأرثوذكسية، وانتهاء بالعصر العثماني بسمته الإسلامية.

قلعة_بيرات_بوابات_أسوار
خريطة توضح أماكن القلعة (الجزيرة)

حينما تدخل من بوابتها الأولى فالثانية ترى أمامك فناء واسعا، وأمامك طرق قديمة مرصوفة بالحصى، وعلى أطرافها أسوار وأبراج القلعة، تسير وتتجول في دروبها الضيقة وتصعد على بعض أسوارها وتشعر بأنك ما زلت تسمع أقدام الجنود الرومان وهم يقاتلون نظراءهم الإليريين في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد ليسطروا على هذه القلاع لمئات السنين.

1_قلعة_بيرات_بوابات_أسوار-5
بوابات وأسوار قلعة بيرات (الجزيرة)

وتشمل منطقة القلعة أطلال قصر قديم، بجانب كنائس بيزنطية عديدة، يعود معظمها إلى القرنين الثاني والـ13، ويحوي عدد منها رسوما جدارية وأيقونات غاية في الأهمية القيمة، كما عثر مؤخرا على مخطوطات إنجيلية نادرة.

2ـ قلعة_بيرات_دروب_بيوت_أثرية_تحولت_لفنادق_مطاعم_متاجر_2
دروب القلعة الجميلة (الجزيرة)

تسير وتسير باتجاه الجنوب، فتبدأ معالم أثرية إسلامية في الظهور، فالقلعة تضم أطلالا لمسجدين أثريين مهدمين.. وهنا تتذكر كيف سيطر العثمانيون على هذه القلعة بسرعة عجيبة في نهاية العقد الثاني من القرن الـ15، وكعادتهم يعيدون بناء أسوارها وتجديد مبانيها من جديد.

دروب تزينت وبيوت تحولت لفنادق

واليوم، وبعد مرور سنوات على ضم اليونيسكو لمدينة بيرات إلى قائمة التراث العالمي المحمي عام 2008، أسفر ذلك عن طفرة هائلة في أعداد السياح الزائرين للمدينة التاريخية، مما دفع بسكان القلعة الذين يقدر عددهم بنحو 300 شخص يعيشون في عشرات من البيوت القديمة الأثرية التي تم بناؤها خلال القرنين الـ18 والـ19 الميلادي..

2ـ قلعة_بيرات_دروب_بيوت_أثرية_تحولت_لفنادق_مطاعم_متاجر_2
الطرق الداخلية في القلعة (الجزيرة)

ويغلب عليها سمت الطراز العثماني، للإسراع بتجديد بيوتهم على طرازها القديم وتزيين الأزقة والدروب في أبهى وأجمل صورة، مما يحفز الزوار على أخذ استراحة في مقهى أو تناول الغداء في مطعم بجوار أسوار القلعة ليطل على المدينة من أعلى.

2ـ قلعة_بيرات_دروب_بيوت_أثرية_تحولت_لفنادق_مطاعم_متاجر_1
متاجر لبيع السجاد في دروب القلعة (الجزيرة)

وهو ما يشعر الزائرين بسعادة عجيبة تلامس قلوبهم وتنشط عقولهم في التفكير كيف كانت الحياة بهذه القلعة على مدى كل هذه القرون المتعاقبة في وسط هذه الطبيعة الخلابة المحيطة بها من تلال خضراء تخترقها الأنهار وتصنع منها جنات حقيقية على هذه الأراضي.

التراث المسيحي.. متحف القلعة وأهم كنائسها

تواصل سيرك في دروب القلعة، وبين أزقتها الضيقة ترى متحفا يحتضن التراث المسيحي الألباني بسمته البيزنطي، بينما في كل اتجاه تتحرك فيها وتنظر إليه تشاهد الكنائس الأثرية التي ما زالت حاضرة، فلم تمس بسوء خلال الحقبة العثمانية الإسلامية.

والتراث المسيحي في مدينة بيرات يعد جزءا من التراث الألباني والعالمي، لذا نشير هنا إلى أهم معالم هذا التراث المتمثل في المتحف والكنائس الأقدم والأجمل.

متحف أونوفري الوطني للأيقونات

يقع متحف أونوفري الوطني الأيقوني، الذي تم افتتاحه في عام 1986، داخل كاتدرائية "رقاد القديسة مريم"، التي تعود إلى القرن الـ18، وتتميز هذه الكنيسة ذات الطراز ما بعد البيزنطي بحاجز أيقونسطاسي خشبي رائع مطلي بالذهب.

3_أ_قلعة_بيرات_متحف_أونوفري_1
متحف أونوفري (الجزيرة)

يحتوي المتحف كذلك على مجموعة قيمة من الأيقونات الدينية التي يعود تاريخها إلى القرن الـ14 وحتى القرن الـ19، وتتضمن أيضا أعمالا دينية مهمة للفنان الكبير أونوفري، الذي عاش في القرن الـ16 ويُعد أحد أعظم الفنانين الألبانيين في مجال الفن الديني.

يُعتبر المتحف مركزا مهاما لدراسة وتوثيق الفن الأيقوني في ألبانيا، وله دور بارز في الحفاظ على التراث الثقافي والديني المسيحي الألباني.

وقد عثر تحت أرضية هذه الكنيسة في 12 أغسطس/آب 1968، على مخطوطتين مهمتين للغاية منسوبة لمدينة بيرات، وهما: مخطوطة (Codex Purpureus Beratinus) من القرن السادس الميلادي، و"المخطوطة الذهبية (Anthimi) من القرن التاسع الميلادي، وهما مسجلتان في قائمة أهم الأعمال الإنسانية المعروفة باسم "مذكرات العالم" تحت حماية اليونسكو. وتعد هذه المخطوطات كنزا من كنوز التراث الألباني والتراث البيزنطي.

  •   مخطوطة "Codex Purpureus Beratinus": هي واحدة من أقدم المخطوطات المسيحية الموجودة في ألبانيا وتعتبر ذات أهمية كبيرة في تاريخ المسيحية، ومكتوبة باللغة اليونانية، وما يميز هذه المخطوطة هو أنها مكتوبة على رقوق مصبوغة باللون الأرجواني، وهو لون كان يُعتبر مخصصا للنبلاء والملوك في تلك الفترة. والنص مكتوب بحبر فضي وذهبي، مما يضفي على المخطوطة جمالا وروعة خاصة.
  •  بينما المخطوطة الثانية والمعروفة باسم "Codex Aureus Anthimi": تعود إلى القرن التاسع الميلادي. وتحتوي على نصوص دينية مكتوبة باليونانية القديمة بحبر ذهبي، وهو ما يفسر تسميتها بـ"Aureus" التي تعني "الذهبي" في اللاتينية. وكان استخدام الحبر الذهبي رمزا للاحتفاء بالأناجيل والنصوص المقدسة في التقليد البيزنطي. وهو ما يُعتبر علامة على الفخامة والقدسية في النصوص الدينية.

أقدم وأجمل كنائس بيرات

ومما يعكس روح التسامح الديني والتعايش الإنساني الذي صبغ هذه المنطقة على مدى فترات تاريخها الطويل، علمك بأن القلعة التي بات غالبية سكانها من المسلمين، وكان فيها مسجدان اثنان فقط، فإنها ظلت تحتضن 10 كنائس بيزنطية أثرية تم الحفاظ عليها ولم يفكر العثمانيون بتحويل واحدة منها لمسجد، بل تم تجديد بعضها خلال الحقبة الإسلامية في العصر العثماني، مما جعل من بيرات نموذجا رائدا في التعايش بين أبناء المجتمعات الدينية المختلفة.

وتعود أقدم كنائس بيرات إلى القرنين الـ12 والـ13، ومن أقدمها وأجملها وأهمها 3:

  • 1-  كنيسة القديس ميخائيل.. أجمل الكنائس في ألبانيا:

من المعالم الأثرية المعمارية ذات الأهمية الاستثنائية كنيسة القديس ميخائيل التي تعود إلى القرن الـ14 الميلادي، والمبنية على صخرة شديد الانحدار في الجزء الجنوبي من القلعة "أعلى حي مانجلام"، لتطل على منظر رائع على نهر أوسوم وحي جوريتسا والتلال المرتفعة في 3 اتجاهات معا غربا وجنوبا وشرقا.

3_ب_كنيسة_القديس_ميخائيل_في_جنوب_قلعة_بيرات_أجمل_كنائس_ألبانيا_1
كنيسة "القديس ميخائيل" في جنوب قلعة بيرات وهي أجمل كنائس ألبانيا (الجزيرة)

وتعد هذه الكنيسة بمثابة شهادة على إتقان تقنية "الكلوسوناغ" (Clusonage)، وهي تقنية بناء بيزنطية تجمع بين الحجارة والطوب. وتمثل هذه الكنيسة قيمة تاريخية كبيرة، عدا عن كونها تعتبر أجمل كنائس ألبانيا.

  • 2-  كنيسة القديسة مريم فلاهيرنا.. أقدم كنائس بيرات:

تعد كنيسة القديسة مريم فلاهيرنا أقدم كنائس بيرات، ومن أهم معالمها التاريخية والمعمارية، وأكبر عوامل الجذب السياحي الرئيسية لمدينة بيرات وألبانيا. وقد تم إعادة بناء وترميم الكنيسة في القرن الـ16، خلال الحقبة العثمانية، مما يعكس من جديد روح التسامح والتعايش بين أتباع الديانات التي صبغت تلك الفتر.

وتحتوي كنيسة القديسة مريم فلاهيرنا على لوحات جدارية على كامل السطح الداخلي، كان قد رسمها الفنان الألباني الشهير "نيكولا أونوفري" في عام 1578، والتي لحسن الحظ تم الحفاظ عليها جيدا في هذه الكنيسة، لذلك تعتبر هذه الكنيسة من كنوز التراث المعماري والرسم الجداري في بيرات.

  • 3- كنيسة "القديس ترياد".. مثال لمهارة استخدام سمات العمارة البيزنطية

تعتبر كنيسة "القديس ترياد" أحد أكثر المعالم الأثرية إثارة للاهتمام والخلابة في قلعة بيرات. حيث تم استخدام العديد من سمات العمارة البيزنطية في الكنيسة بمهارة، وبها رسوم جدارية غاية في روعة الأداء الفني، لكنها تعرضت للتلف، ويتم منذ سنوات إعادة ترميمها من قبل الحكومة الألبانية.

3_ب_كنيسة_القديس_ترياد_أكثر_المعالم_الأثرية_إثارة_للاهتمام_2
كنيسة القديس "ترياد" وهي من أكثر المعالم الأثرية المثيرة للاهتمام (الجزيرة)

بنيت الكنيسة في عهد أندرونيكوس الثاني باليولوج (1282-1328)، على صخرة حجرية، بجوار الجدار الجنوبي لقلعة بيرات، وعام 1948 أُعلنت كنيسة "القديسة تريادا" معلما ثقافيا.

التراث الإسلامي.. جوامع القلعة الأثرية

اليوم، تضم أسوار قلعة بيرات أطلالا لمسجدين أثريين مهدمين، أحدهما بني قبل الحقبة العثمانية التي بدأت في عام 1417م، في حين المسجد الثاني تم بناؤه بعد فترة طويلة من سيطرة العثمانيين على قلعة المدينة، وهما:

20_الجامع_الرصاصي_الأثري_1
الجامع الرصاصي الأثري (الجزيرة)
20_الجامع_الرصاصي_الأثري_1
الجامع الرصاصي الأثري (الجزيرة)
  • الجامع الأحمر.. أقدم مساجد ألبانيا الأثرية

يعد "الجامع الأحمر" أقدم المساجد الأثرية في بيرات وألبانيا، ووفق مؤرخين فقد تم بناؤه قبل حضور العثمانيين للمنطقة، وهو دليل على تعرف المنطقة على الإسلام بشكل محدود عبر تجار عرب مروا عليها كانوا قد أتوا من جهة الغرب عبر حوض البحر المتوسط.

4_ قلعة_بيرات_الجامع_الأحمر_1
الجامع الأحمر (الجزيرة)

ويستدل هؤلاء المؤرخون على كون الجامع الأحمر قد بنى قبل حضور العثمانيين بتقنيات ومواد البناء للجامع الأحمر، فإنها تختلف كليا عن جميع الجوامع التي تم بناؤها في ألبانيا بعد حضور العثمانيين، ومن ذلك أيضا أن المنارة بنيت على الجانب الأيسر للجامع وليس الأيمن مثل جميع الجوامع الأخرى. وتم إعلانه نصبا تذكاريا ثقافيا محميا من الدولة عام 1961.

4_ قلعة_بيرات_الجامع_الأحمر_1
الجامع الأحمر (الجزيرة)
  • الجامع الأبيض.. لخدمة الجيش العثماني

كذلك يوجد داخل القلعة أطلال الجامع الأبيض، الذي بني بعد عام 1481 في عهد السلطان بايزيد الثاني 1481-1512 لخدمة الجيش العثماني لذلك كان بجوار خنادقهم مباشرة بجوار أسوار القلعة الغربية.

5_قلعة_بيرات_الجامع_الأبيض_1
الجامع الأبيض (الجزيرة)

ويسمى بالأبيض بسبب المئذنة والجوانب التي استخدم فيها الحجر الأبيض والمنحوت بشكل أساسي. وهو أكبر من المسجد الأحمر. وتعرض للتدمير خلال الصراعات المسلحة بين المعارضة الألبانية للهيمنة العثمانية على الألبانية ومهاجمتها للحاميات العثمانية في العديد من القلاع بالمدن الألبانية ومن بينها قلعة بيرات. بدايات القرن الـ20.

5_قلعة_بيرات_الجامع_الأبيض_1
الجامع الأبيض (الجزيرة)

قبل أن نترك القلعة للنزول للمدينة للتعرف على معالمها الأثرية والثقافية لا يفوتنا أخذ إطلالة بانورامية من برجها الجنوبي الذي يطل على حي جوريتسا المقابل على الضفة الجنوبية لنهر أوسوم، ومن جهة الشرق يطل على امتداد حي مانجلام الإسلامي ومعالمه العديدة الأثرية.

والآن نترك القلعة وننزل للمدينة القديمة ونرصد أهم المعالم في الطريق بين القلعة وحي مانجلام.

المتحف الإثنوغرافي.. حي مانجلام

خلال نزولنا للمدينة من الطريق الطويل الموصل إليها من القلعة أعلى يقابلنا بدايات حي مانجلام، وتبدأ بيوت الأثرياء القديمة في الظهور وقد تم تجديد العديد منها وتحويلها إلى فنادق لاستقبال الأعداد الكبيرة المتزايدة عاما بعد عام من السائحين من مختلف دول العالم لمشاهدة المدينة التي تقع على قائمة اليونسكو للتراث العالمي المحمي.

8_المتحف_الاثنوغرافي_1
المتحف الإثنوغرافي (الجزيرة)

أول مبنى يلفت نظرنا على يسارنا وجدير بالتوقف على الرغم من كونه مغلقا حاليا للتجديد، هو مبنى المتحف الإثنوغرافي الوطني، الذي تأسس منذ عام 1979، داخل منزل عثماني يعود للقرن الـ18، بالقرب من قلعة بيرات. ويحتوي المتحف الإثنوغرافي على مجموعة غنية من 1300 قطعة، مما يعد بمثابة شهادة مهمة على الثقافة والتقاليد المثيرة للاهتمام والغنية لمنطقة بيرات.

8_المتحف_الاثنوغرافي_2
المتحف الإثنوغرافي (الجزيرة)

ويعرض البيت في الطابق الأول، مقتنيات المنزل التقليدي المحلي القديم، من الملابس والأدوات المستخدمة، من قبل الحرفيين للفضة والنسيج، التي كانت تُمارس في المنزل لتلبية احتياجات الأسرة. بينما في الطابق العلوي، فإنه يضم غرف الشقة بأثاثها كما كانت قديما، المطبخ وغرف النوم والضيوف، حيث يتم عرض نمط الحياة والتنظيم والتقاليد والعادات لعائلة ألبانية ثرية في أواخر العصور الوسطى.

الجالية اليهودية في بيرات- حي مانجلام

نواصل سيرنا نحو الأسفل فيلفت نظرنا صالة من حجرة واحدة تحت أحد المباني وقد كتب عليها المتحف اليهودي.

9_المتحف_اليهودي_الحديث_حجرة_واحدة_
المتحف اليهودي الحديث (الجزيرة)

وعلمنا أنه قبل سنوات قليلة افتتح أحد اليهود المقيمين في مدينة بيرات، في الطريق الموصل بين المدينة القديمة والقلعة، متحفا صغيرا عبارة عن حجرة واحدة لإحياء التراث اليهودي في مدينة بيرات. وركز المتحف على محنة اليهود خلال الاضطهاد النازي لهم ودور الألبان في حمايتهم من الألمان.

تاريخيا، اليهود كانوا جزءا من المجتمع المتعدد الثقافات في المدينة، حيث عاشوا جنبا إلى جنب مع المسلمين والمسيحيين. فقد تأسست الجالية اليهودية في بيرات في القرن الـ15، حينما أرسلهم السلطان العثماني إلى ألبانيا وتم توزيعهم على عدد من المدن الألبانية للعيش والإقامة بها ومن بينها بيرات.

في الوقت الحاضر، لا يوجد مجتمع يهودي كبير في بيرات، ولكن المدينة تظل شاهدة على تاريخ تعايش ديني وثقافي متعدد الجوانب، يشمل الإسلام والمسيحية واليهودية.

بوابة الباشا- حي مانجلام

في نهاية الطريق على يمينك باتجاه الغرب، ترى مبنى معماريا بديعا، وأمامه لافتة مكتوب عليها "بوابة الباشا"، فتدخل منها وترى تمثالا لصاحب هذا المكان وأسفله تاريخ مولده وحياته في هذا البيت الذي يعد مجموعة من القصور الفاخرة وأمامها فناء واسع حيث اشتهر بكرمه وعقد موائد إكرام كبيرة لضيوفه والمجتمع المحيط به.

10_ بوابة_الباشا_1
بوابة الباشا (الجزيرة)

"بوابة الباشا"، تعد نصبا ثقافيا بارزا من الفئة الأولى، وهو عبارة عن مبنى ذي قيمة معمارية وفنية عالية، يقع في وسط حي مانجلام وله دور تاريخي في إثراء التراث الثقافي لمدينة بيرات.

10_ بوابة_الباشا_1
بوابة الباشا (الجزيرة)

ويعود تاريخ بناء "بوابة الباشا" إلى النصف الثاني من القرن الـ18، في عهد أحمد كورت باشا. وتمثل هذه الفترة مرحلة مهمة من التطور الحضري والمعماري في مدينة بيرات، ويعتبر بناء هذه البوابة مثالا ممتازا لهذه الفترة من الفن والهندسة المعمارية. ويعد جزءا من الثروة الثقافية لألبانيا. ووجهة مثيرة للمهتمين بفنون الهندسة المعمارية والتاريخ.

10_ بوابة_الباشا_1
بوابة الباشا (الجزيرة)

المجمع الإسلامي التاريخي- حي مانجلام

على امتداد حي مانجلام باتجاه الشرق وبمحاذاة نهر أوسم تم بناء المركز التاريخي للمدينة "العثمانية"، وفي هذا المركز التاريخي انتشرت الأوقاف وتم بناء عدد من المساجد الأثرية المهمة خلال الفترة العثمانية، وتزايدت أعدادها على مدى قرون متتالية، وعكست وفق تواريخها الزمنية المتعاقبة التطور التدريجي لفنون العمارة الإسلامية بطابعها العثماني وسمتها الألبانية معا، والذي وصل لأوج قمته وروعته في القرن الـ18 الميلادي.

14_ المجمع_الإسلامي_الأثري_التكية_الخلوتية_2
المجمع الإسلامي الأثري التكية الخلوتية (الجزيرة)

وهنا نستعرض 3 معالم مهمة ضمن المجمع الإسلامي الأثري:

  • أ ـ جامع الملك.. أكبر وأجمل جوامع ألبانيا الأثرية
11_المجمع_الإسلامي_الأثري_جامع_الملك_التكية_السكن_1
جامع الملك(الجزيرة)
12_المجمع_الإسلامي_الأثري_جامع_الملك_5
جامع الملك (الجزيرة)

يعد مسجد الملك أو مسجد السلطان بايزيد الثاني، أحد أقدم مساجد مدينة بيرات التاريخية.

11_المجمع_الإسلامي_الأثري_جامع_الملك_التكية_السكن_1
جامع الملك (الجزيرة)

ومن أكبر المساجد الأثرية في ألبانيا وأجملها على الإطلاق. وقد تم إعلانه معلما ثقافيا منذ عام 1948، والجامع مزخرف بشكل بديع من داخله وهنا يعكس سمة الفن الإسلامي الذي يكره الفراغ.

11_المجمع_الإسلامي_الأثري_جامع_الملك_التكية_السكن_1
جامع الملك (الجزيرة)

وقد بناه السلطان بايزيد الثاني في نهاية القرن الـ15 في الفترة وفق المصادر التاريخية المختلفة (1480-1492م). وتم عمل عدة تجديدات له استمرت حتى القرن الـ19. ويتكون المسجد من قاعة الصلاة والرواق والمئذنة.

11_المجمع_الإسلامي_الأثري_جامع_الملك_التكية_السكن_1
جامع الملك (الجزيرة)
  • ب - التكية الخلوتية.. أجمل تكايا البلقان

تعد التكية الخلوتية الواقعة في المجمع الإسلامي التاريخي في قلب حي مانجلام بمدينة بيرات الألبانية أجمل تكايا منطقة البلقان. تم بناؤها في القرن الـ15، لكن أعاد حاكم بيرات أحمد كورت باشا في عام 1782، بناءها من جديد.

14_ المجمع_الإسلامي_الأثري_التكية_الخلوتية_1
التكية الخلوتية (الجزيرة)

وتتميز التكية بسقف خشبي منحوت ومزخرف على الطراز الباروكي المتوافق مع الفن الإسلامي، مع لوحات توصف بأنها أحد أفضل الإنجازات المعمارية في المدينة.

  • ج ـ مساكن الدراويش
13_ المجمع_الإسلامي_الأثري_التكية_الخلوتية_سكن_الدراويش_2
سكن الدراويش (الجزيرة)

تم بناء مساكن الدراويش عام 1782 على يد أحمد كورت باشا، بجوار تكية الخلوتية من الجهة الجنوبية، وكانت بمثابة بيوت سكن للدراويش وكذلك بيت ضيافة للحجاج الذين كانوا ينظمون احتفالات دينية خلال سفرهم للحج.

15_ المجمع_الإسلامي_الأثري_سكن_الدراويش_1
سكن الدراويش (الجزيرة)

تم استخدام الطابق السفلي بشكل أساسي لرعاية الدواب والحيوانات، بينما في الطابق العلوي كانت هناك شرفة جميلة على شكل رواق مرتكزة على أعمدة خشبية أمام غرف السكن.

  • مسجد العزاب- نموذج عال لتطور فنون العمارة الإسلامية

نواصل سيرنا لكن نرجع للوراء باتجاه الغرب حيث مركز حي مانجلام الأثري الإسلامي وفي مقدمته والقلب منها يقع أحد أجمل وأروع جوامع بيرات الأثرية، والذي يعكس التطور الكبير الذي وصلت إليها فنون العمارة الإسلامية في بدايات القرن الـ19 الميلادي.

16_جامع_العزاب_ الأثري_4
جامع العزاب الأثري (الجزيرة)

يقع جامع "العزاب"، في قلب حي مانجلام الإسلامي في الشارع الرئيسي للمدينة على ضفاف نهر أوسوم الشهير الذي يشطر المدينة التاريخية لحيين اثنين. وتم بناؤه عام 1827 للحرفيين العزاب (غير المتزوجين) في مدينة بيرات. حيث كان يخدمهم ويقومون بدور الحراسة للأسواق المجاورة في الوقت ذاته.

16_جامع_العزاب_ الأثري_
جامع العزاب الأثري (الجزيرة)

يعتبر جامع "العزاب"، أو جامع "سليمان باشا"، نصبا تذكاريا من النوع "المعماري" من الفئة الأولى، وتم اعتباره أحد المعالم التراثية الثقافية في مدينة بيرات في الثاني من يونيو/حزيران 1961، ويعد ذا قيمة معمارية عديدة ويمثل إنجازا عاليا من ناحية طرازه المعماري على مستوى بناء المعالم الدينية في مدينة بيرات.

16_جامع_العزاب_ الأثري_1
جامع العزاب الأثري (الجزيرة)

يتميز جامع "العزاب"، بزخارفه الجدارية التي تغطي قاعة الصلاة في صفين اثنين من الداخل، وفي صف واحد من الخارج في جميع الاتجاهات، بينما قاعة الرواق تقع في الجزء الشمالي، وهي أعرض من قاعة الصلاة، وتقع المنارة يمين مدخل مبنى الصلاة في منتصف المسافة بين الرواق والمبنى الصلاة. ويتكون المسجد من طابقين ليتناسب مع التضاريس المنحدرة.

16_جامع_العزاب_ الأثري_2
جامع العزاب الأثري (الجزيرة)

مركز حي مانجلام.. النوافذ فوق النوافذ

هنا تأتي الروعة ولحظة السعادة والاستمتاع بمشاهدة حي أثري كامل ما زال محفوظا بحالة جيدة، وبمجرد دخولك لحي مانجلام الإسلامي أسفل قلعتها التاريخية تشعر بأنك رجعت قرنين للوراء.

حي مانجلام الإسلامي يمثل بمنازله الأثرية الجميلة مدينة ذات طابع عثماني ما زالت محفوظة بحالة جيدة، كما تقول اليونسكو، وبنوافذه الكثيرة المستطيلة، إذ اشتهر بحي النوافذ فوق النوافذ ومنه أخذت مدينة بيرات هذا اللقب المشهور. ولا تزال غالبية المباني تحتوي على ديكورات وأثاث عتيق من تلك الحقبة.

17_حي_مانجلام_الإسلامي_1
حي مانجلام الإسلامي (الجزيرة)

وبدروبه الجميلة وأزقة الحي الضيقة التي تزينت للزائرين يعيش زوار هذا الحي مغامرة رائعة لا يمكن أن تمحى من ذاكرتهم بعد عودتهم لبلادهم.

17_حي_مانجلام_الإسلامي_2
حي مانجلام الإسلامي (الجزيرة)

جسر جوريتسا على نهر أوسوم

وهنا وعلى ضفاف نهر أوسوم توشك رحلتنا على الانتهاء، فلم يبق أمامنا سوى مرحلتين فقط، الأولى ستكون فوق النهر، والثانية بعد عبوره إلى الضفة الجنوبية، وغالبا ما سيكون الوقت قد اقترب من الغروب وبدأت أنوار المدينة تسطع، مما يضفي أجواء شاعرية دافئة تزيد من روعة الحركة في أحضان التراث والطبيعة.

18_جسر_جوريتسا_الحجري_الأثري_2
جسر جوريتسا (الجزيرة)

ويعد جسر جوريتسا أحد كنوز التراث التاريخي والثقافي في ألبانيا. وأحد أهم المعالم الثقافية والمعمارية في بيرات في الوقت نفسه. وقد تم الانتهاء من بنائه بالكامل من الحجر من قبل الحاكم المحلي أحمد كورت باشا، في الفترة: 1777-1778.

18_جسر_جوريتسا_الحجري_الأثري_3
جسر جوريتسا (الجزيرة)

يبلغ طوله 127 مترا، بينما يصل ارتفاعه 10 أمتار فوق النهر، وعرضه نحو 5.3 أمتار، وله 7 أقواس كبيرة، مما يجعله أحد أكبر الجسور الحجربة التي تم بناؤها في هذه الفترة الزمنية، وكذلك أحد الجسور القليلة التي لا تزال مستخدمة من تلك الحقبة حتى يومنا الحالي. وأعيد بناؤه مرة أخرى ليأخذ المظهر الذي يحتفظ به اليوم، في عام 1922 من قبل مجلس المدينة.

حي جوريتسا المسيحي

في محطتنا الأخيرة من برنامج زيارتنا لمدينة "النوافذ فوق النوافذ"، وعلى الضفة الجنوبية من نهر أوسوم، نتجول في حي أثري آخر كذلك على الطراز العثماني القديم.

6_ قلعة_بيرات_مشهد_من_أعلى_حي_جسر_جوريتسا-1
مشهد من أعلى حي جسر جوريتسا (الجزيرة)

فقد تم بناء حي جوريتسا المسيحي، في بطن التل المرتفع المواجه للتل العالي الذي تقع عليه قلعة بيرات. وجميع سكانه من المسيحيين وكنائسهم كذلك تنشر في الحي، وطابع البناء كذلك اتسم بالطراز العثماني، وتشاهد في كثير من مداخل المباني الكتابة العربية حاضرة، وتشير لأصحاب المبنى وسنة البناء.

19_حي_جوريتسا_المسيحي_2
حي جوريتسا المسيحي (الجزيرة)
19_حي_جوريتسا_المسيحي_2
حي جوريتسا المسيحي (الجزيرة)

تنتهي هنا جولتنا ولم يسعفنا الوقت لمشاهدة كل المعالم الأثرية التي تزخر بها مدينة بيرات، ولكن يشدونا الأمل ويملؤنا الشوق لتكرار زيارتنا لإعادة اكتشاف أسرار هذه المدينة التاريخية العتيقة التي تنافست الإمبراطوريات الكبرى على السيطرة عليها، وخلفت وراءها تراثها المعماري الذي يترجم ما وصلت إليه من تقدم في تقنيات البناء وفنون العمارة ومهارات النقش على الحجر والرسم على الخشب في ظل تعايش فريد حافظ على كل هذا التراث الإنساني المتنوع والمتعاقب عبر الزمان.

قلعة كرويا.. رحلة عبر الزمن بين التاريخ العريق والطبيعة الخلابة

أهمية كرويا لا تقف عند التاريخ؛ بل تعززها أيضا جغرافيتها الرائعة، فهذه المدينة الساحرة تعد الأكثر زيارة بين المدن الألبانية.

قلعة كرويا.. رحلة عبر الزمن بين التاريخ العريق والطبيعة الخلابة
قلعة كرويا.. رحلة عبر الزمن بين التاريخ العريق والطبيعة الخلابة
تعتبر مدينة كرويا رمز للهوية الألبانية وتحفل بتاريخ عريق في أحضان طبيعة خلابة (الجزيرة)
تعتبر مدينة كرويا رمز للهوية الألبانية وتحفل بتاريخ عريق في أحضان طبيعة خلابة (الجزيرة)

كرويا، ألبانيا - انطلقت بي السيارة من العاصمة تيرانا، وقلبي يملؤه الشغف لرؤية كرويا مرة أخرى. كلما وطأت قدمي هذه المدينة التاريخية، شعرت بارتياح عميق وكأنني عدت إلى مكانٍ أعشقه ويعرفني جيدا، فأنا لا أمل من زيارتها المتكررة. يكفي أن أراها تلوح في الأفق، متربعةً على قمة التل المرتفع، وكأنها تحرس الجبال الشاهقة التي تحتضنها.

تقع مدينة كرويا على تل مرتفع بنحو 608 مترًا فوق سطح البحر وتتيح إطلالات بانورامية مذهلة.
تقع مدينة كرويا على تل مرتفع بنحو 608 أمتار فوق سطح البحر وتتيح إطلالات بانورامية مذهلة (الجزيرة)

ومع اقترابنا من المدينة، يبدأ الطريق المؤدي إليها في سرد قصصه، حيث تنفتح أمامنا سلسلة من التلال الخضراء الجميلة. التل الأخير الذي تتربع عليه قلعة كرويا يأخذ الألباب بجمال مشهده، محاطا بغابات كثيفة وأشجار تزين جوانب الطريق. وعندما نصل إلى المدينة، تبدأ أشجار الزيتون في الظهور، تحمل في أغصانها عبق التراث والثقافة. تنتشر هذه الأشجار في كل زاوية، داخل المنازل والمقاهي، وكأنها تروي قصة الارتباط العميق لسكان هذه المنطقة بالأرض والزراعة، لتصبح رمزا ثقافيا يعبّر عن الهوية الألبانية.

تعد مدينة كرويا الجبلية وجهة سياحية مثالية لتنوع معالمها التاريخية والثقافية والطبيعية.
تعد مدينة كرويا الجبلية وجهة سياحية مثالية لتنوع معالمها التاريخية والثقافية والطبيعية (الجزيرة)

رغم انبهاري بهذا المشهد الآسر الذي يأخذ بالألباب، وجدت نفسي غارقا في تأمل عميق حول سرّ نجاح أهل كرويا في التصدي لحملات الحصار العثماني المتكررة. كيف استطاعوا الصمود 3 مرات متتالية، ولم يستسلموا حتى رحل قائدهم إسكندر بك؟ وفي لحظات صمتي، خُيّل لي أنني أسمع وقع أقدام الخيل يحيط بي، كأنني عدت إلى زمن المعارك الضارية التي دارت هنا، بين سكان كرويا الأشداء تحت قيادة قائدهم الشجاع إسكندر بك، وبين جيوش السلطان محمد الفاتح. وكأن أصوات السيوف تتشابك، وطلقات المدافع تقصف، وصداها يردد أصداء الصمود الأسطوري حتى اليوم، ليبقى صدى الماضي حاضرا في هذا المكان العريق.

لنبدأ رحلتنا إلى "قلعة كرويا"، رمز الهوية الألبانية، وموطن تاريخ عريق في أحضان طبيعة خلابة.


قلعة كرويا.. التاريخ والتراث والجغرافية

في شمال منطقة الوسط الألباني، وعلى بعد 32 كيلومترا شمال العاصمة تيرانا، تقع مدينة كرويا الجبلية، التي تجمع بين جمال الطبيعة الخلابة والتاريخ العريق، وثرائها بالمعالم السياحية والأثرية وشهرتها بمنتجاتها الجميلة المصنوعة يدويا؛ ما يجعلها وجهة مثالية لعشاق الطبيعة والباحثين عن الثقافة والتراث.

قلعة كرويا رمز الهوية الألبانية.. تاريخ عريق في أحضان طبيعة خلابة
قلعة كرويا رمز الهوية الألبانية.. تاريخ عريق في أحضان طبيعة خلابة (الجزيرة)

وتتربع قلعتها التاريخية فوق تل عال يطل على المدينة التي توسعت أسفلها، كجوهرة تاريخية تسرد بشموخ للأجيال المتعاقبة قصص البطولات والمآثر الألبانية على مدار قرون مضت. فقد حولها موقعها الإستراتيجي المهيمن على المنطقة، وقلعتها المحصنة بأسوارها القوية وأبراجها المهيبة، لحصن منيع دافع عن الأراضي الألبانية منذ أن أصبحت مركز لأول كيان سياسي ألباني ظهر في العصور الوسطى.

فهذه القلعة التاريخية، التي تقع على تل مرتفع بنحو 608 أمتار فوق سطح البحر، وتتيح للزائرين إطلالات بانورامية مذهلة على المنطقة حولها، ليست مجرد بناء حجري؛ بل هي رمز للهوية الوطنية الألبانية؛ حيث جسدت روح المقاومة عبر الزمان، وأضحت رمزا لصمود وشجاعة الألبان؛ وما زال صدى المعارك يتردد في أرجائها وبين جنبات تلالها المحيطة، ويسطر في كتب الألبان حتى الآن.

قلعة كرويا.. حين ينسجم التاريخ العريق والتراث البديع مع الطبيعة الخلابة والمغامرة الشيقة
قلعة كرويا.. حين ينسجم التاريخ العريق والتراث البديع مع الطبيعة الخلابة والمغامرة الشيقة (الجزيرة)

أهمية كرويا لا تقف عند التاريخ؛ بل تعززها أيضا جغرافيتها الرائعة؛ فهذه المدينة الساحرة تعد الأكثر زيارة بين المدن الألبانية من قبل السائحين الأجانب والمواطنين المحليين؛ فقد تفردت بطبيعة خلابة متنوعة جمعت بين سهول ممتدة تخترقها أنهار متدفقة، وبين سلسلة تلال مرتفعة تليها جبال شاهقة؛ ما جعل من زيارتها مغامرة مثيرة ماتعة لعشاق الطبيعة، بجانب كونها رحلة ثرية شيقة لعشاق الثقافة والتراث.

مركز أول كيان سياسي

تشير المصادر الألبانية إلى أن مدينة كرويا الجبلية سكنتها القبائل الإليرية، أجداد الألبان، منذ القرن الرابع قبل الميلاد. وبعد سقوط دولتهم في مواجهة الإمبراطورية الرومانية عام 168 قبل الميلاد، أضحت كرويا تحت سيطرة الرومان، قبل أن تتعاقب عليها الإمبراطوريات، بما في ذلك البيزنطية. وظهر اسم المدينة في الوثائق البيزنطية لأول مرة في القرن السابع تحت مسمى "كرواي" (باليونانية)، في حين حملت اسم "آق حصار" بمعنى "القلعة البيضاء" في العهد العثماني.

تعتبر مدينة كرويا رمز للهوية الألبانية وتحفل بتاريخ عريق في أحضان طبيعة خلابة.
مدينة كرويا تحفل بتاريخ عريق متميز بطبيعته الخلابة (الجزيرة)

في عام 1190، بزغ نجم كرويا كعاصمة لأول كيان سياسي ألباني مستقل بعد انحسار النفوذ البيزنطي، حين أسس الأمير بروغون إمارة أربيريا (Principality of Arbanon)، التي اتخذت من قلعة كرويا مقرا لإدارتها. وامتد نفوذ الإمارة ليشمل مساحات شاسعة من الأراضي الألبانية، وهذا أكسب كرويا قيمة إستراتيجية وثقافية كبرى. تحت قيادة بروغون ومن جاء بعده، ازدهرت المدينة، وتحصنت أسوار قلعتها وشهدت علاقات تجارية وثقافية متبادلة مع دول إيطاليا وجوار البحر الأدرياتيكي، لتصبح مركزا إداريا وسياسيا محوريا في تلك الحقبة، وشكلت بداية الوعي السياسي للألبان.

حافظت إمارة أربيريا على استقلالها النسبي عن الإمبراطوريات الكبرى المجاورة، مع التبعية الطفيفة للبيزنطيين ثم لإمبراطورية إبيروس. وتمتع حكامها بحرية في إدارة شؤون الإمارة، وهذا سمح لهم بتأمين مصالحهم وتحصين المدينة. ورغم أن الإمارة لم تدم طويلا، إذ تراجعت بعد وفاة آخر حكام سلالة بروغون وفقدت استقلالها عام 1255، إلا أن هذه الفترة تمثل مرحلة حاسمة في تشكّل الهوية السياسية الألبانية.

وأصبحت إمارة أربيريا رمزا لتراث الألبان القومي ومرحلة مبكرة من بلورة الوعي القومي، وهو ما يُعزى إلى دور كرويا المحوري في تعزيز الهوية السياسية والتاريخية للألبان في العصور الوسطى. وقد واصلت القلعة رمزية قوتها طوال الفترات التاريخية المتعاقبة، إذ كانت شاهدا على صراعات البيزنطيين والإمارات المحلية، وظلت كرويا مركزا سياسيا وعسكريا بارزا شمال ألبانيا حتى دخول العثمانيين.

إسكندر بك.. أسطورة الألبان القومية

برزت مدينة كرويا كرمز للنضال القومي الألباني بفضل شخصية حاكمها الشجاع جرجي كاستريوت، المعروف بإسكندر بك، الذي تحول إلى رمز قومي للألبان في مقاومتهم للإمبراطورية العثمانية. فمع مطلع القرن الـ15، زحفت القوات العثمانية نحو كرويا وفرضت سيطرتها عليها، إلا أن إسكندر بك قاد تمردا حاسما، وتمكن من استعادة المدينة عام 1443، مدافعا عنها بشجاعة أبهرت الجميع.

نصب تذكاري للبطل القومي جورج كاستريوت اسكندر بك (1405-1468)
نصب تذكاري للبطل القومي جورج كاستريوت إسكندر بك (1405-1468) (الجزيرة)

تصدى إسكندر بك لـ3 حصارات عثمانية شرسة في أعوام 1450 و1466 و1467، وهذا اعتُبر إنجازا بارزا، خصوصا في ظل قيادة السلطان محمد الفاتح الذي حضر شخصيا إلى ألبانيا. ورغم ذلك، سقطت كرويا بعد 10 أعوام من وفاة إسكندر بك إثر حصار رابع عام 1478، لتدخل حقبة جديدة من التاريخ تحت الحكم العثماني.

يعتبر حاكم كرويا اسكندر بك بمثابة أسطورة الألبان القومية في مقاومته للإمبراطورية العثمانية
يعتبر حاكم كرويا إسكندر بك بمثابة أسطورة الألبان القومية في مقاومته للإمبراطورية العثمانية (الجزيرة)

ومع نيل ألبانيا استقلالها عن الإمبراطورية العثمانية عام 1912، استعاد الألبان أسطورة إسكندر بك بفخر واعتزاز، وأصبحت كرويا رمزا قوميا، يلهم الأدباء والمؤرخين.

موطن للطريقة البكتاشية

واليوم، تُعرف مدينة كرويا بأنها أحد المعاقل البارزة للطريقة البكتاشية الصوفية، التي تأثرت بالأفكار الشيعية في بعض معتقداتها، وما إن يبدأ الزائر بالصعود إليها حتى تتجلى معالم هذه الطريقة. على التلال المحيطة، تُشاهد الزوايا والتكايا الصوفية التي تحمل رموزا، وتحتضن مقابر شيوخها، وكأنها تعلن وجودها في كل ركن من أركان المدينة. ينعكس هذا التراث أيضا داخل القلعة التاريخية، وفي الأماكن المرتفعة التي تمتد نحو الجبل الشاهق الذي يحمي المدينة من جهة الشرق، ليجسد ارتباط أهل كرويا الوثيق بهذه الطريقة الصوفية، التي تضفي بُعدا روحيا إضافيا على أجواء المدينة وتاريخها العريق.

تنتشر زوايا وتكايا الطريقة البكتاشية على تلال وجبال المنطقة المحيطة وداخل مدينة كرويا
تنتشر زوايا وتكايا الطريقة البكتاشية على تلال وجبال المنطقة المحيطة وداخل مدينة كرويا (الجزيرة)

المسار السياحي

دعونا نترك التاريخ خلفنا ونستقبل مدينتنا التاريخية الجميلة لنستكشف معا أهم وأبرز معالمها الأثرية والسياحية. تُقدم لكم "الجزيرة نت" مسارا سياحيا مميزا لاكتشاف كنوز كرويا الثقافية.

نبدأ مسارنا السياحي من وسط المدينة الحديثة في كرويا، حيث يقع نصب إسكندر بك، رمز الهوية الألبانية والمقاومة الوطنية. من هنا، نتوجه نحو البلدة القديمة، إلى بازار كرويا القديم، أحد أعرق الأسواق في ألبانيا، حيث يمكن للزوار استكشاف الحرف اليدوية المحلية مثل الأقمشة التقليدية، والسجاد الألباني، والأواني النحاسية، والمجوهرات الفضية، ما يضفي على البازار طابعا أصيلا يعكس تاريخ ألبانيا وثقافتها.

بعد ذلك، نواصل السير نحو جامع السوق الأثري، الذي يعود تاريخه إلى ما يقرب من 5 قرون، ليكون شاهدا على العمارة الإسلامية التراثية التي جلبها العثمانيون. هذا الجامع يعتبر من المعالم التاريخية المميزة، إذ يحتفظ بتصميمه الأصلي الذي يبرز البساطة والفن المعماري الفريد لتلك الفترة.

من هنا، نتابع الطريق إلى قلعة كرويا، حيث سنجد أطلال جامع السلطان محمد الفاتح، الذي يعيد للأذهان مكانة كرويا في العهد العثماني. وداخل أسوار القلعة، يتوفر متحفان مهمان؛ متحف إسكندر بك، الذي يعرض تاريخ القائد الألباني ودوره في مقاومة الجيوش العثمانية، والمتحف الإثنوغرافي، الذي يقدم لمحة عن حياة السكان المحليين في القرون الماضية. ويحيط بالقلعة العديد من البيوت القديمة التي تحولت إلى مطاعم ومقاهٍ تقدم أطباقا تقليدية، وتوفر فرصة للاسترخاء وسط عبق التاريخ.

وأخيرا، ننهي الجولة على أسوار القلعة المحيطة، حيث نستمتع بإطلالات بانورامية ساحرة على المدينة والمناطق المحيطة، ما يضيف لمسة خالدة لهذه الرحلة الغنية بالتراث والثقافة.

نصب إسكندر بك

يُعد تمثال إسكندر بك في مدينة كرويا نقطة انطلاق مثالية للمسار السياحي، حيث يقع في ساحة المدينة الحديثة، بالقرب من البلدة القديمة. وتم تنصيب هذا التمثال التذكاري للبطل القومي جورج كاستريوت، المعروف بإسكندر بك، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1959، في ذكرى استقلال ألبانيا عن الدولة العثمانية عام 1912. وقد تم اختيار هذا التاريخ لدوره في الحرب الألبانية العثمانية بالقرن الـ15.

تم نصب تمثال اسكندر بك في 28 نوفمبر 1959 الذي يوافق الذكرى السنوية لاستقلال ألبانيا عن تركيا
تم نصب تمثال إسكندر بك في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1959 الذي يوافق الذكرى السنوية لاستقلال ألبانيا عن تركيا (الجزيرة)

يعد نصب إسكندر بك، الواقع أمام مركز البلدية، رمزا للهوية الوطنية الألبانية، ويتميز بموقعه المثالي الذي يوفر إطلالات جميلة على المدينة، وهذا يجعله نقطة جذب مهمة. وقد تم تصنيفه معلما ثقافيا وطنيا منذ عام 1963، وهذا يضفي عليه قيمة تاريخية وثقافية كبيرة في ذاكرة الألبان والزوار.

وتم نصب التمثال في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1959، الذي يتزامن مع الذكرى السنوية لاستقلال ألبانيا عن العثمانيين عام 1912، وهذا يعيد إحياء دور إسكندر بك في التصدي للجيوش العثمانية قبل أكثر من 5 قرون. وقد أُعلن عنه رسميا معلما ثقافيا وطنيا عام 1963.

البلدة القديمة

بينما نتقدم بخطوات متأنية نحو البلدة القديمة حيث "بازار كرويا القديم" و"جامع السوق الأثري"، يشعر الزائر وكأن الزمن قد توقف هنا. كل ما يحيط بك يعيدك إلى عصور مضت، حيث الطرق المرصوفة بالحصى والأسواق المصنوعة من الأخشاب والحجر، وعبق التاريخ الذي يملأ الأجواء. الجامع الأثري، بنقوشه القديمة ورائحته العطرة، يُشعر الزوار بنسمات روحانية تغمر المكان. هنا، في كرويا القديمة، تتجلى الكنوز الثقافية الفريدة.

وتُعتبر الأسواق الأثرية جزءا لا يتجزأ من حياة المدن الألبانية التاريخية خلال الحقبة العثمانية. وكانت هذه الأسواق تُبنى عادة أسفل أسوار قلاعها القديمة وعلى الطرق المؤدية إليها. وفي بدايات الفتح الإسلامي، كانت القلاع تمثل مقر الحامية العسكرية وسكان المنطقة.

يُعتبر البازار القديم في مدينة كرويا أجمل وأروع الأسواق الأثرية التقليدية في ألبانيا
يُعتبر البازار القديم في مدينة كرويا أجمل وأروع الأسواق الأثرية التقليدية في ألبانيا (الجزيرة)

ومع مرور الزمن وتوقف الحروب، بدأت النهضة العمرانية تتوسع خارج أسوار القلعة. وتدفق الحرفيون والتجار إلى المنطقة، وهذا استلزم إنشاء أسواق مقسمة حسب الحرف المختلفة. وقد تطلب هذا الأمر بناء جامع خاص بالتجار والحرفيين، والذي كان يُقام دائما في بداية السوق، واشتهر باسم "جامع السوق"، ويُدوَّن على جدرانه اسم من بناه، ليظل شاهدا على تطور هذه المدينة التاريخية.

وبينما نتجول في هذه الأزقة العتيقة، نشعر بعبق التاريخ يتجلى في كل زاوية، ونعرف أن كرويا ليست مجرد مدينة، بل هي قصة حية تتحدث عن تراث وحضارة غنية، تظل محفورة في ذاكرة الأجيال.

جامع السوق.. قلب المجموعة المعمارية والثقافية لـ"بازار كرويا"

على أرض مرتفعة قليلا على يسار "بازار كرويا القديم"، تبرز أمامنا صورة جامع مراد بك الأثري، المعروف بجامع السوق، كقلب نابض وسط هذا الفضاء التجاري العريق. وبروعة معمارية وتألق في تفاصيله الدقيقة، يبدو الجامع كأنه يحتضن تاريخ المدينة بين جدرانه.

وعند اقترابنا، تتجلى أمام أعيننا النقوش القديمة على جدرانه، التي تروي قصته منذ أكثر من 450 عاما، حيث بُني بين عامي 1553 و1554 ميلاديا. هذه الجدران ليست مجرد أحجار؛ بل هي تجسيد لتواريخ وقصص تروي تراثا عريقا ما زال ينبض بالحياة.

يعد جامع السوق بمثابة مركز ثقافي يروي قصة الهوية الإسلامية الألبانية على مدار خمسة قرون
يعد جامع السوق بمثابة مركز ثقافي يروي قصة الهوية الإسلامية الألبانية على مدار 5 قرون (الجزيرة)

ويعتبر المؤرخون الألبان أن بناء هذا الجامع خارج أسوار قلعة كرويا يعكس الهدوء والأمان الذي ساد المنطقة بعد فترات طويلة من الصراعات بين جيوش الخلافة العثمانية وسكان القلعة. وفي قلب هذا المعلم، يمكن للزوار أن يشعروا بأصداء التاريخ، حيث تحول المسجد إلى رمزٍ للسلام والألفة في المدينة.

ومع مرور الزمن، خضع هذا المعلم لعمليات ترميم في عامي 1837 و1838، ليظهر مجددا بجماله المعهود في السنوات الأخيرة، محتفظا بمكانته كمركز للحياة الروحية والثقافية. ولا يزال الجامع يستقبل المصلين والزوار من مختلف الأديان والثقافات، مُقدّما لهم مكانا للسكينة والتأمل.

يعتبر المؤرخون الألبان بناء جامع السوق خارج أسوار قلعة كرويا يعكس حالة الهدوء والأمان
يعتبر المؤرخون الألبان أن بناء جامع السوق خارج أسوار قلعة كرويا يعكس حالة الهدوء والأمان (الجزيرة)

داخل رحاب الجامع، نشهد المصلين وهم يتوافدون لأداء الصلوات الخمس، وهذا يضفي حياةً دائمة على المكان. وتتعالى أصوات الأدعية، متداخلةً مع ضحكات الأطفال ونقاشات الزوار، لتملأ الأجواء بعبق الروحانية والدفء الإنساني.

ويمثل جامع السوق أكثر من مجرد مكان للصلاة؛ إنه مركز ثقافي يروي قصة الهوية الألبانية الغنية، ويجمع بين التاريخ والدين والثقافة في لوحة فنية متكاملة. وهنا، حيث تختلط الأجيال ويُحتفى بالتراث، نشعر بأننا جزء من هذا النسيج الثقافي، نُسطر ذكريات جديدة في حضن تاريخ عريق.

"بازار كرويا القديم"... أجمل أسواق ألبانيا التاريخية لمنتجات الحرف اليدوية

ويُعتبر البازار القديم في مدينة كرويا أجمل وأروع الأسواق الأثرية التقليدية في ألبانيا، حيث يُعدّ نقطة جذب رئيسة للسياح الأجانب والمواطنين المحليين على حد سواء. ويمتد السوق على جانبي الطريق الرئيسي المرصوف بأحجار جميلة، الذي يقودك نحو بوابات القلعة، مُشكلا ممرا بين المدينة الحديثة والمواقع التاريخية، وهذا يعزز ارتباطه العميق بالتراث المحلي.

وما زال البازار يحتفظ بجوهر العمارة التقليدية العثمانية، حيث تتزين المباني الخشبية ذات الأسقف المائلة والمداخل الضيقة، وتستمر الحياة فيه ببيع التحف والحرف اليدوية التقليدية، مثل النعال الصوفية والسجاد الشرقي والمجوهرات الفريدة.

"بازار كرويا القديم"... أجمل أسواق ألبانيا الأثرية لمنتجات الحرف اليدوية (الجزيرة)

بدأ "بازار كرويا القديم"، المعروف أيضا باسم "ديريجيكو" (Derexhiku)، نشاطه منذ ما يقرب من 400 عام، وكان يضم حوالي 150 متجرا. ومع توسع البازار وتطور التجارة والصناعات اليدوية، تم بناء منازل ومبانٍ وورش خارج أسوار القلعة، وهذا أدى إلى اتساع المدينة جغرافيا وسكانيا وعمرانيا على مدار قرون متتالية.

تجولت في أروقة البازار، واستشعرت كأنني قد عدت إلى الماضي. يُمكنك رؤية الحرفيين وهم يصنعون منتجاتهم بدقة ومهارة عالية، وهذا يحفز السياح على اقتناء بعض من هذه المنتجات المحلية الصنع كتذكار جميل من زيارتهم لهذه المدينة العريقة.

وتدير معظم المحلات التجارية عائلات محلية، حيث حافظت على هذه التجارة التقليدية عبر الأجيال. وتلعب العائلات الألبانية في كرويا دورا حيويا في الحفاظ على هذه الحرف اليدوية، فالمهارات تنتقل من جيل إلى جيل داخل الأسر. وغالبا ما تكون هذه المهارات جزءا من التراث العائلي، حيث تبرز النساء بشكل خاص في مجالات النسيج والتطريز، بينما يشارك الرجال عادةً في الأعمال المتعلقة بالنحاس والفخار.

تدير معظم متاجر
تدير معظم متاجر "بازار كرويا القديم" عائلات محلية حافظت على هذه الحرف اليدوية (الجزيرة)

ويمتد السوق وسط منطقة محاطة بالمقاهي والمطاعم التي تقدم المأكولات الألبانية التقليدية، وهذا يتيح للسياح فرصة للاستراحة والاستمتاع بالأطعمة المحلية في أجواء المدينة الجبلية الفريدة. وفي "بازار كرويا القديم"، تتناغم الروائح والنكهات مع عبق التاريخ، ليخلق تجربة لا تُنسى لكل زائر.

وفي "بازار كرويا القديم"، لم أشعر فقط بأنني أستكشف سوقا، بل كنت أستكشف أيضا تراثا وثقافة غنية. كل زاوية كانت تحمل معها قصة، وكل منتج كان له حكاية، وهذا جعلني أدرك أن هذا المكان هو أكثر من مجرد سوق، بل هو قلب نابض يحمل في طياته تاريخ الهوية الألبانية

سبيل أسفل أسوار القلعة

بعد انتهائي من جولتي في البازار القديم وبينما أتجه نحو قلعة كرويا في الأعلى، لفت انتباهي سبيل قديم في موقع إستراتيجي على مقربة من المدخل الرئيس للقلعة، وهذا يجعلها نقطة توقف مثالية للزوار، وأخذت لقطات تصويرية مع هذا المعلم ذي الطابع العماري العثماني.

التصميم المعماري للسبيل القديم أسفل أسوار القلعة يجسد البراعة الفنية
التصميم المعماري للسبيل القديم أسفل أسوار القلعة يجسد البراعة الفنية (الجزيرة)

عند الاقتراب، يمكنك رؤية التصميم المعماري الفريد للسبيل، الذي يتضمن مجموعة من الأقواس الحجرية المنحوتة بدقة، ويُعد تجسيدا للبراعة الفنية التي ازدهرت في فترة الحكم العثماني. تشعر كأنك تخطو إلى عالم آخر، حيث يعود بك الزمن إلى قرون مضت، حين كانت هذه البئر توفر الماء العذب للمسافرين والمقيمين في المنطقة.

قلعة كرويا.. تروي قصص الأمجاد

تستقبلنا قلعة كرويا بفخر وهي تتربع على قمة تل مرتفع، مقدمةً إطلالات ساحرة على الجبال المحيطة بها. هذه القلعة ليست مجرد حصن، بل هي قصة حية تحمل بين جدرانها أسرار الأمجاد والتاريخ. ومن هذا الموقع الإستراتيجي، يمكن رؤية المناظر الطبيعية الخلابة التي تمتد على 3 جهات، جنوبية وشمالية، مع رؤية ساحل البحر الأدرياتيكي يتلألأ في الأفق الغربي. بينما تحميها سلسلة من الجبال الشاهقة من الخلف، وتشعر كأن القلعة تتأمل جمال الأرض التي تحتضنها.

تتميز قلعة كرويا بشكلها البيضاوي الفريد، الذي يمتد على مساحة 2.5 هكتار (6.2 أفدنة)، وهذا يتيح للزوار استكشاف تفاصيلها العديدة. ويعتقد أن بناءها يعود إلى القرن الخامس أو السادس الميلادي، إلا أن البيزنطيين أعادوا بناءها في القرنين الـ11 والـ12، تلاهم العثمانيون في القرنين الـ16 والـ17. لكن المفاجأة تكمن في أن الحفريات الأثرية كشفت عن أن هذه الأرض كانت مأهولة منذ القرن الثالث قبل الميلاد، وهذا يعكس غنى تاريخها.

قلعة كرويا الألبانية.. رحلة عبر الزمن بين التاريخ العريق والطبيعة الخلابة
قلعة كرويا الألبانية.. رحلة عبر الزمن بين التاريخ العريق والطبيعة الخلابة (الجزيرة)

ما يميز قلعة كرويا عن باقي القلاع الألبانية هو مدخلها الفريد، الذي يتم الوصول إليه من خلال نفق مقنطر يقع في الجهة الشمالية. وعند دخولك من هذا النفق، تستقبلك على يمينك، أطلال مسجد السلطان محمد الفاتح، بجواره أطلال حمام تركي قديم يقع خلفه، بينما يمتد أمامك مسار مائي مصنوع من الأحجار، يحمل الماء إلى المسجد والحمام والقلعة، ليحكي لك قصة الحياة اليومية في ذلك الزمن.

وداخل القلعة، يمكنك استكشاف العديد من المعالم التاريخية ذات الطابع الديني والثقافي والاجتماعي، بالإضافة إلى المتاحف والبيوت الأثرية، التي تحولت لمطاعم ومقاهي تستقبل الزائرين يوميا.

وتكتسب القلعة شهرتها أيضا من تصويرها على الأوراق النقدية الألبانية، حيث تظهر على فئة ألف ليك لعام 1996 وفئة 5 آلاف ليك لعام 2013.

مسجد الفاتح.. جوهر الهوية الإسلامية

يُعد مسجد السلطان محمد الفاتح من المعالم العثمانية البارزة التي تجسد الهوية الإسلامية والتراث الثقافي والديني في مدينة كرويا، حيث يقع بجوار المدخل الرئيس للقلعة. بُني المسجد قبل عام 1481 تخليدا لاسم السلطان العثماني محمد الثاني، المعروف بلقب "الفاتح".

وعلى مر السنين، واجه المسجد تحديات عديدة أثرت على مكانته. فقد تعرض للتدمير عام 1831، إلا أنه أعيد بناؤه في عهد السلطان محمود الثاني، ليظل مكانا يلتقي فيه المسلمون للصلاة ويحتفظ بجوهر الهوية الإسلامية.

يقع مسجد السلطان الفاتح بجوار المدخل الرئيسي للقلعة
يقع مسجد السلطان الفاتح بجوار المدخل الرئيس للقلعة (الجزيرة)

ورغم إعادة بنائه، لم يكن مصيره خاليا من الشدائد. في عام 1917، شهد انهيار مئذنته البديعة، التي كانت تُعد رمزا لجمال العمارة الإسلامية، نتيجة لعاصفة شديدة. ورغم هذه المحن، استمر المسجد كدار عبادة حتى عام 1937، حيث كانت أصوات الأذان تملأ الأفق وتعيد الحياة الروحية إلى المنطقة.

ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تعرض المسجد للإساءة حيث استخدم كمخزن للذخيرة، وهذا أدى إلى تراجع دوره كرمز إسلامي. والتدهور الذي شهدته المنطقة في فترة حكم الدكتاتور الشيوعي أنور خوجا، الذي سعى إلى تقويض الهوية الإسلامية، أضاف طبقة أخرى من المعاناة إلى تاريخ المسجد.

بُني مسجد السلطان الفاتح قبل عام 1481 تخليدًا لاسم السلطان العثماني محمد الثاني
بُني مسجد السلطان الفاتح قبل عام 1481 تخليدا لاسم السلطان العثماني محمد الثاني (الجزيرة)

اليوم، لم يتبقَ من المسجد سوى الأجزاء السفلية من الجدران والمئذنة، لكن رغم حالته الراهنة، يظل المسجد رمزا مهما للتراث الإسلامي في كرويا، محملا بذكريات تاريخ طويل يعكس مقاومة الهوية الثقافية في وجه التحديات المستمرة.

متحف إسكندر بك الوطني

يعد متحف إسكندر بك الوطني، أكثر متاحف ألبانيا زيارةً، ومن أهم الوجهات السياحية الأكثر جذبا للزوار. افتتح في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1982 داخل قلعة كرويا، وصُمم بأسلوب يعكس القلاع الأوروبية في العصور الوسطى.

متحف اسكندر بك يخلد لشخصية تاريخية استطاعت وقف زحف العثمانيين على ألبانيا طيلة 25 عامًا
متحف إسكندر بك يخلد لشخصية تاريخية استطاعت وقف زحف العثمانيين على ألبانيا طيلة 25 عاما (الجزيرة)

يحتوي المتحف على مجموعة رائعة من المعروضات التي توثق حياة إسكندر بك ومآثره العسكرية، من بينها أسلحة قديمة، وملابس عسكرية، ولوحات فنية. كما يضم قطعا أثرية تعود إلى فترة حكمه، بما في ذلك نسخة طبق الأصل من خوذته الشهيرة التي تميزها زخرفة رأس الماعز، في حين يُعرض الأصل في متحف "تاريخ الفن" (Kunsthistorisches) في فيينا.

حول الفنانون والمهندسون المعماريون الألبان متحف اسكندر بك إلى منطقة سياحية رائعة.
حول الفنانون والمهندسون المعماريون الألبان متحف إسكندر بك إلى منطقة سياحية رائعة (الجزيرة)

قام فنانون ومهندسون معماريون ألبان بموهبة عالية بتصميم هذا المتحف، ليصبح رمزا فنيا وثقافيا. ويعكس المتحف مراحل تاريخية هامة ويوفر نظرة معمقة للزوار عن تاريخ ألبانيا ومقاومتها للاحتلال، ليقدم تجربة ثقافية وتاريخية غنية توضح أحد أكثر فصول التاريخ الألباني فخرا.

المتحف الإثنوغرافي في كرويا

يقدم المتحف الإثنوغرافي في كرويا لمحة غنية عن أساليب الحياة وعادات الأسرة الألبانية قبل 300 عام، من خلال مجموعة واسعة من المعروضات التي تشمل الملابس التقليدية، الأدوات المنزلية، الحرف اليدوية، والفنون الشعبية. كما يسرد تاريخ العادات والتقاليد والأنشطة اليومية للمجتمع الألباني، وهذا يجعله وجهة مثالية للزوار الراغبين في فهم الثقافة الألبانية بشكل أعمق.

ويقع المتحف في منزل عائلة "طوبتاني" النبيلة، التي كانت تحكم المنطقة قبل انتقالها إلى مدينة تيرانا. ويُعرف هذا المنزل الأثري بتصميمه على الطراز المعماري المعروف باسم "تشاداك"، وهو من السمات البارزة لمنطقة كرويا في تلك الحقبة.

يسرد متحف كرويا الإثنوغرافي تاريخ العادات والتقاليد والأنشطة اليومية للمجتمع الألباني
يسرد متحف كرويا الإثنوغرافي تاريخ العادات والتقاليد والأنشطة اليومية للمجتمع الألباني (الجزيرة)

تتوزع المعروضات عبر الطوابق الثلاثة للمتحف، حيث تعرض جوانب مختلفة من حياة عائلة ألبانية ثرية خلال الحكم العثماني. وتتراوح أعمار المعروضات الرئيسة من 60 إلى 500 عام، ويُعتبر المنزل نصبا ثقافيا من الفئة الأولى، إذ يعود تاريخ بنائه إلى عام 1764، وتم تحويله إلى متحف عام 1989.

بيوت القلعة الأثرية

تُعرف البيوت الأثرية التقليدية في مدينة كرويا الألبانية باسم "تشاداك" (Çadak)، وهي جزء من التراث الثقافي والمعماري العريق لألبانيا. ويعود تصميم هذه البيوت إلى القرون الماضية، وتمثل نموذجا مميزا للعمارة التقليدية، خاصة في المدن الجبلية مثل كرويا. ويتميز هذا الطراز بمزيج من العمارة العثمانية والمحلية الألبانية، حيث يعكس كل بيت القيم الثقافية والاجتماعية لسكان المنطقة.

البيوت الأثرية داخل قلعة كرويا تحولت لمطاعم ومقاهي تستقبل الزائرين يوميُا.
البيوت الأثرية داخل قلعة كرويا تحولت لمطاعم ومقاهي تستقبل الزائرين يوميا (الجزيرة)

عادةً ما تحتوي البيوت الأثرية من طراز تشاداك على طابقين أو 3، حيث يُخصص الطابق العلوي للحياة اليومية والمعيشة. يتميز هذا الطابق بوجود نوافذ كبيرة تتيح دخول الضوء والتهوية الجيدة، وهو أمر بالغ الأهمية في المنازل الجبلية.

عادةً ما تحتوي البيوت الأثرية في قلعة كرويا من طراز تشاداك على طابقين أو ثلاثة
عادة ما تحتوي البيوت الأثرية في قلعة كرويا من طراز تشاداك على طابقين أو 3 (الجزيرة)

ولم تكن بيوت "تشاداك" مجرد مساكن، بل كانت تمثل نظاما اجتماعيًا وثقافيًا مترابطًا. يعكس تصميم البيت حياة العائلة الممتدة في ألبانيا، حيث يعيش أفراد العائلة الكبيرة معا في نفس المسكن، مع الحفاظ على تقاليد الضيافة والاحترام بين الأجيال. وكان لكل جزء من البيت وظيفة محددة تعكس القيم الاجتماعية، مثل تخصيص غرفة للضيوف وإعداد الطعام في مساحات منفصلة.

الزيتون والآبار.. رموز تراثية ثقافية

تنتشر أشجار الزيتون الخضراء اليانعة على التلال المحيطة بكرويا، وفي كل زاوية من أزقتها، لتضفي لمسة من الجمال الطبيعي على البيئة. تبدو أشجار الزيتون العتيقة، التي شهدت مرور قرون من الزمن، وكأنها تحكي قصص الأجيال الماضية، حيث تُعتبر رمزا للعطاء والثبات في الثقافة الألبانية.

أما الآبار، التي توجد في كل مكان، فهي جزء لا يتجزأ من حياة سكان كرويا، تحمل في أعماقها حكايات تاريخية متنوعة. وكل بئر تروي قصة عن الماضي، حيث كانت تمثل مصدرا حيويا للمياه في زمن كان فيه الوصول إلى الماء يعد تحديا. وتتزين جوانب هذه الآبار بالأعشاب والنباتات المحلية، وهذا يضفي طابعا حيويا ومشاعر دافئة على المشهد.

تُعتبر أشجار الزيتون بكرويا رمزًا للعطاء والثبات في الثقافة الألبانية.
تُعتبر أشجار الزيتون بكرويا رمزا للعطاء والثبات في الثقافة الألبانية (الجزيرة)

في المطاعم والمقاهي، تُعتبر أشجار الزيتون بمثابة أصدقاء للزوار، حيث يجلس الضيوف تحت ظلالها للاستمتاع بوجباتهم التقليدية، بينما تضيف الآبار جمالا ريفيا للمكان. هذه العناصر تعزز من تجربة الضيافة الألبانية الأصيلة، حيث تتمازج نكهات الطعام مع عبق التاريخ، ويصبح كل لقاء مع الطبيعة تجربة لا تُنسى.

وتتجلى في كرويا روح التراث الثقافي الذي يُعبر عن انتماء الألبانيين إلى أرضهم، حيث يتشارك السكان والزوار في تقدير هذا الغنى الطبيعي والتراثي الذي يميز مدينتهم.

استكمال استكشاف قلعة كرويا.. من تكية دولمي إلى برج المراقبة

هنا نواصل مسيرتنا على أطراف قلعة كرويا، من الغرب إلى الشرق، بمحاذاة أسوارها الشاهقة، لنستكشف الأماكن المجاورة التي تحمل سمات دينية مميزة.

  • تكية دولمي

بجانب الأسوار الغربية، يبرز مبنى تقليدي يعود للعصر العثماني؛ إنه تكية دولمي، المعروفة أيضا بتكية حاجي مصطفى بابا، والتي تمثل أحد المعالم الهامة للطائفة البكتاشية. أسسها آدم آغا توبتاني عام 1193هـ (1779-1780 م)، ويُعتقد أنه مدفون في القبر الرخامي داخل التكية.

تُظهر التكية ملامح معمارية غنية، إذ يُعتقد أنها كانت في الأصل مسجدا، بوجود محراب للصلاة. وتُعتبر تكية دولمي مثالا بارزا للعمارة الإسلامية العثمانية، حيث تتميز بتصميمها التقليدي المتواضع، مما يجعلها جزءا لا يتجزأ من الإرث التاريخي والثقافي لمدينة كرويا.

تُعرف مدينة كرويا بأنها أحد المعاقل البارزة للطريقة البكتاشية الصوفية التي تأثرت بالأفكار الشيعية
تُعرف مدينة كرويا بأنها أحد المعاقل البارزة للطريقة البكتاشية الصوفية التي تأثرت بالأفكار الشيعية

تحتوي المنطقة المحيطة بالتكية على 360 قبرا مقدسا للطائفة البكتاشية، مما أكسبها لقب "خراسان الصغيرة". ورغم تعرضها للتدمير خلال الحقبة الشيوعية، فقد أُعلن عنها نصبا ثقافيا في عام 1973 وأعيد بناؤها مؤخرا، لتصبح رمزا مهما للتراث الديني والثقافي في ألبانيا، وجاذبا للسياح الراغبين في اكتشاف تاريخها.

  • أطلال لكنيسة قديمة

على السور الشرقي للقلعة، تظهر أطلال كنيسة قديمة كشفت عنها الحفريات مؤخرا. تشير المصادر التاريخية إلى أن أهل المنطقة فروا منها بعد السيطرة العثمانية، حيث انتقل البعض إلى الشمال أو هاجر عبر مدينة شكودرا إلى إيطاليا.

على السور الشرقي للقلعة تظهر أطلال كنيسة قديمة كشفت عنها الحفريات مؤخرًا
على السور الشرقي للقلعة تظهر أطلال كنيسة قديمة كشفت عنها الحفريات مؤخرا (الجزيرة)
  • برج المراقبة وإطلالاته الساحرة

ختاما، قبل أن تغادر قلعة كرويا، لا بد من زيارة برج المراقبة، أحد الأبراج القليلة المتبقية. يرتفع البرج 16 مترا (53 قدما) فوق الأسوار، ويوفر رؤية شاملة للأفق، حيث صُمم لمراقبة تحركات الأعداء من 3 اتجاهات: الجنوب، والشمال، والغرب، بينما يحميه جبل كرويا من الشرق.

يرتفع برج المراقبة في قلعة كرويا 16 مترًا (53 قدمًا) فوق الأسوار
يرتفع برج المراقبة في قلعة كرويا 16 مترا (53 قدما) فوق الأسوار (الجزيرة)

وفي هذه اللحظة، تتوج قلعة كرويا رحلتنا المليئة بالإثارة. فإذا كنت تسعى لاكتشاف تاريخ ألبانيا العريق أو ترغب في الاستمتاع بجمال الطبيعة الخلابة، فإن كرويا هي الوجهة المثالية التي تقدم لك تجربة سياحية فريدة لا تُنسى، تجمع بين تنوع معالمها في التاريخ والثقافة والطبيعة.

"أشكودرا".. لؤلؤة البلقان الطبيعية ومنارتها الثقافية والفنية

"أشكودرا" الألبانية تجسد تناغما استثنائيا بين سخاء الطبيعة وعمق التاريخ، مما جعلها بحق لؤلؤة البلقان الطبيعية ومنارتها الثقافية.

"أشكودرا" الألبانية.. لؤلؤة البلقان الطبيعية ومنارتها الثقافية والفنية
"أشكودرا" الألبانية.. لؤلؤة البلقان الطبيعية ومنارتها الثقافية والفنية
مدينة "اشكودرا" الألبانية تُعتبر واحدة من الوجهات المثالية لعشاق التراث الإنساني والعادات المحلية الأصيلة (الجزيرة)
مدينة "اشكودرا" الألبانية تُعتبر واحدة من الوجهات المثالية لعشاق التراث الإنساني والعادات المحلية الأصيلة (الجزيرة)

أشكودرا، ألبانيا - تُعدُّ مدينة "أشكودرا" إحدى أيقونات التنوع الحضاري والثقافي في منطقة البلقان، حيث تلتقي فيها روح الشرق والغرب، مشكّلة لوحة فريدة من الفنون والثقافات المتراكمة عبر العصور. تقع المدينة في شمال غرب ألبانيا، في موقع استراتيجي عند ملتقى الحضارات، مما أضاف إليها جاذبية استثنائية انعكست بوضوح في معمارها المتنوع، الذي يمزج بين الطرز الرومانية والعثمانية، إلى جانب لمسات إيطالية وفيينية بديعة.

لعبت "أشكودرا" عبر التاريخ دورًا محوريًا في صياغة هوية البلقان الثقافية، إذ كانت مركزًا للتجارة، والفنون، والتعليم. ورغم التحولات التاريخية التي شهدتها، حافظت المدينة على رونقها الحضاري، لتصبح وجهة مفضلة للسياح والباحثين عن الأصالة والعمق الثقافي.

11_أنهار_اشكودرا_سيمفونية_مائية_تعزف_على_أوتار_الزمن
أنهار أشكودرا سيمفونية مائية تعزف على أوتار الزمن (الجزيرة)

أما طبيعتها الساحرة؛ فهي لوحة من الجمال الاستثنائي، حيث تحيط بها في مزيجٌ مدهش بحيرات وأنهار تنساب بتناغم مع سهولها الخصبة وتلالها المرتفعة، وصولًا إلى قمم جبال الألب الألبانية الشاهقة. هذا المشهد الطبيعي الفريد يجعل من المدينة جنة لعشاق المغامرات في أحضان الطبيعة.

لذا، تُجسد "أشكودرا" تناغمًا استثنائيًا بين سخاء الطبيعة وعمق التاريخ، مما جعلها بحق لؤلؤة البلقان الطبيعية ومنارتها الثقافية، ووجهة مثالية لعشاق المغامرة والمعرفة.

فإذا تحدثت عن طبيعتها الخلابة؛ يمكن أن تصفها بأنها "مدينة الأنهار"؛ حيث تحتضن ثلاثة أنهار رئيسية، أحدها هو الأطول في ألبانيا، الذي ينبع من "بحيرة أوهريد"، إحدى أقدم بحيرات العالم الواقعة جنوب البلاد، ويواصل مساره شمالًا ليصب في "بحيرة أشكودرا"، الأكبر في منطقة البلقان. فوق هذا النهر، تم تشييد "سد فييرزا"، الأكبر في ألبانيا والبلقان، والذي يزود البلاد بحوالي 70% من احتياجاتها من الكهرباء، ما يبرز الدور الحيوي الذي تلعبه المنطقة اقتصاديًا وبيئيًا.

44_تمثل_بحيرة_اشكودرا_ ملاذًا_مثاليًا_لأنواع_متعددة_من_الكائنات_البحرية_والطيور
بحيرة "أشكودرا" تمثل ملاذًا مثاليًا لأنواع متعددة من الكائنات البحرية والطيور (الجزيرة)

إلى جانب ذلك، تُعد "بحيرة أشكودرا"، واحدة من أبرز المحميات الطبيعية في أوروبا، حيث تزخر بتنوع بيولوجي استثنائي، يضم أنواعًا نادرة من النباتات والحيوانات، مما يجعلها وجهة مميزة لعشاق الطبيعة والمغامرة.

بينما على الصعيد الثقافي والفني، تُعد "أشكودرا" بحق "مدينة متحفية"؛ تُعد "أشكودرا" بحق "مدينة متحفية" بامتياز، فقد كانت تحتضن في الماضي "شبكة المتاحف السبعة" التي انتشرت في مختلف أرجاء المدينة، مما جعلها مركزًا ثقافيًا نابضًا. ورغم دمج هذه المتاحف في متحف مركزي واحد، لم تفقد المدينة رونقها المتحفي المميز. بل على العكس، شهدت السنوات الأخيرة نهضة ثقافية تمثلت في افتتاح العديد من المتاحف المتخصصة التي تتيح للزوار استكشاف الجوانب الثقافية والاجتماعية العريقة لهذه المدينة الساحرة.

118_يعرض_متحف_ماروبي_الوطني_للتصوير_الفوتوغرافي_أدوات_التصوير_القديمة_التي_استخدمت_في_توثيق_الأحداث
يعرض متحف "ماروبي الوطني للتصوير الفوتوغرافي" أدوات التصوير القديمة التي استخدمت في توثيق الأحداث (الجزيرة)

من أبرز هذه المتاحف وأكثرها شهرة، يبرز "متحف ماروبي الوطني للتصوير الفوتوغرافي"، الأقدم من نوعه في منطقة البلقان. هذا المتحف يُعد نافذة ضوئية على تاريخ ألبانيا، حيث يوثق تفاصيل الحياة اليومية على مدار أكثر من قرن من الزمن. بفضل مجموعته الفريدة التي تضم آلاف الصور التاريخية، حظي المتحف بشهرة عالمية، ورُشِّح لنيل جائزة "متحف العام الأوروبي" عام 2017، ما يعكس مكانة "أشكودرا" كمركز للإبداع الثقافي والفني في المنطقة.

كما تُعد أشكودرا من أبرز المدن الألبانية التي حافظت على التراث الإسلامي في المنطقة، بفضل مؤسساتها التعليمية التي أسهمت في تخريج العديد من العلماء والمفكرين. كانت المساجد والمدارس الإسلامية (الكتاتيب والمدارس المتوسطة والعليا) في قلب هذا الدور الحيوي، حيث كانت تمثل مراكز رئيسية للعلم والتعليم. وتخرج العديد من العلماء البارزين من هذه المدارس، الذين ساهموا في النهضة الدينية والتعليمية في ألبانيا وشاركوا في النقاشات الفكرية والدينية خلال فترة الحكم العثماني.

37_تم_تجديد_قلعة_اشكودرا_عدة_مرات_على_يد_الرومان_والبيزنطيين_والعثمانيين_وأمراء البندقية_مما_أضفى_عليها_طابعًا_معماريًا_متعدد_الثقافات
تم تجديد "قلعة أشكودرا" عدة مرات على يد الرومان والبيزنطيين والعثمانيين وأمراء البندقية مما أضفى عليها طابعًا معماريًا متعدد الثقافات (الجزيرة)

على الصعيد المعماري، تُعد "أشكودرا" نموذجًا حيًا لتناغم معماري متنوع يعكس تاريخًا عريقًا؛ فقد تأثرت المدينة بالعديد من الأساليب المعمارية التي تركتها الحضارات المتعاقبة، من الفينيقية إلى العثمانية، وصولًا إلى التأثيرات الأوروبية الحديثة، مما أضفى عليها طابعًا فريدًا يظهر بوضوح في شوارعها ومبانيها.

تشهد الجوامع الأثرية والبيوت التقليدية في "أشكودرا" على التأثيرات العثمانية الواضحة، إذ تتميزجوامعها الأثرية بطراز معماري عثماني يجمع بين العناصر الإسلامية التقليدية مثل القباب والمآذن، مع لمسات محلية تُبرز الهوية الألبانية الفريدة. وعلى غرار ذلك، تعكس البيوت التقليدية في المدينة الطابع العثماني أيضًا، حيث تزينها الأسطح الخشبية المزخرفة والنوافذ الكبيرة التي تغمرها أشعة الشمس، بالإضافة إلى الفناءات الداخلية التي شكلت جزءًا أساسيًا من الحياة الاجتماعية في تلك الحقبة.

ومن أبرز الأمثلة على التأثيرات الفينيسية والإيطالية في المدينة يأتي "شارع كولي إدرومينو، الذي صممه المعماري الألباني كولي إدرومينو في أوائل القرن العشرين. يعكس الشارع طابع العمارة الفينيسية بواجهاته المزخرفة وتقنيات البناء التي استُوحيَت من المدن الإيطالية. وقد تم تجديد العديد من المباني القديمة في هذا الشارع، وتحويلها إلى فنادق ومقاهٍ ومتاجر، ليصبح وجهة سياحية نابضة بالحياة تعكس التمازج بين التراث الغربي والخصائص المحلية لأشكودرا.

152_تمتد_أرضيى _ممشى_كولي_إدرومينو_المرصوفة_بالأحجار_الزخرفية_على_طول_800_متر
أراضي ممشى "كولي إدرومينو" المرصوفة تمتد بالأحجار الزخرفية على طول 800 متر (الجزيرة)

بينما يظل برج "ساعة الإنجليز"، المعروف محليًا بـ "كولا الإنجليزي"، في قلب المدينة، شاهدًا على التأثيرات الثقافية الأوروبية الحديثة التي تركت بصماتها على "أشكودرا عبر العصور. في الماضي، كان البرج مقرًا للمتحف التاريخي خلال فترة الحكم الشيوعي، لكن اليوم يُعدُّ من أهم المعالم الثقافية التي تساهم في إبراز تاريخ المدينة العريق وهويتها المعمارية الفريدة. يُعد البرج مثالًا حيًا على تلاقي التأثيرات الغربية مع التراث المحلي، ليظل رمزًا للثقافة المتجددة والمتنوعة في **أشكودرا**.

على صعيد السياحة الثقافية، تُعتبر "أشكودرا" واحدة من الوجهات المثالية لعشاق التراث الإنساني والعادات المحلية الأصيلة. ففي قلب هذه المدينة، يقف فندق "تراديتا"، الذي تأسس عام 1694 كمقر لعائلة تجارية أرستقراطية، ليحكي قصة الزمن والمكان. هذا الفندق العتيق، الذي مر عليه قرون من الزمان، تحول اليوم إلى وجهة سياحية فاخرة، يجمع بين عبق التراث العثماني وجمال التقاليد الألبانية الأصيلة.

147_أصبح_فندق_تراديتا_اليوم_وجهة_سياحية_مفضلة_لعشاق_التراث_والتقاليد_المحلية
فندق "تراديتا" أصبح اليوم وجهة سياحية مفضلة لعشاق التراث والتقاليد المحلية (الجزيرة)

عند دخولك إلى هذا المكان، يبدو وكأنك قد انتقلت عبر الزمن إلى حقبٍ قديمة من تاريخ "أشكودرا"، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بتجربة ضيافة ألبانية استثنائية، يشعرون خلالها بأنهم جزءٌ من روح المدينة التي لا تزال تحتفظ بجمالها وعراقتها. في هذا المكان، يصبح التاريخ جزءًا من الحاضر، وتنفتح أبواب الزمن لتكشف أسرارًا وذكريات المدينة التي تشهد على تنوعها الثقافي وجمالها الخالد.

إذا واصلت رحلتك شمال شرق المدينة، ستكتشف تحفة معمارية عثمانية، وهو جسر "ميسي"، الذي يُعدُّ من أقدم الجسور في ألبانيا. يتميز الجسر بهندسته الفريدة التي تجسد براعة المهندسين العثمانيين، ويمثل معلمًا ثقافيًا وتاريخيًا بارزًا، ما يجعله مقصدًا مميزًا للزوار الذين يأتون لاستكشافه والاستمتاع بجمال الطبيعة المحيطة به.

171_يعد جسر_ميسي_تحفة معمارية عثمانية ووجهة مفضلة لعشاق التصوير في أجواء التراث والطبيعة،
جسر "ميسي" يعد تحفة معمارية عثمانية ووجهة مفضلة لعشاق التصوير في أجواء التراث والطبيعة (الجزيرة)

في زيارة استثنائية، انطلقت "الجزيرة نت" في رحلة استكشافية إلى مدينة "أشكودرا، حيث كانت أولى محطاتها خارج المدينة في الجهة الجنوبية، لتكتشف معالمها الطبيعية والتاريخية. ثم واصلت جولتها إلى قلب المدينة القديمة، حيث زارت معالمها الثقافية والتراثية المميزة. وأخيرًا، اختتمت "الجزيرة نت" رحلتها الاستكشافية بزيارة "جسر ميسي" في شمالها الشرقي، لتقدم لكم مسارًا سياحيًا استثنائيًا يروي قصة إحدى أعرق مدن ألبانيا والبلقان.

إلى شمال غرب ألبانيا.. حيث تنسجم الطبيعة مع التاريخ

انطلقنا في رحلة استكشافية من موقف أتوبيسات العاصمة الألبانية تيرانا، متجهين إلى مدينة أشكودرا الواقعة في شمال غرب ألبانيا، على بُعد حوالي 94 كيلومترًا. استغرقت الرحلة نحو ساعتين. كان الطريق مليئًا بالمشاهد الرائعة التي أسرت الأعين. من جهة الشرق، امتدت سلسلة جبال شاهقة، بينما على يسارنا، انتشرت التلال الخضراء التي تتمايل بين الارتفاع والانخفاض، مُضفية على الرحلة لمسة من الجمال والبهجة.

قبيل الوصول إلى "مدينة ليجى"، بدأنا نلاحظ كيف بدأت الجبال تنحسر شيئًا فشيئًا، كما لو كانت تتراجع بخجل نحو الشرق. وحل مكانها تلال ساحرة، مغطاة بأشجار متوسطة الارتفاع تتلألأ بلون أخضر هادئ، محاطة بالحشائش الناعمة التي تُضفي على المكان شعورًا بالسلام والسكينة. كان المنظر بديعًا، وكأن الطبيعة قد رسمت لوحة فنية تُجسد جمال الأرض في أبهى صورها.

وبعد تخطي "مدينة ليجى"، ومع اقترابنا من محافظة أشكودرا، بدأت تضاريس الأرض تتغير بشكل تدريجي. بدأت السهول تنفتح أمامنا، خصوصًا على يسارنا باتجاه الشرق، حيث ظهرت مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة التي كانت تنبض بالحياة. رأينا الفلاحين يعملون في الأرض بأيدٍ ماهرة، يمارسون أقدم مهنهم التي ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالأرض وجعلت منها مصدر رزقهم وحياتهم. أما على يميننا، فقد ابتعدت التلال قليلاً، لكن الأرض تحتفظ بملامحها الحجرية التي تروي قصة الأرض الجافة التي لا تعرف الزرع الأخضر.

26_نهر_كيري_أحد_الأنهار_الجبلية_الصغيرة_والمميزة_في_شمال_غرب_ألبانيا
نهر "كيري" أحد الأنهار الجبلية الصغيرة والمميزة في شمال غرب ألبانيا (الجزيرة)

وفي تلك اللحظات، وبينما كنت أتأمل في هذه المساحات الخضراء الشاسعة، تذكرت كيف كانت الإمبراطوريات تتصارع للسيطرة على هذه الأراضي الخصبة التي كانت تمثل حلمًا وحياةً، ومفتاحًا للهيمنة في تاريخ المنطقة الطويل.

أخيرًا، وصلنا إلى المدخل الجنوبي لمدينة "أشكودرا"، حيث كان أول ما لفت انتباهنا قلعتها المهيبة، التي ترتفع فوق تلة عالية، كأنها تحرس المدينة الممتدة خلفها. أسفل القلعة، كان نهر "دريني" يتدفق بغزارة وهدوء، بمحاذاة شاطئ بحيرة أشكودرا العظيمة.

16_يُعد_نهر_دريني_أحد_أهم_أنهار_البلقان_وأطول_أنهار_ألبانيا
نهر "دريني" أحد أهم أنهار البلقان وأطول أنهار ألبانيا (الجزيرة)

أسرنا جمال هذا المشهد الرائع، فقررنا النزول من الأتوبيس قبل الوصول إلى وسط المدينة. عبَرنا الجسر مشيًا على الأقدام، والتقطنا صورًا للنهر المتدفق أسفلنا، وللقلعة التي تلوح في الأفق أمامنا في الأعلى. اخترنا أن نحتسي قهوتنا الصباحية الأولى في مدخل مدينة "أشكودرا"، فجلسنا في مقهى جميل على ضفاف النهر، يمتد منه جسر خشبي دائري يصل إلى وسط النهر ليأخذنا إلى عالم آخر من الجمال الساحر.

من هذا المكان الساحر، حيث يلتقي في مكان قريب منها ثلاثة أنهار لتشكل مشهدًا طبيعيًا فريدًا، بدأت محطتنا الأولى في مسار رحلتنا الاستكشافية لمدينة "أشكودرا" العريقة، ومناظرها الخلابة ومعالمها التاريخية والثقافية.

"أنهار أشكودرا".. سيمفونية مائية تعزف على أوتار الزمن

في رقصة متناغمة من المياه العذبة التي تنساب بهدوء عبر أراضٍ غنية بسهولها الخضراء الواسعة، تلتقي أنهار دريني وبونا وكيري عند المدخل الجنوبي لقلعة أشكودرا، لتشكل شبه جزيرة محاطة بالمياه من ثلاث جهات، وترسم لوحة ساحرة تعكس تناغم طبيعة خلابة تحتضن تاريخًا عريقًا.

بعد مشاهدتك لهذا المشهد الاستثنائي وتجوالك بين جنبات هذه المنطقة الساحرة، ينبض قلبك وتشعر بأنها "نبع الحياة" لسكان هذه المناطق؛ فالمياه التي تتدفق عبر الأنهار وتُمد الأرض بالخصوبة، تعزز الزراعة والصيد، وتثري الحياة الاقتصادية، وتساهم في ظهور الحضارات واستمرارها.

13_تلتقي_ثلاثة_أنهار_عند_المدخل_الجنوبي_لقلعة_اشكودرا_لتشكل_شبه_جزيرة_محاطة_بالمياه
تلتقي ثلاثة أنهار عند المدخل الجنوبي لقلعة أشكودرا لتشكل شبه جزيرة محاطة بالمياه (الجزيرة)

ومع تدفق المياه، تنبض الحياة لكائنات كثيرة في أشكودرا؛ حيث تجد الطيور المهاجرة في مياه أشكودرا ملاذًا مؤقتًا في رحلاتها الطويلة، وتجد فيها الحيوانات البرية مأوى ومنبعًا للغذاء. ويُظهر التنوع البيئي في هذه المنطقة كيف يمكن للإنسان والطبيعة أن يتعايشا بتناغم.

اليوم، يستمتع الزوار بمشهد الأنهار وهي تتدفق بسلاسة في سيمفونية مائية لا تتوقف، تعزف على أوتار الزمن. وهنا، في سطور نوصف لكم جماليات هذه الأنهار الثلاثة:

  • نهر دريني.. أحد أهم أنهار البلقان وأطول أنهار ألبانيا

يُعد "نهر دريني" أحد أهم أنهار البلقان وأطول أنهار ألبانيا، حيث يمتد على مسافة 335 كيلومترًا، متدفقًا عبر مناظر طبيعية خلابة.

17_ينبع_نهر_دريني_من_بحيرة_أوهريد_الأقدم_في_العالم_ويصب_في_بحيرة_اشكودرا_الأكبر_في_البلقان
نهر "دريني" ينبع من بحيرة "أوهريد" الأقدم في العالم ويصب في بحيرة أشكودرا الأكبر في البلقان (الجزيرة)

ينبع الفرع الجنوبي، المعروف بـ"دريني الأسود"، من "بحيرة أوهريد"، إحدى أقدم البحيرات في العالم الواقعة جنوب غرب "مقدونيا الشمالية". أما الفرع الشمالي، "دريني الأبيض"، فينبع من منطقة جبلية غرب "كوسوفا". يلتقي الفرعان في منطقة "كوكس" شمال شرق ألبانيا، ليشكلا معًا نهر "دريني العظيم" الذي يتجه بمياهه الغزيرة غربًا عبر "جبال الألب الألبانية"، قبل أن يصب في أكبر بحيرة في البلقان، "بحيرة أشكودرا".

تاريخيًا، كان نهر دريني العظيم شريان الحياة للعديد من المناطق في ألبانيا. أما في العصر الحديث، فقد ازدادت أهميته بعد إنشاء العديد من السدود والبحيرات الصناعية، أبرزها "سد فييرزا" الذي يُعد الأكبر في ألبانيا والبلقان. هذه المنشآت تُغذي البلاد بأكثر من 70% من احتياجاتها من الكهرباء.

18_مقهى_على_ضفاف__نهر_دريني_أسفل_قلعة_اشكودرا_يمثل_استراحة_مثالية_قبل_بدء_المسار_السياحي_في_المنطقة
مقهى على ضفاف نهر دريني أسفل قلعة "أشكودرا" يمثل استراحة مثالية قبل بدء المسار السياحي في المنطقة (الجزيرة)

يمر نهر دريني عبر بيئات طبيعية متنوعة تتمتع بمناظر خلابة، بدءًا من جبال الألب الألبانية المغطاة بالثلوج، وصولاً إلى سهول "أشكودرا" الخضراء والخصبة. كما تُعد المناطق المحيطة بالنهر ملاذًا طبيعيًا للعديد من الأنواع النباتية والحيوانية النادرة. تُعتبر المنطقة أيضًا موطنًا هامًا للطيور المهاجرة، مما يجعلها محمية بيئية هامة على المستوى المحلي والدولي، ويجعل منها وجهة سياحية مثالية.

  • نهر بونا.. الوحيد بألبانيا الذي ينبع من بحيرة ليصب في بحر

يعد نهر بونا من أجمل المواقع التي تجمع بين الجمال الخلاب والتنوع البيئي الغني، ما يجعله وجهة سياحية وثقافية لا تُفوت. ينبع النهر من بحيرة أشكودرا شمالًا، ليصب مياهها جنوبًا في البحر الأدرياتيكي، وهو النهر الوحيد في ألبانيا الذي يتدفق من بحيرة ليصب في بحر، مما يضفي عليه أهمية استثنائية في النظام البيئي للمنطقة.

22_نهر_بونا_يضم_320_نوعًا_من_النباتات_و250_من_الطيور_و107_من_الأسماك_بعضها_مهدد_بالانقراض
نهر "بونا" يضم 320 نوعًا من النباتات و250 من الطيور و107 من الأسماك بعضها مهدد بالانقراض (الجزيرة)

يمتد النهر لمسافة 41 كيلومترًا، منها 20 كيلومترًا داخل الأراضي الألبانية، بينما تشكل الـ 24 كيلومترًا المتبقية حدودًا طبيعية بين ألبانيا والجبل الأسود. يتعرج النهر في هذا القسم الحدودي بشكل واسع، مما يعزز من جماله الطبيعي ويجعله واحدًا من المسارات المائية الفريدة في المنطقة.

يعتبر نهر بونا من أهم المواقع البيئية في البحر الأبيض المتوسط الشرقي، حيث يحتوي على أراضٍ رطبة تعد من أبرز المحميات الطبيعية في المنطقة. يضم النهر حوالي 320 نوعًا من النباتات، و250 نوعًا من الطيور، و107 أنواع من الأسماك. من بين هذه الأنواع، توجد العديد من الأنواع المهددة. كما تزخر ضفافه بغابات البلوط الكثيفة التي تساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي الفريد.

22_نهر_بونا_يضم_320_نوعًا_من_النباتات_و250_من_الطيور_و107_من_الأسماك_بعضها_مهدد_بالانقراض
ضفاف نهر "بونا" تُعد واحدة من الوجهات السياحية الجذابة لعشاق الطبيعة والمغامرة (الجزيرة)

وبفضل تدفق مياه نهر الدرين الكبير الذي يصب في نهر بونا من الشرق، يحتل نهر بونا المرتبة الثانية بين الأنهار التي تصب في البحر الأدرياتيكي من حيث التصريف السنوي، بعد نهر بو في إيطاليا. يعكس الحجم الكبير للمياه التي يحملها النهر تأثيره العميق في تغذية البيئة المحلية، كما يسهم في دعم الزراعة والأنشطة الاقتصادية في المنطقة، مما يجعله شريانًا حيويًا يغذي المجتمعات المحيطة.

تُعد ضفاف نهر بونا واحدة من الوجهات السياحية الجذابة لعشاق الطبيعة والمغامرة. تقدم المنطقة مجموعة واسعة من الأنشطة المائية مثل التجديف وصيد الأسماك، بالإضافة إلى الرحلات البحرية التي تمنح الزوار فرصة استكشاف المناظر الطبيعية الخلابة والبيئة الفريدة المحيطة بالنهر.

  • نهر كيري.. وجهة مثالية لعشاق الطبيعة والهدوء

نهر كيري هو أحد الأنهار الجبلية الصغيرة والمميزة في شمال غرب ألبانيا. ينبع من جبال الألب الألبانية شمال أشكودرا، ويمتد لمسافة حوالي 52 كم. يمر النهر عبر الوديان الضيقة والمناطق الريفية الخلابة في طريقه نحو الجنوب الغربي، ليعبر أطراف مدينة أشكودرا الغربية قبل أن يصب في نهر درين إلى الجنوب من المدينة.

يعتبر نهر كيري وجهة مثالية لعشاق الطبيعة والهدوء، حيث يتميز بمياهه العذبة الصافية التي تتدفق بغزارة، مما يخلق جوًا هادئًا وطبيعيًا في المناطق التي يمر بها، بعيدًا عن صخب الحياة اليومية. يفضل العديد من الزوار الاسترخاء على ضفافه والتأمل في المناظر الطبيعية الخلابة، بينما يرى آخرون في النهر بيئة مثالية لممارسة الأنشطة الرياضية والترفيهية، مثل المشي على المسارات الجبلية، أو السباحة في مياهه الصافية خلال فصل الصيف، أو الصيد في مياه النهر العذبة.

27_ينبع_نهر_كيري_من_جبال_الألب_الألبانية_شمال_اشكودرا_ويمتد_لمسافة_نحو_52كم
نهر "كيري" ينبع من جبال الألب الألبانية شمال أشكودرا ويمتد لمسافة نحو 52كم (الجزيرة)

المناطق التي يمر بها نهر كيري شهدت حياة نشطة منذ العصور القديمة، ولا تزال تحتفظ بحيويتها حتى اليوم. يعود اسم النهر إلى قبيلة كيري الألبانية التي كانت تسكن "وادي كير" عند المنابع العليا للنهر، والذي يتميز بتضاريسه الوعرة والمنحدرات الصخرية الحادة. خلال الحقبة العثمانية، تم بناء جسر حجري رائع يُعرف بجسر "ميسي" فوق نهر كيري، وهو يعد أحد أبرز المعالم الأثرية والسياحية في المنطقة، ويجذب الزوار من مختلف الأماكن. هذا المعلم يعكس الحياة الزراعية والتجارية النشطة التي كانت سائدة في تلك المنطقة عبر العصور.

ختامًا، لاحظنا بأنه على الرغم من كون أشكودرا مدينة غنية بالموارد الطبيعية التي أظهرت فيها الطبيعة سخاءً لا مثيل له من خلال مناظرها الخلابة؛ فإن العديد من هذه الموارد، بما في ذلك شواطئ الأنهار الثلاثة الهامة في المنطقة، لم تُستغل بالشكل الأمثل بسبب ضعف البنية التحتية للطرق ونقص بعض الخدمات الأساسية. ورغم ذلك، تعمل الحكومات الألبانية الحديثة على تحسين هذه الظروف وتنمية المنطقة لتحقيق الاستفادة الكاملة من هذه الموارد الطبيعية.

قلعة أشكودرا "روزافا".. جوهرة تاريخية تطل على طبيعة خلابة

على قمة تل صخري عند المدخل الجنوبي الغربي للمدينة،وأمام ملتقى الأنهار الثلاث؛ تقع قلعة أشكودرا، بالقرب من بحيرتها العظيمة، وتتميز بموقعها الاستراتيجي الذي يهيمن على المنطقة المحيطة. القلعة التي تشتهر كذلك باسم قلعة روزافا، تعد أقدم معالم أشكودرا التاريخية، وأهم قلاع ألبانيا؛ بل ومنطقة البلقان بأكملها.

يعود تاريخ القلعة إلى عدة قرون قبل الميلاد، حيث تم بناؤها من قبل الإيليريين (أجداد الألبان الذين سكنوا مناطق غرب البلقان قبل سيطرة الرومان على أراضيهم). تم تعزيز القلعة في فترات لاحقة على يد الرومان والبيزنطيين والعثمانيين وأمراء البندقية، مما أضفى عليها طابعًا معماريًا متعدد الثقافات.

شهدت القلعة ازدهارًا كبيرًا في العصور الوسطى، حيث كانت تمثل حصنًا قويًا يراقب المنطقة المحيطة، بما في ذلك الممرات التجارية البحرية والبرية التي كانت تربط وسط أوروبا عبر البحر الأدرياتيكي بمنطقة جبال الألب الألبانية وشرق البلقان. تم تحصين القلعة بأسوار ضخمة وأبراج دفاعية، مما جعلها قادرة على مقاومة الهجمات لفترات طويلة.

40_يقع_متحف_قلعة_اشكودرا_في_الفناء_الثالث_داخل_مبنى_فينيسي_يعود_للعصور_الوسطى
متحف قلعة "أشكودرا" يقع في الفناء الثالث داخل مبنى فينيسي يعود للعصور الوسطى (الجزيرة)

تعود شهرة القلعة إلى أسطورة روزافا، التي تحكي عن تضحية امرأة دفنت في جدران القلعة لتظل صامدة عبر الزمن. وهذه الأسطورة جعلت القلعة مقصدًا سياحيًا فريدًا ومصدرًا للعديد من القصص الشعبية.

التنظيم الطبوغرافي للقلعة يعكس عبقرية التصميم الدفاعي في الحقبة العثمانية والفينيسية، مما يجعلها واحدة من أبرز معالم ألبانيا التاريخية. وتتألف القلعة من ثلاثة أفنية رئيسية متتالية تتواصل مع بعضها عبر بوابات، وتقع على مستويات أرضية متصاعد في الارتفاع، تبدأ من الشمال الشرقي باتجاه الجنوب الغربي، كالتالي:

  • الفناء الأول: يبدأ عند المدخل الشمالي الشرقي حيث يمكن الدخول إليه من بوابة القلعة الرئيسية، ويضم برجًا أسطوانيًا، ومستودعات، ومبنى يعود للعصر الفينيسي.
  • الفناء الثاني: يتوسط القلعة ويضم مسجد الفاتح، السجن، والمخازن المخصصة لتخزين المواد الغذائية والمياه.
  • الفناء الثالث: يقع في أعلى نقطة من القلعة، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بإطلالة رائعة على منظر طبيعي مدهش لثلاثة تحيط بالقلعة وتلتقي في الجهة الجنوبية منها، بونا، كيري، ودريني العظيم، في مشهد مذهل يُسحر العيون.

في هذا الفناء على يسارك بعد اجتيازك للبوابة الثالثة؛ يقع متحف روزافا، داخل مبنى فينيسي يعود إلى العصور الوسطى، يُعرف باسم (مبنى الكابتن)، الذي كان في السابق مقرًا لسلطة القائد العسكري الفينيسي. يعرض المتحف تاريخ طويل يمتد لحوالي 4000 عام، ويغطي مراحل عدة من تاريخ المنطقة بدءًا من فترة ما قبل التاريخ وصولًا إلى العصور الوسطى والحديثة، بما في ذلك أبرز العائلات والشخصيات التي تركت بصمتها في المنطقة.

39_تتألف _قلعة_اشكودرا_من_ثلاثة أفنية_رئيسية_ متتالية_تقع_على_مستويات_أرضية_متصاعد_في_الارتفاع.png
قلعة "أشكودرا" تتألف من ثلاثة أفنية رئيسية  متتالية تقع على مستويات أرضية متصاعدة في الارتفاع (الجزيرة)

يوفر المتحف معلومات للزوار بلغات متعددة، بما في ذلك اللغة الألبانية والإنجليزية، بالإضافة إلى استخدام لغة برايل لضعاف البصر. يمكن للزوار استكشاف التاريخ من خلال النقوش، الوثائق الأرشيفية، وأعمال فنية تعكس مختلف الحقب الزمنية.

"قلعة روزافا"، تعد من أروع المناطق في ألبانيا التي تشكل نقطة جذب سياحية وتاريخية وثقافية في آن واحد؛ فهى تقدم لزوارها لمحات هامة عن تاريخ أشكودرا وألبانيا معًا، وفي ذات الوقت تتيح لهم الاستمتاع بالطبيعة الخلابة المحيط بالقلعة.

بحيرة أشكودرا.. لؤلؤة البلقان الطبيعية

في غرب المدينة، حيث تلتقي التلال الخضراء بالمياه الزرقاء الصافية، تسير خطواتي الهادئة على ضفاف بحيرة أشكودرا، أكبر بحيرة في شبه جزيرة البلقان، التي تمتد عبر حدود ألبانيا والجبل الأسود، لتغطي مساحة تتراوح بين 360 و540 كيلومترًا مربعًا، وتشكل مع الأنهار المحيطة بها، منظومة مائية غنية توفر بيئة طبيعية فريدة، مما يجعلها ملاذًا للباحثين عن عالم من السكينة والجمال.

47_تُعد_بحيرة_اشكودرا_بمثابة_لؤلؤة_البلقان_الطبيعية_ومنبع_التنوع_البيئي_في_المنطقة (1).png
بحيرة "أشكودرا" تُعد بمثابة لؤلؤة البلقان الطبيعية ومنبع التنوع البيئي في المنطقة (الجزيرة)
  • تطور واتساع: لم تكن بحيرة أشكودرا في شكلها الحالي كما كانت سابقًا؛ فقد شهدت البحيرة تطورًا ملحوظًا وزيادة في مساحتها منذ منتصف القرن العشرين، وذلك بعد أن تشكل فرع جديد لنهر درييني الذي يصب في نهر بونا. هذا التوسع الذي ما زال مستمرًا حتى يومنا هذا، ساعد في زيادة تدفق المياه وتعزيز حجم البحيرة. اليوم، تمتد بحيرة أشكودرا على طول 45 كيلومترًا وعرض يصل إلى 13 كيلومترًا، وتتمتع بعمق متوسط يتراوح بين 7 و10 أمتار، بينما يصل أقصى عمق لها إلى 44 مترًا. وتشكل البحيرة مصدرًا مهمًا لنهر بونا، الذي يتدفق نحو البحر الأدرياتيكي، مما يضيف بعدًا بيئيًا وثقافيًا لهذه المنطقة التي تربط بين المياه العذبة والمالحة مما خلق بيئة مناسبة للطيور المهاجرة التي تمر عبر نهر بونا.
  • تنوع بيولوجي ومنبع للحياة البرية: تعتبر بحيرة أشكودرا ملاذًا لأنواع متعددة من الكائنات البحرية والطيور. فهي موطن لما يقرب من 50 نوعًا من الأسماك، 37 منها أنواع محلية، بالإضافة إلى حوالي 280 نوعًا من الطيور. تعد البحيرة نقطة جذب رئيسية لعشاق مراقبة الطيور، إذ أنها تحتضن بعض الأنواع المهددة بالانقراض، مثل الطائر ذو الوجه الأبيض "الدالنديشة" والبلقان الأبيض.
  • أما على الصعيد السياحي: فإن بحيرة أشكودرا تقدم فرصًا لا حصر لها للاستمتاع بالطبيعة، بدءًا من ركوب القوارب على مياهها الهادئة، وصولًا إلى التجديف واستكشاف القرى المجاورة مثل قرية شيروكا، التي تشتهر بمطاعمها التي تقدم أشهى أطباق السمك الطازج. وحتى لمن يعشقون المغامرة، توفر البحيرة الخلجان الصغيرة والممرات الحجرية التي تتيح لهم اكتشاف جوانب جديدة من هذا الجمال الطبيعي.
46_توفر_بحيرة_اشكودرا_فرصًا_لا_حصر_لها_للاستمتاع_بالطبيعة_لعشاق_المغامرات_وللتجديف.png
بحيرة "أشكودرا" توفر فرصًا لا حصر لها للاستمتاع بالطبيعة لعشاق المغامرات وللتجديف (الجزيرة)
  • حماية بيئة وتعاون دولي: إدراكًا لأهمية بحيرة أشكودرا البيئية، تعاونت حكومات ألبانيا والجبل الأسود في إنشاء مناطق محمية لحمايتها. بدأ هذا الجهد في عام 1983 عندما تم إعلان البحيرة منتزهًا وطنيًا في الجبل الأسود، ثم تم الإعلان عن الجزء الألباني من البحيرة منتزهًا طبيعيًا في عام 2005. تهدف هذه الجهود إلى الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي وضمان الاستخدام المستدام للموارد المائية.
  • اهتمام أوروبي: كما تُعد البحيرة أحد المحميات الطبيعية المهمة في أوروبا نظرًا لدورها الحيوي في الحفاظ على التنوع البيولوجي؛ لذا تم تصنيفها كـ"منطقة مهمة للطيور" (IBA - Important Bird Area). هذا التصنيف يعكس الأهمية البيئية الفريدة التي تتمتع بها البحيرة والذي لا يعزز فقط مكانة البحيرة بيئيًا، بل يساهم أيضًا في توجيه السياسات البيئية المحلية والإقليمية لحمايتها وتنميتها.
  • جوهرة البلقان الطبيعية: تظل بحيرة أشكودرا جوهرة طبيعية في قلب البلقان، حيث تجد نفسك في عالم من الجمال الذي لا ينتهي؛ فقد التقت الطبيعة والتاريخ في تناغم مذهل، مما خلق تجربة سياحية إستثنائية للزوار لا تنسى أبدًا.

أشكودرا.. منبع التراث الإسلامي في ألبانيا

تُعد أشكودرا من أبرز المدن الألبانية التي حافظت على التراث الإسلامي عبر العصور، بفضل مؤسساتها التعليمية التي أسهمت في تخريج العديد من العلماء والمفكرين. كانت المساجد والمدارس الإسلامية (الكتاتيب والمدارس المتوسطة والعليا) في قلب هذا الدور الحيوي، حيث كانت تمثل مراكز رئيسية للعلم والتعليم.

كان للمساجد دور محوري في نشر العلم، حيث كانت تُدرَّس فيها المواد الدينية مثل القرآن الكريم، الفقه، والحديث، بالإضافة إلى كونها مراكز اجتماعية ودينية. إلى جانب المساجد، أسهمت الكتاتيب في التعليم التمهيدي للأطفال، حيث كانت تُدرَّس فيها اللغة العربية والقرآن الكريم، مما هيأ الطلاب للالتحاق بالمدارس العليا. كانت هذه المؤسسات بمثابة حجر الأساس لتخريج الأجيال الجديدة من العلماء الذين حملوا رسالة العلم والدين.

92_يقع_جامع_أبو_بكر_في_موقع_استراتيجي_وسط_المدينة_ما_يجعله_وجهة_مميزة_للمصلين_والسياح
جامع "أبو بكر" يقع في موقع استراتيجي وسط المدينة ما يجعله وجهة مميزة للمصلين والسياح (الجزيرة)

تخرج العديد من العلماء البارزين من هذه المدارس، الذين ساهموا في النهضة الدينية والتعليمية في ألبانيا وشاركوا في النقاشات الفكرية والدينية خلال فترة الحكم العثماني. ومع قدوم الحقبة الشيوعية، واجه التعليم الإسلامي تحديات كبيرة تمثلت في إغلاق المدارس الإسلامية وهدم المساجد ومصادرة الأوقاف، مما أثر على الحياة الدينية والثقافية في المنطقة.

ومع سقوط النظام الشيوعي في التسعينات، بدأت المؤسسات التعليمية الإسلامية في العودة تدريجيًا. من أبرز هذه المؤسسات كانت مدرسة "حاجي شيه شامية" (Haxhi Sheh Shamia)، التي تأسست في 1991، وجمعت بين التعليم الديني والتعليمي العام. وتُعد هذه المدرسة من أكبر المدارس الدينية في ألبانيا والبلقان، حيث تواصل أداء دورها في تعليم الأجيال الجديدة من الشباب قيم العلم والدين.

في النهاية، تظل أشكودرا نقطة محورية في الحفاظ على التراث الإسلامي في المنطقة، من خلال مؤسساتها التعليمية التي تجمع بين العلوم الشرعية والعلمية، مما يساهم في استمرار تاريخها الغني وإحياء القيم الدينية والثقافية.

معهد "كوناك" يسلط الضوء على التراث الإسلامي الألباني

ومما يعكس مكانة أشكودرا في الحفاظ على التراث الإسلامي الألباني أن معهد "كوناك" اختارها محطة رئيسية لتسليط الضوء على هذا الإرث العريق.

51_شهدت_اشكودرا_في_بدايات_نوفمبر_2024_معرض_استثنائي_نظمه_معهد_كوناك_يسلط_الضوء_على_التراث_الإسلامي_الألباني.png
"أشكودرا" شهدت في بدايات نوفمبر 2024 معرض استثنائي نظمه معهد كوناك يسلط الضوء على التراث الإسلامي الألباني (الجزيرة)

خلال زيارتنا لأشكودرا، قمنا بجولة في معرض استثنائي ينظمه معهد "كوناك"، حيث يبرز جماليات التراث الإسلامي الألباني. يأتي هذا المعرض ضمن سلسلة فعاليات ثقافية يطلقها المعهد، وتهدف إلى إحياء هذا التراث وتسليط الضوء على ثرائه عبر فترات تاريخية مختلفة.

تم انتقاء القطع الأثرية المعروضة بعناية فائقة، لتقديم صورة شاملة عن جوانب متعددة من التراث الإسلامي في ألبانيا، بما يعكس عمق تأثيره في الهوية الثقافية للبلاد. وأوضح منظمو المعرض خلال حديثنا معهم أن اختيار أشكودرا كموقع للمعرض الثاني بعد العاصمة تيرانا لم يكن محض صدفة؛ بل جاء تقديرًا لدور المدينة في الحفاظ على هذا التراث، خاصة وأن العديد من القطع الأثرية المعروضة تعود إليها.

52_اختار_معهد_كوناك_اشكودرا_كمحطة_رئيسية_لتنظيم_معرض_يبرز_جماليات_التراث_الإسلامي_الألباني
معهد "كوناك" اختار أشكودرا كمحطة رئيسية لتنظيم معرض يبرز جماليات التراث الإسلامي الألباني (الجزيرة)

اللافت أن مدير قسم التراث بهذا المعهد، الشيخ سمير إسماعيلي، بدأ قبل عقد من الزمن مبادرة لجمع التراث الإسلامي الألباني المتناثر، وأسّس متحفًا صغيرًا في شقة بإحدى العمارات السكنية كخطوة أولى. واليوم، يعمل المعهد على إنشاء معرض دائم لهذه المقتنيات، مع الالتزام بأعلى معايير الحفظ، بما يضمن بقاء هذه الكنوز الثقافية للأجيال القادمة.

جوامع أشكودرا الأثرية

تحتضن أشكودرا العديد من الجوامع الأثرية التي تعكس تراثها الإسلامي العريق كواحدة من مراكز الثقافة الإسلامية في المنطقة. وتساهم في فهم أعمق للتعايش الديني والثقافي، ومن أبرزهم:

  • جامع الرصاص.. أروع الجوامع العثمانية في ألبانيا

يُعد جامع الرصاص، أجمل جوامع أشكودرا الأثرية، كما يُعتبر من أروع وأكبر الجوامع العثمانية في ألبانيا. صنفته الحكومة الألبانية كمعلم ثقافي من الفئة الأولى عام 1948، ويعد رمز للتراث الإسلامي بسمته العثماني في المنطقة. وله رمزية كبيرة على مستوى البلاد؛ حيث كان أول مسجد يتم فتحه في البلاد خلال شهر نوفمبر من عام 1990 بعد نحو ربع قرن من غلق الشيوعية لكافة المساجد؛ الأمر الذي يعكس مكانته وكذلك يدلل على مدى صمود أهل أشكودرا أمام الشيوعية فكانوا أول من تحرك في ألبانيا لاسقاطها وإعادة فتح المساجد من جديد.

الجامع، المعروف أيضًا بـ"جامع محمد باشا بوشاتي"، تم بناؤه في الفترة بين عامي 1773 و1774 على يد محمد باشا بوشاتي، مؤسس عائلة بوشاتلي الشهيرة. واستمد اسمه من القبة الرصاصية التي زينته والتي أضفت عليه هيبةً وجمالًا فريدًا. وهو أسلوب معماري مميز في تلك الفترة. واستوحي تصميمه من العمارة العثمانية، وخاصة مساجد السلاطين في إسطنبول.

62_يمثل_جامع_الرصاص_رمز_للتراث_الإسلامي_بسمته_العثماني_في_المنطقة_لذا_تقوم_تركيا_بترميمه_بترميمه_تجديده_حاليًا_وينتظر_افتتاحه_رمضان-المقبل.png
جامع "الرصاص" يمثل رمز للتراث الإسلامي بسمته العثماني في المنطقة لذا تقوم تركيا بترميمه وتجديده حاليًا وينتظر افتتاحه رمضان المقبل (الجزيرة)

يقع الجامع على أطراف المدينة، تحت قلعة أشكودرا، محاطًا بسهل خصب يلتقي فيه نهرا كيري ودْرين، مما يمنحه طابعًا جغرافيًا مميزًا. ويتميز بفناءٍ مفتوح وأروقةٍ واسعة، تقود إلى قاعة الصلاة المزينة بقبة ضخمة ترتكز على قاعدة ثُمانية الأضلاع. الحجر المستخدم في البناء أزرق وأبيض، يعكس مقاومة عالية لعوامل التعرية.

ورغم تعرضه لأضرار على مر العقود، بما في ذلك الفيضانات المتكررة، فإن الجامع بقي شاهدًا حيًا على عبقرية معمارية إسلامية عريقة. وبالرغم من التحديات التي واجهها، خاصة خلال فترة الحكم الشيوعي التي شهدت تدمير العديد من المعابد الدينية، تم الحفاظ عليه وترميمه كجزءٍ من التراث الوطني الألباني. وحاليا تقوم الحكومة التركية بإعادة ترميم وتجديد الجامع وينتظر الانتهاء منه وافتتاحه قبيل شهر رمضان القادم من عام 2025.

جامع باروتسا.. قلب الاحتفالات الدينية في المدينة

يقع جامع "باروتسا" الأثري في حي باروتسا التاريخي في قلب مدينة أشكودرا، ويُعتبر من أبرز المعالم الثقافية والدينية في المدينة، وله قصة ممتدة تجمع بين التاريخ، التحديات، والتميز الفني.

في القرن الثامن عشر، قامت عائلة "يوكا" (Juka) ببناء أول جامع في موقع باروتسا، والذي عُرف باسم "جامع باروتسا القديم". تميز هذا المبنى بالبساطة في تصميمه دون أي زخارف فنية، حيث كان مجرد مساحة للعبادة. وعلى الرغم من محاولات العثمانيين لإعادة بناء الجامع بأسلوب أكثر تطورًا، إلا أن العائلة رفضت، كونه مقامًا على أرض تمتلكها.

71_يُعتبر_جامع_باروتسا_من_أبرز_المعالم_الثقافية_والدينية_في_مدينة_اشكودرا
جامع "باروتسا" يُعتبر من أبرز المعالم الثقافية والدينية في مدينة أشكودرا (الجزيرة)

بجهود المفتي "صالح أفنديو" وبعد الحصول على دعم من الحكومة وتبرعات من الأهالي، تم بناء جامع جديد في عام 1937. صممه المهندس "سادي" وتميز بخصائص معمارية فريدة، حيث احتوى على مئذنتين بارتفاع حوالي 40 مترًا، ثلاث مداخل، وثلاث قاعات جميلة خُصصت للنساء أثناء الصلاة.

زُيِّن الجامع بزخارف داخلية مذهلة بمساهمة فنانين إيطاليين ومهرة محليين مثل "الأخوين كاريني" الذين عملوا على أعمال الخشب، والخطاط الشهير "شفقت كراجا" الذي أبدع في زخرفة المحراب والمنارات.

كان جامع باروتسا قلب الاحتفالات الدينية في المدينة، حيث احتضن المناسبات الإسلامية الكبرى مثل تلاوة المولد النبوي. أشاد زوار أجانب بجماله الفني، واعتبروه أحد أجمل المساجد في المنطقة، بفضل تصميمه الفريد وزخارفه البديعة.

75_بناء_جامع_باروتسا_تُظهر_تمسك_أهل_اشكودرا_بتراثهم_وهويتهم_رغم_كل_التحديات
بناء جامع "باروتسا" يظهر تمسك أهل أشكودرا بتراثهم وهويتهم رغم كل التحديات (الجزيرة)

في عام 1967، خلال حملة النظام الشيوعي المناهضة للأديان، تعرض الجامع للتدمير الكامل، بما في ذلك محرابه المزخرف الذي كان يُعد من الكنوز الثقافية والفنية للمدينة. لكن في عام 2006، أُعيد بناء الجامع، وتم افتتاحه مرة أخرى في عام 2007، ليعود رمزًا دينيًا وثقافيًا يعبر عن صمود مدينة أشكودرا.

جامع باروتسا يمثل رمزًا للتعايش الثقافي والديني في ألبانيا. إعادة بنائه تُظهر تمسك أهل المدينة بتراثهم وهويتهم رغم كل التحديات.

  • جامع أبو بكر.. معلم إسلامي يعيد إحياء التراث العثماني في أشكودرا

في قلب أشكودرا، يبرز جامع أبو بكر كواحد من أبرز المعالم الإسلامية الحديثة، مجسدًا نهضة دينية وثقافية أعادت صياغة هوية المدينة بعد عقود من القمع الديني الذي عانته ألبانيا خلال الحقبة الشيوعية.

يقع الجامع، المعروف أيضًا باسم "مسجد فوش تشيلا الجديد" أو "المسجد الكبير"، في موقع استراتيجي عند نهاية ممشى متصل بفندق كولوسيو، ما يجعله وجهة مميزة للمصلين والسياح.

95_بجماله_العمراني_وقيمته_التاريخية_يمثل_جامع_أبو_بكر_نموذجًا_للروح_الإسلامية_الصامدة_في_ألبانيا.png
بجماله العمراني وقيمته التاريخية يمثل جامع أبو بكر نموذجًا للروح الإسلامية الصامدة في ألبانيا (الجزيرة)

تم بناء المسجد الحالي على أنقاض مسجد فوش تشيلا التاريخي الذي كان من أبرز مراكز التعليم الإسلامي قبل تدميره في الحقبة الشيوعية. المسجد الأصلي، الذي تأسس عام 1917، كان يضم مدرسة دينية مرموقة جذبت علماء بارزين وأسهمت في نهضة علمية وثقافية لمدينة أشكودرا.

في عام 1994، انطلقت أعمال تشييد المسجد الجديد، وتم افتتاحه رسميًا في 27 أكتوبر 1995، ولاحقًا، شهد المسجد عملية تجديد شاملة عام 2008 لتعزيز بنيته وتطوير مرافقه.

في عام 1994، بدأ العمل على بناء المسجد الجديد وافتُتح رسميًا في 27 أكتوبر 1995، ليتحول إلى مركز ثقافي وديني نابض بالحياة، يستضيف أنشطة متعددة وينظم فعاليات ثقافية تهدف لتعزيز الهوية الإسلامية بين أهل أشكودرا من جديد.

91_في_قلب_اشكودرا_يبرز_جامع_أبو_بكر_كأحد__أبرز_المعالم_الإسلامية_الحديثة_مجسدًا_نهضة_دينية_وثقافية.png
في قلب"أشكودرا" يبرز جامع "أبو بكر" كأحد أبرز المعالم الإسلامية الحديثة مجسدًا نهضة دينية وثقافية (الجزيرة)

يحمل مسجد أبو بكر طابعًا معماريًا يجمع بين الجمال الكلاسيكي والحداثة، مما يضفي عليه شخصية مميزة. بفضل تصميمه الفريد وقيمته التاريخية، بات المسجد شاهدًا حيًا على التحديات التي واجهتها الأقلية المسلمة في ألبانيا، ورمزًا لإصرارهم على الحفاظ على إرثهم وهويتهم.

بجماله العمراني وقيمته التاريخية، يمثل مسجد أبو بكر نموذجًا للروح الإسلامية الصامدة في ألبانيا، وشاهدٌ حي على قدرة المجتمعات على تجاوز المحن وبناء مستقبل أكثر إشراقًا.

متاحف أشكودرا الثقافية والفنية.. في أحضان بيوتها الأثرية العتيقة

في أشكودرا، حيث تمتزج فيها الثقافة مع التاريخ في لوحة فنية تعكس عراقة المنطقة؛ تجد العديد من البيوت الأثرية ذات الطراز المعماري العثماني والأوروبي، والتي تعد تحفًا معمارية تُظهر التنوع الثقافي للمدينة، قد تحولت بمرور الزمن إلى متاحف، وفنادق، ومطاعم، مما يُبرز بشكل واضح أهمية المدينة الثقافية والتراثية، ويعكس اعتزاز سكانها بتراثهم وحرصهم على الحفاظ عليه والتعريف به لزوارهم.

ومن جهة أخرى؛ فقد ساهم تحويل هذه المباني القديمة لأماكن جذب سياحي في تحقيق تنمية اقتصادية، عبر خلق فرص عمل وترويج لمنتجات الحِرف التقليدية، والتعريف بالمأكولات المحلية الشهيرة مما ساهم في تنويع مصادر الدخل لسكان المدينة.

ونواصل مسارنا السياحي هذا، ونأخذكم معنا في جولة رائعة على أبرز هذه البيوت الأثرية التي تحولت لمتاحف تاريخية وفنية، وكذلك لفنادق متحفية ومطاعم تراثية.

  • المتحف التاريخي لأشكودرا.. نافذة على تاريخ مدينة وثقافتها العريقة

في قلب مدينة أشكودرا، يقع متحفها التاريخي كنافذة يطل عبرها الزوار على تاريخ المدينة وثقافتها العريقة. افتُتح هذا الصرح الثقافي في عام 1947 تحت اسم "المتحف الشعبي"، ليكون معلمًا يعكس التراث المحلي ويشهد على حقب تاريخية مضيئة. وبحلول عام 1949، عقب توسعات كبيرة في المعروضات، تغير اسمه إلى "المتحف التاريخي" ليشمل ملامح أوسع وأعمق من النواحي الاجتماعية والثقافية للمدينة.

كان المتحف في بداية تأسيسه في مبنى أثري يعود إلى القرن التاسع عشر وسط المدينة، بالقرب من برج الساعة الشهير، الذي يعد رمزًا تاريخيًا هامًا لأشكودرا. ثم في عام 1996، تم نقل المتحف إلى منزل "أوسو كوكا"، ـوهو بطل قومي استشهد خلال دفاعه عن المدينةـ وهو مبنى تقليدي تم ترميمه بعناية فائقة، ليحافظ على الطابع المعماري المميز لأشكودرا.

104_قسم_الإثنوغرافيا_في_متحف_اشكودرا_التاريخي_يتناول_الحياة_اليومية_لعائلات_اشكودرا_خلال_قرنين
قسم الإثنوغرافيا في متحف أشكودرا التاريخي يتناول الحياة اليومية لعائلات أشكودرا خلال قرنين (الجزيرة)

بدأت قصة المتحف بتبرعات سخية من المجموعات الخاصة التابعة لديري اليسوعيين والفرنسيسكان، التي ضمت مقتنيات نادرة تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر. أضافت لهذه المقتنيات إسهامات من عائلات أشكودرا العريقة، التي قدمت قطعًا ثقافية تعكس جوانب الحياة اليومية وتعزز الطابع الثقافي للمدينة. مع مرور الوقت، ازداد حجم المجموعة بشكل كبير من خلال التبرعات والاكتشافات الأثرية، مما جعل أشكودرا تصبح واحدة من المدن الألبانية التي تضم شبكة متاحف متعددة.

وقد أسهمت هذه التوسعات في تشكيل "شبكة المتاحف السبعة" المنتشرة عبر أرجاء المدينة، والتي تعكس جوانب مختلفة من تاريخ وثقافة أشكودرا، مما جعل المدينة واحدة من المدن الألبانية القليلة التي تتميز بمثل هذه الشبكة المتحفية الثقافية.

يضم المتحف التاريخي لأشكودرا ثلاثة أقسام رئيسية بالإضافة للمكتبة:

  1. قسم الإثنوغرافيا: يتناول هذا القسم الحياة اليومية لسكان أشكودرا خلال القرنين التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. يعرض الأزياء التقليدية، الأدوات المنزلية، والحرف اليدوية التي استخدمها السكان في حياتهم اليومية.
  2. قسم الآثار: يحتوي هذا القسم على قطع أثرية نادرة تم جمعها من مواقع محلية تعود إلى فترات تاريخية متعددة، بدءًا من العصر البرونزي وحتى العصور الوسطى. يضم الفخار، الأدوات الحجرية، والقطع المعدنية التي تسلط الضوء على تاريخ المنطقة الطويل.
  3. قسم الفنون البصرية: يضم هذا القسم مجموعة من اللوحات الفنية والصور الفوتوغرافية القديمة التي توثق حياة سكان أشكودرا وثقافتها منذ القرن التاسع عشر. تعتبر هذه الأعمال من أبرز مقتنيات المتحف، حيث تعكس جوانب متنوعة من الحياة الثقافية والاجتماعية للمدينة.
  4. بالإضافة إلى المكتبة: تعد المكتبة جزءًا أساسيًا من المتحف، إذ تحتوي على أرشيف غني من المخطوطات والوثائق التاريخية النادرة. توفر المكتبة للباحثين والمتخصصين فرصة الاطلاع على تاريخ المدينة وإجراء الدراسات الأكاديمية المتعلقة بتاريخ أشكودرا وألبانيا بشكل عام، مما يجعلها مركزًا حيويًا للإنتاج المعرفي.
101_يقع_متحف_اشكودرا_التاريخي_في_بيت_أوسو_كوكا_الأثري_أحد_الرموز_الألبانية
متحف "أشكودرا" التاريخي يقع في بيت أوسو كوكا الأثري أحد الرموز الألبانية (الجزيرة)

يُعتبر المتحف التاريخي لأشكودرا مركزًا مهمًا للحفاظ على التراث الثقافي المحلي وللبحث الأكاديمي. يمثل المتحف شاهدًا حيًا على تاريخ المدينة العريق ويعكس شغف سكان اشكودرا بالهوية الثقافية وحفظها للأجيال القادمة. زيارة المتحف تعد تجربة غنية تضيف الكثير للزوار وتثري معرفتهم بتاريخ وثقافة هذه المدينة الفريدة.

ختامًا، يعكس المتحف التاريخي في منزل أوسو كوكا، مع متحف "روزافا" في قلعة أشكودرا، تاريخ المدينة من زوايا ثقافية وعسكرية، ويجعلان أشكودرا وجهة مثالية لعشاق التاريخ والثقافة.

  • "متحف ماروبي".. أقدم نافذة بصرية على تاريخ ألبانيا

في خضم رحلتي لاستكشاف تاريخ أشكودرا، توجّهت سريعًا نحو أحد أقدم الكنوز الضوئية في البلقان، الذي يعد من أبرز المعالم الثقافية التاريخية في المدينة، ويمثل نافذة بصرية تسلط الضوء على الحياة اليومية وتغيرات المجتمع الألباني خلال ما يزيد من قرن. إنه "متحف ماروبي الوطني للتصوير الفوتوغرافي".

118_يعرض_متحف_ماروبي_الوطني_للتصوير_الفوتوغرافي_أدوات_التصوير_القديمة_التي_استخدمت_في_توثيق_الأحداث
متحف"ماروبي الوطني للتصوير الفوتوغرافي" يعرض أدوات التصوير القديمة التي استخدمت في توثيق الأحداث (الجزيرة)

تأسس "استوديو ماروبي"، في عام 1856 في أشكودرا ليكون أول استوديو تصوير فوتوغرافي في ألبانيا، وأحد أقدم الاستوديوهات في أوروبا (السادس أوروبيًا). وأصبح أرشيفه الهائل بمثابة شهادة حية على قوة دور الصورة في توثيق حياة الشعوب، ليصبح مرجعًا أساسيًا للمؤرخين والفنانين في دراسة التاريخ الثقافي والاجتماعي للبلاد.

يمتد "أرشيف ماروبي"، لأكثر من 100 عام، حيث وثّق ثلاثة أجيال من عائلة ماروبي الحياة في ألبانيا من منتصف القرن التاسع عشر حتى ستينيات القرن العشرين. بدأ "بيترو ماروبي"، مؤسس الاستوديو، بتوثيق الحياة اليومية في المنطقة. ثم جاء "كيل ماروبي، الذي عمل بين عامي 1910 و1930، معززًا تقنيات التصوير. وفي مرحلة لاحقة، تولى "غيغا ماروبي"، قيادة الاستوديو، مستمرًا في توثيق التغيرات الاجتماعية والسياسية في ألبانيا حتى الستينيات.

يحتوي "أرشيف ماروبي"، على ما يقارب نصف مليون صورة توثق تقاليد الشعب الألباني، الأزياء، الطقوس اليومية، والأحداث التاريخية التي شهدتها ألبانيا والبلقان. وقد أصبحت هذه الصور جزءًا من الهوية البصرية للبشرية، إذ يعكس كل منها نمط الحياة الاجتماعية والسياسية في تلك الفترات.

115_يحتوي_متحف_ماروبي_الوطني_للتصوير_الفوتوغرافي_على_نصف_مليون_صورة_توثق_قرنًا_من_التغيرات_في_ألبانيا
متحف "ماروبي الوطني للتصوير الفوتوغرافي" يحتوي على نصف مليون صورة توثق قرنًا من التغيرات في ألبانيا (الجزيرة)

عندما دخلت إلى المتحف، شعرت وكأنني أبحر عبر الزمن، حيث تغرق عيني في تفاصيل دقيقة لصور التقطها "المصور ماروبي". كان لكل صورة قصة تروي لنا حكايات الحياة اليومية لأهل المدينة، من ملابسهم إلى عاداتهم، وحتى ملامحهم السياسية والشخصيات البارزة في تاريخهم. لقد نقلتني عدسة ماروبي إلى عوالم مختلفة، كأنني أسمع ضحكات وصيحات تنبض بالحياة في الشوارع القديمة.

اليوم، يضم "المتحف الوطني للتصوير الفوتوغرافي"، الذي افتُتح في عام 2016 في مبنى تاريخي صممه كولي إيدرومينو، أرشيف ماروبي، ليصبح أحد أهم الأرشيفات الفوتوغرافية في أوروبا. يُعترف به دوليًا كتراث ثقافي عالمي، مما يعزز مكانته كمؤسسة ثقافية رائدة.

114_رُشِّح_متحف_ماروبي_الوطني_للتصوير_الفوتوغرافي_لنيل_جائزة_متحف_العام_الأوروبي_في2017
متحف "ماروبي الوطني للتصوير الفوتوغرافي" رُشِّح لنيل جائزة متحف العام الأوروبي في2017 (الجزيرة)

المتحف لا يعرض الصور فحسب، بل يحتوي أيضًا على الأدوات القديمة التي استخدمها ماروبي وأسرته في توثيق الأحداث. هذه الأدوات تروي قصة تطور فن التصوير، من الكاميرات القديمة إلى المعدات الحديثة التي ساعدت على التقاط اللحظات المميزة.

وفي عام 2017، تم ترشيح المتحف الوطني للتصوير الفوتوغرافي لجائزة "متحف العام الأوروبي"، مما يعكس دوره كإحدى المؤسسات الثقافية البارزة التي تجمع بين الحفاظ على التراث وتشجيع التفاعل المجتمعي.

  • متحف "باشكو فاسا".. أحد رموز النهضة الثقافية والفكرية في ألبانيا

يُعد متحف "باشكو فاسا" في أشكودرا، وهو مبنى تاريخي لعائلته يزيد عمره عن ثلاثة قرون، شاهدًا على تاريخ مجيد خلال القرنين الماضيين؛ فقد كان مقرًا رئيسيًا للحركة الوطنية الألبانية خلال حقبة تراجع العثمانيين في البلقان، وتم ترميمه عدة مرات، ويُعتبر اليوم نصبًا ثقافيًا ووجهة سياحية هامة.

يتميز المنزل بطرازه المعماري التقليدي وديكوراته الأصلية المصنوعة من الخشب، بالإضافة إلى حدائقه التي تحتضن بئرًا حجريًا وأدوات منزلية تعكس الحياة اليومية التقليدية في ذلك العصر. واليوم، تحول البيت إلى متحف ثقافي يعرض كتبًا ومخطوطات بخط يد باشكو فاسا بجانب صورًا تحكي حياته ومسيرته الفكرية.

122_متحف_باشكو_فاسا_مبنى_تاريخي_يزيد_عمره_عن_ثلاثة_قرون_وتحول_اليوم_لمتحف
متحف "باشكو فاسا" هو مبنى تاريخي يزيد عمره عن ثلاثة قرون وتحول اليوم لمتحف (الجزيرة)

يعد "باشكو فاسا"، (1825-1892)، أحد رموز النهضة الثقافية والفكرية في ألبانيا، وينحدر من عائلة معروفة بالثقافة والمكانة الاجتماعية الرفيعة. تعلم في أشكودرا منذ صغره، وتأثر بالمشاكل الاجتماعية التي دفعت به لكتابة أعمال بلغات متعددة. كان يتقن الفرنسية والإيطالية واليونانية والتركية والعربية والصربية والإنجليزية.

كان كاتبًا مرموقًا، فقد شارك في تطوير الأبجدية الألبانية، كما كان سياسيًا ألبانيًا بارزًا، فقد ساهم في الحركة الوطنية الألبانية، ومن أبرز كتبه السياسية "الحقيقة عن ألبانيا والألبانيين"، أيضًا عرف بأدواره في خدمة الدولة العثمانية، ففي 18 يونيو 1883، عُيّن حاكمًا على لبنان.

توفي عام 1892 في لبنان، وفي عام 1978، أُعيدت رفاته هو وزوجته إلى ألبانيا، حيث أعيد دفنهما معًا في مقبرة الشهداء بمدينته أشكودرا.

  • برج "ساعة الإنجليزي".. من طموحات دينية إلى رمز ثقافي

في وسط مدينة أشكودرا الألبانية، يقف برج "ساعة الإنجليز" المعروف محليًا باسم "كولا الإنجليزي"، شاهدًا على ماضٍ حافل، متجذرًا في التاريخ، تُروى عنه الكثير من القصص. هذه الساعة، التي كانت مقرًا للمتحف التاريخي خلال الحقبة الشيوعية، تحمل بين عقاربها حكايات تجمع بين التراث المحلي والتأثيرات الأوروبية، لتظل حتى يومنا هذا جزءًا من هوية المدينة.

في أواخر القرن التاسع عشر، جاء اللورد الإنجليزي *باجيت* (Lord Paget) إلى أشكودرا، وأُعجب بجمال المدينة وطبيعتها الفريدة. فاختار هذه البقعة لبناء منزل يشبه قلاع العصور الوسطى، مستوحى من الطراز الأوروبي الأرستقراطي.

131_برج_ساعة_الإنجليز_مبنى_مستوحى_من_الطراز_الأوروبي_الأرستقراطي
برج "ساعة الإنجليز" هو مبنى مستوحى من الطراز الأوروبي الأرستقراطي (الجزيرة)

لم يكن الموقع في الأصل سوى مستنقع يسبح فيه الإوز، ولكن برؤية باچيت، تحولت الأرض إلى "شاتو" إنجليزي جميل يطل على المدينة ويعكس الطابع المعماري الإنجليزي الأنيق. وحظي هذا القصر برعاية خاصة من نائب القنصل البريطاني *كولا سومة*، الذي تولى العناية به أثناء تنقلات باچيت بين إنجلترا وأشكودرا.

كان القصر يضم حوالي 15 إلى 16 غرفة، تطل على فناء داخلي تحيطه بوابة خشبية ضخمة محفور عليها شعار إنجلترا وزخارف تبرز جمال الفن الإنجليزي. وللدخول إلى القصر، كان عليك عبور هذه البوابة التي جاءت من خارج البلاد، ما يعكس حرصه على جلب الثقافة الأوروبية إلى قلب أشكودرا.

133_يعد_برج_ساعة_الإنجليز_شاهد_على_التأثيرات_الثقافية_الأوروبية_الحديثة_التي_تركت_بصماتها_على_اشكودرا
برج "ساعة الإنجليز" يعد شاهد على التأثيرات الثقافية الأوروبية الحديثة التي تركت بصماتها على اشكودرا (الجزيرة)

كان الهدف من بناء القصر في البداية أن يكون مركزًا للبروتستانتية، مع تخصيص جزء من المبنى كدور للعبادة؛ إذ تم تصميم الصالة الكبرى بلمسات شرقية، وزُين سقفها بالزخارف، وأضيف برج الساعة ليعمل كجرس ينبه لأوقات الصلوات. لكن هذه الطموحات واجهت رفضًا محليًا قويًا من رجال الدين الكاثوليك، وتدخلت السلطات العثمانية في النهاية، وسرعان ما تحول البرج إلى مجرد قصر سكني للورد الإنجليزي، لكنه، ظل معلمًا أثريًا يحمل الطابع الإنجليزي المميز.

ومع مرور الزمن، تحولت هذه الساعة إلى جزء من ذاكرة أهل أشكودرا، وأصبحت قصصها تُروى بين الأجيال، وحتى أخطاؤها في ضبط الوقت أضافت لمسة فكاهية جعلتها أكثر قربًا إلى قلوب الأهالي. لتبقى ساعة الإنجليزي كرمز ثقافي متأصل في وجدان أهل المدينة وشاهدة على تداخل الثقافات وتاريخ أشكودرا العريق.

  • "تراديتا".. فندق متحفي يقدم دفء الضيافة في أجواء التراث

في قلب المدينة العريقة، تقف بناية تاريخية تحمل بين جدرانها قصصًا من القرن السابع عشر. تم بناء هذه البناية عام 1694 كمقر لعائلة تجارية أرستقراطية، لتصبح بعد قرون من الزمن فندقًا فخمًا يروي تاريخ ألبانيا ويقدم لزواره تجربة ضيافة لا مثيل لها.

مبنى فندق "تراديتا" القديم يجسد مزيجًا فريدًا من الإرث العثماني والتقاليد الألبانية العريقة. عندما تعبر بوابة الفندق، تجد نفسك في رحلة عبر الزمن، حيث تتناغم الأثاث التقليدي والزخارف الأصلية لتخلق أجواءً تأخذك إلى أعماق الثقافة الألبانية. في كل زاوية، يعيش الزوار تجربة شبيهة بالمتحف الحي، حيث تلتقي الأصالة بالحداثة في تناغم ساحر.

145_الزخارف_الألبانية_والأثاث_العتيق_في_كل_ركن_من_أركان_فندق_تراديتا_تضفي_لمسة_سحرية_على_المكان
الزخارف الألبانية والأثاث العتيق في كل ركن من أركان فندق تراديتا تضفي لمسة سحرية على المكان (الجزيرة)

كان المبنى الأصلي عبارة عن قاعة مركزية واسعة تحيط بها غرف التجارة، وفي يومنا هذا تحول إلى فندق يحتفظ بطابعه التقليدي. فتلك الزخارف الألبانية والأثاث العتيق في كل ركن من أركان الفندق تروي قصصًا عن الماضي العريق وتضفي لمسة سحرية على المكان.

إذا كنت من عشاق الثقافة، ستجد متحفًا إثنوغرافيًا يعرض لك تفاصيل دقيقة عن التراث الألباني، بالإضافة إلى متجر للهدايا التقليدية التي صنعت بأيدٍ ألبانية ماهرة، مما يجعل من كل زاوية في الفندق بمثابة صفحة مرئية عن تراث ألبانيا الثقافي.

الغرف في فندق "تراديتا" ليست مجرد مكان للنوم، بل هي امتداد حقيقي للرحلة الثقافية. تمتاز بتصميم أنيق يجمع بين الخشب الداكن والجدران البيضاء المزخرفة بأقمشة حمراء دافئة، مما يخلق جوًا من الراحة والدفء. الغرف مزينة بالأثاث التقليدي والقطع الأثرية التي تعكس التراث الألباني، مما يجعل الزوار يعيشون في قلب الثقافة المحلية.

143_يجسد_فندق_تراديتا_مزيجًا_فريدًا_من_الطراز_المعماري_العثماني_وتقاليد_الضيافة_الألبانية_المميزة
فندق "تراديتا" يجسد مزيجًا فريدًا من الطراز المعماري العثماني وتقاليد الضيافة الألبانية المميزة (الجزيرة)

ولا تكتمل تجربة الإقامة دون زيارة المطعم الذي يعتبر قلب الفندق النابض. حيث يُشعل الموقد الضخم في الساعة الحادية عشرة صباحًا لطهي الأطباق ببطء، مما يبرز النكهات الغنية ويوفر أجواء دافئة وجذابة. يظل الموقد مشتعلاً حتى مغادرة آخر ضيف، مما يجعل الزوار يغمرون في أسرار المطبخ الألباني المميز، حيث تلتقي التقاليد بالإبداع.

كما تُنظم فعاليات موسيقية حية كل أسبوع، تضيف جوًا من الفرح والاحتفالية، حيث يعزف الفنانون المحليون الموسيقى الألبانية التقليدية التي تنبض بالحياة، وتُعزز التجربة الثقافية الأصيلة التي يقدمها فندق تراديتا، لتمنح الزوار فرصة الاستمتاع بالتراث الألباني في كل لحظة من إقامتهم.

ممشى "كولي إدرومينو".. قلب اشكودرا النابض بالحياة

يقع شارع كولي إدرومينو، أحد أشهر شوارع ألبانيا، في قلب المركز التاريخي لمدينة أشكودرا. يتميز الشارع بكونه مخصصًا للمشاة، حيث تمتد أرضيته المرصوفة بالأحجار الزخرفية على طول 800 متر، مما يمنحه طابعًا فريدًا يدمج بين التاريخ والحياة العصرية. تحول الشارع في السنوات الأخيرة إلى وجهة سياحية رئيسية، حيث تزدان مبانيه القديمة المُرممة وتحولت العديد منها إلى فنادق، مقاهي، ومتاجر، مما أضفى عليه حيوية وجاذبية خاصة.

153_يعد_ممشى_كولي_إدرومينو_بمثابة_نموذج_حي_على_التأثيرات_الفينيسية_والإيطالية_المعمارية_في_قلب_اشكودرا
ممشى "كولي إدرومينو" يعد بمثابة نموذج حي على التأثيرات الفينيسية والإيطالية المعمارية في قلب اشكودرا (الجزيرة)
  • تحفة مستوحاة من فنون البندقية: صُمم الشارع في أوائل القرن العشرين على يد الفنان والمعماري الألباني "كولي إدرومينو"، الذي تأثر بالعمارة الفينيسية خلال دراسته في البندقية. النتيجة كانت تحفة معمارية تعكس جمال الفن والابتكار، حيث تتزين مباني الشارع ذات الطراز الفينيسي بتفاصيل زخرفية دقيقة تُبرز قيمته الثقافية والمعمارية.
  • نيكولا إدرومينو.. فنانًا متعدد المواهب: كان نيكولا إدرومينو، المعروف على نطاق واسع باسم كول إدرومينو (1860 ـ 1939)، فنانًا متعدد المواهب. برع كرسام، نحات، مصور فوتوغرافي، مصمم ديكور، مصمم مشاهد مسرحية، موسيقي، ومعماري. كما يُعتبر أول ممثل للفن التشكيلي الحديث في ألبانيا، وقدم أولى العروض السينمائية في ألبانيا عام 1913. أما في مجال الهندسة المعمارية، فقد صمم ونفّذ أكثر من 60 مشروعًا رئيسيًا، شملت المباني الخاصة والعامة في مدينة أشكودرا.
  • عمارة كلاسيكية وأجواء ساحرة: يمتاز الشارع بمبانيه ذات الطابقين، ذات الأفنية الداخلية والنوافذ المزينة بتصاميم دقيقة. كما يضم الشارع أزقة ضيقة تتفرع منه، تضفي عليه أجواء رومانسية تتكامل مع إضاءته الليلية الهادئة. في أطرافه، يمكن للزوار الاستمتاع بمشهد يجمع بين مسجد أبيض أنيق وكنيستين أرثوذكسية وكاثوليكية قريبتين، مما يعكس التنوع الثقافي والديني للمدينة.
154_بمبانيه_ذات_الطابقين_المليئة_بالنوافذ_المزينة_يعكس_ممشى_كولي_إدرومينو_أجواء_ساحرة_للزوار
بمبانيه ذات الطابقين المليئة بالنوافذ المزينة يعكس ممشى كولي إدرومينو أجواء ساحرة للزوار (الجزيرة)
  • مركز ثقافي وفني: يتحول الشارع إلى ساحة للفنون والثقافة، حيث يتجمع الفنانون لرسم اللوحات في الهواء الطلق. كما يحتضن العديد من استوديوهات الرسم والتصوير، ويُعد موقعًا مثاليًا لإقامة الفعاليات الثقافية والمعارض الفنية طوال العام.
  • أهمية ثقافية متزايدة: في عام 2016، اختير أحد المباني العريقة في منتصف الشارع ليصبح مقرًا لمتحف "ماروبي الوطني للتصوير الفوتوغرافي". يضم المتحف أرشيفًا نادرًا يوثق تاريخ مدينة أشكودرا من عام 1856 وحتى ستينيات القرن العشرين، مما يضيف قيمة ثقافية بارزة للشارع.
  • وجه ثقافي وفني:  يمثل هذا الشارع الوجه الثقافي والفني لمدينة أشكودرا، حيث يجمع بين عبق التراث وجمال العمارة في أجواء اجتماعية مميزة. زيارة الشارع تعد تجربة فريدة لكل من يبحث عن استكشاف تراث ألبانيا وثقافتها في قلب مدينة تاريخية ألبانية تطورت خلال الحقبة العثمانة وصبغ مركزها الحديث بطراز فينيسي أصيل مما يعكس التنوع الثقافي والمعماري الفريد لهذه المدينة العريقة.

الموسيقى في أشكودرا.. جسر فني بين الشرق والغرب

تعد اشكودرا واحدة من أبرز المناطق الألبانية التي تجسد غنى التراث الموسيقي الشعبي، حيث بدأت منذ القرن الثامن عشر في تشكيل هوية موسيقية مميزة تمزج بين التأثيرات الشرقية والتراث الأوروبي والمحلي، مما جعلها تمثل جسرًا فنيًا يربط بين مختلف الثقافات. هذا التداخل لا يظهر فقط في الألحان، بل يمتد إلى الأساليب الموسيقية التي تعكس مسارًا طويلًا من التأثير المتبادل بين الحضارات في المنطقة.

تتعدد الأنماط الموسيقية الشعبية في اشكودرا، بما في ذلك "اليارات" و"الأهينغ"، اللتان أسهمتا في تشكيل الهوية الفنية للمدينة. وتظهر في هذه الألحان تأثيرات الموسيقى العثمانية والبيزنطية والشرقية، جنبًا إلى جنب مع الطابع المحلي الألباني. هذه الموسيقى لا تعكس فقط روح المدينة، بل تمثل أيضًا جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية والمناسبات الاجتماعية، حيث كانت تُؤدى في المنازل التقليدية، تحت الأشجار، أو على المسارح الحديثة.

في هذا السياق، سنستعرض نوعين من الأغاني الشعبية في اشكودرا، والتي تمثل تفاعلًا ثقافيًا عميقًا شكل جسرًا حيويًا بين الشرق والغرب.


  • أغاني "الأهينغ" في اشكودرا.. تمازج ثقافي بين تأثيرات شرقية وأنماط محلية

تعكس أغاني "الأهينغ" في اشكودرا.. التداخل الفني بين الثقافتين الشرقية والمحلية في الموسيقى، وهو ما جعلها تتميز بخصوصية لا مثيل لها في الساحة الفنية الألبانية. بدأت بالظهور في أواخر القرن الثامن عشر واستمرت في التطور حتى أربعينيات القرن العشرين.

ما يميز هذا النوع من الأغاني أنه لم يتبع القالب التقليدي المحلي، بل تأثر بشكل واضح بالموسيقى الشرقية التي أضفت عليه طابعًا فريدًا. تم دمج الألحان الشرقية بأسلوب مبتكر مع التراث الموسيقي المحلي في أشكودرا، مما أتاح لفرقة الفنانين المعروفين بـ"أهينغجيت" إدخال عناصر إيقاعية ولحنية مستوحاة من بيئتهم وثقافتهم.

برزت أغاني "الأهينغ" كجزء أساسي من المناسبات الاجتماعية، مثل الأعراس والاحتفالات العائلية، حيث كانت تُؤدى في الأفنية والمنازل التقليدية وحتى تحت أشجار التوت. ومع مرور الوقت، تطورت لتجد لها مكانًا على المسارح، ومنصات الراديو، وشاشات التلفزيون، لتتحول إلى فن مستقل بذاته.

كانت آلة "الساز"، الوترية ذات الأصل الشرقي والمكونة من 10 أوتار، تُعد القلب النابض لهذه الأغاني، بفضل قدرتها على إنتاج مقامات موسيقية دقيقة ومتنوعة. بجانب "الساز"، برزت آلات أخرى مثل الكمان والدائرة، التي أضفت مزيدًا من العمق والإحساس للأداء الموسيقي.

اعتمد "الأهينغ" على نظام المقامات التركية، الذي كان له دور جوهري في تشكيل هويته الفريدة. ومن أبرز الفرق التي ساهمت في نشر هذا الفن العريق فرقة تأسست بقيادة الفنان "محمد شلاقو" في أواخر القرن الثامن عشر، وتُعد من أقدم المجموعات التي عُرفت في هذا المجال.

هذا الفن العريق ليس مجرد موسيقى، بل هو انعكاس لتاريخ طويل من التلاقح الثقافي والإبداع الفني في أشكودرا، حيث استمرت أغاني "الأهينغ" كجزء حي من ذاكرة المدينة وروحها الثقافية، وأضحت جزءًا لا يتجزأ من التراث الموسيقي الألباني.

  • "يارات" أشكودرا الساحرة.. مزيج جمع الأصالة الشرقية والحداثة الغربية

تعد "اليارات" نوعًا فريدًا من الأغاني الشعبية التي تشتهر بألحانها الواسعة والنغمات المطولة والمتلوية، وتمزج ببراعة بين الأصالة الشرقية والحداثة الغربية. وأصبحت هذه الأغاني جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية لشعب اشكودرا، حيث تعكس روح المدينة وثراء تراثها.

تتميز أغاني "اليارات" بتأثيرات المقامات الشرقية مثل الفريجيان والبيزنطية، مما يعكس التأثيرات العميقة للعهد العثماني، وتجمع بين التراثين الشرقي والغربي بشكل فني رائع. تتسم هذه الأغاني بتعقيدها الصوتي ومرونتها في الأداء، ويُرافقها عادةً آلة "الساز" الوترية التي تعزز جمالها وتضيف بعدًا موسيقيًا غنيًا ومعقدًا.

أصبحت "اليارات" جزءًا أساسيًا من الحياة الاجتماعية والروحية في اشكودرا، ورمزًا للإبداع الفني لهذا المجتمع. كما أن هذه الأغاني تستهوي الزوار الأجانب المهتمين بالتراث الموسيقي والفني، مما يجعل أشكودرا وجهة ثقافية وفنية هامة للمسافرين الذين يرغبون في استكشاف التنوع الثقافي والفني في ألبانيا.

جسر ميسي.. أحد جواهر العمارة العثمانية في ألبانيا

وختامًا لمسارنا السياحي في مدينة التاريخ العريق والطبيعة المدهشة نتوجه لخارج المدينة صوب شمالها الشرقي لنشاهد جوهرة معمارية عثمانية ونلتقي صور تذكارية فوقها في مشهد رائع خلاب يبقى معنا في ذاكرة الوجدان؛ إنه جسر ميسي، الذي يعد أحد أبرز معالم التراث التاريخي والثقافي في اشكودرا.

يقع الجسر في قرية ميس، على بعد حوالي 5 كم شمال شرق المدينة، ويعود تاريخه إلى عام 1768 عندما قام محمد باشا بوشاتي، أحد القادة العثمانيين، ببنائه. يُعتبر الجسر اليوم من أكبر الجسور العثمانية المتبقية في ألبانيا، وقد تم تصنيفه كمعلم ثقافي من الدرجة الأولى نظرًا لأهميته المعمارية والتاريخية.

A view of the Ottoman Mesi Bridge near Shkoder in northwestern Albania
جسر ميسي يعد مقصدًا سياحيًا رئيسيًا، حيث يستقطب العديد من السياح الذين يأتون للاستمتاع بجماله المعماري والتاريخي (شترستوك)

يتميز جسر ميسي بموقعه المدهش الذي يمر فوق نهر كير، حيث ينساب الماء الصافي أسفله، مما يضيف جمالًا طبيعيًا رائعًا إلى المشهد. يتكون الجسر من 13 قوسًا غير متماثل، ويبلغ طوله 108 أمتار وعرضه 3.4 مترًا، مما يجعله واحدًا من أطول الجسور العثمانية في المنطقة.

يعتبر البناء باستخدام الحجر والجير المطفأ دون اللجوء إلى الأسمنت أو الحديد من سمات الجسر الفريدة، مما يعكس براعة مهندسي العهد العثماني في إنشاء هياكل معمارية قوية ومستدامة.

تم بناء الجسر على مرحلتين: حيث تم في المرحلة الأولى بناء القوس المركزي وثلاثة أقواس أخرى، ثم في المرحلة الثانية تمت إضافة الأقواس الصغيرة على جانبي الجسر بعد أن غمر نهر كير الجسر.

اليوم، يُعد جسر ميسي مقصدًا سياحيًا رئيسيًا، حيث يستقطب العديد من السياح الذين يأتون للاستمتاع بجماله المعماري والتاريخي. وقد وصفت وزيرة الثقافة الألبانية، إيلفا مارغاريتي، الجسر بأنه "أحد جواهر العمارة والتراث الثقافي في بلادنا"، مؤكدة أنه "لا يمكن اكتمال زيارة أشكودرا دون التقاط صورة على جسر ميسي". الجسر يستقبل يوميًا مئات الزوار.

يُعتبر جسر ميسي رمزًا حضاريًا يشهد على مهارة المهندسين العثمانيين في تلك الحقبة، ويظل مثالًا على تقنيات البناء التي اتبعها العثمانيون في تصميم وإنشاء المنشآت المعمارية المدهشة.

في الختام، تُعد اشكودرا مدينة غنية بالتراث والتاريخ، حيث يتناغم الماضي مع الحاضر في كل زاوية من زواياها. من المعالم الأثرية التي تعود إلى العصور القديمة إلى الفنون الشعبية التي تمثل تمازجًا ثقافيًا فريدًا، تقدم أشكودرا لزوارها تجربة سياحية لا مثيل لها. إن زيارة هذه المدينة هي بمثابة رحلة عبر الزمن، حيث يمكن للزوار استكشاف ماضيها العريق والاستمتاع بجمالها الطبيعي. وأخيرًا، تُعد أشكودرا رمزًا للهوية الألبانية ولروح الإبداع الذي يجمع بين الأثر التاريخي والتنوع الثقافي، مما يجعلها واحدة من أبرز الوجهات السياحية في ألبانيا.

دورس.. عروس الأدرياتيكي التي تسحر زوارها

تجذب دورس الزوار من مختلف أنحاء العالم، ليس فقط بسبب تاريخها العريق والمعالم الأثرية الساحرة التي تضمها، ولكن أيضًا بفضل جمال شواطئها الخلابة.

قصر الملك زوغ الأول يعلو تلة ترتفع 98 مترًا فوق سطح البحر مما يمنح الزوار إطلالات خلابة
قصر الملك زوغ الأول يعلو تلة ترتفع 98 مترًا فوق سطح البحر مما يمنح الزوار إطلالات خلابة
قصر الملك زوغ الأول يعلو تلة ترتفع 98 مترًا فوق سطح البحر مما يمنح الزوار إطلالات خلابة (الجزيرة)
قصر الملك زوغ الأول يعلو تلة ترتفع 98 مترًا فوق سطح البحر مما يمنح الزوار إطلالات خلابة (الجزيرة)

دورس، ألبانيا - دورس، عروس الأدرياتيكي التي تسحر زوارها بتنوعها الثقافي وجمالها الخلاب، تعد إحدى أقدم مدن ألبانيا. تقع على ضفاف البحر الأدرياتيكي، وتجمع بين تاريخها العريق ومعالمها الثقافية المميزة، إضافة إلى جمالها الطبيعي الساحر؛ مما يجعلها وجهة مثالية للمسافرين الباحثين عن تجربة سياحية تجمع بين الاستكشاف والراحة.

تأسست المدينة في القرن السابع قبل الميلاد تحت اسم "إبيدامنوس"، ومنذ ذلك الحين كانت نقطة التقاء لحضارات مختلفة بدأت من العهد الإيليري، مرورًا بالعهد الروماني والبيزنطي، وصولًا إلى العهد البندقي والعثماني؛ مما جعلها نقطة محورية في تاريخ ألبانيا ومنطقة البلقان، وأحد أبرز موانئ البحر الأدرياتيكي.

ـ تُعد مدينة دورس نموذجًا حيًّا للتوازن بين التاريخ العريق والحداثة المبدعة.
تُعد مدينة دورس نموذجًا حيًّا للتوازن بين التاريخ العريق والحداثة المبدعة (الجزيرة)

دورس، تلك المدينة العريقة التي لا تزال تكشف أسرارها التاريخية مع كل تنقيب جديد، تتمتع بموقع استراتيجي على طريق "أجناتيا" القديم الذي كان يربط بين روما والقسطنطينية عبر البلقان. هذا الموقع المميز جعلها هدفًا للإمبراطوريات الكبرى التي تنافست للسيطرة على المنطقة؛ مما أكسبها أهمية تاريخية وحضارية استثنائية، وجعلها شاهدًا حيًّا على تلاقي الحضارات وتلاقح الثقافات عبر العصور، الأمر الذي انعكس على هويتها الثقافية الفريدة.

اليوم، تحتضن دورس العديد من المعالم التاريخية التي تعكس تنوع الإرث الحضاري الذي مرت به المدينة عبر العصور المختلفة. من المسارح الرومانية التي تروي قصصًا عن ازدهار المدينة في العهد القديم، إلى الأسوار البيزنطية التي تشهد على تاريخها القوي، وصولًا إلى الآثار العثمانية التي تعكس التأثير العميق للثقافة الإسلامية؛ وهو ما يجعل المدينة وجهة مثالية لعشاق التاريخ والثقافة.

تحتضن دورس ثقافات متنوعة وتنوعًا دينيًّا إنسانيًّا مما يجعلها مركزًا ينبض بالحياة والإبداع
تحتضن دورس ثقافات متنوعة وتنوعًا دينيًّا إنسانيًّا مما يجعلها مركزًا ينبض بالحياة والإبداع (الجزيرة)

إلى جانب تاريخها العريق، تتمتع دورس بجمال طبيعي لا يقل أهمية. شواطئها الممتدة على نحو 64 كيلومترًا على البحر الأدرياتيكي، مثل شاطئ جوليم وخليج لالزلي، تتألق برمالها الذهبية ومياهها الفيروزية؛ مما يجعلها وجهة مثالية للمسافرين الذين يبحثون عن الراحة والهدوء وسط جمال الطبيعة الخلاب.

تقع مدينة دورس غرب العاصمة الألبانية تيرانا على بُعد نحو 33 كيلومترًا، وهي ثاني أكبر مدن البلاد من حيث الكثافة السكانية، إذ يقطنها حوالي 113 ألف نسمة وتمتد على مساحة 341.9 كيلومترًا مربعًا. تحتضن المدينة ما يقارب 20 معلمًا تراثيًّا و12 موقعًا ذا أهمية خاصة؛ وهو ما يعكس ثراءها التاريخي والثقافي. بفضل طقسها المعتدل، تتيح دورس لزوارها فرصة استكشاف هذه المعالم على مدار العام، في تجربة فريدة تمزج بين عبق الماضي وسحر الطبيعة، لتكون إحدى أبرز الوجهات السياحية في ألبانيا.

شهدت دورس تطورات سريعة في بنيتها التحتية مما ساهم في تعزيز كونها مركزًا حضاريًّا واقتصاديًّا في ألبانيا
شهدت دورس تطورات سريعة في بنيتها التحتية مما ساهم في تعزيز كونها مركزًا حضاريًّا واقتصاديًّا في ألبانيا (الجزيرة)

تتمتع المدينة التاريخية دورس أيضًا بأهمية سياسية واقتصادية كبيرة، حيث أدّت دورًا محوريًّا في العديد من الأحداث المهمة. بعد إعلان استقلال ألبانيا في عام 1912، أصبحت دورس عاصمة مؤقتة لإمارة ألبانيا، قبل أن يتم نقل العاصمة إلى تيرانا في وقت لاحق.

في الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى، تأثرت المدينة بشكل كبير بالنفوذ الإيطالي بعد توقيع معاهدة لندن عام 1915، مما مهّد الطريق للاحتلال الإيطالي لها عام 1939. وقد أكد هذا الاحتلال مكانة دورس الإستراتيجية بوصفها من أهم الموانئ الرئيسية في البحر الأدرياتيكي؛ مما جعلها نقطة محورية في السياسات الإيطالية بالمنطقة.

مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، احتلّ النازيون مدينة دورس، وهو ما أظهر مجددًا أهميتها العسكرية والتجارية في تلك الفترة. كانت دورس في تلك السنوات مركزًا حيويًّا للأنشطة العسكرية والتجارية؛ مما جعلها نقطة محورية في الأحداث العالمية التي شكلت مصير المنطقة، وأكدت دورها البارز في الصراعات الدولية آنذاك.

تجذب دورس الزوار من مختلف أنحاء العالم لتاريخها العريق وجمال شواطئها الخلابة ومرافقها الحديثة
تجذب دورس الزوار من مختلف أنحاء العالم لتاريخها العريق وجمال شواطئها الخلابة ومرافقها الحديثة (الجزيرة)

بين عامي 1946 و1991، شهدت مدينة دورس مرحلة من التحول الاقتصادي الكبير في ظل النظام الشيوعي. فقد أولت الحكومة الشيوعية اهتمامًا بالغًا لتطوير قطاعات التصنيع والبناء، وهو ما أسهم في تحسين البنية التحتية بشكل كبير. وقد كان لهذا التوسع تأثير كبير في المدينة، حيث ازداد عدد السكان بشكل ملحوظ، وتطورت مرافقها العامة والخدمية؛ مما جعلها تتحول إلى مركز اقتصادي حضري نابض بالحياة.

أصبحت دورس في تلك الفترة مركزًا اقتصاديًّا وصناعيًّا حيويًّا في ألبانيا، وساهمت بشكل رئيسي في تعزيز الاقتصاد الوطني. كما كانت المدينة بمثابة رمز للحداثة والنمو الذي شهدته البلاد خلال تلك الفترة، إذ صارت إحدى أبرز المدن الصناعية في البلاد، ووجهة مهمة للعمال والمستثمرين على حد سواء.

تسحر دورس عروس الأدرياتيكي زوارها بتنوع معالمها الأثرية والثقافية وجمالها الخلاب
تسحر دورس عروس الأدرياتيكي زوارها بتنوع معالمها الأثرية والثقافية وجمالها الخلاب (الجزيرة)

اليوم، تشهد مدينة دورس تطورات سريعة ومستمرة في بنيتها التحتية والاقتصادية؛ مما جعلها تتبوأ مكانة متميزة بوصفها عاصمة اقتصادية لألبانيا وإحدى أبرز وجهات السياحة فيها. ففي السنوات الأخيرة، شهدت المدينة تحديثًا ملحوظًا في مجالات النقل والمرافق العامة والخدمات السياحية؛ مما ساهم في تعزيز كونها مركزًا حضاريًّا واقتصاديًّا على مستوى البلاد.

اليوم، تجذب دورس الزوار من مختلف أنحاء العالم، ليس فقط بسبب تاريخها العريق والمعالم الأثرية الساحرة التي تضمها، ولكن أيضًا بفضل جمال شواطئها الخلابة ومرافقها الحديثة التي تقدم تجربة سياحية لا تُنسى.

دورس.. المدينة التي تنبض بحكايات الحضارات

كل زاوية في مدينة دورس تحمل بين طياتها قصة تاريخية فريدة، تنسجها معالمها الرومانية، والبيزنطية، والعثمانية، إضافة إلى مساجدها وكنائسها التي تعكس تنوعًا دينيًّا وثقافيًّا جعل منها وجهة سياحية لا تُنسى.

تتناثر هنا وهناك آثار الحضارات التي مرّت على المدينة، وفي كل خطوة نخطوها، يبدو الزمن كأنه ينساب بيننا، ليأخذنا في رحلة عبر القرون إلى قلب مدينة دورس التاريخية، حيث تلتقي الثقافات وتتداخل القصص.

تعد دورس إحدى أقدم مدن ألبانيا وتتميز بكثرة معالمها التاريخية والثقافية
تعد دورس إحدى أقدم مدن ألبانيا وتتميز بكثرة معالمها التاريخية والثقافية (الجزيرة)

نبدأ مغامرتنا في شوارع البلدة القديمة، تحديدًا في بوليفارد "إيبيدامن"، الذي يعد مدخلًا رئيسيًّا للكثير من المواقع التاريخية المهمة؛ مما يجعله نقطة انطلاق مثالية لاكتشاف المدينة.

ومن هنا، ننتقل إلى المدرج الروماني في دورس، وهو الأكبر من نوعه في منطقة البلقان، ليظل شاهدًا حيًّا على ماضي دورس العريق. داخل مساراته التحتية، نكتشف كنيسة المدرج الروماني، التي تجسد تحول هذا المعلم من مركز ترفيهي إلى مركز ديني في العصور المبكرة، ليصبح رمزًا حيويًّا للهوية الثقافية والدينية في المدينة.

بعد ذلك، نتجه إلى قلعة دورس، إحدى أقدم وأهم المعالم التاريخية في ألبانيا، لتقدم لنا لمحة عن تطور الأنظمة الدفاعية عبر العصور. وعلى مقربة منها، جنوب المدينة قرب الميناء، نلتقي "البرج الفينيسي"، الذي يبرز دليلًا على القوة الدفاعية للمدينة على مر العصور. في تلك الفترة، كانت ألبانيا الفينيسية تمثل نقطة التقاء فريدة بين الشرق والغرب، حيث شكلت الأراضي الساحلية على البحر الأدرياتيكي مسارًا لتبادل الثقافات والتجارة بين الإمبراطورية الفينيسية والعالم الإسلامي.

تمثل دورس وجهة مثالية للمسافرين الباحثين عن تجربة سياحية تجمع بين الاستكشاف والراحة
تمثل دورس وجهة مثالية للمسافرين الباحثين عن تجربة سياحية تجمع بين الاستكشاف والراحة (الجزيرة)

ثم ننتقل إلى المنتدى البيزنطي، الذي يعكس تطور المدينة خلال العصر البيزنطي، ونجد بالقرب منه الحمامات الرومانية، التي تشهد على ثقافة الاستجمام والعناية بالجسم في العهد الروماني. وفي قلب المدينة القديمة، نصل إلى الحمام العثماني، الذي يعكس تأثير الثقافة الإسلامية في مجالات النظافة والهندسة المعمارية.

واستمرارًا لاكتشاف المعالم المعمارية المائية، نصل إلى بئر "توب هانا"، التي تعكس تداخل الحضارات وتطور المدينة عبر العصور. وفي جانب آخر من المدينة، يُخلد النصب التذكاري ذكرى البطل الوطني "موجو أولشيناكو"، الذي قاد المقاومة ضد الاحتلال الإيطالي في 7 أبريل/نيسان 1939. كما تجسد مقبرة الشهداء تضحيات الأبطال الذين ضحوا في الحرب العالمية الثانية ومعسكرات النازية، وتعد أول وأهمّ معلم تذكاري من نوعه في ألبانيا.

على شاطئ البحر الأدرياتيكي، يقف متحف دورس الأثري، أكبر متحف أثري في ألبانيا وأحد أبرز معالمها الثقافية. وتحت مياه البحر، تشير الأدلة إلى وجود مدينة غارقة تُعرف بـ"دورس القديمة". كما يُعد المتحف الإثنوغرافي في المدينة وجهة ثقافية بارزة تمزج بين جمال العمارة التقليدية والتراث الثقافي الغني. ولا ننسى منزل عائلة مانوشي وبالي، الذي بُني عام 1884، ليعكس أسلوب البناء في أواخر القرن التاسع عشر.

تتمتع دورس بموقع استراتيجي على طريق
تتمتع دورس بموقع استراتيجي على طريق "أجناتيا" القديم الذي كان يربط روما بالقسطنطينية عبر البلقان (الجزيرة)

وعلى تلة مرتفعة، حيث يلتقي البحر الأدرياتيكي بأفق السماء الزرقاء، يقف قصر الملك زوغ الأول شامخًا، شاهدًا على تاريخ طويل من التحولات. وفي مركز المدينة، نجد بناية بلدية مدينة دورس التي تجسد الفنون المعمارية الحديثة في عشرينيات القرن الماضي، إلى جانب مبنى بنك الدولة الألباني، الذي شُيد عام 1928 وهو أول معلم معماري من طراز الباروكي في ألبانيا.

من أقدم معالم المدينة الإسلامية جامع الفاتح الأثري، ثالث أقدم مسجد في ألبانيا بعد الفتح العثماني، ويُعد جامع دورس الكبير من أجمل مساجد ألبانيا في القرن العشرين. كاتدرائية "القديسة لوسيا"، التي بُنيت عام 1868 بدعم من الإمبراطورية النمساوية المجرية، تجسد تمازج الإيمان بالنضال الوطني، في حين تمثل كنيسة "الرسول بولس والقديس آستي" جزءًا من نهضة التراث المسيحي بعد انهيار النظام الشيوعي. ومن بين التحف المعمارية البيزنطية، نجد بازيليكا "القديس ميخائيل" في تلال "أراباي"، وهي أكبر بازيليكا مكتشفة في ألبانيا.

مسارك السياحي لاكتشاف كنوز دورس الأثرية والثقافية

دعونا نصحبكم الآن في مسار سياحي مع "الجزيرة نت"، حيث نغوص معًا في رحلة مدهشة عبر الزمن لاكتشاف كنوز دورس التاريخية والأثرية.

في هذه الرحلة، سنتنقل بين الآثار الرومانية، البيزنطية، العثمانية، والفينيسية، وصولًا إلى الفترة المعاصرة، لنتابع تلاقي حضارات العصور المختلفة في لوحة ساحرة، تروي ماضي دورس العريق.

بوليفارد
بوليفارد "إيبيدامن" شريان نابض يربط بين أصالة الماضي وحداثة الحاضر (الجزيرة)
  • بوليفارد "إيبيدامن".. نقطة انطلاق مثالية لاستكشاف المدينة

في قلب مدينة دورس، يتألق بوليفارد "إيبيدامن" وهو معلم تاريخي ومعماري يعكس مزاحمة الحداثة للتراث. يشكل هذا الشارع مدخلًا رئيسيًّا إلى العديد من المواقع التاريخية المهمة؛ مما يجعله نقطة انطلاق مثالية لاستكشاف المدينة.

خلال الاحتفالات الوطنية، يتحول بوليفارد "إيبيدامن" إلى ممشى يعج بالزوار، حيث تضفي الأجواء الاحتفالية بهجة خاصة على المكان، ليصبح رمزًا للتواصل بين سكان المدينة وضيوفها عبر التاريخ والثقافة. فُتح هذا الشارع بعد زلزال 1926 الذي خلف أضرارًا جسيمة في المدينة، فكان بمثابة بداية لإعادة إعمارها وفق أسس معمارية حديثة مستوحاة من المعايير الأوروبية، مع الحفاظ على هويتها الثقافية التي لا تزال شاهدة على عراقتها.

على جانبي الشارع، شُيدت مبانٍ مميزة يتراوح ارتفاعها بين طابقين وثلاثة طوابق، مزيّنة بزخارف فنية راقية تعكس روح ثلاثينيات القرن الماضي. بينما كانت الطوابق العليا مخصصة للسكن، استحوذت الطوابق السفلية على المحال التجارية التي شكلت قلب النشاط الاقتصادي في المنطقة؛ مما أكسبه لقب "الشارع التجاري" بامتياز.

يشكل شارع
يشكل شارع "إيبيدامن" مدخلًا رئيسيًّا للعديد من المواقع التاريخية؛ مما يجعله نقطة انطلاق مثالية لاستكشاف دورس (الجزيرة)

يمثل الشارع اليوم نقطة تلاقٍ بين التاريخ والحياة اليومية، إذ يزخر بالمقاهي والمطاعم التي تعكس التنوع الثقافي الغني لدورس، إلى جانب المحال التجارية التي تحتفظ بأصالة نشاطها منذ عقود. يتمتع الشارع بجاذبية خاصة للسكان المحليين والزوار الذين يقصدونه للاستمتاع بأجوائه الحيوية وعبقه التاريخي.

على الرغم من صمود المباني التاريخية في بوليفارد "إيبيدامن"، فقد واجه الشارع تحديات عديدة تتعلق بتجديدها والحفاظ على رونقها. تبذل السلطات المحلية جهودًا متواصلة للحفاظ على هذا التراث العمراني، من خلال مشاريع ترميم دورية تهدف إلى تعزيز جمال الشارع مع الحفاظ على أصالته.

بوليفارد "إيبيدامن" ليس مجرد معبر حضري؛ بل هو شهادة على قدرة دورس على دمج التاريخ بالتحديث. يمثل الشارع نموذجًا لتخطيط عمراني مستوحى من المعايير الأوروبية، دون أن يتنازل عن طابعه الثقافي. إنه المكان الذي يمكن فيه للزائر أن يعيش رحلة عبر الزمن، مستشعرًا التناغم بين العمارة الكلاسيكية والحياة العصرية.

يكشف المدرج الروماني في دورس عن مهارة الرومان في بناء المنشآت المعمارية الكبرى
يكشف المدرج الروماني في دورس عن مهارة الرومان في بناء المنشآت المعمارية الكبرى (الجزيرة)
  • مدرج دورس.. شاهد على عراقة المدينة في العصر الروماني

تُعد دورس موطنًا للعديد من المعالم الأثرية التي تنطق بتاريخ طويل وحافل بالأحداث والتغييرات. ومن أبرز هذه المعالم التي تروي قصصًا غنية عن العصور الرومانية، المدرج الروماني الذي يتألق ممثلًا أحد الشواهد العريقة التي حملت بين جدرانها أصداء الأمجاد القديمة.

يُعتبر المدرج الروماني في دورس، أحد أبرز المعالم التاريخية والثقافية في ألبانيا وأكبر المعالم الرومانية في منطقة البلقان؛ مما يجعله وجهة سياحية بارزة. يعكس هذا المعلم الفريد عراقة المدينة وأهميتها في العصور الرومانية، ويعد أحد الشواهد الحية على التاريخ الممتد للمدينة التي كانت مركزًا مهمًّا في الإمبراطورية الرومانية. فإذا كنت تبحث عن رحلة في عمق التاريخ، فلا بد أن يكون المدرج الروماني في مقدمة وجهاتك السياحية.

شُيد المدرج في موقع استراتيجي يتيح رؤيته من البحر، وكان يشكل بوابة المدينة الرئيسية إلى العالم الروماني القديم في المدينة، وذلك في بداية القرن الثاني الميلادي، خلال فترة حكم الإمبراطور هادريان، واستمر استخدامه حتى القرن الرابع الميلادي.

يكشف المدرج الروماني في دورس عن مهارة الرومان في بناء المنشآت المعمارية الكبرى
في قلب المدرج الروماني في دورس كان يُحتفل بالمهرجانات الشعبية، وتنظم العروض الرومانية المهيبة (الجزيرة)

في قلب هذا المعلم، كان يُحتفل بالمهرجانات الشعبية، وتنظم العروض الرومانية المهيبة، وتُقام الاحتفالات العسكرية المبهرة. لك أن تتخيل مشهد هذا المدرج الذي كان يستوعب ما يصل إلى 20 ألف شخص في ذروة نشاطه، ليصبح شاهدًا حيًّا على الهندسة المعمارية الرومانية المتقدمة؛ مما يعكس تفوق الإمبراطورية الرومانية في هذا المجال.

ولكن المدرج لم يكن مجرد مسرح للعروض والمعارك. فقد كان أيضًا مكانًا لتعبير المواطنين عن آرائهم في القضايا السياسية والاجتماعية المهمة؛ مما جعله مركزًا حيويًّا للنقاشات الشعبية. هذه الأبعاد الثقافية جعلت المدرج الروماني في دورس ليس مجرد موقع سياحي، بل نقطة محورية لفهم كيف كانت الحياة الاجتماعية والسياسية في تلك العصور.

مع بداية القرن الرابع الميلادي، بدأت الديانة المسيحية تنتشر في الإمبراطورية الرومانية، وبذلك بدأت التأثيرات المسيحية تظهر على المعالم القديمة، بما في ذلك المدرج الروماني. ومع تقدم هذه الديانة، اعتُبرت الطقوس العنيفة التي كانت تُقام داخل المدرج غير ملائمة للمعتقدات الجديدة. وفي تلك الفترة، أصيب المدرج بعدة زلازل مدمرة، خاصة في القرنين السادس والعاشر؛ مما أدى إلى تدمير جزء كبير من هيكله.

أصيب المدرج الروماني في دورس بعدة زلازل مدمرة؛ مما أدى إلى تدمير جزء كبير من هيكله.
أصيب المدرج الروماني في دورس بعدة زلازل مدمرة؛ مما أدى إلى تدمير جزء كبير من هيكله (الجزيرة)

لكن التاريخ لا يتوقف هنا، فمع مرور الزمن، تحول المدرج إلى مكان مقدس آخر. ففي العصر المسيحي، تم بناء كنيسة داخل المدرج، مزخرفة بالفريسكو، وبعد ذلك أُضيفت الفسيفساء في القرن السادس؛ مما منح المكان بعدًا دينيًّا جديدًا، ليصبح مزيجًا من التاريخ الروماني والدين المسيحي.

لم يكن المدرج الروماني في دورس معروفًا لدى العالم قبل عام 1966، الذي بدأ فيه عالم الآثار فانجيل توتشي أولى الحفريات في الموقع. ومع مرور السنوات، ومع جهود التنقيب التي استمرت حتى الثمانينيات تحت إشراف ليدا ميراي، تم الكشف عن العديد من التفاصيل المدهشة التي كانت مخفية عدة قرون. ومع كل اكتشاف جديد، أصبح المدرج أكثر جذبًا للسياح، حيث قدمت الحفريات لمحة عن عظمة هذا المعلم ورونقه الذي فقده بمرور الزمن.

اليوم، يعد المدرج الروماني في دورس من أبرز المعالم السياحية في ألبانيا، حيث يُستخدم متحفًا مفتوحًا يعرض تاريخ المدينة وتطورها. وعند زيارتك لهذا المكان، ستشعر وكأنك تسافر عبر الزمن، مع كل زاوية وكل حجر يروي قصة مختلفة عن حياة الماضي.

لا يزال المدرج الروماني في دورس يواجه تحديات كبيرة نتيجة البناء الحديث المحيط به، ولكن مع تسجيله في قائمة المواقع الثقافية المهددة من قبل منظمة أوروبا نوسترا في عام 2013، أصبحت هناك جهود أكبر للحفاظ على هذا المعلم التاريخي المهم.

كنيسة المدرج الروماني في دورس تم تزيينها بلوحات فسيفسائية جدارية مذهلة
كنيسة المدرج الروماني في دورس تم تزيينها بلوحات فسيفسائية جدارية مذهلة (الجزيرة)
  • كنيسة المدرج.. رمز للتاريخ الديني والفني

تُعد كنيسة المدرج الروماني من أروع المعالم الدينية التي تعكس تطور الفن المسيحي في ألبانيا خلال العصور المبكرة. بعد توقف الألعاب والمهرجانات في المدرج في القرنين الخامس والسادس الميلاديين، تم تحويل هذا المعلم الروماني إلى مكان للعبادة المسيحية، حيث أُقيمت فيه الطقوس الدينية والجنازية للمجتمعات المسيحية المحلية.

الكنيسة، التي بنيت داخل المدرج، تم تزيينها في البداية بلوحات جدارية مذهلة، وظلت مكانًا للعبادة فترة طويلة؛ مما يشير إلى التعديلات التي أُدخلت عليها خلال القرنين السادس والسابع الميلاديين. وقد تميزت هذه الفترة بزخرفة الواجهتين الجنوبية والغربية بلوحات فسيفسائية جدارية فريدة، تُعد من أروع الأعمال الفنية المسيحية المبكرة في ألبانيا.

تُظهر فسيفساء كنيسة المدرج الروماني تداخل الفن والدين والتاريخ في هوية دورس عبر العصور
تُظهر فسيفساء كنيسة المدرج الروماني تداخل الفن والدين والتاريخ في هوية دورس عبر العصور (الجزيرة)

تُصور هذه الفسيفساء مشاهد مذهلة للقديس إسطفانوس، الذي يعتبر شهيد مدينة دورس، كما تظهر القديسة مريم وهي تُجسد كإمبراطورة بيزنطية محاطة بملاكَين، أحدهما يحمل كتابًا فوق رأسه، بينما يظهر عند قدمي القديسة مريم مرافقان صغيران. أما الجدار الغربي للكنيسة، فيحتفظ ببقايا تصوير للقديستين إيريني وصوفيا مع أسمائهما؛ مما يضيف بُعدًا دينيًّا وثقافيًّا إضافيًّا إلى هذه الفسيفساء.

علاوة على ذلك، كان الرواق الشرقي يُستخدم مأوًى للمجتمعات المسيحية، وقد تم تزيينه أيضًا بلوحات جدارية تضم صورة للقديس جبرائيل؛ مما يعكس تأثير الفن البيزنطي على الزخرفة المسيحية المبكرة في ألبانيا.

كنيسة المدرج الروماني في دورس تعكس التأثير البيزنطي في الفن المسيحي المبكر في ألبانيا، حيث كانت الفسيفساء من أهم عناصر الزخرفة لتمثيل الأيقونات الدينية والشخصيات المقدسة. كما تعد مثالًا بارزًا على تداخل الفن والدين والتاريخ في تشكيل هوية المدينة عبر العصور.

شُيدت أسوار قلعة دورس الحالية في نهاية القرن الخامس الميلادي بأمر من الإمبراطور البيزنطي أنسطاسيوس الأول
شُيدت أسوار قلعة دورس الحالية في نهاية القرن الخامس الميلادي بأمر من الإمبراطور البيزنطي أنسطاسيوس الأول (الجزيرة)
  • قلعة دورس.. شاهد على حقب تاريخية عديدة

نواصل رحلتنا الاستكشافية، ونشاهد خلف المدرج الروماني مباشرةً أسوار قلعة دورس، التي تُعدّ من أبرز المعالم التاريخية التي تعكس تطور الأنظمة الدفاعية عبر العصور. منذ تأسيسها، كانت المدينة محمية بأسوار ضخمة بُنيت باستخدام كتل حجرية ضخمة تُعرف بالبناء السيكلوبي. تطورت هذه الأسوار مع الزمن، بدءًا من الحقبة الإيليرية مرورًا بالرومانية وصولًا إلى العصور البيزنطية وانتهاءً بالفترة العثمانية.

شُيدت الأسوار الحالية في نهاية القرن الخامس الميلادي، بأمر من الإمبراطور البيزنطي أنسطاسيوس الأول (491-518م)، الذي ينحدر من دورس. جاء بناء هذه الأسوار بعد الزلزال المدمر الذي وقع عام 345م. استُخدم في البناء حوالي 15 مليون طوبة؛ مما جعل هذه الأسوار من أقوى التحصينات على الساحل الأدرياتيكي. امتدت الأسوار على طول 3.5 كيلومترات، بارتفاع 18 مترًا وعرض 3.5 أمتار، ودُعمت بأبراج خماسية الشكل تفصل بينها مسافة 60 أو65 مترًا.

تعكس أسوار قلعة دورس تطور الأنظمة الدفاعية للحضارات المتعاقبة عبر العصور (الجزيرة)
تعكس أسوار قلعة دورس تطور الأنظمة الدفاعية للحضارات المتعاقبة عبر العصور (الجزيرة)

خلال عهد الإمبراطور جستنيان الأول (527-565م)، أُدخلت تحسينات إضافية لتعزيز الدفاعات. وفي العصور الوسطى، أجرى كارل أنجو وكارل توبيا تعديلات لتعزيز النظام الدفاعي. خلال فترة السيطرة الفينيسية (1392-1501م)، أُضيفت أبراج دائرية لزيادة قوة الدفاع.

في عام 1501م، ومع بداية الحكم العثماني، تقلصت مساحة المدينة المحمية إلى منطقة أصغر تُعرف بحي القلعة، حيث بُني سور جديد طوله 800 متر فقط. شمل هذا السور برج الساعة، وزُوّد ببوابتين رئيسيتين: البوابة الكبرى وبوابة البحر؛ مما أكسب المنطقة طابعًا دفاعيًّا جديدًا.

تمثل القلعة رمزًا لتاريخ عريق غني بالتحديات والتحولات، ومرآة لحقب متعددة من الإمبراطوريات والحضارات، كما تعكس أهمية المدينة بوصفها ميناءً استراتيجيًّا. واليوم، تُعد القلعة مقصدًا سياحيًّا شهيرًا وتوفر إطلالات بانورامية رائعة على المدينة والبحر.

أدى
أدى "البرج الفينيسي" في دورس دورًا محوريًّا بوصفه نقطة مراقبة استراتيجية لحماية المدينة (الجزيرة)
  • البرج الفينيسي.. معلم تاريخي يصبح أول مركز ألباني لتفسير التراث

نسير بجوار أسوار قلعة دورس، وهي منطقة رائعة غنية بالأشجار والحدائق، لنصل في نهايتها قرب ميناء المدينة إلى أحد أبرز المعالم المعمارية العسكرية التاريخية في مدينة دورس، وهو "البرج الفينيسي" الذي يعد أحد الركائز الأساسية في قلعة دورس الشهيرة. كان البرج يُعتبر من أقوى الهياكل الدفاعية على الساحل الغربي للبحر الأدرياتيكي، حيث أدى دورًا محوريًّا بوصفه نقطة مراقبة استراتيجية لرصد الهجمات البحرية وحماية المدينة.

بُني البرج الذي صُنِّف معلمًا ثقافيًّا من الفئة الأولى، في القرن الخامس عشر على أنقاض برج بيزنطي قديم؛ مما يضفي عليه بعدًا تاريخيًّا عميقًا. يشهد على هذا التحول المعماري بقاء كتل من الجدار البيزنطي السابق، وبعض القطع المعمارية والنقوش التي تعود إلى تلك الحقبة. يبلغ قطر البرج 16 مترًا وارتفاعه 9 أمتار، وقد صُمم ليكون برجًا دفاعيًّا كاملًا، مزودًا بالأسلحة المدفعية لمواجهة أي تهديدات بحرية.

بُني
بُني "البرج الفينيسي" في دورس في القرن الخامس عشر على أنقاض برج بيزنطي قديم (الجزيرة)

إلى جانب معماريته العسكرية المدهشة، يحتوي البرج على بوابة مقوسة مبنية بالطوب، ويضم خمس فتحات صغيرة للرماية تطل على البحر، إضافة إلى ثلاث غرف داخلية تُستخدم في أغراض متعددة. الجزء العلوي من البرج محاط بأسوار مسنّنة تتيح للمراقبين الإشراف الكامل على المناطق المحيطة. ويُصعَد إلى الطابق العلوي عن طريق سلالم ضيقة وشديدة الانحدار.

في تحول مهم في دور "البرج الفينيسي"، شهد هذا المعلم الأثري نقلة نوعية تهدف إلى توظيف واستثمار المعالم الأثرية في تعريف الزوار بالتراث الثقافي للمنطقة باستخدام أحدث التقنيات التكنولوجية في تفسيره. فقد تم تحويل البرج إلى أول مركز ألباني لتفسير التراث، وذلك بعد أعمال ترميم شاملة جرت بين عامي 2022 و2023.

يوفر المركز للزوار تجربة تفاعلية وغامرة، حيث يمكنهم الاستمتاع باستخدام تقنيات حديثة مثل نظارات الواقع الافتراضي (VR) والمناظير الرقمية. إضافة إلى ذلك، يتم عرض الأحداث التاريخية المهمة عبر عروض متعددة الوسائط، بما في ذلك "projections" سقفية تُظهر اللحظات التاريخية الكبرى التي شكلت هوية المنطقة.

تأتي هذه المبادرة ضمن مشروع ترميم أوسع يهدف إلى دعم الحفاظ على المعالم الثقافية في ألبانيا بعد الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة عام 2019. تم تنفيذ هذا المشروع بتمويل من الاتحاد الأوروبي من خلال مبادرة **EU4Culture**، التي تتجاوز الترميم المعماري لتشمل تطوير محتوى رقمي يعرض التراث الثقافي بطريقة مبتكرة. يساهم هذا في تعزيز السياحة الثقافية في المنطقة وجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.

تحوّل
تحوّل "البرج الفينيسي" في دورس إلى أول مركز ألباني لتفسير التراث (الجزيرة)

ألبانيا الفينيسية.. نقطة التقاء ثقافي وتجاري بين الشرق والغرب

هنا، وفي هذا المكان الجميل أسفل البرج المواجه للميناء في جهته الجنوبية وللممشى البحري في جهته الغربية؛ نتوقف لنتذكر أن البندقية بدأت في توطيد نفوذها في ألبانيا منذ بداية القرن الخامس عشر، حيث أقامت علاقات تجارية مع المدن الساحلية الألبانية، وأبرزها مدينة دورس، التي تحولت إلى أحد أهم معاقلها في المنطقة. هذا الوجود الفينيسي ترك بصمات واضحة على المدينة، حيث تعكس معالمها التاريخية الثقافة الفينيسية التي أثرت في تطورها وأسلوب حياتها.

وبحلول السبعينيات من نفس القرن، سيطرت البندقية على العديد من المدن الساحلية. ومع ذلك، بدأ نفوذها في التراجع تدريجيًّا مع تقدم الإمبراطورية العثمانية في بداية القرن السادس عشر.

"ألبانيا الفينيسية"، تلك الأراضي الساحلية الممتدة على الشواطئ الشرقية للبحر الأدرياتيكي، كانت تشكل بوابة عبور ونقطة التقاء ثقافي وتجاري بين الشرق والغرب. شهدت المنطقة تبادلًا حضاريًّا غنيًّا، حيث ترك الفينيسيون إرثًا معماريًّا مميزًا، مثل "البرج الفينيسي" الذي كان شاهدًا على استراتيجيات الدفاع المتطورة التي اعتمدها الفينيسيون لحماية هذه الأراضي الحيوية.

واليوم، ومن خلال زيارة البرج الفينيسي والمعالم الأخرى في المنطقة، يمكن للزوار الغوص في تاريخ "ألبانيا الفينيسية" واكتشاف كيف ساهمت البندقية في تشكيل هوية البحر الأدرياتيكي المتنوعة، وأضافت للمنطقة تراثًا ثقافيًّا ومعماريًّا لا يزال محفوظًا حتى اليوم.

المنتدى البيزنطي في دورس يعكس تطور المدينة خلال الفترة البيزنطية
المنتدى البيزنطي في دورس يعكس تطور المدينة خلال الفترة البيزنطية (الجزيرة)
  • المنتدى البيزنطي.. معلم أثري يُجسّد دورًا ثقافيًّا وتجاريًّا للمدينة التاريخية

المنتدى البيزنطي في مدينة دورس هو أحد المعالم التاريخية البارزة في ألبانيا، ويعكس تطور المدينة خلال الفترة البيزنطية. يقع المنتدى في وسط المدينة القديمة، بالقرب من معالم أخرى مثل المدرج الروماني وقلعة دورس؛ مما يجعله مركزًا ثقافيًّا وتاريخيًّا مهمًّا. تم إعلان المنتدى البيزنطي في دورس معلمًا ثقافيًّا عام 1964 من قبل وزارة الثقافة الألبانية.

تم بناء المنتدى في نهاية القرن السادس الميلادي، خلال حكم الإمبراطور البيزنطي أنستاسيوس (481-518). كان يمثل ساحة مفتوحة مشابهة للأسواق التقليدية في العهد الروماني، تُعرض فيها السلع وتنظم الأنشطة العامة. كان المنتدى جزءًا من الطريق التجاري التاريخي أجناتيا، الذي ربط روما بالقسطنطينية عبر دورس؛ مما جعله نقطة وصل حيوية بين الشرق والغرب.

المنتدى عبارة عن ساحة دائرية تبلغ مساحتها 40 مترًا، محاطة بأعمدة كورنثية، وهي أعمدة مزخرفة برأس معقد يحتوي على زخارف نباتية، وتعتبر الأكثر فخامة في العمارة الإغريقية والرومانية، وتُستخدم في المباني الكبرى مثل المعابد. في وسط الساحة يوجد منبر وبئر؛ مما يبرز دور المنتدى وكونه مركزًا اجتماعيًّا وتجاريًّا. في الستينيات، كشفت الحفريات عن بقايا الحمامات الرومانية بما في ذلك نظام التدفئة تحت الأرض (هيبوكاوست)، وهو نظام كان يستخدم تمرير الهواء الساخن تحت الأرضيات والجدران لتدفئة الغرف، وكان شائعًا في الحمامات والمباني الرومانية، إلى جانب بعض القطع الأثرية التي تعود إلى تلك الفترة.

المنتدى البيزنطي في دورس عبارة عن ساحة دائرية تبلغ مساحتها 40 مترًا، محاطة بأعمدة كورنثية
المنتدى البيزنطي في دورس عبارة عن ساحة دائرية تبلغ مساحتها 40 مترًا، محاطة بأعمدة كورنثية (الجزيرة)

يُعد المنتدى البيزنطي من أهمّ المعالم المحفوظة في ألبانيا، ويشهد على تاريخ دورس الطويل والمتنوع من العصور الرومانية حتى البيزنطية. كان المنتدى مركزًا تجاريًّا وثقافيًّا، إضافة إلى دوره في الأنشطة الدينية. تصميمه المعماري يعكس تطور فنون البناء في البحر الأدرياتيكي خلال العصر البيزنطي.

اليوم، يُعد المنتدى البيزنطي أحد أبرز المواقع السياحية في دورس. الزوار يمكنهم استكشاف الموقع والتمتع بالأعمدة المهيبة والأرضيات المزخرفة، إضافة إلى التعرف على تاريخ دورس الغني. يُعتبر المنتدى وجهة أساسية للمهتمين بتاريخ المدينة والمعمار البيزنطي.

المنتدى البيزنطي في دورس هو معلم تاريخي يجسد الدور الحيوي لهذه المدينة بوصفها مركزًا تجاريًّا وثقافيًّا في البحر الأدرياتيكي. مع معماريته المميزة وحفاظه على ملامحه التاريخية، يبقى المنتدى وجهة سياحية رئيسية تتيح للزوار فرصة اكتشاف عمق تاريخ المدينة من خلال آثارها القديمة.

الحمامات الرومانية في دورس أُدرجت ضمن قائمة التراث الثقافي المحمي في ألبانيا منذ عام 1973 لأهميتها التاريخية
الحمامات الرومانية في دورس أُدرجت ضمن قائمة التراث الثقافي المحمي في ألبانيا منذ عام 1973 لأهميتها التاريخية (الجزيرة)
  • الحمامات الرومانية.. إرث معماري يعكس براعة التصميم ورفاهية العناية بالجسم

تقع الحمامات الرومانية في قلب الحي القديم بمدينة دورس، تحديدًا أسفل مركز "ألكسندر موسيو" الثقافي، وهي من أبرز المعالم الأثرية التي تكشف تفاصيل الحياة اليومية في الحقبة الرومانية القديمة. تحمل هذه الحمامات في طياتها إرثًا معماريًّا مذهلًا يعكس براعة التصميم ورفاهية العناية بالجسم التي كانت سائدة في ذلك العصر؛ مما يجعلها مقصدًا مهمًّا يجذب المهتمين بالتاريخ والثقافة، ومحطة لا غنى عنها في استكشاف تراث المدينة العريق.

تم اكتشاف الحمامات بشكل شبه كامل عام 1960، وهي تُظهر تصميمًا معماريًّا متقدمًا يعكس الثقافة الرومانية في استخدام الفضاءات العامة للاسترخاء والنظافة. وكانت تُعتبر مركزًا اجتماعيًّا وثقافيًّا في العصر الروماني، حيث كان السكان يتجمعون للاستجمام والتفاعل الاجتماعي.

عند دخول الزوار، تبدأ رحلتهم بغرفة تغيير الملابس، وهي مساحة توفر الخصوصية والراحة لتهيئتهم قبل الانتقال إلى المراحل التالية.

تعد الحمامات الرومانية في دورس شهادة حية على البراعة الهندسية في العصر الروماني
تعد الحمامات الرومانية في دورس شهادة حية على البراعة الهندسية في العصر الروماني (الجزيرة)

في قلب الحمامات، تقع غرفة التعرق، التي تعتمد على نظام تدفئة مبتكر يُعرف باسم "Hypocaust"، وهو اختراع روماني يمرر البخار الساخن عبر أرضية من الطوب لتدفئة الغرفة بشكل فعال. هذه التقنية الفريدة تضفي أجواء مريحة تساعد على الاسترخاء وتجديد النشاط.

إلى الجنوب من مجمع الحمامات، توجد غرفة المياه الباردة التي توفر تجربة منعشة بعد التعرق؛ مما يعيد للجسم حيويته ويمنحه إحساسًا بالنشاط. في نهاية الرحلة، يصل الزوار إلى مسبح واسع بأرضية مصممة من الرخام الأبيض والأسود على هيئة رقعة الشطرنج، يضفي طابعًا فنيًّا وجماليًّا فريدًا يعكس ذوقًا رفيعًا وإبداعًا معماريًّا خلابًا.

تجمع هذه الحمامات بين الوظيفة والجمال، لتبقى شاهدًا على عبقرية الهندسة الرومانية وإرثها الباقي حتى يومنا هذا.

إلى الجنوب الغربي من الحمامات الرومانية، تمتد شبكة معقدة من قنوات تصريف المياه التي كانت تتصل بالطريق الرئيسي للمدينة في العصر الروماني، وهو الطريق المعروف اليوم بشارع "ألكسندر غوغا". كان هذا الطريق شريانًا حيويًّا للحركة والتنقل في تلك الحقبة؛ مما يعكس مدى تطور البنية التحتية حينذاك.

شهد الموقع عملية ترميم شاملة عام 2015 بإشراف وزارة الثقافة الألبانية، وأُعيد افتتاحه لاستقبال الزوار، وهو ما أضاف قيمة تراثية وسياحية إلى مدينة دورس. جدير بالذكر أن الموقع أُدرج ضمن قائمة التراث الثقافي المحمي في ألبانيا منذ عام 1973 لأهميته التاريخية.

تعد الحمامات الأثرية شهادة حية على البراعة الهندسية والثقافة الاجتماعية في العصر الروماني، وهي الآن مقصد جذاب للسياح والمختصين في علم الآثار الذين يأتون لاستكشاف هذا الإرث الفريد والوقوف على جمالياته.

الحمام العثماني بدورس يحتوي على تصميم معماري فريد يعكس براعة العثمانيين في الهندسة
الحمام العثماني بدورس يحتوي على تصميم معماري فريد يعكس براعة العثمانيين في الهندسة (الجزيرة)
  • الحمام العثماني.. معلم أثري يعكس التنوع الثقافي والسياحي

يعد الحمام العثماني في دورس مَعلمًا ثقافيًّا بارزًا يعكس التراث العثماني في ألبانيا وتأثيراته العميقة في الحياة الاجتماعية والمعمارية في المنطقة. تم بناؤه في القرن الثامن عشر، ويقع بالقرب من برج البندقية، وقد صُنِّف مَعلمًا تراثيًّا من الفئة الأولى.

يتميز الحمام بتصميم معماري فريد، تتوسطه غرفة غسيل تُغطيها قبة كروية تحتوي على نوافذ صغيرة موزعة بشكل متوازن؛ مما يسمح بدخول الضوء الطبيعي بشكل تدريجي. تم تصميم الأرضيات لتدفأ بالبخار عبر أنابيب متصلة بفرن خارجي؛ مما يعكس مستوى الإبداع الهندسي في تلك الفترة.

الحمام العثماني بدورس يحتوي على قبة كروية فريدة تسمح بدخول الضوء الطبيعي بشكل متوازن
الحمام العثماني بدورس يحتوي على قبة كروية فريدة تسمح بدخول الضوء الطبيعي بشكل متوازن (الجزيرة)

أصيب الحمام بأضرار كبيرة جراء الزلزال الذي ضرب ألبانيا عام 2019، لكنه خضع لبرنامج ترميم شامل بتمويل من الاتحاد الأوروبي ضمن مشروع "EU4Culture". شملت أعمال الترميم تجديد الهياكل المعمارية إضافة إلى دمج تقنيات التفسير الرقمية التي تهدف إلى تحسين تجربة الزوار. ثم أعيد افتتاحه في أكتوبر/تشرين الأول 2024 ليصبح أحد المعالم الثقافية المهمة التي تساهم في تعزيز السياحة وإظهار التاريخ العريق لمدينة دورس.

يمثل الحمام العثماني حلقة وصل بين تطور الحمامات العامة من العصور الرومانية والبيزنطية وصولًا إلى العهد العثماني. ففي حين اعتمدت الحمامات القديمة على البرك والمياه الساكنة، ركز العثمانيون على استخدام المياه الجارية وتدفئة الأرضيات بالبخار؛ مما يعكس التغيرات التي جلبتها الثقافة الإسلامية في مجال النظافة والهندسة المعمارية.

تخدم بئر
تخدم بئر "توب هانا" سكان دورس مصدرًا رئيسيًّا للمياه منذ القرن السادس عشر حتى عام 1970 (الجزيرة)
  • بئر "توب هانا".. معلم أثري يعكس تداخل الحضارات في دورس

تُعدّ بئر "توب هانا" من أبرز معالم التراث الثقافي في دورس، وتُشكل جزءًا أساسيًّا من الهوية التاريخية والمعمارية للمدينة. يعكس هذا المَعلم مراحل متعددة من التطور العمراني والتاريخي لدورس، ويقع على بُعد 200 متر فقط من مركز المدينة. وقد صُنِّفت هذه البئر مَعلمًا ثقافيًّا معماريًّا عام 1970.

تاريخ البئر يعود إلى القرن السادس عشر، وقد خدمت سكان المدينة لقرون طويلة إذ كانت مصدرًا رئيسيًّا للمياه آنذاك. واستمر استخدامها لهذا الغرض حتى عام 1970. إلى جانب دورها الحيوي، استُخدمت البئر فترة جزءًا من ورشة لإنتاج البارود، وهو ما يفسر اسمها "توب هاني"، الذي يعني "بيت البارود".

تم بناء البئر على قاعدة مربعة الشكل من الحجر، وتحيط بها أربعة أعمدة جرانيتية أُعيد استخدامها من معالم أقدم تعود إلى الفترة البيزنطية. كان من الشائع في تلك الفترة إعادة تدوير المواد من الهياكل القديمة؛ مما يضفي على البئر طابعًا معماريًّا مميزًا يبرز استمرارية التاريخ في المدينة.

تم بناء بئر
تم بناء بئر "توب هانا" بدورس على قاعدة مربعة الشكل من الحجر تحيط بها أربعة أعمدة جرانيتية (الجزيرة)

خلال فترة الحكم الفينيسي، خضعت البئر لتعديلات كبيرة أثرت في تصميمها، شملت إضافة الأعمدة الجرانيتية الكبيرة وترتيب الحجارة المستطيلة الضخمة حول فوهة البئر، مما شكّل أرضية مرصوفة أنيقة ومتينة. تعكس هذه العناصر الهندسية الطابع الفينيسي، الذي يُبرز التداخل الثقافي في تلك الحقبة.

في عام 2005، خضعت بئر توب هاني لعملية ترميم واسعة قادتها ورشة الآثار. تضمنت الأعمال إعادة تثبيت الأعمدة والأجزاء المختلفة في أماكنها الأصلية وتنظيف المساحة المحيطة بالبئر، التي تبلغ حوالي 25 مترًا مربعًا. ساهمت هذه الجهود في استعادة الشكل التاريخي للبئر وتسليط الضوء على أهميته الثقافية.

تُعدّ بئر توب هانا شاهدًا حيًّا على التطور المعماري والهندسي لمدينة دورس، حيث تجسّد التفاعل بين العصور القديمة والوسطى والفترات اللاحقة، وتعكس التداخل الثقافي الذي شكل ملامح المدينة عبر العصور.

اليوم، تُعتبر البئر وجهة سياحية مميزة، إذ تُوفِّر للزوار فرصة لاكتشاف إرث ثقافي غني يعكس تاريخ دورس وتطور الحضارات. فهي تجمع بين الوظيفة التاريخية والجمال المعماري لتظل شاهدة على تاريخ المدينة العريق.

يُخلد النصب التذكاري في دورس ذكرى البطل الوطني
يُخلد النصب التذكاري في دورس ذكرى البطل الوطني "موجو أولشيناكو" المعروف بلقب "بطل الشعب". (الجزيرة)
  • النصب التذكاري لموجو أولشيناكو.. ذكرى لبطل الشعب وشاهد على المقاومة

يُخلد النصب التذكاري في مدينة دورس ذكرى البطل الوطني "موجو أولشيناكو" (1896-1939)، المعروف بلقب "بطل الشعب"، الذي كان من أوائل المقاومين المسلحين الذين تصدوا للاحتلال الفاشي الإيطالي في 7 أبريل/نيسان 1939. أنجز هذا النصب المميز على يد "نحات الشعب" كريستاق راما ليكون شاهدًا خالدًا على بطولته.

وُلد موجو أولشيناكو في مدينة أولشتين، الواقعة حاليًّا ضمن جمهورية الجبل الأسود، لعائلة تعمل في الملاحة البحرية، واختار خدمة وطنه بوظيفة ضابط صف في وحدة البحرية بمدينة دورس. مع بداية الاجتياح الإيطالي، اتجه إلى الخطوط الأمامية، حيث قاد المقاومة بشجاعة لا تُضاهى، مُظهرًا مع رفاقه روحًا وطنية استثنائية وصمودًا يُحتذى به.

يُعد هذا النصب أكثر من مجرد عمل فني، فهو يُجسد تضحيات أولشيناكو ورفاقه الذين فضلوا الكفاح على الاستسلام. يمثل النصب اليوم رمزًا للمقاومة والشجاعة في وجه الاحتلال، وموقعًا يستحضر فيه الألبان والعالم ذكرى رجل ترك بصمة خالدة في تاريخ ألبانيا.

تشير شهادات إلى احتمال وجود مدينة غارقة تُعرف بـ
تشير شهادات إلى احتمال وجود مدينة غارقة تُعرف بـ"دورس القديمة" بنحو 27 ميلًا بحريًّا شمال غرب المدينة (الجزيرة)
  • دورس القديمة تحت الماء: أساطير واكتشافات حديثة

وهنا أمام شاطئ دورس على البحر الأدرياتيكي، أحب أن ألفت الانتباه إلى أن العديد من الشهادات والصور الحديثة تشير إلى احتمال وجود مدينة غارقة تُعرف بـ"دورس القديمة"، تقع على بعد حوالي 27 ميلًا بحريًّا شمال غرب المدينة. تظهر الأنقاض المكتشفة تحت الماء بقايا مستوطنة قديمة بقطر يصل إلى نحو 6 أميال، ويُعزز هذا الافتراض اكتشافات البحارة مثل كابتن الصيد كابيلان راما، الذي عثر في شباكه على فخار وأعمدة رخامية، إضافة إلى صور تُظهر جدرانًا مبنية من أحجار ضخمة في قاع البحر.

تتداخل الأساطير مع الواقع في هذه المنطقة، ويعود الاهتمام العلمي بهذه الاكتشافات إلى محاولات سابقة قادها المهندس توما بيربيري في سبعينيات القرن الماضي. فقد استخدم بيربيري أول غواصة ألبانية لتوثيق هذه المواقع الأثرية المغمورة. وعلى الرغم من أن الدراسات الحالية ما زالت محدودة بسبب القيود التقنية والمالية، فإن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن المدينة الغارقة قد تكون جزءًا من دورس القديمة، تلك المدينة التي شهدت العديد من الزلازل المدمرة عبر العصور.

على ساحل البحر الأدرياتيكي يقع متحف دورس الأثري أكبر متحف أثري في ألبانيا
على ساحل البحر الأدرياتيكي يقع متحف دورس الأثري أكبر متحف أثري في ألبانيا (الجزيرة)
  • متحف دورس الأثري.. نافذة على تاريخ ألبانيا العريق

على ساحل البحر الأدرياتيكي في المدينة العتيقة، حيث تتمازج أمواج البحر مع تاريخ طويل وعريق، يقع متحف دورس الأثري، أكبر متحف أثري في ألبانيا وأحد أبرز المعالم الثقافية في البلاد. يُعد المتحف نافذة حقيقية على حضارة مدينة دورس القديمة، التي كانت تعرف في العصور القديمة باسم "دورا"، ويعرض تاريخها الممتد من عصور ما قبل التاريخ إلى العصر الروماني.

تأسس المتحف عام 1951 على يد فانجيل توتشي، الذي يُعتبر من رواد علم الآثار في ألبانيا. ومع مرور السنين، شهد المتحف تطورًا كبيرًا، حيث تم افتتاح مبناه الجديد عام 2002، وتبعت ذلك تجديدات عام 2015، أضيف خلالها أكثر من 2000 قطعة أثرية نادرة تمثل مختلف العصور التاريخية التي مرت بها المدينة. هذه التجديدات جعلت من المتحف وجهة ثقافية فريدة تجمع بين الماضي والحاضر.

حاليًّا يخضع متحف دورس الأثري لعملية ترميم كبيرة ضمن برنامج ممول من الاتحاد الأوروبي
حاليًّا يخضع متحف دورس الأثري لعملية ترميم كبيرة ضمن برنامج ممول من الاتحاد الأوروبي (الجزيرة)

ـ ينقسم المتحف إلى ثلاثة أقسام رئيسية، تمثل مراحل تاريخية مهمة في تاريخ المدينة:

  1. قسم ما قبل التاريخ: يعرض هذا القسم مجموعة من القطع الأثرية التي تعود إلى أكثر من 3000 عام، من فترة المدينة القديمة دورا، ويشمل أدوات حجرية وبرونزية مثل الفؤوس الحجرية ورؤوس المطارق؛ مما يسلط الضوء على تطور الأدوات المستخدمة في الحياة اليومية في تلك الحقبة.
  2. القسم الهيليني: يعكس هذا القسم الفترة الهيلينية التي تلت فتوحات الإسكندر الأكبر، ويعرض قطعًا فخارية مزخرفة وأجزاء من تماثيل، بما في ذلك تماثيل آلهة أرتميس التي كانت تُعتبر الحامية للمدينة وتؤمن لها السلام.
  3. القسم الروماني: يتناول هذا القسم الفترة الرومانية، ويعرض قطعًا أثرية رائعة مثل العملات التي تم سكها في المدينة القديمة. ومن أبرز المعروضات الكنز الشهير لدورس الذي اكتُشف عام 1941، والذي يعود تاريخه إلى عام 170م.

من أبرز القطع الأثرية التي يحتويها المتحف تمثال "غيا"، إلهة الأرض والخصوبة، الذي عُثر عليه عام 2005 بالقرب من تمثال الإمبراطور الروماني، ويُعتبر من أجمل التماثيل التي يضمها المتحف.

حاليًّا، يخضع المتحف لعملية ترميم كبيرة ضمن برنامج "EU4Culture" الممول من الاتحاد الأوروبي. الهدف من هذه التجديدات هو تحديث المتحف وتحويله إلى مركز تعليمي حديث يتضمن تقنيات متقدمة مثل الواقع الافتراضي وأدوات الوسائط المتعددة، مما سيسهم في جعل المتحف أكثر جذبًا للزوار ويعزز مكانة دورس بوصفها وجهة ثقافية وسياحية دولية بارزة.

يُعد متحف دورس الأثري بمثابة رحلة ثقافية تأخذ الزوار في جولة عبر الزمن لاستكشاف تاريخ مدينة عريقة؛ مما يجعله وجهة لا غنى عنها لمحبي الثقافة والتاريخ. الزوار سيكتشفون أسرار الماضي عبر جدران المتحف، حيث تلتقي الحضارة الإغريقية والرومانية في تناغم رائع، ويعكس هذا المتحف فخر المدينة بتاريخها الطويل وأهميتها الثقافية في البحر الأبيض المتوسط.

يخضع متحف دورس الإثنوغرافي لعملية ترميم كبيرة ضمن برنامج ممول من الاتحاد الأوروبي
يخضع متحف دورس الإثنوغرافي لعملية ترميم كبيرة ضمن برنامج ممول من الاتحاد الأوروبي (الجزيرة)
  • المتحف الإثنوغرافي.. تحفة معمارية وذاكرة ثقافية

يقع المتحف الإثنوغرافي في بيت أثري يتسم بتصميم معماري مبهر يلفت أنظار زائريه؛ إذ مزج بين الطراز المعماري الشرقي والطراز المعماري الألباني الحديث في القرن الماضي، وبرزت فيه التناغمات بين الحجر والخشب.

المبنى مكوّن من طابقين، مع سلالم خشبية مرتفعة فوق أقواس متينة وشرفة خشبية واسعة مغطاة بنقوش دقيقة تمتد فوق الأعمدة الداعمة، ويحيط به فناء مرصوف بالحجارة تتخلله أعشاب خضراء؛ مما يضفي على الموقع طابعًا تاريخيًّا خاصًّا.
بُني هذا البيت العتيق الذي يجاور جدار قلعة دورس في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وكان في ثلاثينيات القرن العشرين مقرًّا للقنصلية البريطانية. ونظرًا إلى قيمته المعمارية، صُنِّف مَعلمًا ثقافيًّا وتم ترميمه عام 1982 ليصبح متحفًا إثنوغرافيًّا يعرض التراث الثقافي والحرف اليدوية لسكان دورس والمناطق المجاورة.

سُمِّي المتحف باسم الممثل العالمي ألكسندر مويسيو، الذي أمضى جزءًا من طفولته في هذا البيت. وُلد مويسيو لأب ألباني وأم إيطالية، وأكمل دراسته الابتدائية في دورس قبل أن تنتقل عائلته إلى ترييستي. ترك مويسيو بصمته في المسرح الأوروبي، حيث كان له تأثير كبير في الساحة الفنية الأوروبية. في عام 1928، كتب ذكرياته في شكل قصة قصيرة بعنوان "حلم الطفولة". بناءً على ذلك، تم تخصيص غرفتين داخل المتحف لتوثيق حياته ومسيرته الفنية؛ مما يساهم في إبراز إرثه الثقافي.

يعرض متحف دورس الإثنوغرافي التراث الثقافي والحرف اليدوية لسكان دورس والمناطق المجاورة
يعرض متحف دورس الإثنوغرافي التراث الثقافي والحرف اليدوية لسكان دورس والمناطق المجاورة (الجزيرة)

يضم البيت غرفًا واسعة تدخلها أشعة الشمس معظم اليوم؛ مما يضفي على المكان جوًّا من الإشراق والراحة. النوافذ في المبنى تحافظ على خصائصها الأصلية التي تعود إلى حوالي مئة عام؛ فتساهم في الحفاظ على الطابع التاريخي للمكان. الأسقف مغطاة بأخشاب منقوشة بدقة، تُظهر الحرفية العالية والتصميم الفني الذي يميز المبنى.

الغرف الداخلية للمتحف تعرض تقاليد المنطقة وتراثها الإثنوغرافي بشكل رائع. يتم عرض الأدوات المنزلية التقليدية، مثل أدوات نسج الملابس القطنية وأقمشة الحرير، إضافة إلى التطريز اليدوي بالخيوط الذهبية، وهو ما يعكس التنوع الثقافي والفني الذي تتمتع به المدينة والمنطقة المحيطة بها.

يمثل البيت وجهة سياحية بارزة، ليس فقط بسبب قيمته التاريخية والمعمارية، بل أيضًا لقربه من معالم أثرية أخرى مثل المدرج الروماني، وهو ما يجعله محطة مهمة لاستكشاف تراث مدينة دورس العريق. حاليًّا، يخضع المتحف لعملية ترميم كبيرة ضمن برنامج "EU4Culture" الممول من الاتحاد الأوروبي.

أسلوب البناء في دورس في أوائل القرن العشرين يعد تجسيدًا للتطور المعماري في المدينة
أسلوب البناء في دورس في أوائل القرن العشرين يعد تجسيدًا للتطور المعماري في المدينة (الجزيرة)
  • منزل عائلة مانوشي وبالي 115.. معلم ثقافي يجسد تاريخ دورس الحديث

منزل عائلة مانوشي وبالي، الذي شُيد عام 1884، يُعد رمزًا ثقافيًّا مهمًّا في دورس، حيث يعكس أسلوب البناء المميز في أواخر القرن التاسع عشر. في عام 2006، تم إدراجه مَعلمًا ثقافيًّا محميًّا ضمن فئة التراث المعماري.

يقع المنزل بالقرب من برج البندقية والميناء البحري، وهو ما يمنحه موقعًا استراتيجيًّا في قلب المدينة القديمة. استخدم المبنى عام 1914 مقرًّا للقنصلية النمساوية المجرية؛ مما يضفي عليه بعدًا دبلوماسيًّا يعكس حقبة مهمة من تاريخ المدينة.

أسلوب البناء في دورس في أوائل القرن العشرين يعد مثالًا على التحول من الأنماط الكلاسيكية إلى الأسلوب الحديث
أسلوب البناء في دورس في أوائل القرن العشرين يعد مثالًا على التحول من الأنماط الكلاسيكية إلى الأسلوب الحديث (الجزيرة)

في عام 2015، خضع منزل عائلة مانوشي وبالي لعملية ترميم شاملة بإشراف معهد الآثار الوطني وبالشراكة مع القطاع الخاص. شملت عملية الترميم إعادة إحياء التفاصيل الأصلية للمبنى، مثل الأقواس المعمارية الفريدة والسقف المزود بنوافذ تطل على الجهات الأربع، مما أتاح للمبنى العودة إلى مكانته ليظل أحد الرموز الثقافية المهمة في دورس.

هذا المنزل، الذي صمد أمام قصف عام 1918، يُعد جزءًا من المشهد الثقافي والتاريخي للمدينة التي تجمع بين الآثار القديمة والعصور الوسطى والحداثة. ويمثل معلمًا سياحيًّا يجذب الزوار الذين يتطلعون لاستكشاف تاريخ دورس الممتد أكثر من 3000 عام، وهو ما يجعله وجهة لا غنى عنها لعشاق الثقافة والمعمار في المنطقة.

شُيد قصر الملك زوغ الأول المعروف أيضًا باسم
شُيد قصر الملك زوغ الأول المعروف أيضًا باسم "قصر الألوية"، عام 1937 (الجزيرة)
  • قصر الملك زوغ الأول.. تحفة معمارية تطل على البحر الأدرياتيكي

يقع قصر الملك زوغ الأول في موقع مميز بمدينة دورس، حيث يعلو تلة ترتفع 98 مترًا فوق سطح البحر؛ ليمنح الزوار إطلالات خلابة وساحرة على البحر الأدرياتيكي بألوانه الزرقاء الصافية التي تمتد أمام القصر في الجهة الأمامية الغربية. أما في الجهة الخلفية الشرقية، فتتوفر إطلالات على معالم المدينة التاريخية التي تحمل بين شوارعها وأبنيتها العتيقة العديد من الأسرار والقصص التي تروي تاريخًا طويلًا من التحولات والأحداث.

شُيد القصر، المعروف أيضًا باسم "قصر الألوية"، عام 1937 بناءً على طلب الملك أحمد زوغ، الذي حكم ألبانيا من عام 1928 حتى عام 1939. صممه المهندس الإيطالي جوليو بيرتي، ويُعتبر مثالًا بارزًا للطراز النيوكلاسيكي الذي كان سائدًا في أوائل القرن العشرين.

يتميز القصر باستخدام الرخام والزخارف الفنية الفاخرة التي تعكس الذوق الملكي الرفيع. ويزين واجهته الأمامية نقش للبطل القومي الألباني جورج كاستريوت إسكندر بك، يظهر فيه وهو يمتطي حصانه ببسالة، ممسكًا بسيفه في يده اليمنى، في تعبير رمزي عن الشجاعة والكرامة الوطنية. وتُحيط بالقصر حدائق واسعة تضم تماثيل فنية بارزة، من بينها تمثال "دافينا"، للفنان أنطونيو مارايني؛ مما يُضفي على المكان جمالية خاصة.

قصر الملك زوغ الأول يعد معلمًا سياحيًّا يعكس التحولات السياسية والاجتماعية لألبانيا
قصر الملك زوغ الأول يعد معلمًا سياحيًّا يعكس التحولات السياسية والاجتماعية لألبانيا (الجزيرة)

خلال فترة الاحتلال الإيطالي (1939-1943)، تحول القصر إلى مقر للحاكم العسكري الإيطالي. وفي فترة النظام الشيوعي (1946-1991)، أصبح رمزًا للنظام الجديد، وسُمي بـ"قصر الألوية"، ليصبح مقرًّا للمناسبات الرسمية.

في السنوات الأخيرة، سعت الحكومة الألبانية إلى تحويل القصر إلى معلم سياحي مفتوح للجمهور، مستلهمةً نماذج عالمية مثل قصر فرساي في فرنسا وقصر بيتي في إيطاليا. تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز حماية القصر، وإبراز قيمته التاريخية والثقافية، وتطوير بنيته التحتية من خلال أعمال ترميم دقيقة.

يمثل قصر الملك زوغ الأول رمزًا تاريخيًّا يجسد مرحلة مهمة من تاريخ ألبانيا. وبينما يظل شاهدًا على الأحداث السياسية والاجتماعية التي مرت بها البلاد، فإن الجهود المبذولة حاليًّا لتحويله إلى متحف ومعلم سياحي تعكس التزام ألبانيا بالحفاظ على إرثها الثقافي والتاريخي للأجيال القادمة.

تم تشييد مبنى بلدية مدينة دورس في قلب المدينة عام 1929، ليصبح رمزًا ثقافيًّا ومعماريًّا
تم تشييد مبنى بلدية مدينة دورس في قلب المدينة عام 1929، ليصبح رمزًا ثقافيًّا ومعماريًّا (الجزيرة)
  • بلدية مدينة دورس.. معلم أثري يعكس الفنون المعمارية الحديثة

تُعد بلدية مدينة دورس أحد المعالم المعمارية البارزة التي تجسد الفنون المعمارية الحديثة في عشرينيات القرن الماضي. تم تشييد هذا المبنى في قلب المدينة عام 1929، ليصبح رمزًا ثقافيًّا ومعماريًّا يعكس تاريخ دورس العريق. يجمع تصميمه بين الطراز الكلاسيكي الفاخر والزخارف المحلية المميزة؛ مما يجعله أكثر من مجرد مقر إداري بل معلمًا أثريًّا يروي قصة المدينة وعراقتها عبر الأجيال.

يتألف المبنى من ثلاثة طوابق وقبو، ويمتاز بتصميمه المتقن الذي يجمع بين البساطة والرقي. تزين الطابق الأول واجهة رائعة بثلاثة أقواس أنيقة تعلو المدخل، تضفي عليه لمسة من الفخامة الكلاسيكية. أما الطابق الثاني، فيتميز بشرفة داخلية محاطة بأعمدة مزخرفة، تضفي طابعًا راقيًّا وجماليًّا يعكس ذوقًا فنيًّا مميزًا.

ما يلفت النظر في هذا المبنى هو البرج المربع الذي يتربع في الجهة اليسرى ويحمل ساعة المدينة الشهيرة، التي أصبحت رمزًا للمكان يشهد على تاريخ المدينة وتتابع الزمن في مسيرتها العريقة. كما تزين الواجهة من الجانبين زخارف بارزة على شكل ميداليات تجسد رموز السفن الشراعية، في إشارة إلى كون المدينة ميناءً بحريًّا تاريخيًّا. إضافة إلى ذلك، تتكامل الزخارف مع باقة من سنابل القمح ترمز إلى ارتباط دورس بالأرض والإنتاج الزراعي.

هذا الصرح، الذي يمزج ببراعة بين التراث المعماري الكلاسيكي والفن الزخرفي المحلي، لا يُعد مجرد مقر إداري، بل هو رمز حي يعكس تاريخ مدينة دورس وثقافتها العريقة، ليظل شاهدًا على جمالها وروعتها التي تأسر الزوار.

  • بنك الدولة الألباني.. أول معلم معماري من طراز الباروكي في ألبانيا

يعد بنك الدولة الألباني في مدينة دورس، الذي شُيد عام 1928، أول معلم معماري من طراز الباروكي في ألبانيا، ويتميز بتصميمه الإيطالي الفريد وتنفيذه على يد الحرفيين المحليين؛ وما زال واقفًا شامخًا يمثّل تحفة معمارية باروكية في قلب دورس تعكس جمال الفن وتاريخ المدينة العريق.

بُني مبنى بنك الدولة الألباني على أسس البرج الجنوبي الشرقي للسور البيزنطي لقلعة دورس
بُني مبنى بنك الدولة الألباني على أسس البرج الجنوبي الشرقي للسور البيزنطي لقلعة دورس (الجزيرة)

بُني هذا الصرح على أسس البرج الجنوبي الشرقي للسور البيزنطي لقلعة المدينة، ليظل شاهدًا حيًّا على تعاقب الحضارات التي مرت على هذه المدينة العريقة. تميز تصميم البنك بلمسة إيطالية أبدعها مهندسون معماريون، في حين حمل التنفيذ توقيع حرفيين مهرة من دورس. ويُعتبر هذا المبنى أول عمل بطراز الباروكي يُعتمد في ألبانيا؛ مما يضفي عليه طابعًا معماريًّا فريدًا غير مسبوق.

ما يلفت الأنظار في هذا المعلم هو المنحوتة التي تعلوه، والتي تجسد امرأة ترمز إلى الكفاح، والمقاومة، والنصر عبر العصور، مُعبرة عن روح ألبانيا الصامدة وازدهارها المتجدد.

  • مقبرة الشهداء في دورس.. أول نصب تذكاري من نوعه في ألبانيا

في قلب مدينة دورس، تبرز مقبرة الشهداء كنصب تذكاري خالد للأبطال الذين ضحوا بحياتهم خلال الحرب العالمية الثانية في معسكرات النازية. وتُعد هذه المقبرة المعلم التذكاري الأول والأوحد من نوعه في ألبانيا، وتجمع بين الفن المعماري والتاريخ الوطني العريق.

صمم المهندس المعماري كريستو سوتيري المقبرة بتنسيق معماري فريد على شكل قوس، وبدأت أعمال البناء فيها عام 1947. يتألف المجمع من ثلاثة أجزاء رئيسية: المبنى الذي يحتوي على رفات الشهداء، السلالم المؤدية إلى المقبرة، والحديقة المحيطة التي تضفي على المكان أجواء من الهدوء والتأمل.

تمثل مقبرة الشهداء في دورس رحلة ثقافية وروحية للتأمل في تضحيات الأبطال الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل بلدهم ألبانيا
تمثل مقبرة الشهداء في دورس رحلة ثقافية وروحية للتأمل في تضحيات الأبطال الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل بلدهم ألبانيا (الجزيرة)

يتم تكريم الشهداء بوضع رفاتهم في غرف خاصة، وتُبنى قبور تذكارية لأولئك الذين سقطوا في معسكرات النازية ولا توجد رفاتهم في ألبانيا. وتُظهر لوحتان من الرخام منقوشتان بأحرف برونزية أسماء المعتقلين الذين عانوا في تلك المعسكرات، لتظل أسماؤهم خالدة في ذاكرة الأجيال القادمة.

مقبرة الشهداء في دورس ليست مجرد موقع تاريخي، بل هي رحلة ثقافية وروحية تتيح للزوار التأمل في تضحيات الأبطال الذين أسهموا في تشكيل هوية ألبانيا الوطنية.

  • جامع الفاتح في دورس.. شاهد على تاريخ المدينة الإسلامي

يُعد جامع الفاتح في دورس من أقدم المعالم الإسلامية في المدينة، وهو ثالث أقدم مسجد في ألبانيا بعد الفتح العثماني. وهو يحمل اسم السلطان محمد الفاتح، الذي ارتبطت فترة حكمه بتوسع الإمبراطورية العثمانية في أوروبا.

بُني جامع الفاتح بين عامي 1502 و1503 على أنقاض كنيسة تعود إلى القرن الحادي عشر، ولا تزال بعض بقايا الكنيسة مرئية. يتميز الجامع بتصميم معماري فريد يجمع بين الطراز العثماني والتقنيات المحلية، حيث يغطي سقفه القرميد الأحمر بدلًا من القباب المعتادة؛ مما يمنحه طابعًا مميزًا يعكس التنوع المعماري في المنطقة.

في عام 1967، أغلق النظام الشيوعي في ألبانيا هذا المسجد، وهدم مئذنته وحوّله إلى مستودع. ومع ذلك، صمد المسجد وبقي رمزًا للهوية الإسلامية في المنطقة. في عام 1973، تم تصنيفه "معلم تراث ثقافي"، ليظل شاهدًا على صمود الهوية أمام التحديات التي مرّت بها البلاد.

عام 1973، تم تصنيف جامع الفاتح في دورس
عام 1973، تم تصنيف جامع الفاتح في دورس "معلم تراث ثقافي"، ليظل شاهدًا على صمود الهوية الإسلامية (الجزيرة)

بعد سقوط النظام الشيوعي في أوائل التسعينيات، بدأت أعمال الترميم لإعادة المسجد إلى رونقه، وأُعيد فتحه للمصلين. وفي السنوات الأخيرة، جُدد المسجد بدعم من تركيا، ليعود شامخًا ويظلّ رمزًا للتاريخ والصمود.

يتميز المسجد بموقعه الاستراتيجي في منطقة تجمع بين الهدوء والطابع التاريخي، قرب أشهر المعالم الأثرية في دورس، مثل المدرج الروماني الأكبر في البلقان، وجدار قلعة دورس، والمتحف الإثنوغرافي. هذه المواقع تجعل من جامع الفاتح جزءًا أساسيًّا من أي برنامج سياحي في المدينة.

جامع الفاتح، يعد اليوم مركزًا حيويًّا للمجتمع المحلي، حيث تتحول أروقته إلى مساحات من الفرح والسكينة خلال أيام الجمعة وشهر رمضان، معبرة عن ارتباط أهل دورس بموروثهم الديني والثقافي.

  • الجامع الكبير.. أجمل مساجد ألبانيا في القرن العشرين

في قلب مدينة دورس، وتحديدًا في ساحة الحرية التي تنبض بالحياة، يتربع الجامع الكبير، الذي شُيّد عام 1938. بُني هذا المعلم في موقع استراتيجي اختير بعناية فائقة، حيث تواجه واجهته الشرقية شمس الصباح، ليضفي توازنًا معماريًّا رائعًا يُكمل جمال المباني العامة المحيطة بالساحة، في مشهد يمزج بين روحانية الماضي وأناقة الحاضر.

قبل عام 1926، حمل الجامع الكبير اسم "جامع فاروش"، وشكّل معلمًا فريدًا في دورس، حيث كان المبنى الديني الوحيد الذي يقع خارج أسوار المدينة العثمانية. ورغم موقعه الخارجي، فإنه كان جزءًا لا يتجزأ من النواة الحضرية، يشهد على تمازج التخطيط العمراني مع البعد الروحي، ليبقى شاهدًا على ارتباط المدينة بجذورها الثقافية والدينية.

الجامع الكبير في دورس شُيّد عام 1938 في موقع استراتيجي اختير بعناية فائقة
الجامع الكبير في دورس شُيّد عام 1938 في موقع استراتيجي اختير بعناية فائقة (الجزيرة)

كان جامع فاروش بموقعه الفريد خارج أسوار التحصينات العثمانية، أول ما يلفت أنظار الزائرين عند مغادرة المدينة. وكغيره من الجوامع التي حملت اسم "فاروش"، احتل موقعًا في منطقة نابضة بالحياة، حيث ازدهرت الأنشطة التجارية والحرفية. قبل عشرينيات القرن العشرين، كانت هذه المنطقة تُعرف باسم "البازار الخارجي"، مركزًا حيويًّا يجمع بين التجارة والروحانية. وتميز الجامع بخدماته المتنوعة التي شملت مقبرة في فنائه المحاط بسور؛ مما أضفى عليه دورًا اجتماعيًّا وروحيًّا عميقًا.

كان زلزال ديسمبر 1926 نقطة تحول في تاريخ مدينة دورس، حيث أعاد تشكيل ملامحها العمرانية بشكل جذري. وفي إطار خطة تنظيمية جديدة أعدتها بلدية المدينة بالتعاون مع المهندس المعماري جوليو بيرتي عام 1928، واستكملها فرديناندو بوجي عام 1937، توسعت ساحة "الحرية" باتجاه الشمال، لتُجسد رؤية حضرية حديثة تمزج بين التراث العريق ومتطلبات المستقبل.

في عام 1928، تم هدم جامع فاروش ضمن إعادة تصميم المشهد الحضري. وتم تعويض ملاك الأراضي لإقامة جامع جديد على تلة قريبة، وذلك بموافقة مفتي المدينة والإدارة المحلية في ذلك الوقت، لتفسح المجال لبناء جامع جديد يواكب تطورات المدينة الحديثة. كان من المخطط أن يحتوي الجامع الجديد على مئذنتين، لكن توقف العمل في عام 1938 حال دون إتمام بناء إحداهما.

يقع الجامع الكبير على مساحة 1319 مترًا مربعًا، مع أرضية تبلغ 1776 مترًا مربعًا. ويُعد المفتي إسماعيل ندروقي، الشخصية البارزة التي تولت قيادة بناء هذا المعلم الديني الرائع في وسط دورس، ليصبح أحد أجمل مساجد ألبانيا التي بُنِيت خلال القرن العشرين.

الجامع الكبير في دورس يعد أحد أجمل مساجد ألبانيا التي بُنِيت خلال القرن العشرين
الجامع الكبير في دورس يعد أحد أجمل مساجد ألبانيا التي بُنِيت خلال القرن العشرين (الجزيرة)

في السادس من فبراير عام 1967، عصفت تغييرات اجتماعية وثقافية كبرى بألبانيا خلال العهد الشيوعي، فيما عُرف بـ"الحركة ضد الدين والتحيزات الدينية والعادات الرجعية". كان الجامع الكبير في دورس شاهدًا على تلك التحولات، إذ دُمِّرت قُبته ومئذنته، وحُوِّل إلى مؤسسة ثقافية تحمل اسم "قصر الشباب"، لتُطوى صفحة من تاريخه الروحي، وتُفتح أخرى تعكس التوجهات السياسية والثقافية لتلك الحقبة الشيوعية المناهضة للأديان.

مع انطلاق التسعينيات وسقوط الشيوعية وعودة الحريات الدينية، استعاد الجامع الكبير في دورس روحه ووظيفته الأساسية ليكون دارًا للعبادة، بعد عقود من التحول الثقافي. ورغم التحديات، ظل المبنى محافظًا على هندسته المعمارية الأصلية التي تُبرز أصالته. شهد الجامع أعمال ترميم دقيقة على مرحلتين؛ الأولى بين عامي 1992 و1994، أعادت إليه هيبته، والثانية بين عامي 2004 و2006، لتُكمل مسيرة الحفاظ عليه بوصفه مَعلمًا تاريخيًّا وروحانيًّا ينبض في قلب المدينة.

  • كاتدرائية "القديسة لوسيا".. تمازج الإيمان بالنضال الوطني

تعد كاتدرائية "القديسة لوسيا" في مدينة دورس من أبرز المعالم الدينية والتاريخية التي تجسد التمازج بين الإيمان والنضال الوطني الألباني. تأسست الكاتدرائية عام 1868 بدعم من الإمبراطورية النمساوية المجرية، واحتفظت بمكانة مهمة في التاريخ الوطني، لكونها تضم قبور العديد من الشخصيات البارزة مثل المطران بطرس جورا ودوم نيكول كاتشوري، اللذين أدّيا دورًا محوريًّا في الحركة الوطنية الألبانية.

تعتبر هذه الكاتدرائية، التي تقع في أحد أقدم أحياء دورس، أقدم كنيسة كاثوليكية في المدينة، وهي تحت إشراف رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في تيرانا-دورس. جدرانها تحمل في طياتها تاريخًا طويلًا من العبادة والنضال من أجل الاستقلال. الكاتدرائية تضم إضافة إلى نيكول كاتشوري والمطران بطرس جورا، قبور شخصيات مؤثرة مثل المباركين فنسينت برينوشي وجول بوناتي.

منذ تأسيسها، كانت الكاتدرائية شاهدة على العديد من الأحداث المهمة في تاريخ ألبانيا. ففي عام 1912، شهدت رفع العلم الوطني الألباني في مدينة دورس، في لحظة فارقة في النضال من أجل الاستقلال؛ مما جعلها رمزًا مهمًّا للإيمان والحرية في البلاد.

كاتدرائية
كاتدرائية "القديسة لوسيا في دورس تعد معلمًا دينيًّا وتاريخيًّا يربط بين الإيمان والنضال الوطني الألباني (الجزيرة)

في عام 2018، حصلت كاتدرائية "القديسة لوسيا" على وضع "الحماية المؤقتة" بوصفها موقعًا ثقافيًّا، استنادًا إلى اقتراح من المديرية الإقليمية للثقافة الوطنية في دورس أدرج الكاتدرائية ضمن المعالم الثقافية المهمة.

تستمد الكاتدرائية اسمها من القديسة لوسيا، التي وُلدت في سيراكوزا بصقلية عام 283م. كانت لوسيا من عائلة نبيلة، وقد قررت أن تُكرس حياتها لخدمة الله، فرفضت الزواج من رجل وثني غني واختارت توزيع ثروتها على الفقراء. استشهدت في 13 ديسمبر/كانون الأول عام 304م، وهو اليوم الذي يُحتفل به في دورس لتكريمها وتخليد ذكراها.

اليوم، تبقى كاتدرائية "القديسة لوسيا" رمزًا قويًّا للإيمان الوطني، وموقعًا يحمل في طياته تاريخ شعب اختار الحرية والتعليم سعيًا لتحقيق هويته المستقلة.

  • كنيسة "الرسول بولس والقديس آستي".. معلم ديني وثقافي بارز في دورس

بعد انهيار النظام الشيوعي في ألبانيا، بدأت الكنائس استعادة مكانتها ضمن النهضة الدينية والثقافية التي شهدتها البلاد. تُعد كنيسة "الرسول بولس والقديس آستي"، وهي كنيسة أرثوذكسية، أحد المعالم البارزة في مدينة دورس، وركيزة من ركائز إحياء التراث المسيحي في ألبانيا بعد فترة الشيوعية التي استمرت من عام 1946 حتى 1992، والتي شهدت قمعًا كبيرًا للديانات. تم بناء الكنيسة بين عامي 1994 و2002، وافتُتحت رسميًّا في 3 مايو/أيار 2009، لتصبح من أبرز المعالم الدينية في المدينة.

تستمد الكنيسة أهميتها من كونها تكرم الرسول بولس، أحد أبرز المبشرين المسيحيين في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وخاصة في إيليريا، التي تشمل جزءًا من ألبانيا الحالية. يُعتقد أن بولس زار دورس في عام 49م خلال رحلاته التبشيرية، حيث أدّى دورًا محوريًّا في نشر المسيحية في المنطقة.

كنيسة
كنيسة "الرسول بولس والقديس آستي" تمثل محطة مهمة في إحياء الدين المسيحي والتاريخ الثقافي في ألبانيا (الجزيرة)

أما القديس آستي، الذي استشهد عام 100م في فترة حكم الإمبراطور الروماني تراجان، فيُعد من أوائل الشهداء المسيحيين في دورس. وقد اضطُهد بسبب رفضه عبادة الآلهة الرومانية القديمة، ليصبح رمزًا للإيمان الثابت والشجاعة في مواجهة الاضطهاد.

تعتبر كنيسة "الرسول بولس والقديس آستي" مركزًا مهمًّا للحفاظ على التاريخ المسيحي في دورس، فهي ليست مجرد مكان للعبادة، بل تمثل رمزًا لإحياء التراث الديني والثقافي في ألبانيا.

  • بازيليكا "القديس ميخائيل" في أراباي.. تحفة بيزنطية شاهدة على ملامح المسيحية المبكرة

بازيليكا "القديس ميخائيل"، الواقعة في تلال " أراباي" على بُعد 6 كيلومترات جنوب مدينة دورس، تعد من أقدم وأهم المعالم المسيحية في ألبانيا، وأكبر بازيليكا مكتشفة في البلاد، وبمثابة شهادة حية على تطور الفن المعماري والفسيفساء البيزنطية، كما تلقي الضوء على تاريخ المسيحية المبكر في هذه المنطقة العريقة.

بازيليكا "القديس ميخائيل"، تعود إلى أوائل القرن السادس الميلادي، خلال عصر الإمبراطور البيزنطي جستنيان (527-565)، وتم اكتشافها عام 1974 بواسطة الأثريين الألبانيين هافا وسالي هيدري، ولم يتم التنقيب عن أساسات المبنى والفسيفساء الشهيرة حتى فترة ما بين 1981 و1983. واستنادًا إلى الاكتشافات المتفرقة في المنطقة، ربما يكون هذا الموقع قد استُوطن حتى القرن الثالث عشر، إلا أن البازيليكا بعدها أضحت منسية عدة قرون إلى أن تم اكتشافها مؤخرًا.

تمتد البازيليكا على مساحة 65 × 28 مترًا، وهي تتميز بتصميم معماري بيزنطي كلاسيكي، يتضمن ثلاثة أروقة واسعة وثلاث حنيات متناسقة، إضافة إلى ملحقين جانبيين وساحة داخلية محاطة بأعمدة تُسمى الأتريوم. تقع البازيليكا على السفح الغربي لتلة "القديس ميخائيل"، وتتمتع بإطلالة رائعة على البحر الأدرياتيكي.

من أبرز معالم البازيليكا القبر الأثري (المارتيريوم) الذي يقع بجوار الممر الجنوبي، المغطى بفسيفساء رائعة تمتد على مساحة 54 مترًا مربعًا. تعكس هذه الفسيفساء ملامح المسيحية في مراحلها الأولى، وتعرض تصميمين دائريين مزخرفين بتفاصيل دقيقة تروي قصصًا تاريخية من تلك الحقبة.


تعد الفسيفساء في بازيليكا "القديس ميخائيل" من أروع الأعمال الفنية البيزنطية المكتشفة في دورس، حيث تتميز بتقنيات فنية متقنة وتصاميم مختارة بعناية، مع استخدام الأحجار الملونة المتعددة؛ مما يعكس براعة صانعي الفسيفساء في تلك الفترة.

ورغم أهميتها التاريخية والفنية، فقد فقدت البازيليكا الكثير من قيمتها بسبب البناء العشوائي في المنطقة المحيطة بها؛ مما جعلها غير مرئية للسياح من الطريق الدولي المحاذي لشاطئ البحر. ورغم ذلك، تظل البازيليكا نقطة مرجعية مهمة لفهم تاريخ المسيحية في ألبانيا والعلاقات الثقافية مع الإمبراطورية البيزنطية، وتستمر مشاريع الترميم للحفاظ عليها لتظل معلمًا تاريخيًّا مهمًّا.

في الختام، تُعد مدينة دورس نموذجًا حيًّا للتوازن بين التاريخ العريق والحداثة المبدعة، حيث تلتقي آثار الماضي بجمال الحاضر في تناغم رائع. فبين معالمها التاريخية التي تحكي قصصًا من العصور القديمة، والحداثة التي تبرز في شوارعها وحياتها اليومية، يشعر الزائر بروح مكانية مميزة.

إضافة إلى ذلك، تساهم طبيعتها الخلابة والجو المعتدل في تعزيز جاذبيتها؛ مما يجعلها وجهة لا تُنسى. المدينة تحتضن ثقافات متنوعة وتنوعًا دينيًّا وإنسانيًّا؛ مما يجعلها مركزًا ينبض بالحياة والإبداع، ويستقطب زوارها من مختلف أنحاء العالم. من خلال هذا المزيج الفريد، تظل دورس مدينة تفيض بالجمال والتراث، حيث يجد الزائر نفسه في قلب عالم من التنوع الثقافي والديني، يجذب روحه ويحفزه على العودة إليها مرارًا.

تيرانا.. عاصمة التاريخ والحداثة

في الذكرى المئوية للعاصمة الألبانية.. تقدم الجزيرة نت مسارًا سياحيًا مثاليًا لاكتشاف معالم العاصمة الألبانية تيرانا عبر أربع جولات مميزة.

30 معلما في 4 جولات.. مسارك السياحي لاستكشاف العاصمة الألبانية تيرانا
30 معلما في 4 جولات.. مسارك السياحي لاستكشاف العاصمة الألبانية تيرانا
العاصمة الألبانية تيرانا واحدة من المدن التي تحمل في طياتها قصصًا تاريخية غنية وتطورات معمارية لافتة (الجزيرة)
العاصمة الألبانية تيرانا واحدة من المدن التي تحمل في طياتها قصصًا تاريخية غنية وتطورات معمارية لافتة (الجزيرة)

تيرانا، ألبانيا - تعدّ العاصمة الألبانية تيرانا نموذجًا فريدًا يمثل مزيجًا يجمع بين التاريخ والحداثة المتسارعة. منذ أن أصبحت عاصمة ألبانيا الدائمة في مطلع عام 1925، وجمعت المدينة بين التراث الثقافي العريق والتطورات المعمارية الحديثة، مما جعلها واحدة من أبرز العواصم في منطقة البلقان.

اليوم، تُعد تيرانا مركزًا ثقافيًا وحضاريًا مميزًا، حيث تشتهر بمقاهيها ومطاعمها التي تمزج بين الحداثة والتراث، وتحولت بعضها إلى متاحف إثنوغرافية تروي قصص المدينة وتاريخها الاجتماعي والشعبي، وبين شوارعها الحديثة وأحيائها التاريخية، يستمتع الزوار بتجربة مميزة من المأكولات المحلية والعالمية في أجواء ضيافة ألبانية تحفر في قلوب الزوار ذكريات جميلة استثنائية لا تُنسى.

منذ تأسيسها في عام 1614، شهدت تيرانا تطورًا معماريًا لافتًا، حيث تمتزج المعالم العثمانية التقليدية بلمساتها الألبانية الأصيلة، مع لمسات أوروبية وإيطالية عصرية، فضلاً عن معالم من العهد الشيوعي البائد بلمسة سوفيتية، مما يمنح المدينة طابعًا فريدًا وجاذبًا للسياح من مختلف أنحاء العالم.


تيرانا.. محطات تاريخية وتطورات متسارعة

تعد تيرانا، العاصمة الألبانية، واحدة من المدن التي تحمل في طياتها قصصًا تاريخية غنية وتطورات معمارية لافتة، جعلت منها وجهة سياحية فريدة تجمع بين عبق الماضي وأصالة الحاضر. أصل اسم المدينة يظل محط جدل؛ إذ يعتقد البعض أن الاسم مشتق من "تيركانوس"، قلعة قديمة كانت تقع بالقرب من المدينة، بينما يشير آخرون إلى جذور الاسم في الكلمة اللاتينية "tyros" واليونانية "turos"، التي تعني "مكان منتجات الألبان"، في إشارة إلى تاريخ المنطقة العريق في إنتاج الألبان.

تمتد جذور الحياة الحضرية في تيرانا إلى ما قبل العصور الوسطى، حيث اكتُشفت "فسيفساء تيرانا" في غرب المدينة عام 1972، ليكشف عن بقايا منزل ريفي يعود للقرن الأول الميلادي. كما شهدت المدينة في العهد البيزنطي تطورًا كبيرًا، حيث شُيدت قلعة تيرانا في القرنين الرابع والسادس الميلادي كجزء من التحصينات التي أمر بها الإمبراطور جستنيان. ورغم أن المدينة لم تكن تعرف في العصور الوسطى كمدينة كبيرة، فإنها دخلت التاريخ من خلال الوثائق الفينيسية في القرن الثاني عشر، حينما استخدمها الأمير الألباني المتمرد على العثمانيين إسكندر بك كمركز عسكري استراتيجي.

53-تعد فسيفساء تيرانا أقدم أثر تم اكتشافه في العاصمة حتى اليوم
تعد فسيفساء تيرانا أقدم أثر تم اكتشافه في العاصمة حتى اليوم (الجزيرة)

في عام 1614، أسس سليمان باشا بارجيني المدينة الحديثة، حيث شُيد مسجد وحمام ومخبز وخان، مما جعل تيرانا مركزًا تجاريًا حيويًا في منطقة البلقان. بعد أن أصبحت تيرانا عاصمة مؤقتة في عام 1920، شهدت المدينة نقلة نوعية. وتطورت سريعا بعد أن أصبحت عاصمة دائمة في 31 يناير 1925، ليبدأ معها عصر جديد من التطور العمراني والتخطيط الحضري.

اليوم، تُعد تيرانا المركز السياسي والإداري لألبانيا، وتستقطب العديد من الأنشطة الثقافية والتعليمية. وقد حصلت في عام 2022 على لقب "عاصمة الشباب الأوروبية"، وفي يناير 2023 فازت بلقب "المدينة الأوروبية للرياضة". المدينة اليوم تتمتع بمزيج من الأنشطة الثقافية، والمطاعم، والمقاهي التي تجعلها وجهة سياحية لا مثيل لها.

مسار سياحي لاستكشاف 30 معلمًا في 4 جولات

في الذكرى المئوية للعاصمة الألبانية.. تقدم الجزيرة نت مسارًا سياحيًا مثاليًا لاكتشاف معالم العاصمة الألبانية تيرانا عبر أربع جولات مميزة، تستكشف خلالها نحو ثلاثين معلمًا سياحيًا يعكس التنوع الثقافي والتاريخي والطبيعي للمدينة. تنطلق كل جولة في اتجاه جغرافي مختلف، مقدمةً تجربة استثنائية تجمع بين المعالم التاريخية، المعمارية، الثقافية، والطبيعية. وتسهم هذه الجولات في إبراز تطور تيرانا عبر العصور، مُظهرةً غنى تراثها الثقافي الذي يجعلها وجهة سياحية لا تُنسى.

نبدأ مسارنا السياحي الأول من ساحة إسكندر بك، القلب النابض لتيرانا، التي شهدت تحولات معمارية منذ أن أصبحت عاصمة ألبانيا عام 1925. حيث يلتقي الطراز العثماني مع التأثيرات الإيطالية والسوفيتية في تناغم فريد، وصولًا إلى التحديثات التي أُدخلت في 2017، مما يعكس تنوع تاريخ المدينة واختلاف فتراتها الزمنية.

2- في قلب تيرانا تنبض ساحة إسكندر بك بروح التاريخ وتروي قصة تحول معماري امتد لعقود
في قلب تيرانا تنبض ساحة إسكندر بك بروح التاريخ وتروي قصة تحول معماري امتد لعقود (الجزيرة)

ثم نواصل التجوال في الجهة الجنوبية الشرقية من ساحة "إسكندر بك"، حيث نصل إلى معلم أثري أصبح أيقونة للعاصمة تيرانا منذ القرن العشرين وحتى يومنا هذا. إنه جامع "أدهم بك"، الذي يعد أحد أبرز المعالم التاريخية والثقافية في العاصمة الألبانية، ومثالًا نادرًا للعمارة العثمانية التي نجحت في الحفاظ على وجودها في ألبانيا.

بجوار الجامع العثماني الأثري، لا يمكن أن تفوتك رؤية برج رائع يقف شامخًا إلى جانبه من الجهة الشرقية. إنه "برج الساعة"، أحد أبرز المعالم التاريخية التي تعكس تطور العاصمة تيرانا المعماري. ظل هذا البرج أطول مبنى في العاصمة حتى عام 1970.

بعد زيارة "برج الساعة"، ننتقل إلى "قصر الثقافة"، الذي يهيمن على المنطقة الشرقية من ساحة "إسكندر بك". شُيد في عام 1960 على أنقاض البازار القديم، وافتُتح في 1966. يتميز بتصميم يجمع بين التراث المحلي والنمط المعماري العالمي، ويضم المسرح الوطني للأوبرا والباليه، المكتبة الوطنية، وقاعات للمعارض والفعاليات الثقافية.

تواصل مسارك باتجاه شمال شرق ساحة "إسكندر بك" لتجد نفسك أمام "فندق تيرانا الدولي"، المعلم الذي يروي قصة تطور العاصمة الألبانية. بُني عام 1979 خلال الحقبة الاشتراكية، وكان رمزًا للفخامة ومخصصًا للوفود الرسمية والسياح الأجانب.

في منتصف الساحة من الجهة الشمالية، يقف "المتحف التاريخي الوطني" بمبناه المميز الذي يزينه رسومات جدارية حديثة تعكس مفاهيم الحقبة الشيوعية، ويُعد أكبر متحف في ألبانيا وأحد أبرز معالمها الثقافية، حيث يقدم لمحة شاملة عن تاريخ البلاد الغني. ويمثل وجهة ثقافية مثالية لاستكشاف التراث الألباني.

10-يُعد المتحف التاريخي الوطني في تيرانا أكبر متاحف ألبانيا ويقدم لمحة شاملة عن تاريخ البلاد الغني
10-يُعد المتحف التاريخي الوطني في تيرانا أكبر متاحف ألبانيا ويقدم لمحة شاملة عن تاريخ البلاد الغني (الجزيرة)

بينما تسير في الجهة الجنوبية الغربية من ساحة "إسكندر بك" في تيرانا، يلفت انتباهك "بنك ألبانيا"، الذي يتميز بتصميم عقلاني وفسيفساء فنية رائعة من إبداع جوليو روسو عام 1939. داخل البنك، تجد متحفًا فريدًا يعرض مجموعات تاريخية من العملات، مع أنشطة تعليمية تفاعلية تجذب الزوار المهتمين بالتاريخ والاقتصاد.

وفي منتصف الجهة الجنوبية من الساحة، يقف تمثال إسكندر بك شامخًا، يروي قصة الكفاح الألباني في العصور الوسطى. شُيد عام 1968 تكريمًا له في الذكرى الخمسمائة لوفاته، وأصبح التمثال رمزًا للوطنية في ألبانيا.

خلف تمثال إسكندر بك في الجهة الجنوبية من الساحة، تجد حديقة أوروبا ذات الشكل البيضاوي، حيث الأشجار تحيط بك من كل جانب، مما يتيح لك فرصة الاستراحة على المقاعد المخصصة قبل أن تواصل مسارك السياحي.

بعد الخروج من الحديقة باتجاه الجنوب، ستلفتك معالم تاريخية مجاورة، حيث يروي المجمع الوزارات الأثري المصنف كموقع ثقافي منذ عام 2000 قصة تطور العاصمة في ثلاثينيات القرن العشرين بتصميم كلاسيكي جديد يعكس الهوية الوطنية والطابع الأوروبي.

وخلف مبنى البلدية من جهتها الجنوبية، يقودك مدخل بسلالم إلى متحف "بونك آرت 2"، وهو ملجأ نووي سابق تحول إلى شاهد على قمع النظام الشيوعي في ألبانيا. ويُعد من أكثر المتاحف تأثيرًا في البلاد، حيث يروي بفن وعُمق إحدى أكثر الفترات ظلمة في تاريخ ألبانيا.

16-بونك آرت 2 في تيرانا ملجأ نووي تحول لمتحف يروي قصة قمع النظام الشيوعي في ألبانيا
"بونك آرت 2" في تيرانا هو ملجأ حربي من القصف تحول لمتحف يروي قصة قمع النظام الشيوعي في ألبانيا (الجزيرة)

ينطلق مسارنا الثاني عبر "بوليفارد شهداء الوطن"، الشارع الحيوي الذي يقسم العاصمة تيرانا إلى شطرين، ويأخذنا في رحلة نحو أبرز معالم المدينة. أثناء سيرنا، نصل إلى واحدة من أهم الوجهات السياحية الطبيعية في وسط تيرانا، حديقة "الشباب"، التي تُعد المكان المثالي للاسترخاء والترفيه بفضل مساحاتها الخضراء الواسعة، ومرافقها المخصصة للأطفال، بالإضافة إلى المقاهي المميزة مثل "تايوان". إنها بحق وجهة تجمع بين الراحة والأنشطة الترفيهية، ما يجعلها محط اهتمام الزوار المحليين والسياح على حد سواء.

وعلى ضفاف حديقة "الشباب" الجنوبية، يمتد نهر لانا الذي ينساب من الشرق إلى الغرب، مُقسمًا العاصمة إلى نصفين: شمالي وجنوبي. يعد هذا النهر أكثر من مجرد معلم طبيعي؛ فهو بمثابة خريطة حية تساعد الزوار على التنقل بسهولة بين أحياء المدينة. بفضل مجرى النهر، يصبح من السهل على الزوار فهم تخطيط تيرانا والتوجه إلى مختلف الأماكن دون عناء أو تعقيد.

عند عبور نهر لانا واستمرارك في السير على بوليفارد شهداء الوطن، سترى على يسارك هرم تيرانا الشاهق. هذا المعلم، الذي افتُتح في 1988 كمتحف مخصص للديكتاتور أنور هوجا، شهد تحولات كبيرة في تاريخه. اليوم، أصبح الهرم مركزًا ثقافيًا دوليًا، يعكس ألبانيا الحديثة ويتيح للشباب فرصة للإبداع من خلال برامج تعليمية في مجالات التكنولوجيا والفن.

بينما نواصل السير في شارع شهداء الوطن، نصل إلى ساحة الأم تيريزا، التي تتميز بموقعها الاستراتيجي ومزيجها المعماري الإيطالي الذي يندمج بتناغم مع الهوية الألبانية. اليوم، تُعد الساحة مركزًا حيويًا يضم مجمعًا إداريًا وسياسيًا، وتستضيف العديد من الفعاليات والمهرجانات السنوية التي تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، مما يجعلها واحدة من أبرز الرموز الثقافية في العاصمة.

خلف ساحة الأم تيريزا، تلوح تلال خضراء مليئة بالأشجار المرتفعة، لتأخذك في مسار مرصوف نحو بحيرة تيرانا الاصطناعية. هنا، تشعر وكأنك انتقلت من صخب العاصمة إلى أحضان الطبيعة الهادئة. تُعد حديقة البحيرة الكبرى واحدة من أجمل وجهات تيرانا الطبيعية، وتتميز بتنوع بيئي فريد يضم أكثر من 120 نوعًا من الأشجار والشجيرات، بالإضافة إلى كونها ملاذًا للعديد من الطيور، وتعد وجهة مثالية للباحثين عن استراحة هادئة جنوب المدينة.

26-تُعد ساحة الأم تيريزا مركزًا حيويًا يضم مجمعًا إداريًا وسياسيًا وتستضيف العديد من الفعاليات والمهرجانات السنوية
تُعد ساحة الأم تيريزا مركزًا حيويًا يضم مجمعًا إداريًا وسياسيًا وتستضيف العديد من الفعاليات والمهرجانات السنوية (الجزيرة)

يأخذنا المسار الثالث عبر ممشى "مراد توبتاني"، أحد أكثر الأماكن سحرًا في قلب تيرانا، عند التجول في الممشى الأثري بلمساته المعاصرة، يجد الزائر نفسه في رحلة ساحرة تمتد بين ملامح تيرانا التاريخية ونبضها العصري. ينطلق المسار من بوليفارد شهداء الوطن، حيث يفتح الطريق أبوابه لمشاهد متباينة تعكس التحولات التي شهدتها العاصمة الألبانية. على يمين الممشى، تقف قلعة تيرانا شامخة، محتفظة بأسرار الماضي، في حين يعكس مركز توبتاني التجاري الحديث صورة المدينة المتجددة، في حوار مرئي بين التراث والحداثة.

على الجانب الشمالي، يبرز سراي توبتاني، القصر العثماني الفريد الذي كان شاهدًا على تاريخ ألبانيا السياسي والثقافي. من مقر للسفارة الأمريكية إلى أول مكتبة وطنية، يحتفظ القصر بجمال معماري يجمع بين الشرق والغرب، ليكون أحد أبرز الشواهد على التفاعل الحضاري الذي ميز تيرانا عبر العصور.

مع استمرار السير، يقودنا الطريق نحو المبنى القديم للمكتبة الوطنية، ذلك المكان الذي شهد لحظات فارقة في تاريخ ألبانيا، حيث رُفع علم الاستقلال لأول مرة عام 1912، وكان مقرًا للحكومة المؤقتة عام 1920. وبين جدرانه، احتضن إرثًا ثقافيًا غنيًا تحول إلى منارة معرفية، ما يجعله اليوم مقصدًا لعشاق الأدب والتاريخ.

على امتداد الممشى، يظهر معهد المضطهدين السياسيين السابقين، وهو مبنى يحمل في طياته قصة تحولات سياسية واجتماعية شهدتها ألبانيا. بني في عشرينيات القرن الماضي كمقر للسفارة الإيطالية، مزج بين الطراز الإكليتيكي وملامح من آرت نوفو، ثم تحول لاحقًا إلى رمزٍ لتخليد ذكرى ضحايا الاضطهاد السياسي، ليعكس كيف تحتفظ المباني بروح الأزمنة التي مرت بها.

في نهاية المسار، يقف الزائر أمام جسر طباق، هذا الجسر العثماني الأنيق الذي كان جزءًا من شبكة تجارية حيوية في القرن الثامن عشر، حيث مرَّ عبره التجار والمسافرون في طريقهم بين الجبال والسهول. اليوم، وبعد ترميمه، يقف كمعلم سياحي يربط الماضي بالحاضر، ويذكّر الزائر بروح تيرانا المتأصلة في تفاصيلها المعمارية.

هكذا، يروي ممشى مراد توبتاني قصة تيرانا بتفاصيلها الحية، حيث تتناغم الأحجار القديمة مع الزجاج اللامع، وتلتقي الذكريات بالمستقبل في مشهدٍ فريد يجسد جوهر المدينة المتجدد.

22-تعد اليوم حديقة الشباب وجهة سياحية مثالية في قلب تيرانا حيث توفر أجواءً مريحة للزوار
تعد اليوم حديقة الشباب وجهة سياحية مثالية في قلب تيرانا حيث توفر أجواءً مريحة للزوار (الجزيرة)

تأخذنا جولتُنا الرابعة في شوارع تيرانا لتكتشف معالم تاريخية لا تنسى، حيث تتناغم القصص العثمانية والإسلامية مع معالم ثقافية وتاريخية. نبدأ زيارتنا بمقر المشيخة الإسلامية الألبانية، الذي لا يُعد فقط رمزًا دينيًا، بل هو أيضًا شاهد حي على تاريخ طويل من التعايش الثقافي والديني في المدينة. على بُعد خطوات، يبرز جامع تيرانا الكبير، تحفة معمارية تجمع بين الطراز العثماني والتقنيات الحديثة. هذا المعلم، الذي بُني بعد عقود من القمع، أصبح اليوم أكبر صرح ديني في البلقان، ليعكس التنوع الثقافي الذي تتمتع به ألبانيا.

تاريخ المدينة لا يكتمل دون الإشارة إلى تمثال سليمان باشا يارجيني، مؤسس تيرانا في القرن السابع عشر. أسس هذا القائد العثماني أول المساجد، الأسواق، والحمامات التي كانت نواة لمدينة تيرانا الحديثة. ومع مرور الزمن، تم تخليد ذكره في نصب تذكاري في ساحة التحرير، ليبقى شاهداً على بداية تأسيس المدينة. وفي الجهة المقابلة له يقبع قبر كابلان باشا، الذي يعود إلى الحقبة العثمانية، ليشهد على عظمة العمارة العثمانية في المدينة.

تأخذنا خطواتنا التالية إلى البازار الجديد الأثري، الذي أسس في الثلاثينيات من القرن الماضي. هذه المنطقة تمثل مزيجًا من التراث المعماري التقليدي والتحديث العصري، فهنا يُمكنك أن تشعر بنبض المدينة القديمة أثناء تجوالك بين المتاجر التي تحتفظ بذكريات الماضي بينما تمزج بين العصور المختلفة.

ومع انطلاقنا بالسيارة لزيارة معلمين ثقافيين، نبدأ بفيلا سالي شياكو، أقدم منازل تيرانا وأحد أروع الأمثلة على المنازل التقليدية التي احتفظت بسحرها وأصالتها. الفيلا ليست مجرد منزل قديم؛ إنها معلم ثقافي يروي قصة الفنان الألباني الشهير سالي شياكو، الذي ترك بصمة واضحة في عالم الفن الألباني.

51-فيلا الفنان سالي شياكو التي تعد أقدم منازل العاصمة الألبانية تيرانا
فيلا الفنان سالي شياكو التي تعد أقدم منازل العاصمة الألبانية تيرانا (الجزيرة)

وفي ختام جولتنا، نتوجه نحو غرب تيرانا لزيارة "فسيفساء تيرانا"، أقدم كنوز العاصمة الألبانية. تعود هذه الفسيفساء إلى القرن الثالث الميلادي، وكانت جزءًا من فيلا رومانية. في القرنين الخامس والسادس، شُيدت كنيسة على نفس الموقع، ثم اكتُشفت أطلالها عام 1972 خلال أعمال البناء في حي "بارتيزاني". وفي العام التالي، تم إعلان الفسيفساء معلمًا ثقافيًا، لتصبح جزءًا من ذاكرة المدينة الحية.

تظل تيرانا مدينة تجمع بين الماضي والحاضر، حيث تروي شوارعها كل تفاصيل الحقبة العثمانية والإسلامية بلمسات من الحداثة. وكل زاوية فيها تذكرنا بأن التاريخ لا يموت، بل يظل حيًا في ذاكرة هذه المدينة الفريدة.

والآن، دعونا نبدأ مسارنا السياحي لاستكشاف سحر وأسرار العاصمة الألبانية تيرانا، عبر أربع جولات فريدة من نوعها...

الجولة الأولى.. قلب العاصمة

  • ساحة "إسكندر بك" .. تعكس مراحل تطور الطراز المعماري للعاصمة

في قلب تيرانا، تنبض ساحة "إسكندر بك" بروح التاريخ وتروي قصة تحول معماري امتد لعقود. هذه الساحة، التي لطالما كانت محور المدينة، شهدت تحولات كبرى تعكس فصولًا من تاريخ ألبانيا، منذ أن وضع المهندس أرماندو براسيني أولى لبناتها عام 1925، مرورًا بالتعديلات التي أدخلها المهندس فلوريستانو دي فاوستو وفق أسلوب النهضة الجديدة، ثم التأثيرات الإيطالية خلال الاحتلال عام 1939 بإشراف المهندس غيراردو بوسيو.

كانت الساحة في الماضي مجرد دوار تحيط به المباني البارزة، مثل البازار القديم والكاتدرائية الأرثوذكسية ومبنى البلدية القديم. لكن التحولات التاريخية غيّرت معالمها، بدءًا من تمثال ستالين الذي أُزيل عام 1968 ليحل محله النصب التذكاري للبطل القومي إسكندر بك، ثم تمثال أنور خوجا الذي سقط مع انهيار النظام الشيوعي عام 1991.

3-شهدت ساحة إسكندر بك تحديثًا جذريًا في 2017 حيث تم رصفها بأحجار طبيعية مستخرجة من مختلف أنحاء ألبانيا لتجسد روح التنوع الوطني
شهدت ساحة إسكندر بك تحديثًا جذريًا في 2017 حيث تم رصفها بأحجار طبيعية مستخرجة من مختلف أنحاء ألبانيا لتجسد روح التنوع الوطني (الجزيرة)

شهدت الساحة تحديثًا جذريًا في 2017، حيث تم رصفها بأحجار طبيعية مستخرجة من مختلف أنحاء ألبانيا، لتجسد روح التنوع الوطني، كما زُرعت مئات الأشجار والزهور التي أضفت عليها لمسة جمالية استثنائية. لم يكن التطوير مجرد تجميل، بل كان خطوة نحو الاستدامة، حيث تم اعتماد تقنيات بيئية متقدمة مثل أنظمة الري بمياه الأمطار والإضاءة الشمسية، مما جعلها نموذجًا للمدن العصرية الصديقة للبيئة.

اليوم، تقف الساحة شاهدة على عراقة تيرانا، محاطة بمعالمها البارزة مثل فندق تيرانا الدولي، قصر الثقافة، المسجد العثماني، برج الساعة، ومتحف التاريخ الوطني. وقد حازت على جوائز معمارية مرموقة، مثل الجائزة الأوروبية للمساحات العامة الحضرية في عام 2018، كما فازت بالمركز الثاني لجائزة الاتحاد الأوروبي للعمارة المعاصرة لعام 2019، لتؤكد مكانتها كقلب نابض للحياة والثقافة في العاصمة الألبانية.

  • جامع أدهم بك.. تحفة عثمانية صمدت أمام الزمن

في قلب العاصمة الألبانية تيرانا، يقف جامع أدهم بك شاهدًا على تاريخ المدينة، متحديًا العصور التي حاولت طمس معالمه، وأبرزها الحقبة الشيوعية التي دمرت مئات المساجد والكنائس، لكنها عجزت عن إسقاط هذا الصرح الإسلامي العريق. إلى جانبه، يجاوره برج الساعة، ليشكلا معًا أيقونة معمارية لا تخطئها عين، وصورة خالدة تزين جميع الأدلة السياحية التي تعرّف بتيرانا.

تأسس الجامع عام 1793 على يد مولا بك، لكن القدر لم يمهله لإتمامه، فواصل ابنه الحاج أدهم بك البناء حتى اكتمل عام 1823. وُلد أدهم بك في عائلة تحمل جذورًا عميقة في تاريخ المدينة، فهو حفيد سليمان باشا بارجيني، مؤسس تيرانا عام 1614، مما يربط المسجد ببداية نشأة العاصمة نفسها.

4-يعد جامع أدهم بك أحد أبرز المعالم التاريخية والثقافية في العاصمة الألبانية
يعد جامع أدهم بك أحد أبرز المعالم التاريخية والثقافية في العاصمة الألبانية (الجزيرة)

يتميز جامع أدهم بك بتصميمه الفريد الذي يمزج بين الروحانية والفن المعماري الإسلامي، حيث تتزين قاعته بزخارف هندسية رائعة، وتعلوها قبة نقشت عليها آية الكرسي، تحيط بها أسماء الله الحسنى بأسلوب إبداعي فريد. أما المئذنة الرفيعة، فتقف شامخة بسلالمها الحلزونية، كأنها تتحدى الزمن.

لم يكن الجامع مجرد مكان للصلاة، بل كان رمزًا للهوية الثقافية للألبان، ما جعله واحدًا من الجوامع القليلة التي نجت من الهدم خلال فترة الحكم الشيوعي. أُغلق عام 1967 عندما مُنعت جميع الأديان، لكنه عاد للحياة عام 1991 وسط احتفال مهيب جمع الآلاف، في لحظة تاريخية أعادت الأمل للروح الألبانية المتعطشة للحرية.

واليوم، بعد عمليات ترميم شاملة انتهت عام 2021، يستعيد جامع أدهم بك مكانته كتحفة عثمانية وسط تيرانا، ويظل شاهدًا على رحلة المدينة بين الماضي والحاضر، جامعًا بين التاريخ والإيمان والفن في مشهد واحد. ويجذب الزوار من مختلف الأديان والثقافات.

  • "برج الساعة" في تيرانا.. أطول مبنى بالعاصمة حتى 1970

يُعد "برج الساعة" في تيرانا واحدًا من أبرز المعالم التاريخية والمعمارية التي تعكس تاريخ العاصمة وتطورها. بدأ بناء البرج في عام 1822 تحت إشراف الحاج أدهم بك وبتمويل من العائلات الثرية في تيرانا. يقع البرج في ساحة "اسكندر بك"، التي تُعتبر قلب العاصمة النابض.

كان البرج أطول مبنى في العاصمة حتى عام 1970، حيث ظل يشكل رمزًا تاريخيًا ومعماريًا مهمًا في تيرانا. بلغ ارتفاع البرج عند بنائه 30 مترًا، وكان مزودًا بآلية يدوية لاحتساب الوقت مع جرس نحاسي لدقات الساعة، دون وجود واجهات أو عقارب. النظام المستخدم حينها صُنع من قبل عائلة توفينا، المعروفة بصناعة الساعات في شمال شرق المدينة.

7-كان برج الساعة أطول مبنى في العاصمة حتى عام 1970 حيث ظل يشكل رمزًا تاريخيًا ومعماريًا مهمًا في تيرانا
كان برج الساعة أطول مبنى في العاصمة حتى عام 1970 حيث ظل يشكل رمزًا تاريخيًا ومعماريًا مهمًا في تيرانا (الجزيرة)

في عام 1928، خضع البرج لتطوير شامل أضاف 5 أمتار إلى ارتفاعه ليصل إلى 35 مترًا، مع تركيب شرفة وأربع واجهات للساعات مزودة بعقارب وسقف على الطراز الفينيسي، ضمن مشروع تحديث المدينة. كما أُحضرت ساعة حديثة من ألمانيا لتعكس التوجهات العصرية آنذاك.

منذ ذلك الوقت، أصبح البرج مزيجًا فريدًا يجمع بين النقوش الحجرية العثمانية في قاعدته والطراز الغربي الحديث في جزئه العلوي. وفي ثلاثينيات القرن الماضي، أُضيء البرج ليلاً للمرة الأولى. ورغم تعرضه لأضرار خلال الحرب العالمية الثانية، أُعيد ترميمه في يوليو 1946.

اليوم، يُعد "برج الساعة" رمزًا لمدينة تيرانا، ويشكل مع جامع "أدهم بك" معلمًا معماريًا فريدًا يجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم. يتناغم البرج مع ساحة "اسكندر بك" ليصبح جزءًا من الهوية الثقافية للعاصمة الألبانية.

لكن مع التطورات العمرانية الأخيرة، بدأت الأبراج الحديثة منذ عام 2019 تحجب رؤية البرج، مما يهدد مكانته كجزء من الهوية الثقافية للمدينة ويستدعي جهودًا لحماية هذا المعلم الفريد.

  • قصر الثقافة في تيرانا.. من رمز شيوعي إلى منارة فنية

في قلب تيرانا، حيث تلتقي العراقة بالتجدد، ينهض "قصر الثقافة" شامخًا في الجانب الشرقي من ساحة إسكندر بك، شاهدًا على تحولات العاصمة الألبانية. لم يكن هذا الصرح دائمًا هنا، فقد شُيّد عام 1960 على أنقاض البازار القديم للمدينة، كجزء من مشروع معماري مستوحى من قصر المؤتمرات في روما ومحطة فنلندا في سانت بطرسبرغ، ليجسد رؤية الدولة الشيوعية آنذاك في تعزيز الثقافة وفق أيديولوجيتها.

8-شُيّد قصر الثقافة عام 1960 على أنقاض البازار القديم لتيرانا ليجسد رؤية الدولة الشيوعية آنذاك في تعزيز الثقافة وفق أيديولوجيتها
شُيّد قصر الثقافة عام 1960 على أنقاض البازار القديم لتيرانا ليجسد رؤية الدولة الشيوعية آنذاك في تعزيز الثقافة وفق أيديولوجيتها (الجزيرة)

ورغم ارتباطه بالبداية بذلك العهد، إلا أن "قصر الثقافة" اليوم أصبح مركزًا للحياة الثقافية والفنية في تيرانا، حيث يحتضن المسرح الوطني للأوبرا والباليه، الذي يتسع لألف مشاهد. كما تحتضن جدرانه المكتبة الوطنية، وهي منارة علمية تفتح أبوابها للباحثين وعشاق القراءة. في أروقته، تتردد أصداء الفعاليات الفنية والمعارض، ما يجعله ملتقى للفن والمعرفة.

ما يميز هذا الصرح ليس فقط محتواه، بل أيضًا مظهره المعماري الفريد، إذ يغطيه الرخام المحلي المُنتقى بعناية، في انسجام بين التقاليد الألبانية واللمسات العصرية التي تعكس حيوية العاصمة. واليوم، لم يعد مجرد مبنى شُيّد في الحقبة الشيوعية، بل أصبح رمزًا للحداثة الثقافية في تيرانا، حيث تُعقد فيه الفعاليات الكبرى والمؤتمرات الوطنية، مما يجعله نقطة جذب سياحي وثقافي لا تُفوّت.

  • المكتبة الوطنية لألبانيا.. أقدم مؤسسة ثقافية في البلاد

تأسست المكتبة الوطنية لألبانيا (BKSH) في 10 يوليو 1920، وتُعد أقدم مؤسسة ثقافية في البلاد، حيث بدأت مجموعتها الأولى عام 1917، وافتتحت رسميًا عام 1922 بمجموعة من 6000 مجلد فقط. اليوم، تضم المكتبة أكثر من مليون مجلد، مما يجعلها مركزًا رئيسيًا للثقافة والمعرفة.

شهدت المجموعات التي تتناول الدراسات الألبانية توسعًا كبيرًا بعد الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك نتيجة لمصادرة مكتبات ومجموعات خاصة تعود لشخصيات ثقافية بارزة معارضة للنظام الشيوعي في ذلك الوقت.

9-تُعد المكتبة الوطنية لألبانيا أقدم مؤسسة ثقافية في البلاد وتأسست عام 1920.png
تُعد المكتبة الوطنية لألبانيا أقدم مؤسسة ثقافية في البلاد وتأسست عام 1920 (الجزيرة)

أدت التحولات الديمقراطية في تسعينيات القرن العشرين إلى تغييرات جذرية في سياسات المكتبة الوطنية. فبعد أن كانت تتبع نموذج مكتبات أوروبا الشرقية، الذي فرض قيودًا صارمة على توفير المعلومات واستخدام بعض فئات الأدب، أصبحت المكتبة اليوم مفتوحة بالكامل للجمهور العام.

اليوم، تُعد المكتبة الوطنية مركزًا أرشيفيًا لحفظ التراث الثقافي المكتوب للشعب الألباني، حيث تجمع وتعالج وترمم النصوص التاريخية وتتيحها للجمهور، مما يجعلها وجهة ثقافية وسياحية مميزة لعشاق الأدب والتاريخ.

  • فندق تيرانا.. رمز التحول من العهد الشيوعي إلى الحداثة

في ساحة إسكندر بك، يتربع فندق تيرانا الدولي كواحد من أبرز معالم المدينة وأكبر فنادق ألبانيا، محتفظًا بمكانته المرموقة على مدار عقود. بُني عام 1979 خلال الحقبة الاشتراكية، واشتهر بهندسته المعمارية المميزة وطابعه الفخم الذي جعله أطول مبنى في البلاد آنذاك، واستخدم حصرًا لاستضافة الوفود الرسمية والسياح الأجانب، مما أضفى عليه هالة من الغموض.

خضع الفندق لتجديد شامل عام 2001، أعاد إليه بريقه بتحويله إلى منشأة فاخرة بمعايير دولية من فئة الأربع نجوم. وفي عام 2015، شمل تحديث آخر واجهته الزجاجية الممتدة، مما أضفى عليه لمسة عصرية مع الحفاظ على طابعه المهيب ومساحاته الرحبة.

8-شُيّد قصر الثقافة عام 1960 على أنقاض البازار القديم لتيرانا ليجسد رؤية الدولة الشيوعية آنذاك في تعزيز الثقافة وفق أيديولوجيتها
في ساحة إسكندر بك يتربع فندق تيرانا الدولي كواحد من أبرز معالم المدينة وأكبر فنادق ألبانيا (الجزيرة)

يشكل الفندق نقطة انطلاق مثالية لاستكشاف معالم تيرانا الثقافية والتاريخية مثل قلعة تيرانا والمتحف الوطني، إلى جانب قربه من المؤسسات الحيوية كبرلمان ألبانيا والوزارات والبنك المركزي.

رغم فقدانه صفة "المعلم الثقافي" عام 2015، يبقى فندق تيرانا الدولي شاهدًا على تحول العاصمة من الحقبة الاشتراكية إلى حاضرها المزدهر، جامعًا بين أصالة الماضي ورفاهية الحاضر.

  • المتحف التاريخي الوطني.. بوابة لفهم تاريخ ألبانيا المتنوع

يُعَدُّ المتحف التاريخي الوطني في تيرانا أكبر متحف في ألبانيا ومعلماً ثقافياً هاماً ويشكل بوابة لفهم تاريخ ألبانيا الغني والمتنوع، مما يجعله وجهة ثقافية وتعليمية مثالية للسياح والمحليين على حد سواء.

افتُتح المتحف في 28 أكتوبر 1981، ويغطي مساحة إجمالية تبلغ 27,000 متر مربع، منها 18,000 متر مربع مخصصة للعرض، حيث يُقدَّم أكثر من 4,750 قطعة أثرية تغطي فترة تمتد من الألفية الرابعة قبل الميلاد وحتى منتصف القرن العشرين.

10-يُعد المتحف التاريخي الوطني في تيرانا أكبر متاحف ألبانيا ويقدم لمحة شاملة عن تاريخ البلاد الغني
يُعد المتحف التاريخي الوطني في تيرانا أكبر متاحف ألبانيا ويقدم لمحة شاملة عن تاريخ البلاد الغني (الجزيرة)

يضم المتحف ثمانية أجنحة رئيسية تُبرز مختلف جوانب التاريخ الألباني، بدءًا من العصور القديمة، مرورًا بالقرون الوسطى، وحتى عصر النهضة والاستقلال.

  1. جناح العصور القديمة: يحتوي هذا الجناح على حوالي 400 قطعة، منها أدوات من العصر الحجري الحديث، وأسلحة من العصر البرونزي والحديدي، وأوانٍ خزفية من الحقبة الإغريقية. تُبرز القطع الأثرية مثل "موزاييك ميسابليك" و"جميلة دورس" الإبداع الفني للحضارة الإليرية، بالإضافة إلى تمثيل الآلهة مثل ميداورو، إله الحرب، وردون، إله البحار.
  2. جناح القرون الوسطى: يُسلط الضوء على المقاومة الألبانية ضد الاحتلالات الأجنبية من القرن السادس حتى الخامس عشر. يحتوي الجناح على رموز كالأختام والنقوش الحجرية وأعمال معمارية مثل بوابة دير القديس يوحنا فلاديمير.
  3. جناح عصر النهضة الوطنية: يعرض التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها ألبانيا من القرن التاسع عشر حتى إعلان الاستقلال. يتميز بعرض خرائط ووثائق تسلط الضوء على الروابط التجارية والثقافية مع دول البلقان.
  4. جناح الاستقلال: يوثق جهود الحكومة الوطنية في فلورا عام 1912، والصراعات التي واجهتها ألبانيا من أجل ترسيم حدودها واستقلالها الكامل.
  5. جناح الأيقونات: يحتوي على 65 أيقونة تعود إلى القرون بين الرابع عشر والتاسع عشر، والتي صممها فنانون ألبان بارزون مثل أونوفري وكوستاندين زوغرافي.
  6. جناح الثقافة الشعبية: يُبرز الملابس التقليدية من جميع أنحاء ألبانيا، بما في ذلك أزياء الشتات الألباني في إيطاليا.
  7. جناح الحرب ضد الفاشية: يُوثق النضال الألباني ضد الغزو الإيطالي والألماني خلال الحرب العالمية الثانية.
  8. جناح الإبادة الجماعية الشيوعية: يُبرز الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت خلال فترة الحكم الشيوعي (1944-1991).

إذا كنت مهتمًا بالتعرف على التاريخ المضطرب لألبانيا، فهذا هو المكان المناسب. تستغرق الزيارة حوالي ثلاث ساعات إذا كنت ترغب في التعمق والتعلم.

  • بنك ألبانيا.. معلم معماري ومتحف فريد في قلب العاصمة

في الجهة الغربية من ساحة "إسكندر بك" وسط العاصمة تيرانا، يقع مبنى بنك ألبانيا، ويعد نموذجًا بارزًا للطراز العقلاني المعماري الذي ازدهر في أوروبا خلال القرن العشرين. صمم المبنى البروفيسور الإيطالي فيتوريو باليو موربورغو عام 1937، وافتُتح رسميًا في 30 أكتوبر 1938. تلفت قاعة الاستقبال الدائرية الأنظار بلوحة فسيفسائية ضخمة، أبدعها الفنان الإيطالي جوليو روسو عام 1939، مما يجعلها نقطة جذب فنية وسياحية.

11-يُعد بنك ألبانيا ومتحفه وجهة سياحية ثقافية تجمع بين التاريخ والفن مما يجعله محطة مميزة لزوار تيرانا
يُعد بنك ألبانيا ومتحفه وجهة سياحية ثقافية تجمع بين التاريخ والفن مما يجعله محطة مميزة لزوار تيرانا (الجزيرة)

داخل هذا المبنى التاريخي، يمكن للزوار استكشاف متحف بنك ألبانيا، الذي افتُتح في 30 أكتوبر 2015. يعرض المتحف في طابقه الأول مجموعة نادرة من العملات المعدنية والأوراق النقدية التي توثق التاريخ النقدي للبلاد منذ العصور القديمة.

أما الطابق الثاني، فيقدم معلومات عن دور البنك المركزي في استقرار الاقتصاد الوطني، إلى جانب أنشطة تعليمية تفاعلية تناسب الزوار من جميع الأعمار. يُعد بنك ألبانيا ومتحفه وجهة سياحية ثقافية تجمع بين التاريخ والفن، مما يجعله محطة مميزة لزوار العاصمة الألبانية.

  • تمثال إسكندر بك.. أسطورة خالدة في قلب تيرانا

وفي قلب ساحة إسكندر بك بتيرانا، يتربع تمثال إسكندر بك شامخًا، كأنما يروي بصمته الخالدة في تاريخ ألبانيا. منذ عام 1968، وقف هذا التمثال شاهدًا على كفاح الألبان في العصور الوسطى، وهو من إبداع النحات الشهير أوديسيه باسكالي، بالتعاون مع أندريا مانو وياناك باكو، تخليدًا لذكرى البطل القومي بمناسبة مرور 500 عام على وفاته.

12-شُيد تمثال البطل القومي إسكندر بك عام 1968 في الذكرى الخمسمائة لوفاته وسميت الساحة باسمه تكريمًا له
شُيد تمثال البطل القومي إسكندر بك عام 1968 في الذكرى الخمسمائة لوفاته وسميت الساحة باسمه تكريمًا له (الجزيرة)

قبل أن يحتل مكانه في قلب العاصمة، كان في الساحة تمثال إسماعيل تشمال، مؤسس الدولة الألبانية، إلا أن اختيار إسكندر بك ليكون الرمز المركزي يعكس مكانته العظيمة في الوجدان الألباني. وما يزيد من رمزية هذا التمثال أن نُسَخه تتواجد في أربع مدن رئيسية: كرويا، تيرانا، بريشتينا، وسكوبيا، مما يجسد وحدة الشعوب الألبانية عبر الحدود.

  • حديقة أوروبا.. استراحة هادئة وسط صخب العاصمة

خلف تمثال إسكندر بك، تمتد حديقة أوروبا ذات الشكل البيضاوي، كواحة هادئة وسط صخب العاصمة. تحيط بها الأشجار الوارفة والمباني الكلاسيكية، بينما توفر المقاعد المنتشرة في أرجائها فرصة مثالية للاستراحة والتأمل. المساحات المفتوحة تمنح الزائر إطلالة رائعة على الطراز المعماري الإيطالي المحيط بالمكان.

13-خلف تمثال إسكندر بك تمتد حديقة أوروبا ذات الشكل البيضاوي كواحة هادئة وسط صخب العاصمة
خلف تمثال إسكندر بك تمتد حديقة أوروبا ذات الشكل البيضاوي كواحة هادئة وسط صخب العاصمة (الجزيرة)

وعلى مقربة منها، يقف متحف بونك آرت 2، شاهدًا على تاريخ ألبانيا الحديث، مما يجعل الحديقة محطة استراحة مثالية للاسترخاء والتقاط الصور التذكارية قبل مواصلة استكشاف تيرانا.

  • مجمع الوزارات.. تحفة معمارية كلاسيكية تعكس تحول تيرانا إلى عاصمة حديثة

في ثلاثينيات القرن الماضي، كانت تيرانا تخطو خطواتها الأولى نحو التحول إلى عاصمة حديثة، فشهدت ساحة إسكندر بك نهضة معمارية غيّرت ملامحها بالكامل. أشرف المعماريان الإيطاليان أرماندو براسيني وفلورستانو دي فاوسطو على مشروع بناء ضخم بين عامي 1929 و1931، حيث صُمم مجمع الوزارات وبلدية المدينة بأسلوب كلاسيكي جديد يحمل بصمة دي فاوسطو، الذي مزج في تصاميمه بين الطابع الأوروبي الغربي بسمته الايطالي والرموز الوطنية الألبانية، مثل الإسكندر الأكبر وإسكندر بك.

15-يروي المجمع الوزارات الأثري المصنف كموقع ثقافي منذ عام 2000 قصة تطور العاصمة في ثلاثينيات القرن العشرين
يروي المجمع الوزارات الأثري المصنف كموقع ثقافي منذ عام 2000 قصة تطور العاصمة في ثلاثينيات القرن العشرين (الجزيرة)

ساهم هذا التطور العمراني في إضفاء طابع مميز على مركز المدينة، حيث تداخلت القيم التاريخية مع الهوية الحديثة، ليُصبح المجمع لاحقًا جزءًا من التراث الثقافي للعاصمة. وفي عام 2000، تم تصنيفه كموقع أثري، ليبقى شاهدًا على التحولات التي جعلت تيرانا وجهة حضارية متجددة.

  • متحف "بونك آرت 2".. يروي قصة قمع النظام الشيوعي في ألبانيا

يقع متحف "بونك آرت 2"، في قلب العاصمة تيرانا بالقرب من وزارة الداخلية القديمة، حيث كان في الأصل ملجأ نوويًا تم بناؤه بين عامي 1981 و1986 في إطار مشروع تحصين واسع. كان هذا الملجأ مخصصًا لحماية النظام الشيوعي من الهجمات النووية والكيميائية، وهو جزء من شبكة من المنشآت السرية التي تم بناؤها في تلك الفترة. اليوم، تحول الملجأ إلى متحف يروي قصة الحقبة الشيوعية في ألبانيا، ويُعد أحد الأماكن الأكثر تأثيرًا في البلاد لتسليط الضوء على القمع السياسي الذي عانى منه الشعب الألباني خلال فترة حكم أنور هوجا.

بعد سقوط النظام الشيوعي في ألبانيا عام 1991، تم تحويل الملجأ النووي إلى متحف يعكس معاناة الشعب الألباني تحت وطأة القمع. متحف "بونك آرت 2"، يقدم للزوار نافذة على تاريخ وزارة الداخلية الألبانية وجهاز الأمن الشيوعي الذي كان أداة رئيسية في مراقبة الشعب وقمع المعارضين. يضم المتحف صورًا ووثائق حية تروي مآسي نحو 100 ألف ألباني تعرضوا للاعتقال، التعذيب، والعمل في معسكرات السجون.

18-تم تحويل الملجأ النووي بونك آرت 2 إلى متحف يعكس معاناة الشعب الألباني تحت وطأة الحقبة الشيوعية
18-تم تحويل الملجأ النووي بونك آرت 2 إلى متحف يعكس معاناة الشعب الألباني تحت وطأة الحقبة الشيوعية (الجزيرة)

المتحف يتكون من 40 غرفة تمتد على مساحة 1000 متر مربع، تتنوع بين معارض تروي تطور جهاز الشرطة السرية "سيوريمي" وكيفية مراقبة المواطنين الألبان. يعرض المتحف أيضًا تقنيات المراقبة مثل الكاميرات المخبأة وأجهزة التنصت، ليُتيح للزوار فكرة عن كيفية رصد الحياة اليومية للألبانيين. ومن خلال أعمال فنية معاصرة، يدمج بنك آرت 2 بين التاريخ والفن، حيث يخلق الأضواء والألوان جوًا يعكس الانفصال بين الماضي والحاضر.

يقدم المتحف أيضًا نظرة عميقة على تاريخ وزارة الداخلية الألبانية من عام 1912 وحتى 1991، موضحًا كيفية استخدام "سيجوريمي" كأداة للسيطرة على الشعب وفرض الرقابة على كل جوانب الحياة اليومية. تروي المعروضات كيف كانت السلطات الشيوعية تستخدم أجهزة الأمن لفرض سياسة الخوف والترهيب، مما أثر على المجتمع الألباني بشكل عميق.

عند زيارة متحف "بونك آرت 2"، يُحاط الزوار بتجربة تفاعلية تأخذهم إلى قلب الأحداث التاريخية المظلمة. تعليق صوتي يذكر أسماء المعتقلين السياسيين والأحداث المهمة في التاريخ الألباني، مما يعزز من التجربة الحسية ويحاكي واقع القمع الذي كان سائداً في تلك الفترة. لا تقتصر الزيارة على كونه موقعًا تاريخيًا فقط، بل يصبح بمثابة أداة توعية تهدف إلى الحفاظ على ذاكرة الجماعة وتقديم شهادة حية على التجربة الألبانية تحت النظام الشيوعي.

الجولة الثاني.. بوليفارد "شهداء الوطن"

  • حديقة الشباب.. مساحة خضراء حيوية وسط التحولات العمرانية الضخمة

بعد مغادرتنا منطقة مجمع الوزارات ذات الطراز الإيطالي، نتابع سيرنا في شارع "بوليفارد شهداء الوطن" الحيوي، الذي يعد من أهم شوارع العاصمة الألبانية؛ وتقابلنا على يسارنا حديقة "الشباب" التي تعد واحدة من أبرز الوجهات السياحية في العاصمة الألبانية تيرانا، حيث تجمع بين الجمال الطبيعي والتاريخ المعماري الذي يعكس فترة حاسمة في تطور المدينة. تم تخطيط الحديقة في عام 1931، ضمن خطة شاملة لتطوير مركز العاصمة، والتي شملت بناء العديد من المباني الحكومية على الطراز المعماري الإيطالي الذي كان سائدًا في تلك الفترة. وبنيت الحديقة في عام 1949، لتصبح مساحة خضراء تتوسط هذا التطور العمراني الهائل.

كان المشروع جزءًا من تصميم واسع النطاق قاده المعماريان الإيطاليان براسيني ودي فوستو، اللذان أضافا لمسات إيطالية مميزة على مجمع الوزارات، بلدية تيرانا، البنك الوطني، وساحة "إسكندر بك" الشهيرة. كما تم تضمين النافورة الدائرية في قلب الساحة، التي أصبحت من أبرز معالم المدينة.

ما يميز حديقة "الشباب" هو تاريخها الذي يرتبط بالشباب التيرانيين الذين قاموا بزراعة الأشجار في الحديقة في عام 1949، مما منحها اسمها الحالي. بفضل هذه الجهود التطوعية، أصبحت الحديقة واحدة من أجمل المساحات الخضراء في مركز المدينة.

20-حديقة الشباب تعد أكبر حدائق وسط العاصمة الألبانية تيرانا وتمثل منتزه طبيعي للعائلات والزوار
20-حديقة الشباب تعد أكبر حدائق وسط العاصمة الألبانية تيرانا وتمثل منتزه طبيعي للعائلات والزوار (الجزيرة)

في مدخل حديقة الشباب من الجهة الشمالية الشرقية، يقع نصب مئوية الاستقلال، الذي يعد من المعالم الثقافية والتاريخية البارزة في تيرانا. تم إزاحة الستار عن هذا النصب في نوفمبر 2012، ليحتفل بذكرى مرور 100 عام على إعلان استقلال ألبانيا عن الإمبراطورية العثمانية في 28 نوفمبر 1912.

يتميز النصب بتصميمه الفريد الذي يجمع بين الحداثة والرمزية الوطنية، حيث يتكون من هيكل فولاذي بارتفاع 8 أمتار يشبه بيتًا مقطوعًا عند محاوره ومقسمًا إلى جزئين. يحمل النصب رموزًا قوية مثل النسر ذي الرأسين وبيان الاستقلال المنقوش داخل هيكله، ما يجعله تمثالًا يعكس الروح الوطنية والتاريخ الغني لألبانيا.

صمم النصب المهندسان المعماريان الكوسوفي فيسار أوبريجا والألماني كاي رومان كيكلّا، اللذان استلهموا تصميمه من العمارة التقليدية الألبانية، ما أضفى عليه لمسة من الأصالة والجمال. تشكل هذه الحديقة مع النصب مجمعًا تاريخيًا وثقافيًا يعكس أهمية هذه المناسبة الوطنية.

اليوم، تعد حديقة "الشباب" وجهة سياحية مثالية في قلب تيرانا، حيث يمكن للزوار التنزه بين الأشجار، والاستمتاع بمساحات للأطفال وأماكن للاسترخاء، فضلاً عن المقاهي والمطاعم مثل "تايوان" التي توفر أجواءً مريحة في هذا المكان التاريخي.

  • نهر "لانا".. مجرى مائي يشطر العاصمة لشطرين

على ضفاف حديقة "الشباب" الجنوبية، يتدفق نهر لانا الذي يشق مجراه من الشرق إلى الغرب، مُقسمًا العاصمة الألبانية إلى شطرين: شمالي وجنوبي. لكن نهر لانا ليس مجرد معلم طبيعي، بل هو بمثابة الخريطة الحية للمدينة. بفضل مجراه، يستطيع الزوار التنقل بين أحياء تيرانا بسهولة ويسر، حيث يقدم إشارات مرجعية واضحة تساعد على فهم تخطيط المدينة والتنقل بين معالمها.

23-ينساب نهر لانا من الشرق إلى الغرب مُقسمًا العاصمة إلى نصفين شمالي وجنوبي (1)
ينساب نهر لانا من الشرق إلى الغرب مُقسمًا العاصمة إلى نصفين شمالي وجنوبي (1) (الجزيرة)

تتميز تيرانا بكونها مدينة صغيرة نسبيًا، وهو ما يجعل من السهل حفظ شوارعها الرئيسية وأحيائها المترابطة، والتي تتقاطع جميعها في ساحة إسكندر بك. هذه الساحة تشكل قلب العاصمة النابض، ومن خلالها يمكن الوصول بسهولة إلى الطريق الدائري القديم الذي يحيط بالمدينة. هذه البنية المتكاملة تسهم في جعل التنقل في تيرانا تجربة سياحية مريحة وسلسة، حيث يتيح للزوار فرصة استكشاف معالم المدينة من دون عناء أو تعقيد.

  • هرم تيرانا.. من متحف ديكتاتور إلى مركز ثقافي عالمي

عندما تعبر النهر وتستمر في السير على بوليفارد شهداء الوطن، تجد أمامك معلمًا شاهقًا رائعًا على يسارك، إنه "هرم تيرانا" الذي يطل على زواره وكأنه يحكي لهم قصة التحولات الجذرية التي مرت بها ألبانيا. افتُتح هذا المعلم في 14 أكتوبر 1988 كمتحف مخصص للديكتاتور أنور هوجا (1908-1985)، ليحمل معه إرث حقبة من الحكم الشيوعي القاسي في ألبانيا (1945-1990).

بدأ بناء الهيكل في عام 1986، واكتمل في 1988، ليظل متحفًا لسنوات طويلة حتى عام 1991. تم تصميم هذا المعلم الفريد من نوعه على شكل جناحي نسر، الذي يمثل رمزًا للأمة الألبانية، وهو أمر يمكن مشاهدته بوضوح من السماء. أما من الأرض، فإنه يشبه هرمًا ضخمًا يبرز وسط العاصمة. وقد قام بتصميمه فريق من المعماريين تحت إشراف ابنة أنور هوجا وزوجها، ليشكل واحدًا من أهم المشاريع المعمارية في تلك الحقبة.

بعد سقوط الشيوعية في بدايات تسعينيات القرن الماضي؛ تحول الهرم إلى رمز آخر؛ رمزًا للمرحلة الانتقالية التي مرت بها ألبانيا. فبعد عام 1991، تم إعادة تصميمه ليصبح مركزًا ثقافيًا دوليًا، حيث استضاف العديد من المعارض والمؤتمرات، وكذلك فعاليات وطنية ودولية. هذه النقلة جعلت الهرم يشكل نقطة تحوّل من إرث الديكتاتورية إلى فضاء مفتوح للحرية والإبداع.

24-افتُتح هرم تيرانا في 1988 كمتحف مخصص للديكتاتور أنور هوجا تحول اليوم لمركز ثقافي دولي
24-افتُتح هرم تيرانا في 1988 كمتحف مخصص للديكتاتور أنور هوجا تحول اليوم لمركز ثقافي دولي (الجزيرة)

بينما اليوم، تحول الهرم إلى مركز ثقافي مخصص للشباب، حيث يركز على التعليم الرقمي، وتكنولوجيا المعلومات، والفن. فقد أصبح أكبر مركز في ألبانيا لتعليم الشباب المهارات التكنولوجية والفنية، حيث يوفر برامج تعليمية مبتكرة في مجالات مثل البرمجة، والروبوتات، والرسوم المتحركة، وتصميم المواقع، والموسيقى، وغيرها من الدورات التي تجمع بين الفن والتكنولوجيا. كما يضم الهرم 18 قاعة دراسية بالإضافة إلى 14 قاعة مفتوحة للنشاطات في الهواء الطلق، مما يجعله مكانًا مثاليًا للشباب للتعلم والإبداع.

ومن خلال مشروع تجديدي ضخم بالتعاون مع المؤسسة الألبانية الأمريكية للتنمية (AADF) وبلدية تيرانا، تم تحويل الهرم إلى مركز تكنولوجي حديث. فاليوم، يُعتبر الهرم واحدًا من أكبر المراكز التكنولوجية في المنطقة، مما يجعله وجهة هامة ليس فقط للزوار المحليين بل أيضاً للزوار الدوليين.

لقد أصبح الهرم رمزًا لرحلة ألبانيا من الماضي إلى المستقبل، ليكون منصة ثقافية وتعليمية تشجع على الابتكار والتقدم. اليوم، يستقبل الهرم أكثر من 4000 طالب في الأسبوع، ليكون بذلك مركزًا حيويًا للشباب، يجمع بين التعليم، الفن، والتكنولوجيا في بيئة مشجعة على التبادل الثقافي والتعلم المستمر.

  • ساحة الأم تيريزا: مجمع معماري ثقافي وفضاء للفعاليات والمهرجانات السنوية

وبينما نواصل السير في شارع شهداء الوطن، تتناثر أمامنا معالم معمارية ضخمة مثل مبنى رئاسة الوزراء، البرلمان الثاني، وقصر الرئاسة، إلى جانب فندق حديث، حتى نصل إلى نهاية الشارع حيث تقع ساحة الأم تيريزا، التي تعد من أبرز الوجهات في العاصمة الألبانية.

تعد الساحة امتدادًا طبيعيًا لهذا الشارع العريق الذي يحمل تاريخ المدينة في كل زاوية. صُممت الساحة بين عامي 1939 و1941 بواسطة المهندس الإيطالي غيراردو بوسيو، كجزء من مشروع معماري خلال فترة الاحتلال الإيطالي، وكانت تُعرف آنذاك باسم "بيازا ليتوريو". تم تغيير اسمها لاحقًا تكريمًا للراهبة الألبانية الشهيرة الأم تيريزا، التي ألهمت العالم بأعمالها الإنسانية.

27-ساحة الأم تيريزا تتميز بموقعها الاستراتيجي ومزيجها المعماري الإيطالي الذي يندمج بتناغم مع الهوية الألبانية
ساحة الأم تيريزا تتميز بموقعها الاستراتيجي ومزيجها المعماري الإيطالي الذي يندمج بتناغم مع الهوية الألبانية (الجزيرة)

ما يميز الساحة هو موقعها الاستراتيجي في الجزء الجنوبي من تيرانا، حيث تطل من الشمال على بحيرة العاصمة الاصطناعية، إلى جانب المباني التاريخية التي تحيط بها. تم تصميم هذه المباني لتشكل مجمعًا إداريًا وسياسيًا ورياضيًا متكاملًا. من أبرز معالم الساحة:

  • رئاسة جامعة تيرانا والمتحف الأثري، الموجودان في مبنى كان يُعرف باسم "كازا ديلا جوفينتو ليتوريا ألبانيزي"، والذي يتميز بتصميمه على شكل حرف "U" لخلق تناغم بصري لافت.
  • جامعة الفنون، التي كانت تقع في "كازا ديل أوبرا ديل دوبولافورو ألبانيزي"، وهي اليوم مركز للإبداع الفني والثقافي.
  • جامعة البوليتكنيك، التي تقف في موقع "كازا ديل فاسيو" أو "بالاتزو ليتوريو"، وتتميز بتصميمها الضخم والطابع الكلاسيكي الواضح.

تجسد ساحة الأم تيريزا مزيجًا متناغمًا بين الطابع المعماري الإيطالي والهوية الألبانية، وبفضل تصميمها الواسع والمنظم، أصبحت مركزًا حيويًا يحتضن العديد من الأنشطة والفعاليات والمهرجانات السنوية الهامة التي تجذب الزوار من داخل ألبانيا وخارجها، مما يجعلها أحد الرموز الثقافية لتيرانا.

  • حديقة البحيرة الكبرى في تيرانا.. "رئة العاصمة" الخضراء

وعلى بعد خطوات من ساحة الأم تيريزا، تبدأ رحلة نحو عالم آخر من الطبيعة الخلابة. خلف الساحة، حيث تلوح تلال خضراء مزينة بالأشجار المرتفعة، تبدأ المسارات المرصوفة التي تقودك مباشرة إلى بحيرة تيرانا الاصطناعية، حيث تتناثر مياه البحيرة بين التلال لتشكل مشهدًا ساحرًا يلامس السكون والهدوء بعيدًا عن صخب المدينة. هنا، لا تشعر فقط وكأنك في مكان آخر، بل أنك في ملاذ طبيعي يخطف الأنفاس.

تُعد حديقة البحيرة الكبرى في جنوب تيرانا واحدة من أروع الوجهات الطبيعية في العاصمة، بل تُلقب بـ"رئة المدينة" بفضل مساحتها الواسعة وتنوعها البيئي الفريد. تأسست الحديقة في خمسينيات القرن الماضي، وكان إنشاؤها بمثابة استجابة لاحتياجات سكان تيرانا للحصول على مساحة خضراء للاسترخاء وممارسة الأنشطة الرياضية. لكن أهم ما يميز الحديقة هو بحيرتها الاصطناعية التي تعد أكبر مساحة خضراء في المدينة، وتمنح الزوار فرصة للتجول في مساراتها أو ممارسة الجري بين الأشجار والشجيرات التي يتجاوز عددها الـ120 نوعًا.

بدأ المشروع في عام 1955 ببناء البحيرة، التي استفادت من المياه القادمة من المناطق المجاورة، لتشكل توازنًا بيئيًا رائعًا وسط المدينة. كما تم بناء سد لحماية المدينة من الفيضانات، وفي عامي 1957 و1958، بدأت عمليات زراعة النباتات وتطوير البنية التحتية للحديقة التي أصبحت اليوم واحدة من أكثر الأماكن شهرة في تيرانا. تمتد الحديقة على تلال منخفضة، وتوفر مشهدًا طبيعيًا ساحرًا يتضمن البحيرة التي تُزينها الخلجان الصغيرة والجزر الطبيعية.

29-تُعد حديقة البحيرة الكبرى في جنوب تيرانا واحدة من أروع الوجهات الطبيعية في العاصمة
تُعد حديقة البحيرة الكبرى في جنوب تيرانا واحدة من أروع الوجهات الطبيعية في العاصمة (الجزيرة)

وفيما تتنقل بين مسارات الحديقة، يلفتك تنوع المعالم التاريخية والثقافية التي تحتضنها، مثل كنيسة القديس بروكوبيوس والنُصب التذكارية التي تخلد أسماء شخصيات ألبانية بارزة. كما تحتفظ الحديقة بذكرى الجنود البريطانيين والألمان الذين سقطوا في الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى ضريح العائلة الملكية الألبانية الذي تم تشييده في عام 2012.

تعد الحديقة أيضًا موطنًا للعديد من الطيور والحيوانات التي تساهم في إثراء الحياة البرية في المنطقة. من الطيور مثل البلبل المغرد والبومة والعصفور الصخري، إلى الحيوانات الصغيرة مثل السلاحف والسحالي، فإن هذه الحديقة توفر تجربة طبيعية غنية ومتكاملة.

تمتد حديقة البحيرة الكبرى على مساحة تزيد عن 156 هكتارًا، بينما تمتد البحيرة نفسها على 4.5 هكتار، مما يجعلها من أضخم المساحات الخضراء في تيرانا، وتحولها إلى نقطة جذب سياحية مميزة في العاصمة.

تُعد الحديقة اليوم من أهم معالم تيرانا السياحية، حيث يقصدها الزوار من مختلف أنحاء العالم للاستمتاع بجمالها الطبيعي والأنشطة المتنوعة التي تقدمها في بيئة صحية وطبيعية.

الجولة الثالثة.. ممشى "مراد توبتاني"

  • ممشى مراد توبتاني: لقاء بين التاريخ والحداثة في قلب تيرانا

يُعد ممشى "مراد توبتاني" واحدًا من أبرز المعالم السياحية في قلب تيرانا. يبدأ هذا المسار الرائع من شارع بوليفارد شهداء الوطن، الذي يعد أحد أهم شوارع العاصمة، ويشق طريقه في اتجاه الشرق ليعبر بين معالم تاريخية رائعة وأخرى عصرية.

31-يشق ممشى مراد توبتاني طريقه في اتجاه الشرق ليعبر بين معالم تاريخية رائعة وأخرى عصرية
يشق ممشى مراد توبتاني طريقه في اتجاه الشرق ليعبر بين معالم تاريخية رائعة وأخرى عصرية (الجزيرة)

على الجهة اليمنى من الممشى، تقع قلعة تيرانا التاريخية، بينما يقابلها على اليسار مول طوبتان العصري الذي يعكس لمسات الحداثة. وفي الجهة الشمالية، يُشاهد قصر طوبتات الأثري، الذي يجاوره أول فندق خمس نجوم تم افتتاحه في العاصمة الألبانية. ومع تقدمك في المسار، ستصل إلى جسر طباق الأثري على ضفاف نهر لانا، ليختتم ممشى "مراد توبتاني" جولة تاريخية تجمع بين المعالم الطبيعية والأثرية.

تم افتتاح الممشى في 10 أكتوبر 2011، بعد أعمال ترميم شاملة بدعم من الاتحاد الأوروبي، ليُصبح مساحة مفتوحة يُحتفل فيها بالتراث التاريخي والثقافي. ويعبر الممشى العديد من المعالم التاريخية البارزة مثل قلعة تيرانا، أكاديمية العلوم، الحديقة الشعبية، **المكتبة الوطنية القديمة، وأيضًا مبنى المضطهدين السياسيين، ليجعل من هذه المنطقة واحدة من الوجهات المميزة التي تجمع بين الماضي والحاضر في تيرانا.

  • قلعة تيرانا.. معلم أثري تحول لمنتزه سياحي في قلب المنطقة الأثرية

تُعد قلعة تيرانا من أبرز الوجهات السياحية التي تجمع بين عبق التاريخ وسحر الحداثة، مما يجعلها رمزًا حيًا للتراث الثقافي في العاصمة الألبانية. أُدرجت كموقع أثري عام 1973، لتصبح شاهدة على تطور المدينة وهويتها عبر العصور.

تقع القلعة عند تقاطع الطرق القديمة التي ربطت بين الشرق والغرب، حيث شُيدت بالقرب من أطلال قلعة الإمبراطور جستنيان. تعود ملكيتها إلى عائلة توبتاني، إحدى أغنى وأعرق العائلات في ألبانيا والبلقان، والتي انتقلت من مدينة كرويا الجبلية الشمالية إلى تيرانا في القرن السابع عشر.

32-تُعد قلعة تيرانا من أبرز الوجهات السياحية التي تجمع بين عبق التاريخ وسحر الحداثة
تُعد قلعة تيرانا من أبرز الوجهات السياحية التي تجمع بين عبق التاريخ وسحر الحداثة (الجزيرة)

كانت القلعة مسرحًا للعديد من التحولات التاريخية. ففي القرن التاسع عشر، اندلعت معارك شرسة بين عائلة توبتاني وعائلة بوشاتلي من اشكودرا، أبرزها حصار عام 1817 الذي دام خمسة أشهر وألحق أضرارًا جسيمة بالقلعة. وفي عام 1832، أمر محمد رشيد باشا بهدمها بالكامل ضمن خطة تهدف إلى تقليص نفوذ القلاع في المنطقة.

رغم الدمار الذي لحق بها، استُعيدت القلعة من خلال عمليات ترميم دقيقة، لتتحول إلى وجهة ثقافية وسياحية نابضة بالحياة. اليوم، تُمثل القلعة مزيجًا فريدًا من الماضي والحاضر، حيث توفر للزوار ممرات مخصصة للمشاة لاستكشاف أجواءها التاريخية والمعاصرة.

يُعد "الشارع داخل القلعة" محور جذب رئيسي، إذ يضم متاجر تعرض المنتجات الحرفية التقليدية ومعارض فنية تجسد التراث الألباني بتفاصيل عصرية. كما تُقام فعاليات ثقافية متنوعة تشمل الحفلات الموسيقية والمعارض الفنية التي تضفي حيوية خاصة على تجربة الزوار.

إلى جانب ذلك، تقدم القلعة فرصة فريدة لتذوق الأطباق التقليدية في أجواء مفعمة بالثقافة المحلية، مما يجعلها وجهة مثالية لمحبي التراث والطعام الأصيل.

33-يضم الشارع داخل قلعة تيرانا متاجر تعرض المنتجات الحرفية التقليدية ومعارض فنية تجسد التراث الألباني
يضم الشارع داخل قلعة تيرانا متاجر تعرض المنتجات الحرفية التقليدية ومعارض فنية تجسد التراث الألباني (الجزيرة)

بتصميمها المستطيل الذي يمتد من الشرق إلى الغرب وسورها الذي يحكي قصص العصور الماضية، تظل قلعة تيرانا شاهدًا على التاريخ الغني للمدينة. وبينما تحتضن القلعة حكايات الزمن القديم، فإنها ترحب بالمستقبل بروح متجددة، لتكون رمزًا دائمًا لهوية العاصمة وثقافتها.

زيارة قلعة تيرانا ليست مجرد رحلة سياحية، بل تجربة غنية تستحضر عبق التاريخ مع لمسة معاصرة. إنها دعوة لاكتشاف قلب العاصمة الألبانية حيث يمتزج الماضي بالحاضر في انسجام ساحر.

تُعد قلعة تيرانا من أبرز المعالم الأثرية التي تجمع بين عراقة الماضي وسحر الحاضر، أعيد ترميمها لتصبح اليوم وجهة ثقافية نابضة بالحياة. تحتضن القلعة فعاليات فنية وموسيقية ومتاجر للحرف التقليدية، ما يجعل زيارتها تجربة فريدة تمتزج فيها روح التراث بلمسة عصرية مبهرة.

  • مركز توبتاني: تجربة تسوق حديثة في قلب تيرانا

في قلب **تيرانا** النابضة بالحياة، حيث يلتقي التاريخ بالحاضر، يرتفع **مركز توبتاني للتسوق** كرمز للتطور العمراني الحديث الذي تشهده العاصمة الألبانية. فمنذ افتتاحه، أصبح هذا المركز أكثر من مجرد وجهة للتسوق، بل تحول إلى مساحة حضرية حيوية تجمع بين التسوق، الترفيه، والأعمال في بيئة أنيقة وعصرية.

عند دخولك المبنى، ستجد نفسك وسط عالم من الأضواء والانعكاسات، حيث تتوزع **المحال التجارية** حول ردهة مركزية تتلألأ بفضل الجدران الزجاجية والمرايا التي تعكس الأضواء بطريقة مبهرة. في الطوابق العليا، تحتل **المكاتب** مساحات فسيحة بإطلالات بانورامية على المدينة، حيث يمكن للعاملين الاستمتاع بمشهد تيرانا الحديثة من نوافذهم.

34-يعد مركز توبتاني للتسوق رمز للتطور العمراني الحديث الذي تشهده العاصمة الألبانية بعد فترة الشيوعية
يعد مركز توبتاني للتسوق رمز للتطور العمراني الحديث الذي تشهده العاصمة الألبانية بعد فترة الشيوعية (الجزيرة)

لكن سحر مركز توبتاني لا يقتصر على داخله فقط، بل يمتد إلى الشارع، حيث صُممت واجهته الخارجية بشرفات أنيقة وسلالم تدمج بين **المبنى والحياة الحضرية** المحيطة به. وتزيد **الشاشات الرقمية الضخمة** من تفاعله مع المدينة، حيث تعرض الإعلانات وتبث الفعاليات الكبرى، مما يجعله نقطة تجمع ديناميكية للسكان والزوار.

يقع المركز في شارع **عبد توبتاني**، أحد أهم الشوارع في قلب تيرانا، ليكون شاهدًا على تطور المدينة وتحولها إلى وجهة عصرية تجذب الباحثين عن تجربة تسوق حديثة ومريحة في أجواء تفيض بالحيوية والتجدد.

  • سراي توبتاني.. تحفة معمارية عثمانية تروي تاريخ تيرانا الثقافي

في قلب العاصمة الألبانية تيرانا، تقف سراي توبتاني كإحدى أهم المعالم التاريخية التي تجسد عراقة العمارة العثمانية وتأثيراتها على التراث المحلي. يعود تاريخ بناء هذه السراي إلى الفترة بين عامي 1833 و1840، وقد أنشأها أفراد من عائلة توبتاني الشهيرة لتكون دار استقبال للضيوف ومقرًا يعكس مكانتهم الاجتماعية الرفيعة.

تمتد سراي توبتاني على مساحة كبيرة، تحتوي على 32 غرفة مزخرفة بأسلوب عثماني شرقي. يتسم التصميم باستخدام الجدران السميكة المصنوعة من الطوب المدعوم بعوارض خشبية مضادة للزلازل، مما يمنح المبنى طابعًا يشبه القلعة. يُظهر التصميم الداخلي والخارجي اهتمامًا كبيرًا بالزخارف الخشبية والنقوش الزهرية التي تزين الأسقف والنوافذ، بينما تُحاط السراي بحديقة واسعة تضم بئرًا ومداخل محمية بجدران عالية وبوابة رئيسية ضخمة.

35-تقف سراي توبتاني كإحدى أهم المعالم التاريخية التي تجسد عراقة العمارة العثمانية وتأثيراتها على تيرانا
تقف سراي توبتاني كإحدى أهم المعالم التاريخية التي تجسد عراقة العمارة العثمانية وتأثيراتها على تيرانا (الجزيرة)

على مر العقود، مرت السراي بتحولات عديدة في استخداماتها. خلال العشرينيات من القرن الماضي، أصبحت مقرًا مؤقتًا للسفارة الأمريكية في ألبانيا. لاحقًا، خلال عهد الملك أحمد زوغو، تحولت إلى أول مكتبة وطنية في البلاد، حيث احتضنت الكنوز الثقافية والمعرفية للأمة. ومع دخول فترة الحكم الشيوعي، استُخدمت كمقر لمعهد حماية الآثار والثقافة. في عام 1963، أُعلنت السراي كموقع أثري محمي من قبل الدولة، لتبقى شاهدة على تاريخ غني ومتنوع.

في العقود الأخيرة، تعرضت السراي لعدد من التحديات، من بينها الإهمال والحرائق، مما أدى إلى تضرر أجزاء منها. إلا أن الجهود جارية لاستعادتها وترميمها. وقد صرحت وزارة الثقافة بأن الهدف المستقبلي هو تحويل السراي إلى متحف ثقافي يعكس تاريخ تيرانا والعلاقات التاريخية بين ألبانيا والولايات المتحدة.

بالرغم من كونها غير مفتوحة حاليًا للجمهور، تُعتبر سراي توبتاني رمزًا للتراث الثقافي في تيرانا ووجهة مميزة لمحبي العمارة والتاريخ. يجذب هذا المعلم الأنظار بسبب قيمته التاريخية والفنية، ويأمل السكان المحليون والزوار أن تُستعاد السراي لتصبح جزءًا نابضًا بالحياة من المشهد الثقافي للعاصمة.

ختامًا، تبقى سراي توبتاني شاهدة على فصول متعددة من تاريخ ألبانيا، وواحدة من أجمل النماذج التي تعكس اندماج العمارة الشرقية والغربية في قلب البلقان.

  • مبنى معهد المضطهدين السياسيين السابقين.. مزيج من الفن المعماري والتاريخ السياسي

تواصل سيرك تجاه الشرق وتعبر الشارع الي يمتد من جنوب العاصمة لشمالها لتجد أمامك على يسارك نحو الجنوب مبنى فريد في طرازه يلفت أنظار ويدفعك للتوقف والتأمل في روعته ولكن يلفت نظر نصب عجيب أمامه وكأنه يشير لمعاناة حدثت في الماضي وحينما تقترب وتقرأ اللافتة المعلقة على باب المبنى تفهم الحكاية المؤلمة..

في قلب تيرانا، وتحديدًا في شارع "جورج دبليو بوش"، يقف مبنى معهد المضطهدين السياسيين السابقين كمعلم ثقافي وتاريخي يعكس ماضي ألبانيا وتراثها المعماري. يعود تاريخ بناء هذا المبنى إلى عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، حيث صُمم ليكون مقرًا للسفارة الإيطالية

36-يمثل مبنى معهد المضطهدين السياسيين السابقين مزيج من الفن المعماري والتاريخ السياسي
يمثل مبنى معهد المضطهدين السياسيين السابقين مزيج من الفن المعماري والتاريخ السياسي (الجزيرة)

يمثل المبنى مزيجًا فريدًا من الطراز الإكليتيكي (Eclectic Architecture)، وهو نمط معماري يجمع بين أساليب متعددة، مع تأثيرات شرقية واضحة تُبرز الروح المحلية، بالإضافة إلى لمسات بسيطة من أسلوب "آرت نوفو" (Art Nouveau) المعروف بخطوطه الانسيابية وزخارفه الأنيقة. هذا المزج أضفى على المبنى شخصية متميزة تجمع بين العراقة والتجديد.

في عام 2007، أُعلن المبنى كمعلم ثقافي، ما يجعله أحد الرموز المهمة للتراث المعماري في ألبانيا. هذا الإعلان يعكس تقديرًا للجهود المبذولة للحفاظ على الصروح التاريخية التي تشهد على فترات سياسية واجتماعية مختلفة في تاريخ البلاد.

اليوم، يُستخدم المبنى كمقر لمعهد المضطهدين السياسيين السابقين في ألبانيا، وهي مؤسسة تسلط الضوء على حقوق الأشخاص الذين عانوا من الاضطهاد السياسي في حقبة الحكم الشيوعي. يهدف المعهد إلى الحفاظ على ذكرى هؤلاء الأشخاص وتعزيز الوعي بقيم الحرية والديمقراطية.

لا يمثل المبنى مجرد صرح معماري جميل فحسب، بل يُعد شهادة على تطورات تاريخية وسياسية عاصفت بألبانيا خلال القرن العشرين. زيارته تتيح فرصة للتأمل في الماضي واستيعاب دروسه، إلى جانب التمتع بجمال التصميم المعماري الذي يعكس رؤية فنية عابرة للزمن.

  • المبنى القديم للمكتبة الوطني..ملتقى التاريخ والثقافة في تيرانا

وفي مقابله على يسارك في الجهة الشمالية تشاهد مبنى مرتفع على سلاسم صاعدة وكأنك ترتقي في المكان والوعي حينما تدخل من باب هذا المبنى الرائع البديع إنه..

يقف المبنى القديم للمكتبة الوطنية في تيرانا كشاهدٍ على لحظاتٍ مفصلية في تاريخ ألبانيا. في 26 نوفمبر 1912، ومع انتهاء خمسة قرون من الحكم العثماني، شهدت الساحة أمام هذا المبنى رفع علم الاستقلال لأول مرة في مدينة تيرانا، في احتفال وطني شارك فيه رموز بارزون مثل عبدي طبطاني، ومحمد بازاري، وإبراهيم أغاليو، وشفقت ندرَوْقي.

بعد ذلك بسنوات قليلة، وتحديدًا في 11 فبراير 1920، أصبح المبنى مقرًا للحكومة المؤقتة الألبانية التي انبثقت عن مؤتمر لوشنيا، بالتزامن مع إعلان تيرانا عاصمة للبلاد.

37-يقف المبنى القديم للمكتبة الوطنية في تيرانا كشاهدٍ على لحظاتٍ مفصلية في تاريخ ألبانيا الحديث
يقف المبنى القديم للمكتبة الوطنية في تيرانا كشاهدٍ على لحظاتٍ مفصلية في تاريخ ألبانيا الحديث (الجزيرة)

في عام 1945، تحول المبنى إلى مقر المكتبة الوطنية الألبانية، ليصبح مركزًا للمعرفة والثقافة في البلاد. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت المكتبة تمتلك مجموعة ضخمة تضم 15,000 مجلد. وشهدت المجموعة تطورًا ملحوظًا، خاصة في مجال الدراسات الألبانية، نتيجة مصادرة مكتبات خاصة ومجموعات شخصية لعدد من رموز الثقافة في ظل النظام الشيوعي آنذاك.

اليوم، يواصل هذا المبنى العريق أداء دوره الثقافي، حيث يضم قسم الأدب الأجنبي، وقاعات قراءة متعددة مخصصة للغات المختلفة، بما في ذلك الألمانية، الإيطالية، الفرنسية، الإنجليزية، واللغات الكلاسيكية. زيارة هذا المكان تمنحك فرصة للغوص في أعماق التاريخ، والاطلاع على إرث ثقافي ومعرفي يجعل منه معلمًا لا غنى عنه لعشاق التراث والتاريخ في تيرانا.

  • جسر طباق - تيرانا: تحفة معمارية على ضفاف نهر لانا

وقبيل انتهاء الممشى تشاهد منطقة في غاية الروعة فهناك على يسارك حديثة 1 مايو الرائعة المنفتحة في الأجواء المفتوحة والتي تحولت لمجمع من المقاهي والمطاعم وفي نفس مسارك على الممشى مقاهي أصغر رائعة ثم في نهاية الممشى على يسارك تشاهد جسر طبق الحجري الرائعة وهو يتجه من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي ليخبرك أنه تم في الماضي تحويل مسرى مجرى نهر لان وهذه حكايته

يعد جسر طباق أحد أبرز المعالم المعمارية التاريخية في تيرانا، حيث يجسد روعة الفن المعماري العثماني في القرن الثامن عشر. هذا الجسر الحجري كان يشكل جزءًا أساسيًا من البنية التحتية الحيوية للمدينة في تلك الفترة، فقد ربط تيرانا بالمنطقة الجبلية الشرقية عبر طريق القديس جورج، وكان يُستخدم كمعبر للمشاة وأيضًا لنقل المواشي من القرى إلى المدينة حتى ثلاثينيات القرن الماضي.

كان لجسر طباق دور اجتماعي واقتصادي بالغ الأهمية. فقد تم بناؤه بتمويل من نقابة دباغي الجلود، التي كانت تحتل مكانة مرموقة في الحياة الاقتصادية لتيرانا آنذاك. كان الجسر يربط بين ضفتي نهر لانا، ويُستخدم في تسهيل تجارة الجلود والمواشي، حيث كانت محلات الجزارين وورش دباغة الجلود تنتشر على ضفافه. وبذلك، أصبح الجسر عنصرًا أساسيًا في النشاط الاجتماعي والاقتصادي للمدينة في تلك الفترة.

39-كان جسر طباق في تيرانا يربط بين ضفتي نهر لانا قبل تغيير مساره ويُستخدم في تسهيل تجارة الجلود والمواشي
كان جسر طباق في تيرانا يربط بين ضفتي نهر لانا قبل تغيير مساره ويُستخدم في تسهيل تجارة الجلود والمواشي (الجزيرة)

من الناحية المعمارية، يمثل جسر طباق شهادة حية على التقاليد العريقة في البناء واحترافية الحرفيين المحليين. يتميز الجسر بتصميمه المتناسق وتوزيع عناصره الهندسية بشكل متوازن، مما يضفي عليه جمالًا فنيًا مميزًا. يرتفع الجسر حوالي 7.5 أمتار، ويبلغ طول القوس الرئيسي 8 أمتار، ما يمنحه شكله الشامخ. تم بناء القوس من طبقتين من الأقواس الجانبية التي تضفي عليه المتانة، بينما يبلغ عرض الممر 2.5 متر، مرصوف بحجارة نهرية غير منتظمة، مما يضيف إلى جمالية الجسر التقليدية.

مع مرور الوقت، فقد الجسر دوره الحيوي بعد تحويل مجرى نهر لانا في ثلاثينيات القرن الماضي، ليصبح شبه مهدم. إلا أن الجسر شهد عمليات ترميم واسعة في تسعينيات القرن الماضي، حيث تم إعادة تجديده ليعود إلى حالته الأصلية ويُعاد استخدامه من قبل المشاة. وفي عام 2007، تم اكتشاف حوض صناعي أسفل الجسر أثناء أعمال تطوير البنية التحتية، مما أضاف إلى رونقه التاريخي وأكد على قيمة هذا المعلم العريق.

اليوم، يُعد جسر طباق واحدًا من أهم معالم التراث الثقافي في تيرانا، ويعد شاهدًا حيًا على فن العمارة العثمانية في المدينة. بفضل ترميمه والمحافظة عليه، أصبح الجسر نقطة جذب سياحي بارزة، حيث يمكن للزوار التمتع بجماله المعماري والتاريخي في قلب المدينة، والاستمتاع بجولة فريدة تنقلكم عبر الزمن.

الجولة الرابعة.. معالم عثمانية، ثقافية، تاريخية

  • معالم ومؤسسات المشيخة الإسلامية.. مزيج من التاريخ العريق والأصالة المعمارية

تعد المشيخة الإسلامية الألبانية حجر الزاوية في التاريخ الديني والثقافي لألبانيا، حيث تجسد مؤسساتها ومعالمها مزيجًا فريدًا من الأصالة المعمارية والعراقة التاريخية. تأسست المشيخة في عام 1923 في تيرانا، لتكون بمثابة إعلان عن استقلال المسلمين في ألبانيا عن الخلافة العثمانية، ما أسهم في تعزيز الهوية الدينية والثقافية للألبان.

40-مبنى المشيخة الإسلامية الألبانية في تيرانا والتي تعد حجر الزاوية في التاريخ الديني والثقافي لألبانيا (1)
مبنى المشيخة الإسلامية الألبانية في تيرانا والتي تعد حجر الزاوية في التاريخ الديني والثقافي لألبانيا (1) (الجزيرة)

تُعد المؤسسات التابعة للمشيخة، مثل المدارس الدينية والأوقاف الإسلامية، منارة لنشر التعليم الديني باللغة الألبانية وتنظيم الشؤون الإسلامية بما يتناسب مع متطلبات العصر الحديث. زيارة هذه المعالم لا تقتصر على كونها رحلة عبر الزمن، بل هي فرصة لاكتشاف التحولات الثقافية والدينية التي شهدها المجتمع الألباني.

من خلال مؤسساتها التاريخية والمعمارية، تقدم المشيخة الإسلامية صورة حية عن التوازن بين العراقة الإسلامية والحداثة الأوروبية، مما يجعلها جزءًا أساسيًا في فهم الهوية الثقافية والدينية للألبان.

  • مقر المشيخة الإسلامية الألبانية.. من قصر أميرات إلى رمز ديني بارز

في قلب العاصمة تيرانا، يقف مقر المشيخة الإسلامية الألبانية كدليل حي على التحولات الزمنية والتاريخية التي مرت بها المدينة. كان المبنى في البداية ملكًا للمشيخة، قبل أن يُستأجر عام 1927 من قبل العائلة الملكية ليصبح قصرًا للأميرات شقيقات الملك أحمد زوغو الأول بعد إعلان الملكية في ألبانيا.

مؤسسات المشيخة الإسلامية، التي تأسست عام 1923، تقف اليوم شاهدًا على قرن من الاستقلال الديني والثقافي في ألبانيا. هذا المكان الذي كان في يوم من الأيام ملاذًا للأميرات، تحول ليصبح معقلًا روحانيًا يعكس مزيجًا من العمق الروحي والمعماري.

مرت سنوات من التحولات السياسية والاجتماعية، حيث تم تأميم القصر في ستينيات القرن الماضي أثناء الحكم الشيوعي. ومع عودة الديمقراطية في التسعينيات، استعادت المشيخة ملكية المبنى، لكنها اختارت هدمه وإقامة مقر حديث يعكس الهوية الإسلامية المتجددة.

اليوم، يشكل المقر الجديد للمشيخة الإسلامية في تيرانا رمزًا يجسد التوازن بين التراث والحداثة، ويظل وجهة بارزة تروي قصة ماضي المدينة في ظل روحها المستقبلية.

44-يتسع جامع تيرانا الكبيرلثماني آلاف مصلٍّ في قاعته بالإضافة إلى ألفين آخرين في الساحات الخارجية
يتسع جامع تيرانا الكبير لثمانية آلاف مصلٍّ في قاعته بالإضافة إلى ألفين آخرين في الساحات الخارجية (الجزيرة)

ويلوح في الأفق جامع تيرانا الكبير، المعروف أيضًا باسم جامع نامازجه، كأضخم صرح ديني في منطقة البلقان. بقبابه الفخمة ومآذنه الشاهقة، يبرهن هذا الجامع على عودة الروح الإسلامية إلى العاصمة الألبانية بعد عقود من القمع. يجسد جامع تيرانا الكبير مزيجًا رائعًا بين الطراز العثماني الكلاسيكي ومتطلبات العصر الحديث، ليصبح نقطة التقاء بين الماضي والحاضر.

بدأت فكرة بناء الجامع بعد سقوط النظام الشيوعي في 1991، عندما تقلص عدد المساجد في العاصمة، مما اضطر العديد من المصلين إلى أداء صلواتهم في الشوارع. وفي عام 1992، وضع الرئيس الألباني الأسبق صالح بريشا حجر الأساس للمشروع، لكن العراقيل السياسية أخرت تنفيذه. وفي عام 2010، تم اتخاذ القرار باستكمال المشروع برعاية رئيس بلدية تيرانا آنذاك، إيدي راما، بتمويل بلغ 30 مليون يورو، شاركت فيه رئاسة الشؤون الدينية التركية "ديانات".

45-أصبح جامع تيرانا الكبير اليوم معلمًا سياحيًا بارزًا يعزز من حضور الثقافة الإسلامية في ألبانيا
أصبح جامع تيرانا الكبير اليوم معلمًا سياحيًا بارزًا يعزز من حضور الثقافة الإسلامية في ألبانيا (الجزيرة)

أعمال البناء بدأت في 2015 بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأُقيم حفل الافتتاح الرسمي في 10 أكتوبر 2024 بحضور شخصيات رفيعة من ألبانيا وتركيا. يمتد الجامع على مساحة 10,000 متر مربع، ويحتوي على أربع مآذن شاهقة بارتفاع 50 مترًا، وقبة ضخمة بارتفاع 30 مترًا، مما يضفي عليه طابعًا عثمانيًا أصيلًا.

يتسع الجامع لـ 8,000 مصلٍّ في قاعته، بالإضافة إلى 2,000 آخرين في الساحات الخارجية، ليصل إجمالي القدرة الاستيعابية إلى 10,000 شخص في وقت واحد. ويحتوي على مرافق ثقافية وتعليمية، مما يجعله أكثر من مجرد مكان للعبادة.

أصبح جامع تيرانا الكبير اليوم معلمًا سياحيًا بارزًا، يعزز من حضور الثقافة الإسلامية في ألبانيا ويجسد روح التسامح الديني والتنوع الثقافي في البلاد، ليظل رمزًا للحفاظ على الهوية الدينية والثقافية للألبان وجسرًا يربط الماضي المتجذر بالحاضر المتجدد.

  • سليمان باشا بارجيني.. مؤسس تيرانا

في صفحات تاريخ العاصمة الألبانية، يتألق اسم سليمان باشا يارجيني كأحد الشخصيات البارزة التي أسست مدينة تيرانا، والتي أصبحت بعد ثلاثة قرون من تأسيسها عاصمة نابضة بالحياة.

في أوائل القرن السابع عشر، حمل هذا القائد العثماني رؤيته الحضارية ليؤسس تيرانا على أسس متينة من المساجد، الأسواق، والحمامات التركية، ليصبح بذلك مؤسسًا للمدينة التي نراها اليوم. تمثال سليمان باشا، الذي يقف في ساحة التحرير، يروي للزوار قصة الرجل الذي أسس هذه العاصمة.

وُلد سليمان باشا في بلدة يارجين، إلا أنه عاش في قرية موليت جنوب تيرانا. بعد مسيرة عسكرية مرموقة كجنرال في الجيش العثماني، عاد إلى مسقط رأسه محملاً برؤية حضارية وبرغبة في تحقيق مشاريعه، وهو ما تحقق بفرمان سلطاني يتيح له تنفيذ رؤيته.

46-2-في صفحات تاريخ العاصمة الألبانية يتألق اسم سليمان باشا بارجيني مؤسس مدينة تيرانا في عام 1614
في صفحات تاريخ العاصمة الألبانية يتألق اسم سليمان باشا بارجيني مؤسس مدينة تيرانا في عام 1614 (الجزيرة)

في عام 1614، اتخذ سليمان باشا خطوة تاريخية بتأسيس أول معالم تيرانا، حيث بنى المسجد الأول، وحمامًا تركيًا، ومخبزًا، وسوقًا، لتشكل هذه المنشآت الأربع الأساس الذي ساهم في تحول المنطقة إلى مركز حضري مزدهر.

تم تخليد ذكرى هذا القائد عام 2000 بنصب تذكاري رائع من تصميم النحات ماكسيم شردهي، والذي يقف إلى جانب نصب "جندي التحرير" في ساحة رئيسية، ليظل شاهدًا على إرث رجل لم يكن قائدًا عسكريًا فحسب، بل مؤسسًا ترك بصمة خالدة في تاريخ ألبانيا.

اليوم، يُعد تمثال سليمان باشا معلمًا ثقافيًا وسياحيًا بارزًا، رمزًا للذاكرة التاريخية وبداية النهضة الحضرية التي شكلت ملامح العاصمة الألبانية.

  • قبر كابلان باشا.. شاهداً على التاريخ العثماني في قلب تيرانا

بين أعمدة مثمنة تتحدى عوادي الدهر، يقف قبر كابلان باشا، كأحد أبرز المعالم العثمانية التي تحكي فصولًا من تاريخ المدينة. بُني هذا القبر بين عامي 1820 و1830 ليخلد ذكرى حاكم تيرانا، "كابلان باشا توبتاني"، الذي توفي عام 1819. واليوم، يُعد القبر واحدًا من القلائل التي بقيت شاهدة على الطراز المعماري العثماني في العاصمة الألبانية.

يتخذ القبر شكلًا مثمنًا، ويضم ثمانية أعمدة حجرية متينة، مزينة بتصاميم كورنثية مزخرفة تنبثق منها أقواس متقنة الزخرفة، تحمل نقوشًا نباتية دقيقة تعكس الإبداع العثماني في العمارة. القبر، الذي لم يعد يضم سقفًا أو قبة، يثير التساؤل حول ما إذا كان قد اكتمل في شكله الأصلي أم تعرض للتغير بفعل الزمن.

46-بين أعمدة مثمنة تتحدى عوادي الدهر يقف قبر كابلان باشا كأحد أبرز المعالم العثمانية التي تحكي فصولًا من تاريخ المدينة
بين أعمدة مثمنة تتحدى عوادي الدهر يقف قبر كابلان باشا كأحد أبرز المعالم العثمانية التي تحكي فصولًا من تاريخ المدينة (الجزيرة)

في الماضي، كان القبر جزءًا من أقدم وأجمل مجمع أثري في تيرانا، يتضمن قبر سليمان باشا بارجيني مؤسس العاصمة ومسجده الذي يحمل اسمه، مما جعله مركزًا دينيًا وثقافيًا بارزًا. لكن هذا المجمع الذي كان يضم ستة قبور ضخمة بتصاميم مشابهة، تعرض للتدمير خلال الحرب العالمية الثانية، ولم يبقَ منه سوى قبر كابلان باشا الذي ظل صامدًا رغم الأضرار التي لحقت به.

ينتمي كابلان باشا إلى عائلة توبتاني، إحدى أكثر العائلات نفوذًا في ألبانيا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وقد لعب دورًا هامًا في تاريخ تيرانا، حيث جسد فترة من القوة والتأثير السياسي في المنطقة.

في عام 1948، تم تصنيف قبر كابلان باشا كمعلم ثقافي من الفئة الأولى، تقديرًا لقيمته التاريخية والمعمارية. وعلى الرغم من أن القبر بات اليوم فارغًا، حيث تم استخراج رفات كابلان باشا ودفنها في إسطنبول، إلا أنه يظل رمزًا للتراث العثماني ووجهة تستقطب الزوار الراغبين في استكشاف ماضي المدينة الغني.

يمثل قبر كابلان باشا شهادة حية على براعة العمارة العثمانية وتأثيرها العميق في هوية العاصمة الألبانية. زيارة هذا القبر الأثري تمنح السائح فرصة فريدة لاستكشاف التاريخ العثماني الغني في تيرانا وفهم الأبعاد الثقافية والدينية التي شكلت هوية المدينة عبر العصور، مما يجعل من الرحلة السياحية تجربة ثقافية ملهمة وممتعة.

  • "البازار الجديد".. استكشاف التقاليد الألبانية في أجواء تراثية بنكهات معاصرة

في ساحة أفني روستيمي، على بُعد خطوات قليلة من مركز مدينة تيرانا نحو الشرق، يبرز "البازار الجديد" كأحد أبرز المعالم التجارية التاريخية التي ما زالت تحتفظ بجمالها التقليدي. رغم التجديدات المعمارية التي أُضيفت له بلمسات إيطالية عصرية، إلا أن البازار حافظ على أصالته، مما يجعله وجهة مثالية لعشاق التاريخ والجمال المعماري المدمج بين الماضي والحاضر.

تأسس "البازار الجديد" عام 1931 استجابةً للنمو السريع في النشاط التجاري بالعاصمة تيرانا، حيث أصبح البازار القديم عاجزًا عن تلبية احتياجات السوق المتزايدة. وبعد هدم البازار القديم في عام 1959، أصبح "البازار الجديد" المركز الرئيسي لتجارة اللحوم والأسماك والخضروات والفواكه في المدينة، ليظل طوال عقود نقطةً محورية للمتسوقين والزوار.

48-يعد البازار الجديد مكانًا مثاليًا لاكتشاف الحرف اليدوية الألبانية المميزة وشراء هدايا متنوعة مصنوعة محليًا
يعد البازار الجديد مكانًا مثاليًا لاكتشاف الحرف اليدوية الألبانية المميزة وشراء هدايا متنوعة مصنوعة محليًا (الجزيرة)

يزين هذا البازار الرائع مسجد كوكونوزي التاريخي، الذي يعود إلى عام 1750، ليضفي لمسة إسلامية تقليدية بطابعها العثماني الأصيل، مما يضفي على المنطقة التي انطلقت منها العاصمة قبل قرون طابعًا ألبانيًا مميزًا يجسد تاريخًا طويلًا من الحضارة والثقافة.

البازار الجديد ليس مجرد سوق تجاري، بل هو لوحة فنية حية تعكس مزيجًا فريدًا من الطراز المعماري التقليدي والأصالة العثمانية. أثناء التجول بين الأزقة والممرات المغطاة، ستلاحظ كيف يتناغم الطراز المعماري الألباني الخشبي التقليدي مع الواجهات الإيطالية الحديثة التي أضيفت خلال تجديد البازار عام 2017. هذا المزيج من التراث والحداثة جعل من البازار وجهة سياحية مميزة تستهوي زوار تيرانا من مختلف أنحاء العالم.

يمثل البازار الجديد وجهة متميزة للتسوق، حيث يضم العديد من الأقسام المتنوعة التي تقدم مجموعة واسعة من المنتجات المحلية الطازجة. في سوق الألبان ومنتجات اللحوم، يمكن للزوار تذوق ألذ الأطعمة التقليدية، بينما يقدم سوق الخضروات والفواكه تشكيلة غنية من المنتجات المزروعة محليًا في المناطق المحيطة بتيرانا.

إضافة إلى ذلك، يعد البازار مكانًا مثاليًا لاكتشاف الحرف اليدوية الألبانية المميزة. من الأعمال النحاسية الرائعة التي تعكس براعة الحرفيين المحليين، إلى الأعمال الخشبية المصنوعة يدوياً التي تحمل الطابع الألباني التقليدي، يجد الزوار أيضًا سجادًا ألبانيًا أصليًا بألوانه الزاهية وتصاميمه الفريدة. كما يُمكن للزوار شراء هدايا متنوعة من المنتجات المحلية المميزة، التي تمثل جزءًا من الثقافة الألبانية الغنية وتعتبر تذكارًا رائعًا.

47-يمثل البازار الجديد فرصة لاستكشاف التقاليد الألبانية في أجواء تراثية بنكهات معاصرة
يمثل البازار الجديد فرصة لاستكشاف التقاليد الألبانية في أجواء تراثية بنكهات معاصرة (الجزيرة)

مع مرور الوقت، أصبحت المنطقة المحيطة بالبازار مركزًا حيويًا يضج بالحياة. المحلات التجارية والمقاهي والمخابز تنتشر في أنحاء المكان، مما يجعل منه نقطة لقاء حيوية للزوار المحليين والأجانب. وفي المساء، تزدحم المقاهي والمطاعم بالأجانب، خاصة الإيطاليين، الذين يفضلون الاستمتاع بالأجواء الدافئة. تعتبر المطاعم المحيطة فرصة رائعة لتذوق المأكولات الألبانية التقليدية إلى جانب الأطباق المتوسطية التي تحاكي ثقافات مختلفة، مما يضيف لمسة عالمية للمكان ويجعله نقطة جذب للسياح الأوروبيين الراغبين في التعرف على عادات وثقافات الشعوب والاستمتاع بأجواء تراثية فريدة ومميزة.

لا يتوقف سحر البازار الجديد عند التسوق فحسب، بل يمتد ليشمل أجواء من المرح والنشاط الثقافي. فالبازار يعمل على مدار 24 ساعة، حيث يبدأ النهار بنشاط تجاري مركز حول بيع المنتجات الطازجة، ليتحول في فترة ما بعد الظهر إلى مركز حيوي لفنون الطهو. وفي عطلات نهاية الأسبوع، يتحول البازار إلى مكان يعج بالفعاليات الثقافية والفنية مثل معارض الحرف اليدوية، والحفلات الموسيقية، وعروض المسرح للأطفال، مما يضفي على المكان روحًا فنية مليئة بالبهجة.

تجديد البازار في عام 2017 كان خطوة هامة لاستعادة جزء من هوية تيرانا الثقافية وتعزيز اقتصادها المحلي. لم يقتصر المشروع على إعادة البناء، بل كان جزءًا من رؤية لتطوير المدينة وجعلها أكثر جذبًا للسياح، حيث أضاف حيوية جديدة من خلال الأنشطة الاجتماعية والثقافية التي تُنظم هناك.

  • مدرسة تيرانا الإسلامية.. رائدة التعليم الشرعي في ألبانيا على مدار قرن

نواصل سيرنا نحو الشرق، وعلى بُعد حوالي 5 كم، نصل إلى مبنى جميل ضخم، إنه "مدرسة تيرانا الإسلامية"، المعروفة أيضًا بـ "مدرسة الحاج محمود داشي". تأسست عام 1924 بقرار من المؤتمر الأول للمشيخة الإسلامية الألبانية، وذلك لتلبية الحاجة المتزايدة للكوادر الدينية المؤهلة في البلاد. تعد هذه المدرسة أحد أبرز معالم التعليم الشرعي والتراث الثقافي في ألبانيا.

اكتمل بناء المدرسة عام 1931 بأسلوب معماري يُعرف بـ"الدولي"، الذي يدمج بين أنماط معمارية متعددة، مما أضفى عليها طابعًا مميزًا جعلها نقطة جذب ثقافية وتعليمية. شهد حفل افتتاحها حضور السياسي والمفكر البارز مهدي فراشري، الذي ألقى كلمة مؤثرة تعبيرًا عن أهمية هذه المؤسسة في تعزيز التعليم الشرعي.

50-مدرسة تيرانا الإسلامية التابعة للمشيخة الإسلامية رائدة التعليم الشرعي في ألبانيا لأكثر من قرن
مدرسة تيرانا الإسلامية التابعة للمشيخة الإسلامية رائدة التعليم الشرعي في ألبانيا لأكثر من قرن (الجزيرة)

طوال أربعة عقود، كانت المدرسة منارة للعلم والمعرفة، قبل أن تتعرض للإغلاق عام 1964 خلال الحكم الشيوعي الذي حظر النشاطات الدينية. ومع بداية التحولات الديمقراطية في ألبانيا، أعيد افتتاح المدرسة عام 1991، لتستعيد دورها كمركز تعليمي إسلامي تحت إدارة المشيخة الإسلامية الألبانية.

اليوم، تُعد المدرسة جزءًا من التراث الثقافي الوطني الألباني، حيث تم تصنيفها رسميًا ضمن قائمة المعالم التراثية عام 2007؛ لتظل مدرسة تيرانا الإسلامية رمزًا حيًا للتعليم الشرعي في ألبانيا، وشاهدًا على التحديات والتحولات التي مر بها التعليم الإسلامي على مدار قرن من الزمان.

  • فيلا "سالي شياكو".. أقدم منازل العاصمة التاريخية

في شمال العاصمة تيرانا، تقع فيلا "سالي شياكو"، التي تعد أقدم منزل تقليدي محفوظ في العاصمة وألبانيا. تمثل هذه الفيلا نموذجًا رائعًا للمنازل التقليدية القديمة التي تعكس سحر الماضي الألباني. يتميز تصميم الفيلا ببساطته وأناقتها، حيث تتداخل فيه العناصر المعمارية التقليدية مع الطراز الخشبي الذي يضفي عليها أصالة واضحة.

تتمثل قيمة الفيلا في تفاصيلها المعمارية الفريدة؛ فالأرضية مرصوفة بالحجر الطبيعي، مما يضفي على المكان طابعًا ريفيًا يعود إلى الزمن القديم. كما يمكن للزوار مشاهدة البئر القديم الذي كان يستخدمه سكان المنزل لتوفير المياه، ما يضفي عليها بُعدًا تاريخيًا يتعلق بالحياة اليومية في ذلك العصر.

52-فيلا الفنان سالي شياكو تمثل نموذجًا رائعًا للمنازل التقليدية القديمة التي تعكس سحر الماضي الألباني
فيلا الفنان سالي شياكو تمثل نموذجًا رائعًا للمنازل التقليدية القديمة التي تعكس سحر الماضي الألباني (الجزيرة)

تتمتع الفيلا أيضًا بنوافذ جميلة تتيح للزوار إطلالة رائعة على الحديقة المحيطة. أما تصميمها الداخلي فيظهر بوضوح من خلال الأسلوب التقليدي الذي يجسد البساطة والعملية في نفس الوقت، مع الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة مثل الأبواب والنوافذ المصنوعة من الخشب المتين.

يعد هذا المعلم التاريخي ليس فقط من أهم المعالم الثقافية في تيرانا، بل أيضًا شاهدًا على تطور العمارة التقليدية في ألبانيا على مر العصور.

  • "فسيفساء تيرانا".. أقدم كنوز العاصمة الأثرية

نتوجه إلى محطتنا الأخيرة في جولتنا الرابعة والأخيرة غرب المدينة حيث "فسيفساء تيرانا"، أقدم أثر تم اكتشافه في العاصمة. تشير الدراسات إلى أن هذه الفسيفساء كانت جزءًا من فيلا رومانية تعود إلى القرن الثالث الميلادي، حيث زُينت أرضية الطابق السفلي للفيلا بتصاميم فريدة.

في القرنين الخامس والسادس الميلاديين، شُيدت كنيسة على نفس الموقع، وتم اكتشاف أطلالها عام 1972 أثناء أعمال بناء في حي "بارتيزاني". في العام التالي، أُعلنت الفسيفساء معلمًا ثقافيًا، ما أضاف بُعدًا تاريخيًا غنيًا لهذه المنطقة.

اليوم، يمكن للزوار مشاهدة بقايا الكنيسة البيزنطية وبعض الفسيفساء المكتشفة، التي تتميز بزخارف هندسية ورسومات لحيوانات كالطواجن والأسماك. أُعيد فتح الموقع للجمهور في 23 يناير 2010، وأصبح يُعرف أيضًا باسم "فسيفساء كنيسة القديس جورج".

تمثل فسيفساء تيرانا شهادة حية على التاريخ المبكر لهذه المنطقة، قبل أن تتحول إلى مدينة معروفة. يكشف هذا الموقع الأثري عن ملامح الحياة في العصور الرومانية والمسيحية المبكرة، مما يجعله مصدرًا قيمًا لدراسة تطور الحياة في هذه البقعة الجغرافية ويُضفي بُعدًا تاريخيًا غنيًا على فهم السياق الأوسع لمدينة تيرانا.

53-تعد فسيفساء تيرانا أقدم أثر تم اكتشافه في العاصمة حتى اليوم
تعد فسيفساء تيرانا أقدم أثر تم اكتشافه في العاصمة حتى اليوم (الجزيرة)

شهدت فسيفساء تيرانا مؤخرًا نقلة نوعية في التوثيق باستخدام تقنية الجيجابيكسل، التي أتاحت الكشف عن تفاصيل دقيقة وألوان نابضة بالحياة لم تكن مرئية من قبل. هذه الخطوة عززت من مكانة الفسيفساء كرمز للتراث الثقافي الألباني، ووفرت للجمهور رؤية جديدة ومبتكرة لهذا الكنز الأثري.

لم يعد المشروع مقتصرًا على كونه معلمًا سياحيًا أو متحفًا رقميًا فحسب، بل تحول إلى مركز للتعليم والابتكار، حيث أصبح موقع الفسيفساء وجهة تعليمية رئيسية للطلاب من تخصصات التاريخ والجغرافيا والاقتصاد. يتعرف الطلاب عن قرب على التراث المادي للمدينة، كما قدم مختصون من إدارة التراث الثقافي في دوريس معلومات قيّمة حول أهمية الفسيفساء، مما ساهم في تعزيز فهم الأجيال الجديدة لهذا الإرث الثقافي.

بفضل جهود الترميم المستمرة، استعاد هذا الكنز الأثري رونقه، ويجري حاليًا التخطيط لتحويل المنطقة إلى نقطة جذب سياحي رئيسية. يُتوقع أن تصبح المركز الشامل الذي يقدم معلومات عن الفسيفساء الأخرى المنتشرة في أنحاء ألبانيا، مما يعزز مكانتها كوجهة سياحية بارزة ومصدر فخر ثقافي.

المصدر : الجزيرة