تونس.. أطلال "مكتريس" الرومانية تروي قصة ازدهار مدينة تاريخية

على بعد 160 كيلومترا جنوب غرب العاصمة تونس، تنتصب آثار مدينة مكثر أو كما كان يسميها الرومان "مكتريس" (الأناضول)

على بعد 160 كيلومترا جنوب غرب العاصمة تونس، تنتصب آثار مدينة مكثر أو كما كان يسميها الرومان "مكتريس" شاهدة على ازدهار مدينة تونسية في العهود القديمة.

وتحتل المنطقة الأثرية لمكثر الجنوب الشرقي للمدينة الحالية التي شُيدت عام 1890، بحسب المعهد الوطني للتراث (هيئة الآثار الرسمية التونسية).

واسم مكتريس يعود في العهد الروماني إلى التسمية الأصلية للمدينة (م ك ت رم)، التي ترجع إلى العهد النوميدي (ما قبل الاحتلال الروماني بداية من 146 قبل الميلاد)، كما تذكر المصادر التاريخية والآثار المكتشفة في الموقع.

وشُيدت مكتريس على حافة هضبة ارتفاعها ألف متر بين وادي وزافة ووادي الصابون بالمنطقة.

تحت الاحتلال

يقول أستاذ التاريخ القديم في الجامعة التونسية لطفي نداري إن "مدينة مكثر نوميدية الأصل (السكان الأصليون لتونس) وعديد النقائش التي عُثر عليها في الموقع الأثري مكتوبة باللغة اللوبية (لغة نوميديا) والبونية الجديدة (لغة قرطاج تواصلت بعد الاحتلال الروماني) تثبت أن المدينة موجودة قبل الغزو الروماني لشمال أفريقيا عام 146 ق.م".

وأضاف نداري لوكالة الأناضول أن "مكثر دخلت بداية من عام 46 ق م تحت سيطرة روما بعد انتصار يوليوس قيصر على الملك النوميدي يوبا الأول وافتكاك كامل أراضي الملوك النوميديين لصالح روما".

آثار مدينة مكثر أو كما كان يسميها الرومان "مكتريس" (الأناضول)

ويتابع نداري أن "مكثر دخلت ضمن مدن مقاطعة أفريكا الجديدة، وهي الأراضي التي ضمها يوليوس قيصر بعد انتصاره".

إعلان

ويضيف "ستبقى مكثر بعد هذا التاريخ مدينة أجنبية عن القانون الروماني، فهي ذات مؤسسات سياسية مدنية أجنبية لا تتوافق مع مؤسسات الإدارة الرومانية، وقد صُنفت مدينة أهالي وعليها دفع الضرائب لروما مثل ضريبة العشر سنويا على المحاصيل الزراعية".

تحتل المنطقة الأثرية لمكثر الجنوب الشرقي للمدينة الحالية (الأناضول)

مستوطنة شرفية

وقال نداري إن "المدينة بقيت على هذا الوضع حتى غيرت روما سياستها تجاه مدن الأهالي في مقاطعاتها بداية من عام 100م، حيث أصبحت هناك سياسة جديدة لروما تعتمد على الارتقاء القانوني للمدن الأجنبية (المدن الخاضعة لروما) لتصبح مستوطنات شرفية، وهي أعلى مرتبة قانونية للمدن الرومانية".

وأضاف أنه "بحسب النقائش التي عُثر عليها في موقع مكتريس الأثري، أصبحت المدينة مستوطنة شرفية في عهد الإمبراطور ماركوس أوريليوس (161-180 م)".

وكي ترتقي المدن الرومانية -بحسب نداري- إلى مستوى مستوطنة شرفية "تمر نظريا بمراحل وسطى، ومنها مرحلة البلدية ما عدا بعض الاستثناءات. وكان المؤرخون يعتقدون أن مكثر من المدن التي شملها الاستثناء، إلا أنه تم العثور على نقش أثبت أن مكثر مرت بمراحل ارتقاء عادية".

أطلال وبقايا أثرية بمدينة مكثر (الأناضول)

وتابع نداري أن "مكثر تحصلت على مرتبة بلدية خلال حكم الإمبراطور أنطونينوس الورع (138-161م)".

وفسر ذلك "بأن جزءا من نقيشة لاتينية عُثر عليها بالموقع الأثري في مكثر تُكمل جزءا آخر لنفس النقيشة محفوظة الآن في متحف باردو (المتحف الوطني بالعاصمة) تذكر سيرة أحد أعيان مدينة ألتيبيروس المجاورة، والذي يوصف بحامي بلدية مكثر".

وقال: "تعود سيرة هذه الشخصية إلى فترة الإمبراطور أنطونينوس الورع، وهو ما يعني أن مكثر تحصلت على مرتبة بلدية في عهد هذا الإمبراطور".

وخلص نداري، إلى أن "مكثر مرت بمسار ارتقاء عادي وفق القوانين الرومانية وبقيت إلى حدود 158م مدينة أهالي، لتصبح من هذا التاريخ بلدية، وفي عهد الإمبراطور ماركوس أوريليوس أصبحت مستوطنة شرفية، وهي أعلى مرتبة لمدينة رومانية".

إعلان

مقر الشبيبة

على لوحة معلقة على إحدى بنايات الموقع الأثري لمكتريس كُتب التالي: "مقر الشبيبة هو عبارة عن مبنى يجتمع فيه أعضاء جمعية شبابية أو أكاديمية عسكرية".

وترجح اللوحة أن أول استخدام للمبنى كان في عهد الإمبراطور تينوس دوميتيانوس (81-96م) ويرجع تاريخها لعام 88م.

"مكتريس" لا تزال تحتفظ بالعديد من البقايا المعمارية للمدينة القديمة (الأناضول)

والمبنى يتكون من فناء محاط بالأعمدة وعدة غرف وحنية (تجويف نصف دائري مغطى بقبة نصف دائرية) تقع على طرف به 3 بلاطات، مما يوحي أن البناء أُعيد استخدامه ككنيسة.

وقال نداري إن "النقيشة التي عُثر عليها في معلم الشبيبة تعود تاريخيا للإمبراطور تينوس دوميتيانوس (81-90م) وتذكر أن شبيبة مكثر ساهموا في بناء تلك البناية الرسمية الضخمة ومخزنين وتذكر أسماء هؤلاء الشبيبة فردا فردا وعددهم 65، وهناك أبحاث جديدة بصدد الإنجاز قد تكشف معلومات جديدة عن هذه الشبيبة وطبيعتها".

معالم أخرى

يوجد أيضا في مكتريس قوسا نصر، وهما من أهم المعالم التي يمكن أن توجد في مدينة رومانية، وتفيد أبحاث تاريخية أن أحدهما بُني عام 116م في عهد الإمبراطور ترايانوس (98-117م) .

بقايا أبنية قديمة في الموقع الأثري (الأناضول )

وقال نداري إن "قوس النصر هذا أُهدي للأمبراطور ترايانوس وكذلك الساحة العمومية التي يشرف عليها".

وتابع: "يوجد في المدينة مسرح دائري مخصص للعروض العنيفة على عادة الرومان، وكذلك الحمامات التي يعود بعضها إلى نهاية القرن الثاني ميلادي".

ووفقا للوحة الموضوعة على معلم الحمامات الكبرى في الموقع الأثري لمكتريس، أُقيمت الحمامات وعناصرها المعمارية على مساحة تزيد عن 4400 متر مربع، وتم بناء هذا المجمع الاستحمامي خلال حكم الإمبراطور سيبتيموس سيفيروس (193-211م)، يقول نداري.

المصدر : وكالة الأناضول

إعلان