الصراع السياسي يحرم ليبيا من المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب
تناقلت الأوساط الثقافية الليبية قرار الخارجية المصرية منع المشاركة الرسمية لليبيا في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته 54 -في الفترة من 25 يناير/كانون الثاني الجاري إلى السادس من فبراير/شباط المقبل، بسبب التنافس بين حكومتي الوحدة الوطنية والتي شكلها فتحي باشاغا -المكلفة من البرلمان- على المشاركة في المعرض الذي أحالت إدارته الخلاف إلى الخارجية المصرية التي أصدرت قرارا بمنع الحكومتين من المشاركة بشكل نهائي.
الثقافة ضحية
وزير الثقافة الليبي السابق الحبيب الأمين رأى الأمر متوقعا قياسا بأحداث سياسية سابقة، مبينا أنه "لا معنى ولا وجود لمحددات؛ فكل المجالات والقطاعات تحت دائرة التسييس والتقرير والمفاضلة، بما في ذلك الثقافة التي أقحمت مؤخرا في الصراع السياسي".
وأشار الوزير السابق للجزيرة نت إلى أن "التعامل الرسمي الليبي مع الحادثة لم يكن عند المستوى، حين آثر المسؤولون الصمت، وهو الأداء ذاته مع شؤون وفنون وهموم الثقافة وشجونها بالداخل".
أجنحة غير رسمية
وبخلاف المشاركة الرسمية، تشهد الدورة الحالية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب موافقة الهيئة المصرية العامة للكتاب على مشاركة جميع دور النشر التي تقدمت بطلب اشتراك في المعرض السنوي، فضلًا عن تخصيص جناح في المعرض لدور النشر الصغيرة التي ليست لها إصدارات تناسب الاشتراك في معرض الكتاب 2023، تأكيدًا لدعم صناعة النشر، حسب الموقع الرسمي للمعرض على شبكة الإنترنت.
وهو ما أكده رئيس اتحاد الناشرين الليبيين (غير حكومي) علي عوين للجزيرة نت، إذ قال إن الاتحاد حصل على جناج في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وسيضم معظم ناشري ونخب ليبيا الثقافية رغم استبعاد السلطات المصرية المشاركة الرسمية لليبيا متمثلة بوزارتي الثقافة في الحكومتين بسبب الانقسام الذي تشهده السلطة التنفيذية الليبية.
ويرى مدير دار طبرق للنشر رزق فرج رزق أن النتيجة متوقعة في ظل "الحكومات الموازية أو حكومة برأسين؛ الأمر الذي يضع القائمين على المعارض الدولية في حرج تنظيمي بشأن آلية التعامل الرسمي واعتماد الممثل الرسمي للدولة الليبية".
ولهذا يوضح رزق للجزيرة نت أن المشاركات الدولية لليبيا في معارض الكتب باهتة، ولا تتعد كونها رمزية لغرض المشاركة فقط، "ويمثلها البعض من ذوي ربطات العنق الأنيقة، من دون أدنى دراية بحجم الحدث وقيمة المشاركة".
السياسة في قائمة الصعوبات
وخصص القائمون على المعرض جناحا لاتحاد الناشرين الليبيين، سيضم أكثر من 10 دور نشر ليبية، إضافة إلى مشاركة عدد من الأدباء والمفكرين الليبيين، واشتراك بعض دور النشر الليبية بأجنحة منفردة؛ منها دار الفرجاني التي يتمنى مديرها غسان الفرجاني ألا يؤثر الصراع السياسي على المشروع الثقافي لدور النشر والمكتبات الليبية.
ويقول الفرجاني للجزيرة نت إن "صناعة الكتاب في ليبيا مهددة من عدة أوجه اقتصادية وقانونية واجتماعية، ونحن -كحال إخواننا الناشرين الليبيين في جميع أنحاء الوطن وخارجه- لا نريد أن تضاف الخلافات السياسية إلى قائمة التحديات التي نواجهها".
وتقتصر العلاقة بين الجهات الحكومية الليبية ودور النشر والمكتبات على القوانين واللوائح، وتحاول دور النشر الاعتماد على نفسها في تمويل المشاركات الداخلية والخارجية على السواء، في غياب أي دعم يذكر من مؤسسات الدولة، كما يؤكد غسان الفرجاني مسؤول دار النشر التي تستعد للمشاركة ضمن جناح خاص يضم أكثر من 87 عنوانا، بينها التاريخي والأدبي والفكري، ومن ضمنها رواية جديدة لأحد أهم رموز الأدب الليبي الراحل أحمد إبراهيم الفقيه الذي اختيرت ثلاثيته "سأهبك مدينة أخرى" ضمن أفضل 100 رواية عربية.
مشاركة غير رسمية
الشاعرة والصحفية المختصة في الشأن الثقافي خلود الفلاح -ورغم إقرارها بتأثير الانقسام السياسي على كل جوانب الحياة الليبية، ودوره في صنع هوة عميقة بين أبناء الشعب الواحد- ترى أن منع وفد وزارتي الثقافة الليبيتين من المشاركة "لن يؤثر على الحضور الليبي خلال المعرض بوجود اتحاد الناشرين الليبيين ودور النشر الخاصة والجامعات".
وأكدت خلود الفلاح للجزيرة نت أن المشاركة الليبية ستكون حاضرة بكل الإصدارات الجديدة، من خلال متابعتها لإصدارات دور النشر الليبية وتواصلها مع صناع الكتاب في ليبيا وخارجها.
وتحدثت الفلاح كذلك عما وصفتها بالمشاركة الفاعلة للوفد الليبي في البرنامج الثقافي المصاحب للمعرض السنوي، خلال زياراتها السابقة، فضلا عن مشاركة كتاب ليبيين ضمن البرنامج الثقافي العام للمعرض ممن يأتون على حسابهم الخاص لحضور المعرض والمشاركة في أمسيات ثقافية في عدة أماكن بالقاهرة، من دون أن يلتفتوا إلى أي دعم أو إجراء رسمي من السلطات الليبية؛ "لذا فإن هذه المشاركة الليبية البعيدة عن الخلافات الحكومية تؤكد أن الثقافة والفنون ستنتصران" رغم تحدياتها العديدة.
ورغم عدم وضوح معالم المشاركة الليبية حتى الآن، وما الذي سيكون عليه الوضع بالمعرض، كما يقول الناشر بدار الكتاب الجديد المتحدة في بيروت سالم أحمد الزريقاني، فإنه يعول كبقية صنّاع الكتاب خارج ليبيا على خبرته الطويلة في المشاركات الدولية التي بدأت قبل عقود، ضمن أجنحة مستقلة تضم عشرات دور النشر بعيدا عن قرارات وإجراءات السلطات الليبية المنقسمة على نفسها، وكذلك الجناح الخاص بمنشورات الزريقاني التي تخطت 600 عنوان، وضم بعضها في النسخة الماضية من معرض القاهرة جناحا بمساحة 27 مترا مربعا.
"فردية" صناعة الكتب
وتعاني صناعة الكتب في ليبيا من مشكلات عدة على صعيد النشر والطباعة والتوزيع، ويعزو مدير دار طبرق للنشر والتوزيع رزق فرج رزق هذه المشاكل إلى "غياب إرادة السلطات الرسمية والمحلية في البلاد، وعدم وضع خطط ممكنة التنفيذ بأهداف تخدم الكتاب وصناعته بجميع مراحله"، مضيفا أن النشر في ليبيا يبقى رهين الجهود الفردية التي يبذلها ناشرون في القطاع الخاص، وهم في صراع مع أزمات كثيرة وتحديات لا تنتهي.
ويوضح رزق أن أصحاب دور النشر الخاصة "لا يمكنهم تغطية تكاليف الكتاب لوضعه أمام القارئ بسعر في المتناول، لارتفاع سعر الورق والأحبار وآلات المطابع وأجور الفنيين المرتفعة"؛ وبالتالي تُحمّل تكلفة الطباعة على المؤلف، وهذا الأمر يجعل الكتاب في تراجع، إذ لا يمكن للمؤلف أن يتكفل بالتكاليف من دون ضمان العائد المادي.
ومن المعروف أن أغلب دور الكتب الخاصة في ليبيا لا تملك مطابع خاصة بها، إن لم تكن جميعها، بل إن الدولة نفسها ما تزال تعتمد على الطباعة خارج البلاد حتى في ما يتعلق بكتب المقررات الدراسية.