عودة المسرح في ليبيا: أمل في مستقبل أكثر دعما وإبداعا
بخطى وئيدة، يعود المسرح في ليبيا لنفض غبار الركود الذي اعتلى خشباته لسنوات، متلحفا بعباءة التمني والرجاء أن يحمل المستقبل القريب مزيدا من الدعم والإبداع.
فبعد ركود طويل، مثلت انتعاشة الأعمال المسرحية والمناشط السينمائية في مدينتي بنغازي وطرابلس وتنظيم بعض المسرحيات الجديدة في المسرح الوطني بمدينة مصراتة، بارقة أمل في أن يحظى المسرح والسينما بمزيد من الزخم، إلا أن هذه الحيوية النسبية تحتاج إلى إستراتيجية واضحة متكاملة لتطوير المسرح والسينما في البلاد.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsالتراث الأندلسي بين درويش ولوركا مع المستعرب بويرتا فليشيت
الفنانة المسرحية والتلفزيونية سلوى المقصبي، استبشرت بانتعاشة الحركة المسرحية والسينمائية على مستوى ليبيا، مشيرة إلى التحول الإيجابي الذي تعيشه مدينة بنغازي بعد تتويجها عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2023، وهو تتويج مصحوب بفعاليات فنية عديدة شمل عروضا مسرحية وسينمائية وأغان شعبية، فضلا عن عودة المهرجان الوطني للمسرح بعد انقطاع دام 13 عاما.
وبينما تستعد مدينة بنغازي لإطلاق مهرجان بنغازي السينمائي في 25 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أشادت المقصبي بتنظيم مهرجان ليبيا السينمائي الدولي للأفلام القصيرة، مشيرة إلى أنها لم تشارك في أي عمل سينمائي طيلة الأعوام الـ23 الماضية، نظرا لعدم وجود دور للعرض.
الممثل والمخرج واصف الخويلدي يرى أن هنالك محاولات جادة في الآونة الأخيرة لإحياء المسرح والسينما في ليبيا إلا أن الحركة المسرحية في ليبيا لا تزال متعثرة، مقارنة بفترة ما قبل ثورة الـ17 من فبراير/شباط عندما كانت العروض المسرحية والمهرجانات الوطنية الفنية تقام باستمرار، فضلا عن وجود مقار للمسرح والسينما كانت تفتح أبوابها لاستقطاب الفنانين والجماهير، أما الآن فقد أغلقت معظم المقار أو تم الاستيلاء عليها والعبث بمحتوياتها، مما يؤثر على الحركة المسرحية في ليبيا.
ويعتبر الناقد والكاتب المستقل محمد بن عمران أن المسرح هو الفن الأكثر تأييدا، إذ يعيش المسرح حاليا انتعاشة مقارنة بالسينما، إلا أنه رصد ضعفا في حركة الإقبال، مرجعا السبب إلى إهمال الحداثة في التسويق، وغياب الأسماء المسرحية الشهيرة، داعيا الهيئة العامة للمسرح والفنون إلى إيجاد وسائل إبداعية تسهم في زيادة إقبال الجمهور.
ولفت بن عمران إلى أن السينما في ليبيا تواجه تحديات أكبر مقارنة بالمسرح، نتيجة عدم وجود دور للعرض وقلة الإنتاج وغياب النقد.
الجانب الأكاديمي.. مورد جاف فماذا ننهل منه؟
رصدت الجزيرة نت تراجع أعداد الطلبة الدارسين في قسم المسرح والسينما في جامعة بنغازي، وأرجع رئيس القسم الدكتور نور الدين الشيخي سبب عزوف الطلاب عن القسم إلى شح فرص العمل، إذ يبحث الطلاب عن تخصصات تلائم حاجة سوق العمل.
وأشار الشيخي إلى وجود حركة مسرحية نشطة، خصوصا في مدينة بنغازي، ولكنها لا توفر للطلاب فرص وظيفية مستدامة يمكن الاعتماد عليها كمسار مهني ثابت، مما يدفع العديد من الطلبة إلى اختيار تخصصات مثل العلاقات العامة، نظرا لتوفيرها فرص عمل أكثر في مختلف المؤسسات وفي القطاعين العام والخاص.
وفيما يتعلق بالتوازن بين الجانبين النظري والعملي، تحدث الشيخي عن غياب الإمكانيات العملية اللازمة لدعم التعليم الميداني، إذ تعاني كلية الإعلام بجامعة بنغازي ولا سيما قسم المسرح والسينما من عدم توفر إستوديوهات للتصوير، وغياب المعامل التي تساعد الطلاب على التطبيق العملي، إضافة إلى تضرر الإستوديو الوحيد في الكلية جراء الحروب المتتالية.
وتحدث الشيخي عن مساع تبذل من أعضاء هيئة التدريس لتجسير الهوة بين الجانبين النظري والعملي، لكن هذه المحاولات لا تؤتي نتائج ملموسة لعدم توفر الأجهزة والمعدات التي تعتبر أساسية لتحقيق التوازن المطلوب في تعليم الطلاب.
لدى عضو هيئة التدريس بقسم المسرح والسينما بجامعة بنغازي، فضيل صلاح فضيل، نظرة مغايرة، إذ يصف الموازنة بين الشقين النظري والعملي داخل القسم بالجيدة، مشيرا إلى أداء الطلبة مشاهد تمثيلية في فن التمثيل الصامت داخل قاعة الدراسة كنوع من التدريب، فضلا عن اتباع أعضاء الهيئة خطوات عملية في إنتاج الأفلام، سواء كانت روائية أو وثائقية.
وقال فضيل خلال حديثه للجزيرة نت "رصدنا التحاق عدد من الممثلين الذين يمتلكون باعا طويلا في العمل المسرحي بمقاعد الدراسة داخل القسم، وهو ما يعكس رغبتهم في تطوير وتعزيز مهاراتهم الأكاديمية".
وتحدث فضيل عن أعمال تخرج سطع نجمها، أنتجها خريجو القسم رغم قلة الإمكانات، إحدى هذه الأعمال هي للخريج صلاح الدين المجريسي الذي أنتج فيلما حمل اسم (فاطمة)، اقتبسه من واقع معايشته لقصة حقيقية عن الرصاص العشوائي الذي أودى بحياة طفلة اتخذت من سطح منزلهم ملاذا للدراسة هروبا من الأجواء الضاغطة التي ولدها انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.
ففي الوقت الذي يصف فيه عضو هيئة التدريس بقسم المسرح والسينما حالة التوافق بين الجانبين النظري والعملي في القسم بالجيدة جدا، يؤكد صلاح أن الإمكانات معدومة، ورغم ذلك تمكن من إنجاز مشروعه بدعم من الأصدقاء والزملاء ودفع الأساتذة، وترشح فيلمه للمشاركة في مهرجان وهران في الجزائر ومهرجان بورسعيد في مصر.
وعن سؤال الجزيرة نت لخريجة قسم المسرح والسينما بجامعة بنغازي، رويدة عطية، عن مدى ملائمة التخصص لفرص العمل المطروحة في السوق أجابت أن سوق العمل في مجالي المسرح والسينما تعاني من ركود واضح، وأضافت "يتعذر علي ممارسة هذه المهنة خصوصا إذا أردت اعتلاء خشبة المسرح، وذلك بسبب الوصم المجتمعي والتحديات المرتبطة بعمل المرأة في مجال الفن"، على حد تعبيرها.
وفي هذا الصدد ردت سلوى المقصبي أن الفن رسالة سامية لن يتأثر بجنس الفنان، إذ تجد الفنانات الليبيات أنفسهن في طليعة الجهود المبذولة لإحياء المسرح والسينما وقيادة التغيير، ويحظين بتقدير مجتمعي واسع.
كيف يستعيد المسرح والسينما بريقهما؟
الناقد بن عمران قال للجزيرة نت إن استعادة المسرح لبريقه تكمن في وجود رؤية مدروسة وموجهة للداخل، كفيلة بالتأثير على المستوى العربي، خاصة أن الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على المستوى العربي فيها من التقارب الكثير، فعلى سبيل المثال تعكس مشاركة مسرحية "عندما كنا أحياء" لفرقة المسرح الوطني مصراتة ضمن القوائم القصيرة للعروض الكبرى في مهرجان شرم الشيخ الدولي، قدرة المسرح في ليبيا على الوصول والتوسع.
بدوره أشار المخرج وصانع الأفلام فرج معيوف إلى إمكانية استفادة ليبيا من التجارب الإقليمية الناجحة، مثل التجربة السودانية التي حققت صدى عالميا بفضل صناع أفلامها المستقلين الذين طرحوا قضايا محلية بطرق إبداعية ووصلوا إلى العالمية، بالإضافة إلى السينما اليمنية التي بدأت هي الأخرى تخطو نحو العالمية، فلماذا لا تسير السينما الليبية في هذا الاتجاه؟
مسار مشترك
ومن منظور العلاقة بين المسرح والسينما والدور الذي يلعبه النقد في تعزيز جودة الإنتاج الفني، يشير الناقد بن عمران، إلى حالة الاضطراب التي تخيم على كافة العلاقات التي تجمع بين الفنون المختلفة في ليبيا، وفيما يتعلق بالحركة النقدية على وجه الخصوص فلا توجد مجهودات جماعية يمكن تسميتها بالحركة النقدية، عدا بعض المجهودات الفردية لصحفيين تمكنوا من طرح رؤى نقدية متفرقة بين الحين والآخر، ويرجع بن عمران غياب النقد الفني إلى غياب الإنتاج الغزير، فالإنتاج في ليبيا، قديما أو حديثا، ارتبط بالمناسبات الوطنية والدينية، كالإنتاج الرمضاني، وبعض المهرجانات المحلية.
صانع الأفلام محمد مصلي، وهو خريج كلية الإعلام عام 2010، يرى أن العلاقة بين المسرح والسينما هي علاقة تكاملية، يطرح فيها الفن قضايا المجتمع، لكن في ليبيا كل مجال يعمل في مسار مختلف عن الآخر.
بينما يصف معيوف العلاقة بين السينما والمسرح بالوثيقة، إذ بدأ أغلب الممثلين حياتهم الفنية من المسرح ومن ثم انتقلوا إلى العمل التلفزيوني وصولا إلى التجارب السينمائية، فبحسب معيوف يعزز هذا الترابط العلاقة بين السينما والمسرح الذي يعد قاعدة للتدريب والتطوير ويعمل على تقديم ممثلين ومخرجين ذوي خبرة وتجارب متنوعة.
من المسرح مرورا بالسينما الغائبة وصولا إلى صناعة الأفلام المستقلة، إذ أبدى بن عمران تفاؤله إزاء مجهودات بعض المبدعين الشباب الذين أثبتوا قدرتهم على إنتاج مواد بصرية يمكنها التمهيد لخلق صناعة مستقلة للأفلام مستقبلا، إلا أن الأرقام لا تشير إلى وجود صناعة أفلام في ليبيا، وحتى المناشط المحلية لا تحظى بأي دور فعال يمكنه المساهمة في إعادة إحياء مجال الأفلام والسينما.
شراكة محتملة
يطرح صانع الأفلام محمد مصلي فكرته للجزيرة نت حول إمكانية إحداث شراكة استثمارية مبنية على المنفعة المتبادلة بين دور العرض السينمائي والقطاع الخاص، وذلك عبر تشييد دور عرض تحاكي الحداثة والتطور، وعندما تتمكن دور العرض من جذب أعداد كبيرة من الجمهور سيلاحظ التجار والمستثمرون حجم الإقبال، مما يشجعهم على التفاعل والتوجه نحو إدارة المسرح أو دار السينما، لتعليق إعلاناتهم على جدران المسرح أو تقديم دعم لصناع الأفلام، وخلال عرض الفيلم، يمكن أن يظهر شعار الشركة الراعية، لذا فإن هذه المعادلة ستفرض على المستثمرين التفاعل ودعم الصناعة السينمائية في ليبيا، حسب رأيه.
محاولات إحياء
وعند الحديث عن جهود إحياء السينما والمسرح في ليبيا يتفق صانع الأفلام الوثائقية محمد مصلي مع المخرج فرج معيوف على:
- وجود إرادة سياسية قوية لتعزيز الدور السينمائي
- إعادة إحياء دور السينما والمسارح
- إنشاء صندوق دعم لتطوير صناعة الأفلام
- تنظيم المهرجانات والمسابقات السينمائية
- تأسيس شركات متخصصة في التسويق والتوزيع لنشر الإنتاج
- إيلاء أهمية قصوى للتدريب والتأهيل الفني
مصفوفة تحديات
تتجلى أبرز التحديات التي تقوض الأعمال السينمائية الليبية -بالنسبة لمحمد مصلي صانع الأفلام- في عدم وجود وظيفة منتج الأفلام التي تتمثل مهامه في إيجاد الفكرة، وتجهيز ملف خاص بالمشروع، ومن ثم تقديمه للصناديق المانحة وشركات الإنتاج من أجل تمويل العمل، مما يدفعه للبحث عن منتجين من مصر أو تونس.
بدوره قال بن عمران إن عدم مرونة القوانين، وبعض العادات المجتمعية، وغياب المستثمرين، جميعها تحديات تقف سدا منيعا أمام أي محاولة حقيقية لصنع عمل روائي سينمائي يمكنه وضع ليبيا على خارطة الفن السابع بشكل ملاحظ واحترافي.
وبعد مرور أزود من 13 عاما على ثورة 17 فبراير، ومرور المسرح والسينما في ليبيا عبر 3 مراحل مفصلية: النشأة قبل الغزو الإيطالي وعهد المملكة الليبية، مرورا بحقبة العقيد معمر القذافي، وصولا إلى ما بعد الثورة، تدفعنا هذه المناسبة لتفقد حال حرية الرأي والتعبير في صناعة الفن، إذ يقول صانع الأفلام الوثائقية محمد مصلي للجزيرة نت: "إن كان العمل ملكا لصانعه فكريا، عندئذ سيحظى بحرية تعبير مطلقة يسخرها لتقديم أفضل أعماله التي تعبر عنه وعن مبادئه، أما إن كان العمل ملكا لجهة منتجة ذات أيدولوجيات معينة، عندها سنرى مشاهد مجردة من الأهداف".