"العابر بلا كلمة" لزاهر الغافري.. سهم الريح يصغي لبيانو المستقبل

الشاعر العماني زاهر الغافري صدر له العديد من الأعمال الشعرية وترجمت بعض أعماله للغات عالمية (الجزيرة)

يحرض زاهر الغافري الشاعر العماني المقيم في السويد -بمجموعته الشعرية "العابر بلا كلمة" الصادرة حديثا عن "العائدون" للنشر والتوزيع في عمان- على الوحدة واتباع سهم الريح والإصغاء باهتمام إلى عزف بيانو المستقبل.

تحتوي المجموعة على 40 نصا، يكتب فيها الغافري تأملاته بأسلوب شعري متحرر من الكثافة والتعقيد لحساب كتابة شعرية رشيقة كرقصة عصافير على شجرة الحياة المحتشدة بالتفاصيل والأعباء التي يعالجها الشعر ويجلو ما علق بها من غبار الأيام.

تبدأ المجموعة بنص مرثية للشاعر الأميركي الراحل دبليو إس مروين، يقول فيها "آه أين أنت الآن يا مروين/بعدكَ انطفأ القمر تحت/ الستائر المغلقة/ ولم تعد السماء/ مزهرة/ بالطيور".

وفي السياق، أيضا "آه يا مروين/ أرقد الآن/ فالعالم لن ينقذ نفسه"، وهنا تعبير عن أن معتركات الحياة، أفضت بشاعر محب للجمال وللطبيعة ولأصدقائه، إلى استخلاص دروس وعبر، أن كل شيء مصيره الانطفاء والتلاشي، وتبقى الذكرى، لكنها الذكرى المعجونة بماء الشعر على طريقة شاعر "وفي" لا ينس أحبته، بل تظل ذكراهم تعشعش في رأسه دافعة إياه للانتحاب شعرا جميلا صافيا كماء يهرع من جبال.

"البس القناع"

يفيق الشاعر بعد حياة طويلة على صوت خفي يهمس في رأسه "البس القناع فإذا أنت/ صوت من الفم/ يسافر وحده بين الخرائب".

وهي قصيدة بمثابة تحريض على ارتداء قناع يليق بزيف العالم وعدمية الحياة وقد خبرها الشاعر.

لكن هذا التحريض، يكتسب رؤية شعرية مغايرة؛ من أجل أن تأتي الفكرة -وفقا لما يراه الشاعر- طيعة "مثل امرأة تتجول في الحقول" عندما يهبط المغيب كالضباب فوق البحيرات.

ولأجل ذلك، ينبه الشاعر من الخوف من الخطوة الأولى؛ خوف يفضي إلى حصد الريح والاستعداد للقذائف "عليك الآن أن تجمع حفيف الريح/ في يدك/ حتى تستعد للقذيفة".

أما نص "العابر بلا كلمة" الذي حمل عنوان المجموعة الرئيس، فهو استمرار للتحريض على مخالفة الواقع والروتين اليومي، وفي مطلعه يقول الشاعر "أتبعُ السهم حيث يريد أن يصل/ حتى لو كان الهدف نجما آيلا للسقوط".

ويتحسر الشاعر على مآلات حياتنا اليوم؛ حياة مملة ومريبة، كل شيء مراقب، حتى الموتى في قبورهم قد يتعرضون للمراقبة، كما أن الصالات الفارغة هي الأخرى مُراقَبة، لذلك فهو يختار طريقه الخاصة "سهم يسافر وحده/ ويتبع النجوم والريح"، تابعا سهم الشعر والكتابة، لا سهم الملل الذي يصيبنا كلما مررنا بصالة فارغة تحرسها كاميرات.

ثم يستمر التنصل من ضجيج العالم ورتابته "nevermore/ nevermore/ ليس لديّ نافذة/ والزائر الغريب لن يطرق ليلا/ على باب اللاشيء/ أعيش في العراء/ ولديّ نخلة الخلاص/ هذا كل ما لديّ يا لينور/ لكنني سجين في جناح الغراب".

تحضر في قصيدة الغافري أسماء وشخصيات شعراء مثل مروين، ومواطنه إدغار آلان بو الشهير بلينور، والأديب المغربي محمد شكري. وأيضا، يأتي الشاعر بمفردات من لغات أخرى. كما يكتب استذكارات عن مدن وأماكن زاهرها أو أقام بها، مثل الإسكندرية، حانة هوستن الصينية، لندن، ساحة سان ماركو بالبندقية الإيطالية، آلباني (عاصمة ولاية نيويورك).

ومثل عاشق يهرب من قلعة، كي ينجو من أشرار يملؤون المكان، "في بلاد السَّحَرة"، يتشبث الغافري بخيط نجاة أخير "خيط الشعر"، الخيط ذاته يجعله على تماس مباشر مع كل ذكرى جميلة أو حزينة، يظل يهمس بها في أعماقه طويلا، إلى لحظة يتحول فيها ما كان خيطا إلى قصيدة.

"خباز وحيد في غابة"

"كنت خبازا في الغابة/ العصافير وحدها تأتي وتأكل/ كوخي على البحيرة/ وأنا رجل وحيد"، هذه هي نهاية نص يختم به الشاعر مجموعته المكتوبة بلغة شعرية مصفاة من الشوائب والحشو والتكرار وما شابه ذلك من سياقات التكثيف التي تقتل الكتابة الشعرية وتحولها في المعظم، إلى تدوينات سردية في جلباب الشعر.

المصدر : الجزيرة