حلم وتاريخ.. متحف لرسوم الكاريكاتير يوثق الفن الساخر في العراق

الفنان والرسام أحمد المالكي ومسؤولة متحف الإعلام مينا أمير الحلو (الجزيرة)

فن الكاريكاتير في العراق ليس جديدا؛ فقد بدأ مطلع القرن الماضي في الصحف التي سميت "هزلية"، وكان اسم "الكاريكاتير" يطلق على هذا الفن لأنه يوائم الموقف الصحفي والسياسي في تلك الفترة.

ولأنه أصبح أحد أهم رموز وأقسام الصحافة صار له رساموه الذين انتقلوا من الرسم والتشكيل إلى هذا الفن لما فيه من جرأة وقوة وبلاغة وموقف، حتى أضحت الرسوم موزعة على أرصدة الصحف أو يحتفظ بها الرسام أو محبوه، ولم يوجد مكان لتجميعها.

لهذا شرع أحد الفنانين الشباب إلى البحث عن مكان ليكون متحفا لهذا الفن العريق، بعد أن وجد أن التشتّت والضياع قد ينهي تاريخه، مثلما لا يجعل هناك فرصة للأجيال الحديثة لمعرفة الرسومات الأولى من فن الكاريكاتير الذي بدأ بأدوات بسيطة قبل أن يتحول إلى التقنيات الحديثة.

حلم وتاريخ

الفنان أحمد المالكي -وهو رسام كاريكاتير وشاعر عراقي- أخذ على عاتقه إنشاء هذا المتحف وأنهى المرحلة الأولى والثانية من جمع الرسوم الكاريكاتيرية الأصلية سواء من أصحابها أو المقتنين لها.

يقول عما سماه الحلم، إن "الفكرة تحتاج إلى مكان وبعد جهد عثرنا على مكان في متحف الإعلام العراقي الذي تعاونت معنا إدارته مثلما تعاون معنا الكثير من الفنانين العراقيين الذين آمنوا بالخطوة الأولى عبر أول قاعة تحمل عنوان متحف الكاريكاتير العراقي".

ويعود المالكي لتعريف هذا الفن فيقول إنه -"كما وصفه الفنان المصري رخا (أبو الكاريكاتير المصري)- خطوط بسيطة وتعليق ساخر قصير يسفر عن ابتسامة، وهو بلا شك فن الواقع والفن الأقرب إلى هموم ومعاناة الناس".

أحمد المالكي: متحف الكاريكاتير العراقي هو الثالث عربيا بعد مصر والكويت وسيحفظ التاريخ الفني (الجزيرة)

ولأن هذا الفن بدأ فكاهيا فإنه جاء "ليبعث على الضحك والابتسامة والسخرية الهادفة التي تسلط الضوء عن السلبيات" وعن ولادة هذا الفن في العراق. ويقول المالكي "ولد مع ظهور الصحافة الساخرة التي نشأت في بدايات عام 1909 وتطورت حتى بداية الحرب العالمية الثانية 1939 حيث شهدت صدور أبرز الصحف الهزلية الساخرة".

ويكشف المالكي ما يعتقد أنها أوّل صحيفة قبل صحيفة حبزبوز التي تعد في التاريخ العراقي أول صحيفة ساخرة، فيقول إنها "جريدة "مرقعة الهندي"، وهي ساخرة صدرت في البصرة وسبقت جريدة حبزبوز بعقد كامل من الزمن".

وهاتان الصحيفتان لم تكونا الوحيدتين فقط بل هناك صحف ساخرة حتى في أسمائها منها "جريدة قرند وجريدة كنّاس الشّوارع، ومجلة المتفرج التي استمرت إلى سبعينيات قرن الـ20″، كما أن هناك صحفا أخرى يقول المالكي لم تستمر طويلا منها "مجلة الكاروك ومجلة الفلقة".

ويذكر أن هناك رسامين كثيرين من رواد الفن "عملوا على التأسيس في بواكير الصحف الهزلية يطلق عليهم جيل الـ1931، منهم عبد الجبار محمود ومصطفى أبو طبرة وناصر عوني وسعاد سليم وفائق حسن ونوري ثابت وعطا صبري وآخرون".

لوحة كاريكاتير لسعاد سليم مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي (الجزيرة)

وهناك جيل يطلق عليه الجيل الخمسيني مثل بسام فرج وعامر الجليلي وعادل شنتاف وفؤاد حسون" لكن الأهم -كما يقول المالكي- كانت في ذلك الوقت الحركة الشبابية "التي ظهرت مطلع السبعينيات حيث كانت الأعمال الفنية الإبداعية بخطوط مبدعة؛ منهم الأشهر نزار سليم ومؤيد نعمة ورائد نوري وعبد الرجيم ياسر وضياء الحجار وموسى الخميسي".

ويضيف هؤلاء "ساهموا في تشكيل أول تجمع للكاريكاتير العراقي انطلق عام 1971″، ويشير إلى أن ذكر الأسماء مهم فهم "العمق التاريخي ومن أجلهم طرحنا فكرة تأسيس أول متحف حتى لا تضيع اللوحات".

ويقول إن فناني نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات كانوا بمستوى الإبداع ومنهم "خضير الحمير وفيصل لعيبي ونبيل يعقوب وطالب مكي ووليد نايف وعلي المندلاوي وكفاح محمود وحمودي عذاب وكذلك علي هاشم الكرخي وعادل صبري وانطلاق محمد عليو فائزة الخطيب وآخرون كثر".

وعن المراحل الأخرى قال "ننتظر من لديه الأعمال سواء من الفنانين في المغترب أو الداخل لإرسال ما لديهم من لوحات أصلية لكي يتم إكمال المشروع في مراحله الأخيرة ليكون المتحف "الثالث عربيا بعد مصر والكويت، وهو متحف سيحفظ التاريخ الفني".

تطور الصحافة

متحف الإعلام العراقي الذي افتتح قبل سنوات احتضن مشروع متحف الكاريكاتير العراقي إيمانا منه في الحفاظ على تاريخ هذا الفن.

وتقول مسؤولة متحف الإعلام مينا أمير الحلو إن "فكرة إنشاء قاعة لفن الكوميكس والكاريكاتير هي فكرة ملحة منذ فترة كانت في مخيلتنا لجمع صور فناني هذا الفن المتميّز والذين عملوا أجمل الأعمال خلال فترة تطور الصحافة العراقية".

مينا الحلو: فكرة إنشاء قاعة للكاريكاتير هي فكرة ملحة منذ فترة كانت في مخيلتنا (الجزيرة)

وترى الحلو أن هذا الأمر "ردّ لجميلهم على الثقافة العراقية وعلى الفن بالعموم"، ولفتت إلى أن العمل بدأ منذ أشهر بمعية الفنان أحمد المالكي صاحب الفكرة "بجمع أعمالهم الأصلية أو المطبوعة لإتمام مشروع القاعة الخاصة بهم".

وأضافت أن "المتحف يطمح ليس فقط لجمع اللوحات وتعليقها على الجدران، بل لجمع أدوات الفنانين ومقتنياتهم الشخصية لتكون قاعة مهمة للعرض الشامل".

وأشارت إلى أن متحف الإعلام العراقي يسعى "لافتتاح قاعات أخرى مخصصة للفن السينمائي وكل ما هو مختص بالإعلام"، وتنوه بأن "المراحل الأخرى حالما تكتمل سيكون لهذا المتحف مبهرا وبالتأكيد ستتم التوسعة".

واقع ملموس

فنانو الكاريكاتير المعنيون بالأمر عبروا عن فرحهم بهذا المتحف، وقال الفنان خضير الحميري إنه "بادرة طيبة بكل تأكيد، فهو سيخلق ثقافة فنية فضلا عن تخليد الفنانين واللوحات وإخراجها من الخزن الشخصية إلى جدران العرض".

خضير الحميري: الشباب أفلحوا في زرع النواة لاحتواء الأرشيف الكاريكاتيري العراقي الهائل (الجزيرة)

وذكر أنه "طالما راودت فكرة إقامة متحف عراقي للكاريكاتير الروادَ من فناني الكاريكاتير العراقي"، مشيرا إلى أنها "كانت من ضمن الفقرات التي تم تداولها عند تأسيس لجنة الكاريكاتير في نقابة الصحفيين منتصف الثمانينيات، كما أنها تصدرت نقاشاتنا عند محاولة تأسيس الجمعية العراقية للكاريكاتير عام 2012".

لكن الأمر لم يفلح كما يبين لأن "المعوقات والمعرقلات وتخصيص المكان المناسب؛ أمور حالت دون تحويل الفكرة إلى واقع ملموس".

وعن فكرة المتحف قال "كرواد سلمنا جوهر الفكرة للجيل الشاب المتحمس".

لوحة لخضير الحميري (الجزيرة)

ويشير إلى نجاحهم "في زرع النواة رغم المساحة المخصصة لاحتواء الأرشيف الكاريكاتيري العراقي الهائل"، وعبر عن أمله بأن تلقى لوحات الأولين على جدران المتحف الاهتمام في أجواء سياسية واجتماعية محصنة ضد النقد والسخرية"، معتبرا أن ذلك الجيل بأسمائه -"وما تلاه من أجيال- جرب حظه في السباحة ضد التيار".

المصدر : الجزيرة