"النافذة لا تعني شيئا".. كتاب لشاعر يمني يحرض على الكتابة للنجاة من الحرب

النافذة لا تعني شيئا - الشاعر اليمني ضياف البراق
كتاب "النافذة لا تعني شيئا" للشاعر اليمني الشاب ضياف البراق يضم قصائد شعرية ومقالات نثرية (الجزيرة)

صدر حديثا، عن أروقة للنشر- القاهرة، الكتاب الأول للشاعر والكاتب اليمني، ضياف البراق، في 260 صفحة من القطع الوسط.

يفتتح البراق -وهو أحد الكتاب اليمنيين الشباب الذين برزوا في فترة الحرب الدائرة في اليمن للعام الثامن- بكتابات تناهض الحرب، وتحرض على السلام وحب الحياة، وتعمم الابتسامة، وتستنطق الجمال وتبعثه من مدافنه.

كما تحرض على القبول بالآخر والتعايش معه، وتبادل الورود والأغنيات، بدلا من البيانات السياسية النارية والقذائف والصواريخ التي يتبادلها أطراف الصراع.

وفي ما يشبه الإهداء، يكتب البراق "من المقرف أن أجعل مقدمة لهذا الكتاب.. من المقرف أكثر أن أسميه كتابا.. أنا التشظي إلى أبعد مدى".

وإذ يكتب ذلك في مستهل كتابه الأول، إنما هو تعبير عن الظروف القاسية جدا التي يمر بها شاعر وكاتب شاب في بلد تتناهبه الحرب.

الشاعر اليمني الشاب ضياف البراق
الشاعر اليمني الشاب ضياف البراق (مواقع التواصل)

الشاعر في قصائده

وصاحب الكتاب نشأ يتيما، إذ ماتت أمه باكرا وتبناه جده لأمه في أقاصي تعز (جنوب غربي اليمن) حيث قضى طفولته، قبل أن ينتقل إلى صنعاء التي أكمل فيها دراسته الجامعية، العام المنصرم.

عاش البراق ظروفا تعد من الأصعب مقارنة بظروف الشعراء والكتاب من أبناء جيله في البلاد، فصارع ليكمل دراسته الجامعية، في الحقوق بجامعة صنعاء.

ومن فضاء العزلة المفتوح على الريح والبرد، أخذ البراق على عاتقه الكتابة، بوصفها مصيرا وملاذا يوميا لا رجعة عنه، ومن هنا كان له عمود ثابت في مجلة أقلام أدبية، وهي مجلة تصدر إلكترونيا نهاية كل شهر، حيث يكتب مقالته الشهرية، كما يكتب أيضا في مواقع إلكترونية يمنية أخرى.

يبدأ الكتاب بنص شعري، هو واحد من نصوص شعرية وكتابات نثرية تزيد على 85 نصا ومقالة ثيمتها الرئيسة "الكتابة والحرب"؛ فبدءا من نص بعنوان "هوامش النافذة اللعينة" يقول البراق "حين تندلع الحرب/ لا تتوتر/ بل استعد للفرح/ استرخ في مكانك/ ولا تقل شيئا/ الخروج إلى الشوارع من البيت/ التركيز على الأخبار العاجلة/ القلق من المقذوف الطائش/ هذه الأمور سوف تقتلك/ فتمهل".

ويحرض ضياف على الكتابة لتكون فعلا يوميا من شأنه ألا يجعل أخبار الحرب العاجلة وفداحاتها تجهز على الروح؛ إنها دعوة على امتداد صفحات الكتاب "الكتابة حجر واحد نقتل به الحياة والموت في آن معا/ ومن هنا ينبعث شعورنا بالخلود".

وفي نص بعنوان "الكتابة والحرب"، يكتب البراق "في الحرب إما تنتصر الكتابة أو تندثر، ليس أمامها من خيار ثالث". ويضيف "ما أكتبه يكفي لإسعاد وسادة حزينة، يكفي لانتشال طفلة تصرخ تحت الأنقاض، يكفي لقطع الطريق أمام رصاصة قناص مصوبة بدقة نحو قلبي، ويكفي أيضا لاكتشاف طريق الحرية".

الكتابة في ظلال الحرب

"كل كتابة إبداعية جميلة هي بالضرورة ضد الحرب"، هكذا يذهب البراق إلى هذا القول، بينما يسرد لحظة انهمار المطر على منطقة سعوان التي يقيم بها: "المطر يهطل على (سعوان). مساء جميل، وأطفال حارتنا يلعبون الآن في الشوارع والأزقة. الأضواء قليلة في الخارج. ابتهاجات الأطفال كتابة مختلفة ضد الحرب".

ويقول البراق "أنزل إلى الشارع كل يوم، أخالط الناس فيها، أصغي إلى ما يدور في نفوسهم، أكتشف جراحاتهم العميقة، ثم أكتبها بشغف وصدق، بحنان وحرية. أكتب من وسط الشوارع، من على مقاعد الباصات. أمشي وأنا أكتب. كتاباتي تخلو من الأكاذيب والزخارف والتعقيدات".

ولا تقف نصوص الكتاب عند الحرب ويومياتها، لكنها تتعدى ذلك إلى استنطاق روح الجمال في الأشياء وتستدعي الرموز والمشاهير من الأدباء والفلاسفة المؤثرين. ففي نص بعنوان "أوشو" أي الحكيم الهندي، يكتب البراق: "في زمن الحرب، أوشو هو الفيلسوف الوحيد الذي يجعلني مبتهجا كما لو أني غصن شجرة خضراء، يتمايل بطلاقة ولا ينكسر".

ويتابع قائلا "يا له من معلم نبيل جدا، مليء بالحب والجمال والحرية. إن أوشو يسكرني بعذوبة جمال الكون، حد الذوبان في الدهشة، ويأخذني خطوة بخطوة إلى طريق السعادة الحقيقية. يداوي جراحي النفسية بمرهم أصفى من العسل الطبيعي، مثل موسيقى شعرية خالصة".

وينغص لحظة الكاتب ما تحمله نشرات الأخبار من تقارير ومشاهد دامية وما تعرضه الشاشة من جثث، مما يجعله في حالة من النفور والقلق من هذا الواقع المحترب الذي يجد فيه الموت لا الوطن "هنا شهوة الموت أكبر من وردة الوطن/ وردة الحب لا تكفي لركل كرة الموت إلى خارج الغرفة، إلى خارج القلب".

ومستدركا، يتابع "بين الغرفة والقلب جثث متوحشة تزحف نحو وجهي، وترصد كل كلمة تخرج من فمي، وتغرز مخالبها وأنيابها حتى في خيالي. وفكر هذه الجثث شديد القدرة على إخراب كل ما ينبغي إصلاحه في جسد الحياة".

ولكي ينسى شبح الجثث المتناثرة في كل مكان، يقترح الكاتب إغلاق أبواب الحزن، ثم ينادي على حبيبته شعرا "يتعبني كلام الأمس/ يمزقني هذا الرصيف الحامض/ انتشلي دماغي من هنا"، لكن الأهم في رسالته الهاربة من جثث الراهن السياسي والثقافي "لا تفتحي بابا جديدا للحزن/ لا تغلقيني عليك/ خذيني قليلا قليلا/ بفمك الصغير المرهف/ أو بريشة فان جوخ التي كان يأكل بها".

وبين سطور كتاب البراق، يجد القارئ أن عدد المقالات والنصوص السردية أكثر من عدد النصوص الشعرية، لكن ذلك لا يخرج عن موضوع كبير في المجمل، وهو "الكتابة في زمن الحرب". ففي اللحظة التي يصعب على الشاعر كتابة قصيدة، فإنه يجترح فضاء لامتناهيا يعبر فيه بلغة رشيقة وعالية عن سأمه من الحرب وعن انحيازه للجمال والسلام، مهما كلفه ذلك من ثمن.

المصدر : الجزيرة