هدد الكنيسة باعتناق الإسلام.. ملك إنجلترا هنري الثاني وعلاقة استثنائية بالثقافة العربية

لم يكن هنري الثاني ملكا عاديا، بل نجح خلال فترة حكمه (1154- 1189) في بسط نفوذه على مساحة شاسعة لم تتوقف عند حدود الجزيرة البريطانية، بل امتدت إلى أجزاء كبيرة من ويلز والنصف الشرقي من إيرلندا والنصف الغربي من فرنسا وسيطر بشكل مؤقت على أجزاء من أسكتلندا.

File:BecketHenryII.
الملك هنري الثاني (يسار) مع مستشاره توماس بيكيت رئيس أساقفة كانتربري الذي قتل على يد 3 من فرسان الملك (مواقع إلكترونية)

كشفت مراسلة تاريخية، بين الملك البريطاني هنري الثاني وبابا الكنيسة الكاثوليكية في روما ألكسندر الثالث، نهاية القرن الـ 12، عن تحول كبير وتاريخي كادت أن تعرفه بريطانيا وهو الدخول في الإسلام والتحول لبلد مسلم، والخروج من المسيحية.

هذه المراسلة كشفت عنها الكاتبة المختصة في التاريخ البريطاني كلوديا غولد (Claudia Gold) في مقال تحقيقي لها على صفحات مجلة شبكة "بي بي سي" للتاريخ.

وتقدم لنا المصادر التاريخية أيضا الكثير من المعطيات المثيرة للإعجاب عن علاقة هنري الثاني، الذي حكم البلاد لعقود طويلة في القرن الـ 12، بالثقافة العربية والإسلامية، جعلته يحمل إعجابا للحضارة الإسلامية، بل إنه فكر جديا في اعتناق الإسلام وقلب الطاولة على الكنيسة الكاثوليكية، فهل كانت بريطانيا قريبة بالفعل من التحول لدولة مسلمة؟

اطلاع مبكر

بدأ أول احتكاك لهنري الثاني مع الحضارة الإسلامية وهو مازال طفلا عندما قرأ كتابات "بيتروس ألفونسي" الذي كان طبيبا لجده هنري الأول، وولد بيتروس في الأندلس وتلقى تعليمه هناك على يد العلماء المسلمين، ورغم أنه اعتنق المسيحية فإنه كان من أوائل من كتب وبشكل متوازن وقريب للدقة عن النبي محمد عليه السلام.

كما درس هنري الثاني كتابات "بطرس المبجل" الذي كان رئيسا لدير في جنوب فرنسا، وشكل فريقا لترجمة الكتب من العربية إلى اللاتينية ومن بين هذه الأعمال كان القرآن الكريم الذي تمت ترجمته من طرف فريق "بطرس المبجل".

وترجح بعض الكتابات التاريخية أن هنري الثاني تعرف على العربية من خلال نخبة من العلماء الذين كانت لديهم دراية بالثقافة العربية وإنتاجاتها الفكرية خصوصا في صقلية وإيطاليا والأندلس والشرق الأوسط.

وكان من بين أساتذة هنري الثاني العالم اللغوي الشهير أديلار الباثي الذي كان له تأثير كبير في تعليمه، حيث سافر الأخير لمدة 7 سنوات تقريبا إلى صقلية وتركيا وأنطاكية، من أجل دراسة الفكر العربي، ليشتهر بعدها بكونه من أوائل من ترجم الأعمال العربية إلى اللاتينية.

وفي رسالة من أديلار إلى هنري يظهر فيها أن الأخير طلب معرفة "رأي العرب في الكرة الأرضية وحركات النجوم والكواكب" مما يظهر اهتمام الملك هنري الثاني بإنتاجات العرب في مختلف المجالات.

إعجاب هنري بالعربية استمر معه حتى وصوله إلى العرش، بطلبه المتواصل من البعثات الدبلوماسية أن تحضر له نصوصا عربية ومترجمة، وعندما أراد التعبير عن حبه لـ "روزاموند كليفورد" بنى لها قصرا على طريقة العمارة الإسلامية بالنوافير والحدائق والزخارف الإسلامية، قبل أن يتم هدم هذا القصر فيما بعد.

دعوة الأمير نور الدين

ربيع 1168 دخل هنري الثاني في نقاش حاد مع البابا ألكسندر الثالث، بسبب الخلاف بينهما بشأن توماس بيكيت الذي عينته الكنيسة في روما رئيس أساقفة في بريطانيا.

Thomas Becket Murder. الصورة من /en.wikipedia.org
مقتل توماس بيكيت بواسطة أتباع الملك في كاتدرائية كانتربري عام 1170 (مواقع إلكترونية)

ورغم أن هنري الثاني هو من عين بيكيت في هذا المنصب وبمباركة من الكنيسة، فإن رئيس الأساقفة بدأ يتحدى نفوذ الملك ويتدخل في اختصاصاته وهو ما لم يتقبله هنري، وعندما اشتدت الأزمة بينهما اضطر بيكيت للهروب إلى فرنسا وطلب الحماية من لويس السابع.

وما زاد من حنق هنري الثاني وقوف البابا بجانب رئيس الأساقفة، مما دفعه لتوجيه رسالة إلى البابا تحمل تهديدا واضحا مفادها بأنه "سيقبل بأخطاء نور الدين ويصبح كافرا، وهذا أهون عليه من مشاهدة بيكيت يسيطر على الأسقفية في بريطانيا".

ومعنى هذه الرسالة أن هنري يهدد بقبول الدعوات المتكررة التي كان يبعثها له الأمير نور الدين زنكي أمير حلب الذي كان يتواصل مع هنري الثاني ويدعوه للإسلام، ومعنى "الكفر" التي وردت في الرسالة هي الخروج من المسيحية واعتناق الإسلام، وهو ما يعد كفرا في عرف الكنيسة في روما.

هذا التهديد من هنري الثاني للبابا ألكسندر الثالث، لإزالة بيكيت من منصبه، لم يظهر أنه أحدث أي تغيير في موقف الكنيسة، خصوصا بعد أن تم العثور على بيكيت مقتولا بعد الرسالة بعامين على يد ثلاث من فرسان الملك.

وهي ليست المرة الأولى التي يهدد فيها هنري البابا ألكسندر، حيث سبق وأن هدده بدعم منافسه فيكتور الرابع ليصبح على رأس الكنيسة، وبالفعل نجح هنري حينها في انتزاع ما يريد من البابا الذي كان يخشى من منافسه.

نفوذ كبير

لم يكن هنري الثاني ملكا عاديا، بل نجح خلال الفترة التي حكمها (1154- 1189) في بسط نفوذه على مساحة شاسعة لم تتوقف عند حدود الجزيرة البريطانية، بل امتدت إلى أجزاء كبيرة من ويلز والنصف الشرقي من إيرلندا والنصف الغربي من فرنسا، وسيطر بشكل مؤقت على أجزاء من أسكتلندا.

ويعني تلويحه باعتناق الإسلام تغيير مذهب مساحة شاسعة من أوروبا نحو الإسلام، وهو الأمر الذي لم تكن لتسمح به الكنيسة الكاثوليكية، خصوصا وأن الحروب الصليبية كانت في ذروتها حينها.

وتطرح الكاتبة البريطانية السؤال حول ما كان سيحدث لو تحول هنري الثاني بالفعل إلى الإسلام، حيث تؤكد "إن تغيير هنري لدينه سيتطلب التحول الجماعي لجميع الشعوب التي كانت تحت سلطته في مختلف مناطق أوروبا، وما للأمر من تأثير مهول".

المصدر : الجزيرة + بي بي سي

إعلان