شاعر الروسية الأذري إلدار آخادوف: أتمنى ألا يُعسكَر الأدب وأحلم بترجمة القرآن للروسية
يقول الشاعر إلدار آخادوف إنه عاش حياة كاملة تقريبا وهو يكتب الشعر، منذ ما يقارب 54 عاما على التوالي، "فقد بدأت كتابته سنة 1968، أي منذ أن كنت في الثامنة من عمري. لقد تغير العالم، وقصائدي مثله تغيرت تدريجيا".
دأبت الحروب البشرية على تغيير ملامح الأوطان، كذلك لم ينج منها البشر، فإذا ما سلم جسد المرء ونجا، ربما لا تسلم نفسه، وفق ما يعتقد بعض علماء النفس. ولكن ما أثر الحرب على الأديب والأدب على وجه التحديد؟
لأن الأدب مهذب ومطهر للنفس البشرية كما يقال، صار كثير من الكتاب يوصفون بأنهم رقيقون، وأصحاب هشاشة من الداخل. لذا فإن الكاتب -مثله مثل الأبنية- يتهشم جراء ما يخلفه الدمار والموت، ولو أن الحرب وضعت أوزارها وأعيد بناء ما تحطم من بنى تحتية، فسترى مَن الذي سيعيد الكاتب لسابق عهده، إذا ما أصيب بلوثة الأدلجة؟
اقرأ أيضا
list of 4 itemsوفاة غورباتشوف وانهيار التفاؤل بـ"سلام الأقواس الذهبية".. تاريخ مقلوب لنهاية الحرب الباردة وانتصار الرأسمالية
حرب اتحادات الكتاب والأدباء بين روسيا والدول الأوروبية.. الاصطفاف مع الدولة أم النأي بالثقافة عن تأزم السياسة؟
رؤيتان متنافستان على التاريخ.. لماذا يعكس الصراع الكنسي في أوكرانيا التوترات القديمة مع روسيا؟
للحرب شكلان: شكل أنتج من خلاله بعض الأدباء أدبا عظيما، متخذين منه مادة أولية لنصوصهم نقلت لنا معاناة الأمم إزاء ما لحقها من وجع وأذى، إذ يؤدي هذا النوع غرضا إنسانيا كبيرا.
أما شكلها الثاني فولد نصوصا تطفو على سطحها وتغوص بعمق أيديولوجيات المتحاربين، ولهذا الشكل دلائله الكثيرة، منها ما جاء في تخليد وتمجيد بعض قادة الحرب، مما دفع بالناس إلى المحرقة على حساب أوطانهم.
في هذه الزاوية، تفتح الجزيرة نت نافذة لكتاب وكاتبات من الشعبين الروسي والأوكراني، لكي يدلوا برأيهم حول مصير الأدب أثناء الحرب وبعدها، وعن آرائهم فيما يصرح به بعض كتاب الحروب أو معاديها، وبعض الاتحادات، وعن موقف شعوبهم منها، وعن واجب الأديب وموقفه الإنساني من قبول الحرب أو رفضها والإعلان عن ذلك صراحة، وانحيازه لوطنه وإن كان بادئا الحرب، أو الاصطفاف للإنسان عابرا للجنسية والقومية، أي عسكرة الأدب وأدلجته.
إلدار آخادوف
ولد صاحب "صوت الريح"، الشاعر إلدار آخادوف في باكو عاصمة أذربيجان عام 1960، ثم انتقل ليعيش في روسيا. جال بين مدنها حتى استقر في سيبيريا، وحصل على عضوية اتحاد كتاب روسيا. وكدأب الأدباء الذين ينأون بأنفسهم عن الخلافات السياسية، حفاظا على الذات الإنسانية من أن تخترقها الكراهية، صار عضوا في اتحاد كتّاب أوكرانيا.
لكن أمّه الأولى "أذربيجان" أبت إلا أن تضمه إليها، فأصبح عضوا فخريا في اتحادها جزاء لما أوفى، إذا إنه لم ينس أن يصبغ أعماله الأدبية الروسية بصبغته الأذرية، ويمنحها هويته الأصلية.
ألّف ما يزيد على 60 كتابا، تنوعت بين الشعر والنثر، ترجمت بعضها إلى لغات عديدة، كالإنجليزية والعربية والإسبانية والإيطالية وما إلى ذلك.
حاز آخادوف العديد من الجوائز الأدبية، وعمل رئيسا مشاركا للمجلس الأدبي لجمعية شعوب أوراسيا، وهو عضو في الجمعية الجغرافية الوطنية الروسية ومؤسسة القلم الدولي، كما لم يفت المكتبات الدولية أن تضع كتبه على رفوفها ليقرأها من يسعى للتعرف على ثقافات الأوطان الأخرى، إذ إن بعضها موجود في مكتبة الكونغرس بالولايات المتحدة الأميركية، وفي المكتبة الوطنية البريطانية، وفي المكتبات الروسية الوطنية، وفي أذربيجان والجبل الأسود، وبلدان أخرى من العالم، فإلى الحوار:
-
متى بدأت رحلتك مع الشعر؟
حياة كاملة تقريبا وأنا أكتب الشعر، منذ ما يقارب 54 عاما على التوالي، فقد بدأت كتابته سنة 1968، أي منذ أن كنت في الثامنة من عمري. لقد تغير العالم، وكذلك قصائدي مثله تغيرت تدريجيا.
-
ما موقفك الشخصي من الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟
أنا أعيش على الأراضي الروسية، في مدينة سيبيريا، ويتعين عليَّ أن أتبع وأمتثل لقوانين هذا البلد. ووفقا للتشريعات الروسية، فإن روسيا لا تشنّ حربا على أوكرانيا، لذا إذا ما قلت خلاف ذلك، فمن المحتمل أن أتعرض للمحاكمة. رسميا، تقوم روسيا بعملية عسكرية من نوع خاص لنزع سلاح أوكرانيا وتخليصها من النازية. والتجريد من السلاح يعني تقليص القوة العسكرية إلى مستوى سويسرا المحايدة، ورفض الانضمام إلى أي تحالفات عسكرية، وعلاوة على ذلك، فإن خلع النازية أيضا يعني منع تفشي الأيديولوجية النازية في هياكل السلطة. وبعد حل هاتين المهمتين، سيغادر الجيش الروسي الأراضي الأوكرانية، ويعود إلى وطنه، هذا ما قاله الرئيس الروسي.
-
أما تعتقد أنَّ من واجب الكاتب أن يرفض الحروب ويعلن عن رفضه؟
كتب ليف تولستوي في روايته "الحرب والسلام"، أن "الحرب حدث مناف للعقل البشري، ولكافة الطبيعة البشرية"، وعليه فأنا أتفق تماما مع ما جاء واحتج به الكاتب العظيم تولستوي.
-
هل يقف الأديب لجانب الإنسان أيًّا كان مشربه، أم أن من الواجب عليه أن يصطف لجانب وطنه وإن كان وطنه هو المعتدي؟
في المقام الأول، ينبغي على المرء أن يكون إنسانا، بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان سامية، ما خلا ذلك فنحن لا أحد. تذكر الكلمات الأولى، الكلمات المفتاحية للعديد من الصلوات التي نرفعها إلى الله: "الرحمن الرحيم" تذكر، أنها كلها تدور في فلك الرحمة، ولا بد من أن يتراحم الناس.
-
هل تساهم الحرب في خلق أدب مختلف؟
أنا أرى أن كل شيء -في هذا الشأن- يعتمد على مشارب وإنسانية وموهبة خالقي ومبدعي الأدب.
-
ما رأيك بحركة الأدب؟ أثمة خروج بدأ يظهر على سلطة الأدب الكلاسيكي في روسيا وأذربيجان، أم أن الشعر ما زال يتبع الخطوات الكلاسيكية ولم يواكب حركة التغيير الشعري العالمي؟
نحن جميعا مختلفون، كذلك الكتّاب مختلفون أيضا، لذا فإن الأدب العالمي يتجه نحو اتجاهات مختلفة ومتعددة، وجميع هذه الاتجاهات لها الحق في الوجود والظهور والشيوع، ما عدا البروباغندا (الدعاية الموجهة) التي تسعى إلى الكراهية والعنصرية والسادية، فأنا لا أتفق مع ظهورها وشيوعها.
-
أمن الواجب على المثقف أن يكون له موقف حقيقي تجاه القضايا الإنسانية الكبرى؟ هل على المثقف أن يؤثر في المجتمع ويعمل على تغييره؟
نعم، وأقطع بهذا، فالنبي الكريم الذي صدح بالقرآن كان مفكرا ومثقفا وله موقف تجاه القضايا الإنسانية الكبرى، مما لا شك فيه، هو كان كذلك، هل أثر في المجتمع؟ بالتأكيد، وأنتم تعرفون ذلك جيدا.
-
هل قرأت الأدب الأجنبي، والأدب العربي على وجه الخصوص؟
اطلعت على تجارب أجنبية، ومنها العربية المعاصرة، لبعض الشعراء، منهم -على سبيل الذكر لا الحصر- علي الحازمي وعادل خزام وأشرف أبو اليزيد، وبعض الشعراء المعاصرين الآخرين في العالم العربي هم أصدقائي أيضا. إن حلم شبابي -صدقا أقول- كان أن أترجم القران إلى الروسية، على غرار المحاولة التي قام بها بوشكين من قبل، "محاكاة القرآن"، ولكني حتى اللحظة لم أستعد بعد لعمل فذ وشاق مثل هذا، ولكن الله عظيم، وآمل عونه ورحمته.
-
أي القصائد أقرب إليك، تلك التي كتبتها بالروسية أم التي كتبتها بالأذرية؟
الأهم من ذلك كله، أنا أحب القصائد الفلسفية العميقة لمعظم عظماء الشعر في العالم. عندما أكتب بالروسية، أبقى داخل سلطة عقلي وتفكيري الأذري. في عام 2019، مُنِحت الميدالية الفضية الأوراسية لاحتفاظي بالهوية الأذرية في أغلب أعمالي الأدبية التي كتبتها باللغة الروسية، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021 منحني اتحاد كتاب أذربيجان لقب العضوية الفخرية، وأنا فخور بهذا.
-
بما أنك عضو في اتحاد كتاب روسيا وأوكرانيا أيضا، ما موقفكم حيال بيان اتحاد كتاب أوكرانيا بشأن حظر الشعراء الروس باستثناء الماضين منهم؟ وما موقفك من بيان كتاب اتحاد روسيا حول الحرب مع أوكرانيا؟
بيان اتحاد أوكرانيا لا يشملني ولا ينطبق علي، أنا أكتب باللغة الروسية، لكنني لست روسيا، أنا أذربيجاني. ذات مرة أعرب اتحاد كتاب روسيا عن شكره وامتنانه لي إزاء أعمالي التي خدمت الصداقة والسلام بين الشعوب، برسالة مكتوبة وموقعة من رئيس اتحاد كتاب روسيا نيكولاي إيفانوف، كما نشرت هذه الرسالة في باكو عاصمة أذربيجان.
-
ما رأيك بعسكرة الأدب؟ هل سيعود الأدب إلى العسكرة؟
أتمنى ألا يحدث مثل هذا الأمر أبدا.