لُقّب بعروة الصعاليك.. الشاعر الجاهلي الذي وقف مع الضعفاء وحارب البخلاء

يعد من شعراء الجاهلية وفرسانها، لم يلتحف بمجد القبيلة، إذ كان من الصعاليك المعدودين الأجواد، عرف بسمات مميزة في شخصيته، ولقّب بـ"أبي الفقراء" و"أبي المساكين".

وُلد عروة بن الورد بن زيد بن عمر بن عبس في زمن الجاهلية، لوالد ثري وأم من قبيلة قُضاعة، وعاش في كنف والد ميّز أخَاه الأكبر، وربما كان ذلك -إن صحّ في رواية الأغاني- ما دفع عروة إلى الخروج على تقاليد القبيلة وهرميّة سلطتها، والانتقال إلى حياة الفيافي والصحراء، بحثًا عن مجد من نوع خاص.

والصعاليك مجموعة شعراء فرسان من قبائل مختلفة من العرب، خرجوا على سلطة القبيلة، ورفضوا قوانينها وأعرافها، واختاروا العراء سكنًا، والغزو والسلب منهجًا للحياة. ومن أهم شعراء الصعاليك الشنفرى، والسليك بن السلكة، وتأبّط شرا، وعروة. والصعلوك في لسان العرب هو الفقير الذي لا مال له.

قال معاوية بن أبي سفيان: "لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوّج إليهم". وقال الحطيئة في جوابه عن سؤال عمر بن الخطاب: كيف كانت حروبكم؟ قال: "كنا نأتمّ في الحرب بشعره"، أما عبد الملك بن مروان فقال: "من قال إنّ حاتمًا أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد".

فما الذي ميّز هذا الفارس الشاعر؟

لقد كان يستهدف الأغنياء ليوزّع على الفقراء، ولُقّب بعروة الصعاليك لقيادته إيّاهم، واعتنائه بهم، وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم.

أبو الفقراء والمساكين

وحسب ما جاء في حلقة (2023/1/24) من برنامج "تأملات"، فقد نقل صاحب الأغاني من أخبار الشاعر الجاهلي: "كان عروة بن الورد إذا أصابت الناس سنة شديدة تركوا في دارهم المريض والكبير والضعيف، وكان عروة بن الورد يجمع أشباه هؤلاء من دون الناس من عشيرته في الشدّة، ثمّ يحفر لهم الأسراب، ويكنف عليهم الكُنف ويكسبهم، ومن قوي منهم -إمّا مريض يبرأ من مرضه أو ضعيف تثوب قوته- خرج به معه فأغار، وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيبًا". قال في ذلك وقد ضاقت حاله:

لعل ارتيادي في البلاد وبُغيتي                 وشَدّي حيازيم المطية بالرُّحلِ

سيدفعني يومًا إلى ربّ هجمةٍ                   يُدافعُ عنها بالعُقوق وبالبخلِ

وأُطلق على عروة "أبو الفقراء" و"أبو المساكين"؛ فقد كان معروفًا أنّه لم يُغِر على كريم يبذل ماله للناس، بل كان يختار من عُرفوا بالبخل، ومن لا يَمدّون للمحتاج في قبائلهم يد العون، وكان لا يُؤْثِر نفسه بشيء على من يرعاهم من صعاليكه، فلهم مثل حظّه سواء شاركوه في الغارات التي يشنّها أو قعد بهم المرض أو الضعف.

كما عُرف عنه الكرم والتعفّف، وحسن معاملة النساء ودفاعه عنهن. وقالت فيه امرأة عاشت معه مدة، وولدت له أبناء، ثم عادت إلى أهلها: يا عروة، أما إني أقول فيك وإن فارقتك الحق: والله ما أعلم امرأة من العرب ألقت سترها على بعل خير منك، وأغضّ طرفًا وأقل فحشًا وأجود يدًا وأحمى لحقيقة… فارجع راشدًا إلى ولدِك وأحسن إليهم.

وتوفي الشاعر عروة -كما يقال- في غارة من غاراته سنة 607، لكنّ صوته باق بقاء أفكاره النبيلة، ووقوفه مع الضعيف، واحتقاره البخلاء.

المصدر : الجزيرة