يهددها الإنترنت والجائحة.. قرية الكتب البلجيكية تخشى التحول إلى متحف أثري
قرية ريدو أحد الأعضاء المؤسسين في المنظمة الدولية لمدن الكتب، وهي جزء من شبكة من المجتمعات المحلية ذات المواقع المتشابهة، أنقذتها مهنة بيع الكتب من الاندثار قبل 4 عقود، لكنها الآن تشعر بمخاطر تتهدد ثقافتها ووجودها.
خيّم الهدوء النسبي على القطاع الثقافي وأنشطته على نحو متقطع منذ بداية جائحة كورونا، تأثرًا بقرارات الإغلاق وتدابير الصحة والوقاية التي اتخذتها السلطات الحكومية في أغلب دول العالم، وواجهت المكتبات أوضاعًا مختلفة تأرجحت بين الإغلاق الكامل والجزئي.
لكن قرية جنوب بلجيكا لها قصة أخرى فريدة، فقبل 40 عاما مضت تقريبا أنقذت الكتب قرية ريدو الواقعة في الأجزاء الناطقة بالفرنسية في البلاد.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلوبوان: هذا ما فكر فيه العالم عام 2021
حرب الآثار والتحف.. لغز رخصة من العثمانيين يفتح مواجهة بين اليونان وبريطانيا
تحيز لإسرائيل ومحو للرواية الفلسطينية.. غضب أكاديمي بسبب إعادة كتابة تاريخ فلسطين الموجه للأطفال في بريطانيا
يقول تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" (washington post) الأميركية إن المجتمع كان يتقلص بسرعة، واختفت الوظائف الزراعية وابتعدت الأسر عن هذه البقعة الرعوية من بلجيكا، ولكن في منتصف الثمانينيات انتقلت مجموعة من بائعي الكتب إلى الحظائر الفارغة وحوّلوا المكان إلى منطقة جذب أدبي.
وأصبحت القرية التي تضم نحو 400 شخص موطنا لأكثر من 24 مكتبة، وغدت متاجر بيع الكتب أكثر من الأبقار، كما يحلو للمتحمسين القول، واحتشد آلاف السياح في الشوارع المبتهجة على إثر تلك التحولات.
ومع ذلك، فالآن أكثر من نصف المكتبات قد أغلق، ومات بعض عمال المكتبات، وغادر آخرون عندما لم يعودوا قادرين على كسب العيش، والعديد من الذين بقوا في السبعينيات من العمر لا يدرون ما سيحدث بعد رحيلهم.
ولا يتعلق الأمر فقط بالمخاطرة في الأعمال التجارية، بل يتعلق بهوية قرية ريدو. فماذا يحدث عندما تصبح مناطق الجذب الرئيسية أقل جاذبية؟
هذا هو التحدي الذي يجب أن تواجهه مدينة الكتاب الآن.
عمدة بلدة ليبين التي تقع فيها ريدو، آن لافوت، قالت "الحياة تتغير، لكن لا شيء يحتضر، و كل شيء يتطور".
"القرية الأخيرة تكافح للبقاء"
تحتل ريدو مكانة تباهي بها في تاريخ مدن الكتب، وهي مكانة شرفية نشأت مع بريطاني غريب الأطوار جلب مئات الآلاف من الكتب إلى بلدة السوق الويلزية هاي أون واي في الستينيات.
ريتشارد بوث الذي توفي في عام 2019 حوّل المدينة البريطانية إلى عاصمة عالمية للكتب المستعملة، وجذب إليها العديد من بائعي الكتب، وفتح نصف "دزينة" من المكتبات الخاصة به.
وقد ألهم نجاح بوث المجتمعات الريفية المتعثرة في جميع أنحاء العالم لإعادة تشكيل نفسها كمدن للكتاب، على أمل جذب السياح لإنعاش اقتصاداتها، و كانت ريدو المقلد الأول.
وبدافع من زيارة قام بها إلى هاي في أواخر السبعينيات، وضع نويل أنسيلوت المقيم بدوام جزئي في ريدو إستراتيجية مماثلة في عطلته الأسبوعية، وفقا لتاريخ موجز للمكان كتبه ميب فان دوين الذي يبلغ من العمر 76 عاما وهو واحد من أقدم بائعي الكتب في القرية.
في عطلة عيد الفصح في عام 1984 ذهب ما يقرب من 15 ألف شخص في ريدو، وأجروا دراسات على بائعي الإصدارات المستعملة والعتيقة التي تباع من الإسطبلات المهجورة وأكشاك الأرصفة، وقرر بائعو الكتب البقاء.
وسرعان ما تبعهم آخرون، عملوا في مهن مثل الرسم التوضيحي وتجليد الكتب والتغليف. وعقب ذلك وصلت العائلات الشابة أيضا، وتدفق الطلاب الجدد إلى المدرسة المضمحلة.
والآن هناك 12 مكتبة أو أقل فقط، اعتمادا على كيفية الحساب ومن يقوم بالعدّ، لكن أولئك الذين هم أكثر تفاؤلا بمستقبل المكتبات يميلون إلى ذكر رقم عال، حسب الصحيفة الأميركية.
أما أولئك الأقل تفاؤلًا فيقولون إن تجارتهم قد خرجت عن النمط الجديد السائد، لأن الناس، خاصة الشباب منهم، لا يقرؤون إلا عددا قليلا من الكتب.
ويقول بول براندلير، صاحب شركة "لا ليبراير أردينايز" الذي لديه مجلدات عمرها مئات السنين، "الزبائن آخذون في التقدم في السن بل يختفون".
بول براندلير يبلغ الآن من العمر 73 عامًا، وتوجد لافتة أمام متجره تستخدم للإعلان عن خدماته في البيع والشراء، لكن هذه اللافتة شُطبت لأنه لا يريد مزيدا من الكتب.
يقول براندلير "لدي 30 ألف كتاب، لكن عندما نرحل ستذهب هذه الكتب إلى القمامة. ليس لدينا أبناء ليتولوا الأمر من بعدنا، إنهم ليس لديهم اهتمام بهذا الشأن".
وقال بوب جوسينز "نحن مثل أستاريكس (شخصية خيالية فرنسية-بلجيكية)، القرية الأخيرة تقاتل الجميع"، مستشهدا بسلسلة الكتب الفرنسية المصورة عن قرية فرنسية صغيرة تقاوم الإمبراطورية الرومانية.
ويضيف "قد يكوّن الرومان شركات تكنولوجيا عالمية أو رواد أعمال في وادي السيليكون"، ويتابع الرجل البالغ من العمر 73 عامًا وهو يسحب أحد زبائنه بعيدا، فيقول "إن الإنترنت يحطم كل شيء".
وفي الوقت الحالي لدى جوسينز عدد قليل من العملاء بصرف النظر عن مجموعة أساسية من العملاء المنتظمين يأتون من أجل إصداراته النادرة.
وقد لاحظ أن أولئك الذين يتوقفون في المكان يميلون إلى التعامل مع المكان كأنه معرض للقطع الأثرية من عصر آخر أكثر من كونه متجرا لا يزال يعمل، وعلّق على ذلك بالقول "إنهم يأتون إلى هنا كأنهم ذاهبون إلى متحف".
ولا يتوقع جوسينز نهاية مثل قصص الكتب للمتاجر في قريته، ويقول "سنموت موتا طبيعيا".
المنظمة الدولية لمدن الكتب
و قرية ريدو من الأعضاء المؤسسين في المنظمة الدولية لمدن الكتب، وهي جزء من شبكة من المجتمعات المحلية ذات المواقع المتشابهة.
وقالت فان دوين التي كانت أول من يرأس مجلس إدارة المجموعة "إن مدن الكتب التي ما زالت مزدهرة موجودة في بريطانيا، بما فيها ويغتاون الأسكتلندية التي تستضيف مهرجانا أدبيا شهيرا".
وأضافت فان دوين "عندما تذهب إلى مدينة كتب في المملكة المتحدة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، تضطر أحيانا إلى الانتظار قبل أن تتمكن من الدفع. ولكن عندنا هنا، عندما يأتي شخص ما في نوفمبر/تشرين الثاني ويشتري كتابا، أكاد أقبّله".
وفي حين أن العودة إلى أيام المجد ربما تكون بعيدة المنال، فإن دوين تأمل أن تحتفظ ريدو بثقلها الفني، حتى لو كانت المكتبات لا تزال مستمرة في الاضمحلال. وقالت "ستبقى قرية متميزة، لأن السمعة لا تموت بسرعة كبيرة".
وأكد مارتن لوبمانز، أستاذ الجغرافيا في جامعة لوفين البلجيكية، أن هذه عملية طبيعية في دورة حياة القرية.
وأضاف أنه إذا كان لمجتمع مثل ريدو أن يبقى على قيد الحياة، فيجب على جيل جديد في نهاية المطاف أن يتولى المسؤولية وأن يحقق التوازن.
وأردف "إنني على ثقة بأنها ستظل جاذبة للسياح، ولكنها ستحتاج إلى إعادة ابتكار نفسها بقصة جديدة تكون أكثر جاذبية في وقتنا هذا".