الروائي الفائز بكتارا يوسف حسين: الكتابة تصف ما لا تكشفه الصورة
في مشهد درامي جمع بين الخيال والواقع بطريقة غير مباشرة، وكذلك أيضا بين الواقع والفنتازيا، ينسج الروائي المصري الشاب يوسف حسين خيوط روايته "بيادق ونياشين" التي فازت قبل شهر تقريبا بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشرة 2024 ضمن فئة الروايات العربية المنشورة.
وشكل الفوز بالجائزة مفاجأة للروائي الذي صدرت له 6 روايات أخرى، وروى في حواره مع الجزيرة نت قصة الفوز وفكرة روايته الفائزة، فإلى الحوار:
اقرأ أيضا
list of 2 itemsالشاعر معز ماجد: اللغة منظومة تاريخية وجمالية تشكل نظرتنا للعالم
-
حدثنا عن كواليس استقبال خبر فوزك بجائزة كتارا للرواية العربية؟
قبل أن أخبرك عن استقبال الخبر، سأخبرك بما هو أعظم، إن حصولي على الجائزة تجسيد للآية الكريمة: "إنَّ اللَّهَ يَرزقُ مَن يشَاءُ بغير حساب"، لم أكن أنوي الترشح للجائزة هذا العام بعمل يخصني ككاتب، رغم حرصي الشديد على المشاركة فيها كناشر، وهذا ما تم بالفعل؛ لقد اخترت الأعمال التي رأيتها من وجهة نظري كقارئ تستحق المشاركة، وقمت بالتواصل مع مؤلفيها للتنسيق، وأرسلت الأعمال بالفعل إلى أمانة الجائزة، وقبل انتهاء المشاركة بيوم واحد فاجأني أحد أفراد العمل بالدار أنه قدم "بيادق ونيشان" للجائزة، معللا أنها من وجهة نظره كقارئ تستحق. وعند ظهور القائمة الطويلة بحثت عن أسماء الأعمال التي رشحتها بنفسي، وعندما لم أجد في القائمة ما يثلج صدري، أغلقت القائمة من دون أن أنتبه لوجود اسمي بين المتأهلين.
لم أعرف أن "بيادق ونيشان" ضمن القائمة إلا باتصال هاتفي من الشخص الذي رشحها.
كان الأمر مفاجأة بالنسبة إليّ، وتوالت المفاجآت بظهور القائمة القصيرة، ومن ثم انتظار النتائج النهائية، إلى أن استيقظت على رسالة واتساب من أحد منسقي الجائزة، يخبرني فيها بفوزي، وأنه يحاول الاتصال قبلها بـ3 أيام لكن هاتفي يجيبه برسالة أنه غير متاح.
تعجبت كثيرا، لأنني كدت أفقد الأمل في فوزي، لاقتراب موعد إعلان نتيجة المسابقة من دون إعلامي بشيء، وفي الوقت ذاته منسقو الجائزة أنفسهم يحاولون الوصول إليَّ وأنا مَن كنت غير متاح! سبحان الله على تدبيره وكرمه، الحمد لله.
-
الجائزة تفرض على المبدع قيودا مثلما تفتح له أبوابا.. ما تقديرك الشخصي لهذا التحدي؟
هذا صحيح جدا، بل إني أرى قيودها أكثر من أبوابها، لأنها تحتم عليك ألا يخط قلمك حرفا بغير حسبان أو عجلة، فالأمر أصبح الآن مختلفا تماما عما قبلها، فلا يمكنني بدء الكتابة في أي فكرة تطرأ على خاطري من دون التمعن فيها جيدا، ودراسة جوانب بنائها كافة، فبالطبع القارئ الآن ينتظر مني ما هو أقوى من ذي قبل.
-
في ظل غياب النقد.. هل تسهم الجوائز في تعويض المبدع عن إيجابيات النقد الأدبي؟
طبعا، تمنحه الثقة والتقدير لسعيه واجتهاده والتحفيز على المتابعة، فما أسعد الكاتب حين يُقدِّر جهده مَن لا يعرفه، ولا تربطه به صلة قرابة أو مصلحة.
-
ثنائية الواقع والتخييل كيف جسّدتها في الرواية؟ وما طبيعة العلاقة التي تربط آدم محمود الصواف بشباب اليوم؟
هو تجسيد الصراع بين الخير والشر، متمثلا في شخصية "آدم"، الذي اقترف كل ما سولت له نفسه من أعمال الظلم والسوء، وانتهى به الأمر إلى زجه في مكان أشبه بمقبرة، وكأنه يُعَد للحساب الأخروي، إلا أنه ما زال في الدنيا يقتص منه مَن ظلمهم، في مشهد درامي جمع بين الخيال والواقع بطريقة غير مباشرة، وكذلك أيضا جمعت بين الواقع والفنتازيا في تخيلات آدم وأمه للمرأة الحدباء والأشباح التي كانت تلاحقهما، والتي مثلت خيط ربط قوي بين تفاصيل الحبكة وتوصيل فكرتها المرادة.
فآدم يمثل كثيرا من شباب اليوم في ذلك؛ الكل متخبط بين الموضة والترندات واتباعها وتقليدها من دون ذرة فكر في صحتها من عدمها، فمن لم يكن لنفسه بالمرصاد وحاسبها دوما وقع في براثن الضلال وهوة التشتت.
-
ماذا يمثّل لك شغف الكتابة في عصر الصورة؟
الكاتب إذا حلَّق بخياله يستطيع أن يصف ما لا يمكن للصورة أن تكشف عنه، يمكنه أن يجسد ويصور المحسوس كأنه صورة حية تُلمس وتُحس وتعُايَش كأنها واقعية، ويمكنه أيضا أن يجعل من الشيء المعنوي صورة محسوسة يستطيع القارئ أن يجسدها في عقله ويشكل معالمها وفقا لإحساسه وأفق تخيُّله لها، فمهما كثرت المرئيات، يظل للكتابة رونق لا يُضاهى، يتلمسه كل قارئ ينبض قلبه بحسٍّ مرهف وأفق نيِّر.
-
ماذا الذي أردت قوله في "بيادق ونيشان"؟
أردت أن أقول إن "النفس البشرية" قنبلة موقوتة، إذا كبحت جماحها يمكنها أن تجعل العالم جنة حقيقية يشع منها الخير والسلام، وإذا أطلقت العنان لها فعلت كل ما هو مباح وغير مباح، ستُسلَب عين البصيرة، وتضرب بكل القيم والمبادئ عرض الحائط، وتبقى بوصلتها الأولى هواها، ومن أظلم ممن اتخذ إلهه هواه!
-
بعض أصدقائك هنّأك بالفوز قبل إعلان الجائزة.. كيف تفاعلت مع هذه التهنئة؟
كل تهنئة صادقة تثلج صدري، خصوصا من يهنئك من دون معرفته الجازمة بفوزك، فهو يرفع معنوياتك، ويمنحك ثقة وتقديرا لعملك، واستحقاقا لذلك التكريم.
-
ماذا أضاف لك عملك في مجال النشر على المستوى الإبداعي؟
جعلني في نافذة مطلة على ما يرمي إليه القارئ وتمتد إليه يداه شغفا وتطلعا، ومن ثم منحني هذا رؤية لكيفية مواكبة ذلك ومراعاته في إنتاجي الأدبي، فحاولت -وما زلت أحاول- أن أطور من فكري ونظرتي إلى الواقع، لأقدم له وجبة دسمة فيها كل ما يفيده على المستويات كافة؛ أسلوبيا، ولغويا، وفكريا، وما يمكن أن يضيف إليه ويؤثر فيه، فعقلية القارئ الواعي لا يُستهان بها أبدا، فمن خلالها تستطيع أن تطلع على ما تستلزمه قريحتك الأدبية من ابتكار وتطوير.
-
التكوين الفكري والمعرفي للأديب يسهم في إثراء تجربته.. ما أبرز العناصر التي صقلت موهبتك وعززت وجودك بين أبناء جيلك؟
بالتأكيد، أهم العناصر وأولها وآخرها: القراءة؛ قراءة كل ما تنجذب إليه عيناي ويشد إليه فكري، فهي ما تشكل عقلية الكاتب وتهذب قلمه وتصقله، فاليوم أصبح الكُتاب أكثر من القراء! لذا صار مستوى الإنتاج الأدبي متدنيا بشكل ملحوظ، فكل مَن هب ودب واستطاع أن يمسك بالقلم خطَّ ترهات وتفاهات لا تغني ولا تسمن من جوع، بينما هناك مَن يستحق لقب "كاتب" بحق لا حياة له ولا صرير لقلمه!
-
ما جديدك على الساحة الأدبية؟
في الحقيقة لم أكتب جديدا بعد، أُهدي ذهني فترة راحة، لأعود بجديد يستحقه القارئ ويليق به، بإذن الرحمن.
ما مؤلفاتك السابقة؟
– رواية "كيد الرجال"، وقد حصلت على جائزة مهرجان همسة للفنون والآداب في مصر (2018).
– رواية "أديرا"، وقد حازت جائزةَ مهرجان همسة للفنون والآداب في مصر (2019).
– رواية "لعبة الموت"، التي حصدت جائزة منف للرواية العربية عام (2019).
– رواية "إرم العهد الحديث"، في طبعتها الخامسة (2020).
– رواية "الأربعون الثانية"، في طبعتها الثانية (2021).
– رواية "الورقة الخضراء" (2022).
– رواية "بيادق ونيشان" (2023).