"الشاعر مؤرخ لعصره".. عبد الرزاق الربيعي و"أرواح ثكلى في كوكب مريض"

رواية أرواح ثكالى في كوكب مريض عبد الرزاق الربيعي المصدر: مواقع التواصل
كتاب "أرواح ثكلى في كوكب مريض" للشاعر العماني العراقي عبد الرزاق الربيعي (مواقع التواصل)

صدر حديثا، للشاعر والكاتب العراقي العُماني، عبد الرزاق الربيعي، كتاب بعنوان "أرواح ثكلى في كوكب مريض"، يمتد على 344 صفحة، ضمن الإصدارات المشتركة لـ"الآن ناشرون وموزعون" في عمّان، و"الجمعية العمانية للكتاب والأدباء" في مسقط.

يُتبِع الربيعي عنوان الكتاب الرئيس، بعنوان ثانوي "مقاطع عرضيّة من ذاكرة الوباء"، ما يفيد قارئ الكتاب بمعرفة أولى تدلف به إلى مدونة محتشدة من زاوية تفاعلية مواكبة لمستجدات وتبعات الجائحة، تنطلق من إيمان بخطورة الوباء الذي انتشر كالنار في الهشيم في كل العالم، بتخصيص فسحة من الوقت اليومي للكتابة عنه وتتبع علاقة الإنسان بالأوبئة عبر التاريخ.

ومنذ اللحظة الأولى للجائحة، أخذ الربيعي على عاتقه رصد تداعيات فيروس كورونا وانعكاسه على حياتنا، كأفراد ومجتمعات "لأنني اعتدت منذ سنوات بعيدة، تدوين الأحداث المفصلية في حياتي، للاستفادة من التجارب التي أمرّ بها، ليقيني أن الحوادث تتكرر، والإنسان ينسى".

الأمل

ومن خلال الكتاب، جند الكاتب نفسه، ليكون شاهدا على عصره، بطريقة كتابية دقيقة ومن خلال متابعة دؤوبة للمستجدات والأحداث والعلوم وحالة الفزع والتشييع المرعبة، منطلقا من وصية كتبها الروائي الفرنسي أندريه مالرو (1901م – 1976م) في روايته (الأمل) تقول "أفضل ما يفعله الإنسان أن يحيل أوسع تجربة ممكنة إلى وعي".

ولهذا جاء كتاب الربيعي خليطا من يوميات ومقاطع شعرية ومقولات وتداعيات ورسائل وحكايات ومشاهد بصرية، ضمن إطار سردي يتداخل في نسيجه الحاضر والماضي، في قالب تعبيري يروي تجربة فرد في كوكب يعيش به 7.8 مليارات نسمة، وجد نفسه في مواجهة وباء شرس، فدوّن تأملاته، وهواجسه، وقلقه، وحسراته، وتجلياته.

"طائر الكركي الأصفر" يحلق إلى السماء

ويستعيد الربيعي زيارة له في مايو/أيار 2009، لعاصمة مقاطعة هوبي الصينية، وصعوده مع أخيه (الدكتور عدنان) برج طائر الكركي الأصفر، وما تقوله أسطورة بناء البرج، حيث تشير إلى أن شابا يدعى "شن" افتتح حانة، وذات يوم مرّ كاهن طاوي فقير بملابس مهترئة، فطلب نبيذا، ليقدم له "شن" النبيذ من دون مقابل وقام بخدمته، وكجزء من رد ذاك الجميل، رسم الكاهن طائر كركي أصفر على الحائط.

لكن الطائر المرسوم على الجدار، لم يكن عاديا، بل كان يرقص حين يصفق الناس له، فدهشوا بتلك الأعجوبة، وأخذوا يتوافدون على الحانة، وخلال فترة وجيزة أصبح "شن" غنيا. لكن بعد 10 سنوات، زار الكاهن الذاوي الحانة ثانية، وامتطى ذاك الطائر، ليحلق به إلى السماء.

ومع سماع أخبار وباء كورونا، أحس الربيعي أن طائر "ووهان" حلق إلى السماء، على جناح طائر الكركي الأصفر:

"ما الذي تخبئ لي

هذه العصرية الـ"ووهانية"

من مباهج

وأنا أفرش سمعي

وبصري

في زوايا جنة أرضية صغيرة

معلّقا أوراقي

وروحي القصيرة

على صف طويل من علامات الاستفهام؟".

الشاعر العراق عبد الرزاق الربيعي
الشاعر عبد الرزاق الربيعي وثق بلغة شعرية الجائحة المعاصرة (الجزيرة)

ويجد الربيعي، من خلال التراكم المعرفي لديه، أن صورة "الخفافيش" اقترنت بكل ما هو مخيف، في الذاكرة الجمعية، متذكرا في هذا الصدد، "صندوق باندورا"، حيث تقول الأسطورة اليونانية، إن "باندورا" بمجرد فتحها الصندوق "طارت مخلوقات أشبه بالسحالي ذات أجنحة مثل الخفافيش، عيون تطلق شررا، مرفرفة بأجنحتها".

ومع الانتشار السريع للوباء القادم من الصين، سرعان ما ألقى الكثيرون اللوم على العادات الغذائية المعروفة في الصين، التي تلخصها المقولة القديمة "إن أي شيء يمشي، أو يسبح، أو يزحف، أو يطير، وظهره إلى السماء، فهو صالح للأكل"، وهنا يتذكر الربيعي إحدى زياراته للصين ورؤيته بأم عينه، أفاع، وعقارب، وصراصير مشوية معلقة، بينما كان يجول في شارع "وانغ فو جينغ".

وفيما يسرد مآس ومناحات ومشاهد موت تداعت على مدار الساعة تحت وطأة الجائحة الكورونية، أو ما سماه "فيروس الهلع والفزع"، حيث "خفافيش الصين تملأ الفراغ"، لم يفت الربيعي الإشارة إلى ما سببته الوباءات على مدى القرون الماضية

ويعيد الكاتب قراءة كتب الأوبئة على مر التاريخ، متوقفا أمام وفيات قضت بسبب الطاعون في سيينا الإيطالية سنة 1348م، وما دونه بالقرن الـ14 المؤرخ أنجلو دي تورا، قائلا "دفنت أطفالي الخمسة بيدي، وكان هناك أولئك الفقراء الذين غُطوا بالتراب ونبشت جثثهم الكلاب، وأخذت تلوكها في المدينة، ولم يكن هناك أي أحد يبكي على أي ميت حيث توقع كل واحد أن يموت".

اعتزال وصمت

ويصدِّر الربيعي كتابه، باقتباسات ومقولات قصيرة لعدد من المشاهير والأسلاف، بدءا بمقولة للإمام علي بن أبي طالب "يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه على عشرة أجزاء، تسعة منها في اعتزال الناس، والعاشرة في الصمت"، وهي تعبير عن العزلة التي فرضتها جائحة كوفيد-19.

وثمة مقولات أخرى تكاد تكون أكثر انكسارا في زمن الوباء، مثل قول الشاعر العراقي عدنان الصائغ "في الطرقات الخالية، حرب، وموتى، ولا جيوش، ولا قنابل"، غير أن ذروة الخوف والشعور بفشل أعتى الأنظمة في العالم، يلخصها المسرحي الأيرلندي صموئيل بيكيت (1906 – 1989) في قوله أنت موجود على الأرض، ولا يوجد علاج لذلك".

لكن لا مجال للاستسلام ولا بد من تنفيذ وصية لبابلو نيرودا "في بعض الأحيان على الشاعر أن يكون مؤرخا لعصره"، وهذا ما فعله الشاعر الربيعي، إذ انبرى يوثق ويدون لأهم جائحة وبائية في اللحظة الراهنة، يقينا منه بأن الحوادث تتكرر والإنسان ينسى.

وننوه إلى أن هذا الكتاب، لم يكن الأول من نوعه، بالنسبة لعبد الرزاق الربيعي، الذي كان شاهدا على "إعصار جونو"، الذي ضرب سلطنة عمان في السادس من يونيو/حزيران 2007، حيث رصد معايشاته للإعصار في كتاب بعنوان "مدن تئنّ، وذكريات تغرق" (الانتشار العربي، بيروت، 2008).

وثمة كتاب "14 ساعة في مطار بغداد" (صدر في طبعتين: المنامة والقاهرة، 2012)، يسجل فيه الربيعي مشاهداته لبغداد بعد فراق دام 16 سنة متواصلة. ونشير أيضا إلى كتب أخرى حمل موضوعها تدوينا لفترة استثنائية وحرجة على البشرية في بلد هنا أو هناك، أو استذكارا لأمكنة، مثل "يوميات الحنين"، و"خطى.. وأمكنة"، و"غرب المتوسط"، و"خطوط الذاكرة.. دوائر المكان".

المصدر : الجزيرة

إعلان