"الأرشيف الفلسطيني".. جهد فردي لصون الذاكرة والتاريخ
القدس المحتلة- "ستأكلنا الضباع إن بقينا بلا ذاكرة" مقولة للكاتب الفلسطيني الراحل سلمان ناطور تختصر أهمية الذاكرة الفلسطينية، وضرورة الحفاظ عليها لحفظ الوطن من الغياب والتغييب.
ولأن حكاية فلسطين ليست محصورة في نكبتها، بل في تفاصيلها العامرة بالحياة الاجتماعية والفنية والثقافية بعيدا عن الصور النمطية "الاستشراقية"، انطلق حساب "الأرشيف الفلسطيني" في مايو/أيار عام 2020 على منصة "تويتر" (Twitter).
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبين الرسم والنحت والكولاج.. إطلاق أول منصة فلسطينية إلكترونية للأرشيف الفني المتخصص من قلب القدس
فيلم “الطنطورة”.. شهادات عن مجزرة وقبر جماعي حاولت إسرائيل طمسهما في النكبة
من”نص نصيص” الفلسطينية إلى “نصف الصبي” الكورية.. 40 عاما من جمع الحكايات الخرافية وتوثيقها
وهو حساب باللغة العربية يختص بأرشفة تاريخ فلسطين، ويحاول حفظ الذاكرة وجمع شتات ما تيسّر من إرث ثقافي ضائع أو مسروق أو مبعثر، ويتابعه نحو 28 ألفا بدون ترويج.
ويرتكز محتوى "الأرشيف الفلسطيني" على نشر مواد متنوعة للتاريخ الفلسطيني القديم والمعاصر، تشمل صورا ومقاطع مرئية وأفلاما ومواد من صحف مختلفة.
ويرتبط محتواه أيضا بمستجدات يومية، كأحداث الشيخ جراح، والحرب الإسرائيلية على غزة، وهروب الأسرى الستة من سجن جلبوع وغيرها، من باب التوثيق لها، "فحدث اليوم يصبح غدا أرشيفا".
تنويه:
الصورة التي سبق ونشرناها على هذه الصفحة على أنها للشهيدة وداد بهلول، تبين بأنها ليست لها.
فالصورة موثقة في كتاب (لبنان ١٩٨٢: يوميات الغزو الإسرائيلي- وثائق وصور) عن خروج المقاومة من بيروت..وكانت تحت عنوان "امرأة وطفلها في ثياب الرحيل"
ورابط الكتاب في التعليق أدناه.. https://t.co/hQZvZUaYzX pic.twitter.com/BLMfMjQ0tx— The Palestinian Archive الأرشيف الفلسطيني (@palestinian_the) June 19, 2021
جهد فردي مستقل
أنشأ الحساب ويقوم عليه شاب فلسطيني تحدث للجزيرة نت، مفضّلا عدم الكشف عن هويته، وعلل ذلك بأنه يحبذ أن يكون الحساب عاما من دون معرفة القائمين عليه، لحرصه على ألا يُحسب على توجه أو جهة معينة، مؤكدا أنه لا يتبع منظمة أو فصيلا.
ويوجد حساب "الأرشيف الفلسطيني" على منصة تويتر فقط، لأنها حسب تقدير القائم عليه، المنصة الأكثر تفاعلا مع الحدث اليومي، بالإضافة إلى كونها أقل محاربة للمحتوى الفلسطيني مقارنة بمنصات أخرى مثل "فيسبوك" (Facebook) و"إنستغرام" (Instagram).
(برلمان ناجي)
"أنا مش ملتزم دكاكين سياسية، أنا ملتزم بقضية أكبر من كل هذه الجموع.. أنا ضمير كل الناس الواعيين مصالحهم ومش قادرين يعبروا عنها"
*من مقابلة الشهيد ناجي العلي مع التلفزيون الكويتي ١٩٨٦#فلسطين
#فلسطين_قضيتي #التطبيع_خيانة#Palestine pic.twitter.com/USGwyGlsOW— The Palestinian Archive الأرشيف الفلسطيني (@palestinian_the) October 8, 2020
مصادر المواد
لا يدّعي الحساب ملكية حقوق المواد المنشورة، ولا توجد مصادر محددة لها، وإنما يتم الاستناد بالأساس على البحث أولا بأول في شبكة الإنترنت عن المعلومات والقصص والحكايات من الذاكرة الفلسطينية، وصولا إلى بعض المصادر من منصات ووكالات ومواقع صحفية ومراكز أرشيفية ومقابلات صحفية، إضافة إلى الكتب والروايات والمذكّرات، أو من خلال التواصل مع شخصيات فلسطينية وعربية وأجنبية عايشت مراحل مختلفة من التاريخ الفلسطيني، أو باحثين مهتمين بالأرشيف.
في آخر مواده، نشر الموقع مقطعا نادرا لفدائيين من مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية في الأردن عام 1970، ورسما كاريكاتوريا للشهيد الفنان ناجي العلي، وصورة لخبر وفاة الشاعر إبراهيم طوقان من صحيفة فلسطين عام 1941، إضافة إلى اقتباسات شعرية أرشيفية، ونصوص من صحف أو كتب صادرة في فترات زمنية مختلفة.
من أخبار الثورة الفلسطينية الكبرى والإضراب العام | ٩ أيار ١٩٣٦
مظاهرة كبرى في يافا – بين المدافع الرشاشة والمتاريس والقوات المنتشرة – وحماسة الشعب بلغت حدا هائلا.. pic.twitter.com/7g5MGiYVBZ
— The Palestinian Archive الأرشيف الفلسطيني (@palestinian_the) May 9, 2022
الاستناد إلى الذاكرة
لا يتعامل الحساب مع محتواه وكأنه حدث من الذاكرة فحسب، بل يعده استمرارا لما حدث منذ النكبة عام 1948 وما قبلها، مؤكدا أن استمرارية الاحتلال توجب الاستناد إلى الذاكرة، درءا للنسيان والاستكانة.
ويقول القائمون عليه إن دوام الإشارة إلى النكبة وتداعياتها لا يهدف إلى البكاء على ما حدث ولا تذكر أمجاد الماضي، وإنما لإبقاء جذوة النضال مستمرة في النفوس، و فضح جرائم الاحتلال بنشر مواد أرشيفية نادرة عن مجازره، مثل مجزرة خان يونس ودير ياسين وتل الزعتر وصبرا وشاتيلا.
شهيدة إذاعة الثورة الفلسطينية |
اللبنانية نِعم فارس التي كانت "تحلم بفلسطين لتدفع الأذى عن لبنان.."
عملت في إذاعة صوت فلسطين في لبنان وكانت تسجل أغاني وحكايات الفدائيين في معسكراتهم، وهي الفتاة الوحيدة التي بقيت في الإذاعة خلال الاجتياح قبل استشهادها في آب ١٩٨٢
1⃣ pic.twitter.com/GHCCTvxMse— The Palestinian Archive الأرشيف الفلسطيني (@palestinian_the) May 12, 2022
ربط الماضي بالحاضر
يلاحظ المتابع ربط الحساب بين الماضي والحاضر عن طريق النشر عن أحداث تاريخية مشابهة لما يجري اليوم، مثل محاولات سابقة لهروب الأسرى من سجون الاحتلال، أو مواد تؤكد منهجية الاحتلال في سياساته العدوانية المستمرة تجاه الفلسطينيين كسياسة هدم البيوت واعتقال الأطفال والطلاب، ليقول إن التاريخ يعيد نفسه بأشكال وأدوات مختلفة.
وتُرفق منشورات الحساب بمحتوى بصري لحكايات واقتباسات قصيرة، بعيدا عن الإطالة والحشو؛ فالناشر يرى أن قوة الحكاية وتماسكها هو ما يترك الأثر، أما الصورة فهي تعزز قوة الحكاية وتوثقها، مع الحرص على إرفاق المواد أو الروابط التي تروي الحكاية باستفاضة أكثر للاستزادة.
صبرا وشاتيلا | بعد المجزرة (٣)
في كتابها "صبرا وشاتيلا" تحكي بيان نويهض الحوت، عن النساء اللواتي كن يحاولن التعرف على الضحايا، ومنهن امرأة تصيح "يا ويلي، يا ويلي، على البني آدمين، وحقهم بالحياة، وين حقهم بالحياة"
في هذا الفيديو تظهر هذه المرأة وعدد من النساء اللواتي فقدن أحبابهن. pic.twitter.com/qnxVUczXfS— The Palestinian Archive الأرشيف الفلسطيني (@palestinian_the) September 18, 2021
أداة مقاومة
يهدف حساب "الأرشيف الفلسطيني" عبر محتواه إلى حفظ الرواية الفلسطينية في مواجهة رواية الاحتلال، فصاحب الحساب يرى أنه لولا أهمية وتأثير المحتوى الفلسطيني على المنصات الرقمية لما حورب "فالنشر على المنصات يعزز ويقوي روايتنا الفلسطينية ويؤكد عدالة قضيتنا ويحميها من التهميش الذي تحاول فرضه الجهات القائمة على العديد من المنصات لمصلحة رواية الاحتلال وتغييب جرائمه وتمهيد الطريق للتطبيع".
وشدد صاحب الحساب -للجزيرة نت- على أهمية الأرشيف الفلسطيني كونه أداة من أدوات المقاومة، التي من شأنها الإبقاء على ديمومة القضية، والحفاظ على الذاكرة الجمعية بوصفها جزءا من المعركة مع محتل يسعى لمحوها.
ويدلل على ذلك قائلا إن "من أبرز الأدلة على أهمية الأرشيف وخشية الاحتلال منه، ما قام به عند اجتياح بيروت عام 1982 بنهب محتويات مركز الأبحاث الفلسطيني، الذي كان يضم مواد مهمة لأرشيف مستقبلي، وكان يصفه الكاتب والشاعر الراحل أمجد ناصر بعقل الثورة الفلسطينية".
ويضيف "للأسف، هذا أرشيف يقلل البعض من شأنه، ويتعاملون معه على أنه صار من الماضي ولا فائدة تُرجى من تذكره واستعادته".