"من هي المرأة؟".. خلافات الأجوبة النسوية عن أسئلة الاستقلالية العربية الحديثة

قد يتابع كثير من الناس مظاهرة للنساء في مدينة من المدن العالمية، بعضهم يتعاطف مع مطالبهن، والبعض الآخر يتخوف منها، وآخرون يهاجمونها، لكن القليل من يتأمل ويناقش اللافتات والشعارات والمطالب المرفوعة في تلك المظاهرة، فيحقق في خلفيات وأيديولوجيات التيارات النسوية المشاركة فيها، ويقارن بينها ليكشف عن اختلافاتها وخلافها فيما بينها.
وكتاب "في النظرية السياسية النسوية.. البنى الفكرية والاتجاهات المعاصرة" للباحثين العراقيين رعد عبد الجليل مصطفى الخليل، وحسام الدين علي مجيد، والذي صدر عن سلسلة عالم المعرفة في أبريل/نيسان 2022، يعد قراءة هادئة لا تبخس ولا تبالغ في دراسة هذه الظاهرة. إنه قراءة فكرية رصينة، تتغلغل في تاريخ الأيديولوجيات النسوية، وجذورها وامتداداتها الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مع إطلالة على تأثيراتها على المرأة نفسها، وعلى الرجل والمجتمع وعلى الإنسانية جمعاء.
يأتي هذا الكتاب وقد مرت عقود على بروز المنظمات والجمعيات النسوية التي حققت للمرأة مطالب وحقوقا قانونية وسياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، ورغم أن المرأة العربية والمسلمة استفادت من بعض تلك المطالب والحقوق، فإنها لم تحصل بعد على ما نالته نساء الغرب اللواتي يرين أنهن لا يزلن بعيدات عن تحقيق "المساواة الكاملة" مع الرجل وبعيدات عن نيلهن "الحرية المطلقة".
من هي المرأة؟
يفتتح الباحثان العراقيان كتابهما بسؤال بسيط لكنه مركب في الآن ذاته وهو "من هي المرأة؟"، وهو سؤال محوري لوثائقي أميركي بعنوان (What is a Woman?). وقبل الإجابة يقدم الفصل الأول تأصيلا مفاهيميا للنظرية النسوية، مشيرا إلى أن أول من نحت مصطلح "النسوية" (Feminism) هي الكاتبة الفرنسية هيوبريتن أوكليرت في العام 1882، بيد أن فكر النسوية يمتد إلى ما قبل هذه الفترة الزمنية، ويشير المصطلح إلى "التزام أيديولوجي بالعمل على تحقيق المساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين الرجال والنساء، سواء أكان ذلك داخل البلد الواحد أم عبر العالم".
ويمكن تعريف مفهوم النسوية بأنها "ليست حركة سياسية فقط، بل هي وصف لكل الأفكار والأطروحات والحركات التي تتخذ من تحرير المرأة وتحسين أوضاعها هدفها الجوهري.. وهي جزء لا يتجزأ من مجموعة الحركات الاجتماعية الجديدة التي برزت منذ ستينيات القرن الـ20". والنسوية شأنها كشأن باقي الحركات الاجتماعية في حاجة إلى نظرية من أجل تفسير الواقع ووضع الحلول وفق تصور لما يجب أن تكون عليه أوضاع النساء.
ورغم أن هناك تمايزا بين النسوية بوصفها نظرية سياسية، وبين النسوية بوصفها حركة اجتماعية سياسية، فإن ثمة صفات توحّدها، من أبرزها هي سعيها الحثيث من أجل إحداث صدى عالمي لقضاياها وأطروحاتها عبر المؤتمرات الدولية بخاصة في محاولة منها لتجاوز حدود النشأة التي تجعل منها ظاهرة لصيقة بالسياق الثقافي والتاريخي للغرب، والعمل على فرض تصوراتها الخاصة عن المرأة.
ويبحث الفصل الثاني في النسوية من حيث كونها نظرية واحدة أم نظريات متعددة من خلال التعمق في فروضها الأساسية، وما الذي تحاول النظرية النسوية قوله وتسعى إليه من جهة، ومكانتها في الخريطة السياسية ككل من جهة أخرى.
أما الفصل الثالث فيتناول المؤثرات الفكرية في تكوين العقل الغربي ونتائجه على الموقف من المرأة بدءا بأفلاطون وسقراط، ومرورا بالكتب السماوية، وصولا إلى التيارات الفكرية السياسية من الماركسية التقليدية والحديثة واللبيرالية الرأسمالية إلى ما بعد الحداثة.
وبينما يناقش الفصل الرابع مفهوم النسوية من زاوية فكرية واتجاهات هذا المفهوم العامة والفرعية، يسلط الفصل الخامس الضوء على مسيرة الأفكار النسوية وتعددها وتطورها جنبا إلى جنب مع تطور مطالب النساء منذ أواخر القرن الـ18 إلى بداية القرن الـ21، كما يستعرض النظرية النسوية الليبرالية، والنسوية الراديكالية، والنسوية الاشتراكية، ونسوية ما بعد الحداثة، والنسوية السوداء وغيرها من التصنيفات المختلفة.
وفي الفصل السادس عالج الباحثان الآليات المعتمدة في التعامل مع التنوع المجتمعي القائم على التمايز بين الرجل والمرأة (الجنس والجندر) ولا سيما آلية الكوتا النسوية باعتبارها أداة مثلى لتمكين المرأة واقتلاع الحرمان والاضطهاد اللذين أصابها، وفق ما ترى الناشطات النسويات. ولم يبخل الباحثان في وضع النظريات النسوية في ميزان النقد والتقويم، والموقف من الفكر النسوي عامة، وما يمكن أن يترتب عليه من آثار مستقبلية على المرأة والرجل والمجتمع على حد سواء.
وشكلت تلك الفصول الستة أرضية خصبة للإجابة عن أسئلة كثيرة تتناول ما تشتكي منه النساء وما يعتقدنه ويطالبن به من حقوق، وهل هن ممنوعات من التمتع بتلك الحقوق في البلدان المتقدمة على الأقل وفي زمننا الحاضر؟ وما الأطر المرجعية التي استمدت منها النسويات منها مادتها؟ وما المسار الذي اتخذه الفكر النسوي تحقيقا لذلك الغرض؟ وما أبرز التطورات التي مر بها خلال مسيرته؟ وهل الخضوع والاضطهاد يقتصر على الرجل؟ أم أن المرأة تمارسه على أخواتها من السوداوات ومن المتحدرات من طبقات وأعراق وإثنيات أخرى تعاني أصلا الإقصاء والحرمان؟ ولماذا يكثر اليوم الاهتمام بالمرأة والحركة النسوية في سوق الأفكار؟ وما أسباب ذلك؟
أما السؤال المركزي الذي يعني النسوية (من هي المرأة؟) فيتناول وضعها الاجتماعي في ظل انقسام العالم الاجتماعي الذي تحياه النساء إلى صنفين من الكيانات البشرية، الصنف الأول يحتله الرجال وهو يتميز بوضع اجتماعي ممتاز في كل شيء، والصنف الآخر توجد فيه النساء اللواتي حرمن من كل شيء، لتخلص النسوية إلى تصور مفاده أن النساء هن الجنس أو النوع الاجتماعي الآخر الثانوي والمضطهد، وهذا التصور سيحدد طبيعة المشكلة التي تعاني المرأة من جرائها، مما يحتاج إلى إجابات عن كيف ولماذا أصبح حال النساء وأوضاعهن على هذا النحو؟
ركائز التيارات النسوية
إجابات التيارات النسوية عن هذه الأسئلة وغيرها، اختلفت وفق 3 تصورات للحل، الأول يرى ضرورة الاستيعاب، أي القبول بالأطر والمعايير المعتمدة اجتماعيا والعمل من خلالها على تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق الأساسية والفرص، والتصور الثاني يحاول الانقلاب على القيم والممارسات المتعمدة أو الانفلات من أسْرها بوصفها قيودا فرضتها ثقافة وسلطة الرجل على النساء بدءا من البيت وصولا إلى المدرسة والشارع، ولا تستثني حتى أماكن العمل.
أما التصور الثالث فيتجسد في تقديم تصور خاص يحمل في طياته الإيمان بعدم جدوى مثل هذه التقسيمات التي شملت المرأة والرجل، والتي وضعت كذلك بين المرأة والمرأة نفسها، بوصفها مصطلحات لفئات أو تصنيفات كان قد جرى إنشاؤها اجتماعيا ولا تنبع من واقع بيولوجي حقيقي، أي أنها من دون معنى.
وتعتمد التيارات النسوية في النظر إلى كيفية مواجهة اضطهاد المرأة وتحسين أوضاعها على مفهومين أساسيين: البطريركية (النظام الأبوي)، والجنس/النوع الاجتماعي (الجندر)، وترى النسوية أن هذين المفهومين مترابطان، بل "من دونهما لن يكون لدينا سوى نظريات وتفسيرات سببية فارغة من أي معنى، وهو ما تعانيه الكتب المنهجية النسوية"، وفق قول غاري غيرتز وآمي مازور.
أولى علامات الاختلاف بين التيارات النسوية تظهر في النظر إلى النظام الأبوي (البطريركية)، فالنسوية الليبرالية تراه مقتصرا على المجال الخاص دون العام، في حين تراه النسوية الماركسية نظاما تابعا وملحقا بالرأسمالية، أما النسوية الراديكالية فترى أنه يلعب دورا رئيسيا في الوضع المأساوي للمرأة عبر التاريخ، وأما النسوية الاشتراكية فترى أن البطريركية والرأسمالية يعملان على استغلال واضطهاد المرأة.
ومن أجل تحقيق أهداف التيارات النسوية تم ترسيخ مصطلح الجندر، الذي يقبل الاختلاف البيولوجي لكنه يرفض الآثار الاجتماعية للاختلاف البيولوجي بين الرجال والنساء، وترى النسويات أن هذه الآثار قابلة للتغيير وفقا لإدارة الفرد، أي حق الإنسان في تغيير هويته الجنسية البيولوجية وأدواره الاجتماعية المترتبة على جنسه، الأمر الذي سيرسخ مسألة الاعتراف رسميا بالمثليين جنسيا وتبرير إدراج حقوقهم في دائرة حقوق الإنسان الأساسية كحقهم في الزواج المثلي وتكوين "أسر" وحتى تبني أطفال أو تأجير أرحام.
وأسهم نقد التمايز الهوياتي بين الرجل والمرأة في بلورة "النظرية الكويرية" (Queer Theory)، وبذلك يكون الفكر النسوي قد وصل على يد نسويات ما بعد الحداثة إلى نهاياته المنطقية. وتهاجم هذه النظرية مفهوم الجنس باعتباره قائما على التمايز البيولوجي والاجتماعي بين الرجل والمرأة وما يترتب عليه من حقوق وواجبات على الطرفين، وتطالب بإلغاء فئتي الجنس (ذكر وأنثى) من أجل إيجاد هوية بديلة أو هويات بديلة قائمة على الاتصال الجنسي غير التناسلي بوصفه الوسيلة للإشباع الغريزي أو الشهواني وجعله مركزيا في تقرير هوية الأفراد وأدوارهم الاجتماعية، وهذا ما يزيد من مطالب الاعتراف بالوجود الأخلاقي والقانوني لفئات أخرى تملك رغبات وميولا جنسية مغايرة وأساليب مختلفة في التعبير عنها.
التمييز الإيجابي ونظام الكوتا
أما في المجالين الاقتصادي والسياسي، فلم تحقق النسوية أهدافها فيهما رغم الدعم الغربي والأممي، ففي قانون العمل -مثلا- الذي قضى بأن تكون الأجور متساوية للوظائف المتشابهة، كان نجاحها ضئيلا، لأن النساء والرجال يضطلعون بأعمال مختلفة إلى حد بعيد في المجال العام والخاص (الأسرة)، لذلك عمدت النسوية إلى ربط بين الحقوق الاجتماعية الدنيا (إجازة الأمومة، التوظيف، الرعاية الصحية..) وبين الحقوق السياسية الدنيا عامة.
ومن أجل التمكين السياسي للنساء، تم إعطاء المرأة معاملة تفضيلية من أجل مساعدتها على الارتقاء اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، ويتم تناسي أن من تسبب في "حرمان" المرأة في البلدان النامية -مثلا- هم من يحوزون قدرا كبيرا من السلطة والمنافع الاقتصادية، سواء كانوا من الخارج (الدول الغربية) أو من الداخل (الجهات المسيطرة على الحكم والاقتصاد).
وتثير الكوتا بوصفها تدبيرا مؤقتا للتمكين السياسي للمرأة إشكالات عدة، منها أنها شكل من أشكال الكوتات (كوتا إثنية، كوتا عرقية، وكوتا طائفية..)، وأنها صارت آلية مستمرة في الاقتراعات رغم أنها يجب أن تكون تدبيرا مؤقتا فقط، وأن المرأة في أكثرية الدول لم تصل بعد إلى تحقيق المساواة مع الرجل، حيث يبلغ المعدل العالمي لتلك المساواة 22% فقط ولم تصل إلى نسبة 30% التي وضعتها الأمم المتحدة من أجل أن تتمكن من إحداث فرق حقيقي في صناعة القرار والتأثير فيه. ولم تؤد الكوتا في بعض المؤسسات بالبلدان العربية إلا إلى وصول المحسوبية بتعيين قريبات لسياسيين.
ويرى الباحثان أن نظام الكوتا وسياسة التمييز الإيجابي يتسببان في تمييز عكسي تجاه الذكور وذوي الكفاءة والمؤهلات لشغل مركز وظيفي ما، إذ تعمل هاتان الآليتان على استقطاع الفرص المتاحة أمام الذكور والبيض من ذوي الكفاءة ومنحها للنساء والأقليات ممن لا يحزن المؤهلات المطلوبة، مما يخلق مبدأ تكافؤ الفرص من أجل تحقيق المساواة في المردود.
النسوية العربية مشروع دولة
ووفق كتاب "في النظرية السياسية النسوية.. البنى الفكرية والاتجاهات المعاصرة"، فإن النسوية في الدول العربية تعاني من تشتت فكري (نسوية ليبرالية، ومناهضة للإمبريالية، ووطنية، وماركسية، وإسلامية)، ومن "العقلية الالتباسية وثقافة الهيمنة الذكورية التي تشكل عمق المخيلة السياسية في المجتمع العربي"، وتعاني أيضا من التشكيك في جهودهن وأنشطتهن بسبب رعاية الدولة في العالم العربي للحركة النسوية، لذلك "يتم ربط الحركة النسوية بماض استبدادي والافتقار إلى الاستقلالية عن الطبقة السياسية الحاكمة"، وفق رأي الباحثَين.
كما أن النسوية العربية تُتهم بتبعيتها وخضوعها المزدوج لثنائية دول المركز أو الدول الاستعمارية، والهامش أو البلدان المستقلة عن الاستعمار والتي تمارس التهميش للمرأة بشكل أكثر ضراوة من المركز، و"ما يؤكد ذلك هو اختيار مؤسسات الدولة قسما من نساء الطبقة الوسطى الناشطات وغير الناشطات لملء مراكز بيروقراطية عليا بهدف إظهار التأييد للدولة لمشاركة النساء في الحكم.. ووصول بعض العناصر النسائية إلى المراكز الوزارية والمقاعد البرلمانية لا لكونهن سيمثلن مصالح النساء، بل لأنهن سيضحين بهذه المصالح في خدمة الدولة بما يرسخ من وضعة كون النساء مجرد مشروع للدولة والسلطة السياسية".
ويتفاقم هذا التقييد السياسي -وفق الكتاب- أكثر بين نساء "الأقليات الدينية" في حالتي لبنان والعراق، اللواتي يعانين من تمييز مركب (جنسي، ثقافي/هوياتي، قيمي ولائي للطائفة والعائلة والعشيرة)، رغم ذلك يرى الباحثان العراقيان أن النساء العربيات استطعن أن يزلن 90% من التمييز الجنسي الممارس عليهن في مجالات التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية، لكن في المجال السياسي ومراكز صنع القرار بلغ عالجهن لهذا التمييز 15% فقط.
مثالب النسوية
وبين ثنايا فصول كتاب "في النظرية السياسية النسوية.. البنى الفكرية والاتجاهات المعاصرة" وما تطرحه التيارات النسوية، قدّم الباحثان العراقيان العديد من الملاحظات، من أهمها:
- أن التيارات النسوية تعاني من اختلاف حاد بينها يحول دون تبلور خطاب فكري وسياسي واضح يميز هويتهن النسوية المشتركة. كما أن الكثير من أفكار وآراء التيارات النسوية لا تتمتع بالأصالة، بل اعتمدت على المذاهب الفكرية الكبرى من ليبرالية وماركسية وفرويدية وحداثية وغيرها، وهو ما أفرز تباينات وعدم وجود رؤية سياسية واحدة تجاه العديد من القضايا والموضوعات، وأحدثت صدمة لدى كل من النساء والرجال، وأدمجت الصراع الجنسي/النوع الاجتماعي في بيئة الصراعات التقليدية، سواء الطبقية أو العرقية أو الإثنية وغيرها، لكنهن أنتجت وعيا اجتماعيا وعالميا برجاحة ما يدعينه وضغطن من أجل تغيير العديد من الأفكار والممارسات التي تتعارض مع أهدافهن.
- أن النسوية تتحدث عن الاضطهاد الذي كانت تعانيه النساء عامة، لكنها أهملت ذلك الاستغلال والاضطهاد الذي تعانيه فئات اجتماعية أخرى تتشابه معها ربما في نوع الاضطهاد وليس في درجته ومستواه، وفشلت في الربط بين الوضعين، "فالاستغلال والاضطهاد هما كل لا يتجزأ، ولا يقضى عليه بعمل منفرد، بل يتم ذلك من خلال تضافر جهود كل المضطهدين، نساء ورجالا ومن الفئات كلها". ثم إن القول إن هدف المساواة بين الرجال والنساء هو تعزيز العدالة بينهما، يتجاهل عوامل الطبقة والعرق والجنس والقوى وأمورا أخرى تختلف فيها النساء بعضهن عن بعض، "بل إن التمويل الأوروبي الأميركي لهذه المشاريع ينزع إلى أن يكون نابعا من أولئك البشر المتميزين وينزع إلى أن يتجه صوب البشر الأقل تميزا"، وفق الكتاب.
- تركز النسويات في خطابهن على المرأة حصرا، وهذه دعوة مبهمة، أو صريحة، إلى عالم أحادي الجنس والنوع، أي هيمنة النساء على العالم، وهي دعوة تنتهي إلى الشيء نفسه الذي رفضته النسويات وهو هيمنة الذكورية على العالم! ثم إن تطور المجتمعات لم يكن ليتحقق لولا وجود تقسيم العمل الاجتماعي، في المجال العام، وفي المجال الخاص (الأسرة)، فهو أسلوب ضروري من أجل البقاء والتطور.
- الإطار العام والتقليدي للفكر النسوي "الغربي" ينظر إلى المسألة النسوية من منظور النظام العالمي، وأن الدول والاقتصادات الوطنية متموضعة ضمن علاقات رأسمالية عالمية قائمة على ثلاثي المركز والأطراف وشبه الأطراف، ومن هذه الزاوية لا يحدث أي تغيير اجتماعي خارج السياق العالمي. ويتم استغلال النساء من أجل هدف هدم أسس المجتمع التقليدي وتحقيق التحديث المستهدف، إذ "إن تغيير الواقع المحلي والإقليمي والعالمي يستلزم في المقام الأول العملَ على إحداث التغيير في التصورات النمطية والأفكار المتولدة في سياق العلاقات والأدوار الثنائية لدى الرجال والنساء معا".
- ركزت النسوية السوداء على نقد النسوية الغربية بأنها نسوية عنصرية بتجاهلها للاستغلال والاضطهاد النسوي العرقي والطبقي وللعبودية والعمل الإجباري وغيرها من الممارسات الاضطهادية التي مارستها عليهم الرأسمالية الأميركية، وأن المطالب النسوية الغربية تعبر عن "صوت نسائي أبيض" فقط.
- أن الحركة ليست عالمية بل ظاهرة غربية، إذ تفترض النسويات أنه يمكن تحسين أوضاع المرأة غير الغربية عبر أطروحات النسوية الغربية، أي أنها قائمة على ثقافة أجنبية لا تلائم النساء في العالم الثالث، أي أنها أيديولوجية نساء برجوازيات وتجعل باقي النساء يغتربن عن ثقافتهن ودينهن.
- أن النسوية تتجاهل التفاوت في حيازة النساء عناصر القوة المادية، فالنساء شأنهن شأن الرجال يتفاوتن في انتماءاتهن، إذ تمتلك المرأة المنتمية إلى الأكثرية المهيمنة أو إلى طبقة السلطة والمال عناصر قوة وقرابة وعلاقات تمكنهن من إسماع وفرض آرائهن على الكل.
"الصراع بين الجنسين"
ويتساءل الباحثان العراقيان رعد عبد الجليل مصطفى الخليل، وحسام الدين علي مجيد، عن خلفية وطبيعة التبيعة أو الاضطهاد اللذين وقعت فيهما المرأة ضحية، وعن الشروط التي يجب على جنس الرجال الوفاء بها لكي ينتهي هذا "الصراع بين الجنسين".
ويشيران إلى أن الإجابة لا بد أن تستحضر أمرين، أولهما أن النساء مخلوقات لا يعشن في عزلة عن العالم، وأنهن ركن أساسي في حياة بشرية تتشارك فيه الوجود المرأة إلى جانب الرجل، وما يترتب على ذلك من واجبات ومسؤوليات.
الأمر الثاني هو الاختلاف الجنسي المفروض طبيعيا بين الرجل والمرأة، مما يعني أن كلا منهما يملك خصائص تشريحية ونفسية تميز كلا منهما عن الآخر، ميولا ووظائف وأدوارا فردية واجتماعية، مما يفضي إلى واقعية التكامل بينهما وحاجة كل منهما للآخر من أجل بقاء واستمرار الجنس البشري.