الشاعر والمترجم محمد اللوزي: جيل التسعينيات في اليمن لم يستطع تجاوز نفسه
في مستهل هذا الحوار مع الشاعر والمترجم اليمني محمد محمد اللوزي (من مواليد مدينة صنعاء 1975) الذي يعد أحد أهم أصوات قصيدة النثر اليمنية من جيل التسعينيات، كان لا بد لنا أن نسأله "ما الذي فعلته الحرب بأهل الثقافة والإبداع في البلاد، وأنت واحد منهم؟"، قبل أن نذهب إلى أسئلة أخرى عن فاعلية المشهد الثقافي في بلد نهبه الصراع قرابة عقد من الزمن، ولم يكن تاريخه البعيد والقريب بمنأىً عن الحروب والصراعات وتبعاتها.
يقول اللوزي إن الحرب شردت المبدعين والكتاب وإن "بندقية الحرب طاردت أهل الثقافة والإبداع ومنعت عنهم الرغيف وأخرستهم"، مشيرا إلى أن كثيرا من مثقفي اليمن ومبدعيها غادروا البلاد بحثا عن لقمة عيش كريمة، والبعض الآخر بقي مؤثرا الانزواء والمقاومة بالصمت.
ويأخذنا الحوار مع صاحب "الشباك تهتز.. العنكبوت يبتهج" (2001) و"إجازة جيري" (2008) الصادرين عن مركز عبادي للنشر في صنعاء، لاستذكار فترة زخم قصيدة النثر اليمنية على يد جيل التسعينيات من القرن العشرين في اليمن، على نحو متوثب بعد أن كانت شرارة هذه القصيدة قد اندلعت في سياق محاولات ثمانينية وقليل من فتوحات سابقة لها بقليل في وجه موروث شعري صعب، وهنا تبادر السؤال حول جيل التسعينيات: أين هم اليوم، وما حجم ضريبة الحرب التي نالت منهم؟
ونتابع حوارنا مع صاحب "حبّة خال في ساق الفراشة" (2015، الدار العربية للعلوم ناشرون، لبنان ونادي جازان الأدبي)، و"قهقهات الفتى الأخرس" (2018، دار ميارة للنشر، تونس) الذي يفيدنا بإجابات مقتضبة لكنها ثاقبة وتختزل الكثير.
سألناه أيضا عما يحضّر لإصداره في المستقبل القريب، فحدثنا عن مشروعه لترجمة بعض من شعر الهايكو الياباني (عن الإنجليزية) وهي محاولة ثانية له بعد ترجمته عام 2020 كتاب "نخب السم"، الذي يتضمن نصوصًا وكتابات للشاعر والناقد الصيني المعاصر تشي تشانج (ديابلو).
-
ما الذي فعلته الحرب بأهل الثقافة والإبداع في البلاد وأنت واحد منهم؟
كانت الحرب أشبه ببندقية تطارد أهل الثقافة والإبداع تمنع عنهم الرغيف وتخرسهم، وهو ما أدى إلى شتات بعضهم وسفرهم بحثا عن المأوى ولقمة العيش، وبقي آخرون في البلد يقاومون هذه الحرب اللعينة إما بالصمت أو بطرق أخرى.
-
المشهد الثقافي اليمني الراهن، هل هو بخير؟
للأسف، إنه في أسوأ حالاته.. تردى المشهد الثقافي اليمني على حساب تطور مشهديات ثقافية في دول أخرى، وكأن الحرب كان ضمن مخططاتها استهداف الثقافة والمشهد الإبداعي في اليمن، الذي كان من أقوى المشاهد الثقافية في الجزيرة العربية.
لم يعد هناك الآن أي ملامح فعلية لمشهد ثقافي يمني؛ 8أعوام من الحرب قضت عليه تماما؛ لا مجلات ولا صحف ولا ملاحق أدبية ولا مؤسسات ثقافية ولا حتى معارض كتاب.
صحيح أننا نسمع أحيانا عن إصدارات (في الداخل اليمني) لكنها إصدارات كاذبة (شبه وهمية) حيث لا توجد هذه الكتب في المكتبات، وهي فقط مجرد أخبار في مواقع التواصل.
هناك كتب تطبع حاليا في مصر في إحدى دور النشر الثقافية اليمنية هناك، ترسل لك هذه الدار 10 نسخ ورقية ونسخة إلكترونية بصيغة "بي دي إف" (PDF)، ويقولون إنهم طبعوا لك كتابا، أي طباعة هذه بينما ما يُطبع من الكتب لا يتوفر في المكتبات اليمنية ولا يصل للقارئ العادي هنا.
-
منذ مجموعتك الشعرية الأولى "الشباك تهتز العنكبوت يبتهج" عام 2001، وحتى المجموعة الرابعة "قهقهات الفتى الأخرس" عام 2018، أين يجد محمد اللوزي نفسه شعريًا؟
لاقت المجموعة الأولى "الشباك تهتز العنكبوت يبتهج" صدى كبيرا عند نشرها، مع أن كل مجموعة من المجموعات الأربع لها خصوصيتها المختلفة. لكني عند تقييم تجربتي الآن، أرى أني قد تسرعت في نشر بعض النصوص، كما أن هناك نصوصا كانت في حاجة إلى تعديل.
في المجموعة الرابعة، كنت قد تأنيت في اختيار القصائد على عكس المجموعتين الثانية والثالثة، وأعتقد أن المجموعة الجديدة التي أنا في صدد طباعتها قريبا ستكون هي أفضل ما أنجزته.
-
تصنف ضمن جيل التسعينيات الذي أخرج شعراؤه قصيدة النثر اليمنية من مخابئها إلى العلن، أين يقف هذا الجيل اليوم؟
الحرب أصابت هذا الجيل في مقتل، وها هو يقف الآن موقف الصامت الذي لا يستطيع أن يتجاوز نفسه أو أن يقدم أي جديد. كان الجيل التسعيني اليمني من أقوى الأصوات في الوطن العربي، إلا أنه لم يواصل تطوره وكتاباته عدا القلة منهم. كما أننا نجد صعوبة عند تقييم تجربة الكثير، خصوصا في هذا الوقت الذي لا توجد فيه إصدارات أو مجلات ثقافية تقدم المشهد كما ينبغي.
في صخب الحرب وضجيجها تظهر القصيدة العمودية بانفعالاتها باعتبارها قصيدة صوتية تصاحب هذا الزعيق، وفي المقابل تختفي القصيدة الحقيقية. القصيدة العمودية قابلة للتوظيف سياسيا وهذا ما جعل استخدامها متاحا ومنتشرا. ومن بين أهم عوامل عودة القصيدة العمودية الحرب وتردي المشهد الثقافي.
-
ثمة من يذهب إلى القول إن الحرب في اليمن ضاعفت من الكتابات المنفعلة، ومن ثم تزايدت أصوات وقصائد الشعر العمودي، هل تتفق مع هذا القول؟
في صخب الحرب وضجيجها تظهر القصيدة العمودية بانفعالاتها باعتبارها قصيدة صوتية تصاحب هذا الزعيق، وفي المقابل تختفي القصيدة الحقيقية.
القصيدة العمودية قابلة للتوظيف سياسيا، وهذا ما جعل استخدامها متاحا ومنتشرا. ومن بين أهم عوامل عودة القصيدة العمودية الحرب وتردي المشهد الثقافي.
ما ينشر الآن من قصيدة نثر يمنية رديء قياسا بما كانت قد وصلت إليه قصيدة النثر في السابق، إضافة إلى توقف كثيرين عن الكتابة.
-
ما يكتبه اليوم ضمن قصيدة النثر اليمنية كتّاب شباب عبر فضاءات وسائل التواصل الاجتماعي، كيف تقرؤه؟
في ظل غياب الصحف والمجلات في اليمن بسبب الحرب، أصبح فضاء فيسبوك هو المكان الملائم للشعراء الشباب (وغيرهم) لنشر جديدهم من قصائد وكتابات. وإذا ما رغبنا في تقييم ما ينشر في فيسبوك تنبغي مراعاة أنه منصة تواصل تخضع لمعايير "الترند" (الأكثر تفاعلا) وليس لمعايير جمالية، وتأسيسا على ذلك، أرى أنه من الخطأ الركون إلى تفاعلية فيسبوك للتقييم، خصوصا في ما يتعلق بالكتابات الأدبية.
ما ينشر الآن من قصيدة نثر يمنية رديء قياسا بما كانت قد وصلت إليه قصيدة النثر في السابق، إضافة إلى توقف كثيرين عن الكتابة.
-
عام 2020 صدر لك أول كتاب في الترجمة من الشعر الصيني (مترجم من الإنجليزية)، إذ ترجمت كتاب "نخب السم" للشاعر والناقد الصيني المعاصر تشي تشانج (ديابلو)، كيف المغامرة الأولى في الترجمة؟ وهل ثمة جديد؟
الترجمة كتجربة أولى هي مغامرة تشوبها بعض المخاوف والرهبة. كنت قد عرضت الترجمة على الدكتور عبد الوهاب المقالح (مترجم يمني، أستاذ الترجمة بكلية اللغات بجامعة صنعاء)، الذي له خبرة طويلة في الترجمة ليراجعها ويقف عند بعض الجمل، ومعلوم أني أنجزت ترجمة "نخب السم" عبر لغة وسيطة هي الإنجليزية، إلا أن سفري إلى الصين ودراستي هناك جعلاني قريبا من بعض نصوص ديابلو.
حاليا لدي جديد في مجال الترجمة وهو عمل اخترته وانتقيته باهتمام، عبارة عن كتاب يتضمن قصائد "هايكو" لشعراء يابانيين مثل الشاعر الراهب ريوكان، الذي عاش حياته متسولا وشعراء آخرين.
كما أن هناك اشتغالا جديدا على مستوى المواضيع، وهو انتقاء قصائد "هايكو" (لشعراء يابانيين) تتناول مواضيع بعينها، ومن ثم ترجمتها، وقد شرعت في هذا العمل.