العراقي نزار عبد الستار: السخرية أساسية في سرد روايتي "الأدميرال لا يحب الشاي"
كما هي الحال في أعماله السابقة، يواصل الروائي العراقي نزار عبد الستار في روايته -التي ستصدر حديثا "الأدميرال لا يحب الشاي"- كتابة مشروعه السردي، عبر المداخلة بين التاريخ والحاضر وتفكيك الأواصر المتصلة بينهم، باختيار فضاءات تاريخية وشخصيات لها أثر درامي فعال وإسقاطها فنيا على الواقع المعاش، وتحويلها إلى متن سردي خيالي ساخر.
والروائي عبد الستار من مواليد بغداد 1967 أصدر قصصا قصيرة، منها "المطر وغبار الخيول" و"رائحة السينما" و"بيجامة حمراء بدانتيلا بيضاء"، وصدرت له كذلك روايات منها "ليلة الملاك" و"الأمريكان في بيتي" و"يوليانا" و"ترتر" و"مسيو داك".
ونال عبد الستار عددا من الجوائز، منها جائزة الإبداع العراقية لعام 1999 عن رواية "ليلة الملاك"، وجائزة الإبداع أيضا عن مجموعة "رائحة السينما" عام 2008 وغيرهما من الجوائز، وفي هذا اللقاء معه نتعرف إلى أهم محطات كتابته السردية.
-
عنوان روايتك التي سنصدر قريبا "الأدميرال لا يحب الشاي" يختلف عن عناوين كتبك الأخرى، وإن اقترب منها، فهل جنحت إلى السخرية؟
عنوان الرواية له ارتباط جوهري بالمتن، وإن جاء بصيغة ساخرة إلا أن القارئ سيراه مقنعا بشكل كبير. السخرية جزء أساسي من تركيبة السرد في رواياتي، واستخدمها لأغراض فنية، وأنا لا أقحمها بالنص وإنما استعملها في ملء وحدات السرد أو تحقيق الرمية الفكرية كما أنها جزء من معمار الرواية وتكون داخلة في السمات المكونة للشخصية كالبراءة أو التسلط أو الغباء.
السخرية إحدى أهم مقولات رواياتي، والإنسان العقلاني بطبيعته يستنبط المفارقات ويوظفها سلوكيا، وهذا ما يجب أن يحدث في الرواية أيضا، لأن الحياة التي نعيشها هي نفسها في الروايات. السخرية في الأدب دلالة على الحزن و الخيبة، وهذا يمثلني بشكل متطابق.
السخرية إحدى أهم مقولات رواياتي، والإنسان العقلاني بطبيعته يستنبط المفارقات ويوظفها سلوكيا، وهذا ما يجب أن يحدث في الرواية أيضا، لأن الحياة التي نعيشها هي نفسها في الروايات. السخرية في الأدب دلالة على الحزن و الخيبة، وهذا يمثلني بشكل متطابق.
-
عن ماذا تتحدّث، ما فكرة هذه الرواية الجديدة؟
إنها معنية بالسنوات الأخيرة لشركة الهند الشرقية البريطانية، وأحداثها تجري في عدة مدن، مثل كلكتا ولندن والبصرة، وتسلط الضوء على ما قبل الثورة الهندية ضد الإنجليز سنة 1857.
أردت شدّ الانتباه إلى تحكم الشركات الكبرى بمصير العالم، وهذا موضوع أراه يشكّل مأساتنا البشرية الحالية.
لقد أردت شدّ الانتباه إلى تحكم الشركات الكبرى بمصير العالم، وهذا موضوع أراه يشكّل مأساتنا البشرية الحالية.
إنه إسقاط لا بد منه على ما يجري لنا الآن؛ عقلية العالم لم تتغير عبر القرون، وما حدث أن الحياة صارت معقدة ويمكن قتل الكثير من الناس بطرق مختلفة.
إنها رواية عن فن التجارة، وكيف أن العالم الذي نعيش فيه صنع بطرق ملتوية ومخاوفنا الحالية هي نفسها التي كانت موجودة قبل أكثر من قرنين، لكنني لم أكتب رواية تاريخية، بل خلقت حياة موازية بقصة مغايرة.
-
هل تختار العنوان بناء على الفكرة أم للتميز، لأن هناك الكثير من المفارقات والدلالات في أغلب نتاجك السردي؟
العنوان من وجهة نظري يجب أن يُستل من الرواية نفسها؛ لا أحب العناوين الغائمة أو الحالمة ولا حتى تلك التي تأتي كموضة ثم تستهلك.
أعتقد أن العنوان موجه خطير، ليس فقط للمقبولية أو الجذب التسويقي، بل إنه يدخل في البنية الفكرية للرواية، فمثلا عنوان "ترتر" أثار الكثير من الاستغراب عند صدور الرواية وكلمة "ترتر" لا ترد فيها إلّا مرات قليلة جدا، لكني أردته أن يعطي دلالة فكرية، فشخصية الرواية (آينور هانز) عندما دخلت السفارة الألمانية في إسطنبول ورأت علم بلادها في قاعة الاجتماعات مطرزا بالترتر (خرز ملون لامع)، انبهرت بالقوة التي يمثلها النسر الألماني، وعندما غادرت إسطنبول إلى مدينة الموصل في العراق وأصبحت لها ميول إنسانية وتعاطفت مع المدينة، لم تفعل ذلك بطيبة مجردة، بل لأنها تمثل الفكر الألماني في القرن الـ19، أي أنها تمثل دولة عظمى.
أعتقد أنني أدخلت شيئا جديدا، وهو قراءة الأزمنة بالمنظور الثقافي من دون الاعتماد على السياق السياسي للتاريخ، فهناك دائما أماكن لا ترى كما أننا نفتقر إلى الصورة ذات الأركان الكاملة، وهذا ما يفعله الخيال، كما أنني أطرح رؤيتي بصفتي روائيا وأعيد ترميم الفراغات.
-
في أغلب رواياتك وحتى قصصك القصيرة تجنح إلى استغلال حادثة تاريخية لجعلها العمود الفقري للفكرة، فهل هي كتابة مخالفة أم هروب من الواقع الذي تعيشه؟
هي كتابة مخالفة، وأعتقد أنني أدخلت شيئا جديدا، وهو قراءة الأزمنة بالمنظور الثقافي من دون الاعتماد على السياق السياسي للتاريخ، فهناك دائما أماكن لا ترى كما أننا نفتقر إلى الصورة ذات الأركان الكاملة، وهذا ما يفعله الخيال، كما أنني أطرح رؤيتي بصفتي روائيا وأعيد ترميم الفراغات.
هذا الأمر يحتاج إلى خيال فعال وجهد ثقافي، وأرى أنه يعد تميّزا أن تدخل الرواية العربية عوالم جديدة بقدرة الخيال الذي كتبنا به حكاياتنا الخرافية، خيال يصنع قصة ذات صلة وثيقة بالحاضر، والنقطة الجوهرية في هذا أن مشكلات الحاضر -لدينا نحن الشعوب العربية- تعود بجذورها إلى الماضي.
-
تركز في أغلب الروايات على جانب الصراع سواء الذي استل من التاريخ أو من الواقع -كما في رواية "الأمريكان في بيتي"- هل تعد هذا اجتهادا فنيا، أم حالة تتطلبها الرواية لطرح أفكارها؟
"الأمريكان في بيتي" رواية عن الاحتلال الأميركي للعراق، ولكنني خالفت المألوف، لأنني لم أرد كتابة رواية تسجيلية، وكتبت عن فكرة إعادة البناء اعتمادا على المرتكز الحضاري والثقافي، فالأميركان أنفسهم تعاملوا مع الواقعة على أنهم احتلوا أرض سومر وبابل وآشور، ومن وجهة نظر البعض منهم هي حرب مقدسة.
إن الأخطاء الجسيمة التي ارتكبت في العراق وأدت بعد ذلك إلى احتلاله يجب أن تتمخض عنها صياغة هوية جديدة من أجل إعادة البناء، لذلك، الرواية افترضت صراعا حضاريا وثقافيا، وهذا الأمر صحيح بشكل قاطع، لأن نسبة كبيرة من الأحداث التي تجري في الرواية وقعت فعلا في مدينة الموصل.
-
لماذا تلجأ إلى مزج الخيال بالواقع؟ وهل يتطلب الأمر قراءة التاريخ للوصول إلى مبنى سردي لما بعد الحداثة؟
التاريخ جزء من مكوناتنا الثقافية والمعرفية وتمدننا مهما بلغ من تطور، إلا أننا -في الحقيقة- نقف على الرمال، وبالتالي يجب أن نرى أنفسنا بطريقة بانورامية.
كنت دائم البحث في بداياتي عن هويتي الأدبية، وما توصلت إليه في النهاية هو مزج الخيال بالواقع. لا يمكن فهم حياتنا عن قرب، بل بالابتعاد والنظر إلى الصور الزمنية كلها.
قضايانا الاجتماعية ضيقة ومخنوقة، وهي بدون أفق واضح ونعيش ازدواجية بالغة الوجع في كل أمور حياتنا والمفاهيم مموهة بين الانغلاق والادعاء. لا يوجد شيء حقيقي سوى حركتنا البيولوجية.
نحن نعيش في رفاهية تكنولوجية، ولكن عقولنا متوقفة عند القرن السابع؛ لا نفهم الحياة إلا بهذه الطريقة، لذلك لا بد من مزج الخيال بالواقع، وروي قصتنا بوسيلة مختلفة.
-
في روايتك "ترتر"، ربطت بين العهد العثماني والواقع العراقي. هل كانت رواية تاريخية أم محاسبة للتاريخ؟
"ترتر" تطرقت إلى محاولة الدولة العثمانية ربط بغداد ببرلين عبر خط سكة حديد، وبالتالي فهذا الحدث الحقيقي هو فرصتي الخيالية لمحاسبة كل من تأخر في التحديث. كان يفترض بنا الوقوف مع العلم ولكن هذا لم يحدث.
"ترتر" تتكلم في الحقيقة عن فرصتنا التي ضاعت في دخول العالم الحديث، وها نحن -منذ 120 سنة- أرض تتصارع فيها القوى الكبرى.
-
في روايتك "مسيو داك"، جنحت إلى استغلال الأسطورة، ماذا أردت أن تقول فيها؟
أحداث رواية "مسيو داك" تجري في لبنان، وتحديدا في بلدة حمانا قبل موسم جني الكرز، وهذه الرواية لها خصوصية، إذ إنها تتحدّث عن ماورائيات الحب وقدرته على التأثير بالطبيعة، لذلك كان لا بد من إيجاد رابط مع أسطورة عشتروت وأدونيس الفينيقية.
هذه الرواية كانت مغايرة، لأنها لم تكن ميالة لبيروت، كما في كل الروايات العربية السابقة. لقد انبهرتُ بطبيعة لبنان الجبلية وبذلك التنوع الثقافي، إنها رواية عن معجزات الحب.