عادة مستشرية.. اعترافات مثقفين وأدباء بسرقة الكتب

young man trying to steal book from the library. kleptomania
تشكل ظاهرة لصوص الكتب همًّا مثيرًا للقلق لأصحاب المكتبات والكتب (شترستوك)

تنتشر ظاهرة سرقة الكتب بين الأدباء والمثقفين، ويراها بعضهم سرقة "مشروعة"، فقد تحولت لديه إلى عادة تظل تلازمه أينما وجد كتبًا ومكتبات، فيسطو على الكتاب المستهدف، ويختفي بلمح البصر من المشهد أو الصورة.

وثمة أناس ما زالوا يعشقون الكتب حدّ استملاكها بالقوة أو "بسيف الحياء"، سواء بعد استعارة "لا تُرّد" أو عن طريق السلب.

وفي هذا التقرير، يعترف كُتّاب وأدباء عرب -للجزيرة نت- بسرقتهم لبعض العناوين من المكتبات ومعارض الكتب.

عناوين مغرية

تشكل ظاهرة لصوص الكتب همًّا مثيرًا للقلق في الغرب، غير أن الظاهرة عالمية وليست وليدة اليوم، وإن كانت تتصاعد لتفرض نفسها على المشهد الثقافي العام في دول عدة، حيث العشرات كانوا يسرقون الكتب، منهم نبلاء وأدباء ومفكرون ومثقفون وغيرهم.

يذكر الروائي الأرجنتيني آلبرتو مانغويل (مواليد 1948)، في كتابه "تاريخ القراءة"، أن الدوق غولييلمو ليبري -عالم رياضيات إيطالي هاجر في عام 1869 إلى باريس- يُعدّ أشهر سارق للكتب في التاريخ، وذلك يفسر سر اصطحابه لمكتبته المؤلفة من 117 ألف كتاب على قافلة من الجمال، مصنفة حسب الأحرف الأبجدية، وكان ليبري يبيع مسروقاته من الكتب على أرصفة نهر السين.

بدرالدين الوهيبي - الاديب و الروائي العالمي البارتو مانغويل
مانغويل: الدوق غولييلمو ليبري يُعدّ أشهر سارق للكتب في التاريخ (الجزيرة)

ويرى بعضهم أن فكرة سرقة الكتاب فكرة ثقافية بالأساس وليست جناية تستلزم عقوبة قانونية، فالسارق كثيرا ما يكون مبدعا أو فنانا.

وعن الدافع وراء سرقة الكتاب من قبل بعض الكُتّاب والروائيين العرب، يقول القاص والروائي العراقي شوقي كريم حسن "نحن لم نكن نمارس السرقة بمعناها المتداول، لأننا كنا أمام حرج ما كنا نعرف كيفية الخلاص منه؛ جيل يريد أن يكون ولا يملك درهمًا واحدًا، ما الحل؟".

ولكنّ سلب الكتب يزعزع الثقة المتبادلة التي تعتمد عليها المكتبات. وخلافًا للروائي حسن، يرى الروائي السوري جان دوست المقيم بألمانيا أن "سرقة الكتب لا يمكن تبريرها تحت أي مسمى؛ السرقة نوع من التعدي على حقوق الآخرين".

وعلى الرغم من ذلك، يصرح بعض الكُتّاب علنًا بأنهم سُراق كتب، فقد كان الروائي الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز (1927-2014) يقول "أنا سارق" ويؤكد أنه واحد من "أبرز سراق الكتب"، وهناك الفيلسوف والروائي الروسي ليو تولستوي (1828-1910) الذي كانت لديه الأموال ولكن لعابه كان يسيل أمام الكتاب فيسرقه.

أما المخرج الفرنسي الشهير جان لوك غودار (ولد 1930) فكان يسرق كتب أفراد عائلته والدافع دائمًا النهم إلى المعرفة.

ويختلف الأمر لدى أشهر لصوص الكتب في تاريخ الولايات المتحدة، ستيفن كاري بلومبيرغ (ولد 1948)، الذي كان مصابًا بأمراض نفسية منها الهوس بسرقة الكتب، فقد سرق أكثر من 23 ألفا و600 كتاب بقيمة 5.3 ملايين دولار أميركي من متاحف الولايات الأميركية، وفي عام 1999 حُكم عليه بالسجن 5 أعوام.

استعارة الكتب.. اللصوصية المقنّعة

ويقول الكاتب المسرحي البريطاني الأيرلندي جورج برنارد شو (1856-1950) "غبي من أعار كتابًا وغبي من أعاده"، ويؤكد بعض الكُتّاب وأصحاب المكتبات أن هناك من يستعير الكتاب وبعد قراءته لا يعيده بدافع الأنانية، وهناك من لا يقرؤه ويحتفظ به ليرميه في مكتبة بيته كقطعة ديكور.

الكاتب الأيرلندي جورج برنارد شو سخر من نوبل وجائزته، ويكي كومون
الكاتب الأيرلندي جورج برنارد شو (مواقع التواصل الاجتماعي)

ويشار إلى أن بعض الأدباء كانوا يحرصون على حفظ كتبهم من أيدي أهل الإعارة، كما يحفظون دينارهم ودرهمهم.

ويقول أحدهم:

ألا يا مُستعير الكُتبِ دعني  فإن إعارتي للكُتبِ عارُ

محبوبي من الدنيا كِتاب  وهل أبصرتَ محبوبًا يُعارُ

وفي مكتبة "دير سان بدرو" في برشلونة، عُلّق تحذير على هيئة دعاء جاء فيه "من يسرق كتابًا أو يحتفظ بكتب كان قد استعارها عسى أن يتحوَّل الكتاب الموجود في يده إلى أفعى رقطاء، وعسى أن يُصاب بشلل ارتجافي قاهر، وأن تشلّ جميع أطرافه".

ويقول الروائي السوري إبراهيم اليوسف المقيم بألمانيا "كتبت في شأن استعارة الكتب مقالًا في إحدى الصحف السورية، وبعد نشر المقال اتصلت بي صديقة تقيم الآن في السويد، وقالت: بعد قليل سيرد أخي الكتب التي استعرتها منك، وراحت تعتذر لأنها أخّرت دفعات الكتب التي استعارتها قبل سنتين أو أكثر".

الروائي السوري إبراهيم اليوسف المقيم بألمانيا(خاص الجزيرة نت)
إبراهيم اليوسف المقيم بألمانيا يقول إن هناك من استعار من مكتبته قرابة 200 كتاب ولم يردّها (الجزيرة)

ويبيّن اليوسف في -حديثه للجزيرة نت- أن "ثمة من استعار نحو 200 كتاب من مكتبتي ولم يعد منها كتابًا واحدًا حتى الآن، وحين أظهرت له حزني على كتبي رد: كان عليك ألا تتأخر كل هذه السنوات، لا أدري أين صارت الآن!".

ويروى أن المستشرق الألماني باول كراوس (1904-1944م) الذي عاش في مصر وتوفي فيها منتحرًا كان يستعير كتبًا من جامعة القاهرة ولم يردها، ويعتقد جان دوست أن "من يستعير كتابًا بنية عدم رده لصاحبه فذلك يعدُّ سرقة مغلفة بالبراءة المكشوفة".

الفتوى الملفقة

توصف سرقة الكتب بأنّها عادة مستشرية في الوسط الثقافي، وهناك من يفتخر بها وأنها ليست سرقة وربما هي عادة لا أكثر.

ويذكر أن سرقة الكتب لم تكن تعدّ جريمة في القرن الـ17 ما لم يبعها سارقها. وينتمي معظم لصوص الكتب إلى عموم المهتمين بالكتاب والمؤمنين بأنه وسيلة تثقيف.

ويرى بعض الكُتّاب أن سرقة الكتب تعود في جزء منها إلى العوز المالي، وأن المصاب بمرض سرقة الكتب لا يشعر بذنب اقترافه السرقة بل إنّه قد يجد مبررات لهذا الفعل.

ويعلل كريم حسن إقدامه على سرقة الكتب بأنّه "منذ صبانا لم نجد سوى الكتاب الزاد المعرفي الذي لا بد منه، لكن هذه الأحلام توقفت كثيرًا عند ضيق ذات اليد وحسرة توفير قوت اليوم".

الروائي حسن: في زماننا كانت أسعار الكتب مرتفعة جدا وكانت جيوبنا أكثر زهدًا وأعظم من الفقر فقرا (الجزيرة)

ويتابع حسن "في زماننا كانت أسعار الكتب مرتفعة جدا وكانت جيوبنا أكثر زهدًا وأعظم من الفقر فقرًا، فطلب العلم هو المبرر الذي دفعنا إلى سرقة الكتاب وتداوله".

ويبيّن كريم "كنا نوصي بعضنا بعضا بألا نسرق كتبًا بعناوين واحدة، وذلك ليتسنّى لنا تداولها فيما بيننا".

الأديب سارقا

هناك حكايات لا تحصى عن سرقة الكتب، ليس بين القرّاء المجهولين فقط، بل بين الكُتّاب أنفسهم، إذ لا تخلو مكتبة شخصية من كتاب تسلل إليها عن طريق خفّة اليد أو الاستعارة الملغومة.

ويوصف الشاعر والروائي الفرنسي جان جينيه (1910-1986) صاحب "يوميات لص" بأنه "أشهر لص في تاريخ الأدب العالمي".

ويؤكد جينيه "أنّ السرقة انتصار للإنسان، وليست سرقة من أجل السرقة، فالأديب عندما يسرق كتابًا فإنه ينتصر للكتاب، ولا ينتصر لنفسه، وهذه قيمة ثقافية مهمة".

وعندما سأل القاضي جان جينيه، وكان قد أوقف بتهمة سرقة كتاب: "هل كنت تعرف ثمنه؟" أجاب "كلا، ولكني أعرف قيمته".

وعن تجربته في سرقة الكتب، يعترف الروائي شوقي كريم في حديثه "سرقت كثيرا من العناوين التي كانت تستهويني منها: الأعمال الكاملة في مجلد واحد كبير للشاعر سعدي يوسف (1934-2021)، وسرقت الترجمة الكاملة لأعمال دوستويفسكي (1821-1881)، والصخب والعنف للكاتب الأميركي وليام فوكنر (1897-1962)، كما سرقت الطبعة الأولى لمئة عام من العُزلة لماركيز، وسرقت أعمال تشيخوف كاملة، والأجمل أنني سرقت المجموعة الكاملة لأعمال الطبيب النمساوي سيغموند فرويد (1856-1939)".

ويُعدّ ارتكاب هذه السرقة دليلا على الهوس بالقراءة، لكنه يقود السارق (الأديب) إلى ارتكاب العصيان ومخالفة القوانين، وهذا ما يؤكده الروائي جان دوست في حديثه للجزيرة نت "حدث في سنتي الجامعية الأولى عام 1985 أنني كنت أدرس في جامعة حلب، وزرت معرضًا للكتاب في الجامعة، حيث وقعت عيني بالمصادفة على كتاب المفكر الماركسي التركي حكمت قفلجملي ولم يكن عندي ثمن الكتاب، وكان عنوانه مغريًا لشاب يريد أن يقرأ كل شيء عن الماركسية.. لا أدري كيف مددت يدي إليه وأخذته ودسسته تحت حزام البنطال الجامعي المرقع الذي كنت أرتديه".

الروائي السوري-الكردي جان دوست
الروائي السوري جان دوست يرفض سرقة الكتب ويستنكرها (مواقع التواصل الاجتماعي)

ويصف دوست حالته "تعرّقت من الخوف والخجل، لم أعد أرى شيئًا أمامي، ولم أعد أطيق المكوث في القاعة، بل خرجت بخطى ثقيلة وجِلة، وصرت أمشي من دون أن ألتفت إلى الوراء حتى ابتعدت مسافة كبيرة عن مبنى كلية العلوم".

ويؤكد "يقينًا لو كان معي ثمن الكتاب لما مددت يدي إليه".

المصدر : الجزيرة