"الأرشيف الفلسطيني".. جهد فردي لصون الذاكرة والتاريخ

Mutea Ibraheim and Omar Mukhtar, Palestinian Film Unit, 1976, Beirut. Courtesy of WAFA agency.
صورة نشرها "الأرشيف الفلسطيني" للمصورين الصحفيين إبراهيم ناصر وعبد الحافظ الأسمر اللذين قتلتهما إسرائيل عام 1978 (من أرشيف وكالة وفا)

القدس المحتلة- "ستأكلنا الضباع إن بقينا بلا ذاكرة" مقولة للكاتب الفلسطيني الراحل سلمان ناطور تختصر أهمية الذاكرة الفلسطينية، وضرورة الحفاظ عليها لحفظ الوطن من الغياب والتغييب.

ولأن حكاية فلسطين ليست محصورة في نكبتها، بل في تفاصيلها العامرة بالحياة الاجتماعية والفنية والثقافية بعيدا عن الصور النمطية "الاستشراقية"، انطلق حساب "الأرشيف الفلسطيني" في مايو/أيار عام 2020 على منصة "تويتر" (Twitter).

وهو حساب باللغة العربية يختص بأرشفة تاريخ فلسطين، ويحاول حفظ الذاكرة وجمع شتات ما تيسّر من إرث ثقافي ضائع أو مسروق أو مبعثر، ويتابعه نحو 28 ألفا بدون ترويج.

ويرتكز محتوى "الأرشيف الفلسطيني" على نشر مواد متنوعة للتاريخ الفلسطيني القديم والمعاصر، تشمل صورا ومقاطع مرئية وأفلاما ومواد من صحف مختلفة.

ويرتبط محتواه أيضا بمستجدات يومية، كأحداث الشيخ جراح، والحرب الإسرائيلية على غزة، وهروب الأسرى الستة من سجن جلبوع وغيرها، من باب التوثيق لها، "فحدث اليوم يصبح غدا أرشيفا".

جهد فردي مستقل

إعلان

أنشأ الحساب ويقوم عليه شاب فلسطيني تحدث للجزيرة نت، مفضّلا عدم الكشف عن هويته، وعلل ذلك بأنه يحبذ أن يكون الحساب عاما من دون معرفة القائمين عليه، لحرصه على ألا يُحسب على توجه أو جهة معينة، مؤكدا أنه لا يتبع منظمة أو فصيلا.

ويوجد حساب "الأرشيف الفلسطيني" على منصة تويتر فقط، لأنها حسب تقدير القائم عليه، المنصة الأكثر تفاعلا مع الحدث اليومي، بالإضافة إلى كونها أقل محاربة للمحتوى الفلسطيني مقارنة بمنصات أخرى مثل "فيسبوك" (Facebook) و"إنستغرام" (Instagram).

مصادر المواد

لا يدّعي الحساب ملكية حقوق المواد المنشورة، ولا توجد مصادر محددة لها، وإنما يتم الاستناد بالأساس على البحث أولا بأول في شبكة الإنترنت عن المعلومات والقصص والحكايات من الذاكرة الفلسطينية، وصولا إلى بعض المصادر من منصات ووكالات ومواقع صحفية ومراكز أرشيفية ومقابلات صحفية، إضافة إلى الكتب والروايات والمذكّرات، أو من خلال التواصل مع شخصيات فلسطينية وعربية وأجنبية عايشت مراحل مختلفة من التاريخ الفلسطيني، أو باحثين مهتمين بالأرشيف.

في آخر مواده، نشر الموقع مقطعا نادرا لفدائيين من مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية في الأردن عام 1970، ورسما كاريكاتوريا للشهيد الفنان ناجي العلي، وصورة لخبر وفاة الشاعر إبراهيم طوقان من صحيفة فلسطين عام 1941، إضافة إلى اقتباسات شعرية أرشيفية، ونصوص من صحف أو كتب صادرة في فترات زمنية مختلفة.

الاستناد إلى الذاكرة

إعلان

لا يتعامل الحساب مع محتواه وكأنه حدث من الذاكرة فحسب، بل يعده استمرارا لما حدث منذ النكبة عام 1948 وما قبلها، مؤكدا أن استمرارية الاحتلال توجب الاستناد إلى الذاكرة، درءا للنسيان والاستكانة.

ويقول القائمون عليه إن دوام الإشارة إلى النكبة وتداعياتها لا يهدف إلى البكاء على ما حدث ولا تذكر أمجاد الماضي، وإنما لإبقاء جذوة النضال مستمرة في النفوس، و فضح جرائم الاحتلال بنشر مواد أرشيفية نادرة عن مجازره، مثل مجزرة خان يونس ودير ياسين وتل الزعتر وصبرا وشاتيلا.

ربط الماضي بالحاضر

يلاحظ المتابع ربط الحساب بين الماضي والحاضر عن طريق النشر عن أحداث تاريخية مشابهة لما يجري اليوم، مثل محاولات سابقة لهروب الأسرى من سجون الاحتلال، أو مواد تؤكد منهجية الاحتلال في سياساته العدوانية المستمرة تجاه الفلسطينيين كسياسة هدم البيوت واعتقال الأطفال والطلاب، ليقول إن التاريخ يعيد نفسه بأشكال وأدوات مختلفة.

وتُرفق منشورات الحساب بمحتوى بصري لحكايات واقتباسات قصيرة، بعيدا عن الإطالة والحشو؛ فالناشر يرى أن قوة الحكاية وتماسكها هو ما يترك الأثر، أما الصورة فهي تعزز قوة الحكاية وتوثقها، مع الحرص على إرفاق المواد أو الروابط التي تروي الحكاية باستفاضة أكثر للاستزادة.

أداة مقاومة

إعلان

يهدف حساب "الأرشيف الفلسطيني" عبر محتواه إلى حفظ الرواية الفلسطينية في مواجهة رواية الاحتلال، فصاحب الحساب يرى أنه لولا أهمية وتأثير المحتوى الفلسطيني على المنصات الرقمية لما حورب "فالنشر على المنصات يعزز ويقوي روايتنا الفلسطينية ويؤكد عدالة قضيتنا ويحميها من التهميش الذي تحاول فرضه الجهات القائمة على العديد من المنصات لمصلحة رواية الاحتلال وتغييب جرائمه وتمهيد الطريق للتطبيع".

وشدد صاحب الحساب -للجزيرة نت- على أهمية الأرشيف الفلسطيني كونه أداة من أدوات المقاومة، التي من شأنها الإبقاء على ديمومة القضية، والحفاظ على الذاكرة الجمعية بوصفها جزءا من المعركة مع محتل يسعى لمحوها.

ويدلل على ذلك قائلا إن "من أبرز الأدلة على أهمية الأرشيف وخشية الاحتلال منه، ما قام به عند اجتياح بيروت عام 1982 بنهب محتويات مركز الأبحاث الفلسطيني، الذي كان يضم مواد مهمة لأرشيف مستقبلي، وكان يصفه الكاتب والشاعر الراحل أمجد ناصر بعقل الثورة الفلسطينية".

ويضيف "للأسف، هذا أرشيف يقلل البعض من شأنه، ويتعاملون معه على أنه صار من الماضي ولا فائدة تُرجى من تذكره واستعادته".

المصدر : الجزيرة

إعلان