بعد زلزال وتساقط ثلوج.. "منار جام" الأفغاني تراث إنساني مهدد بالانهيار
كابول- تصنف كل من منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ومنظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (يونسكو) "منار جام" الأفغاني بأنه أحد مواقع التراث الثقافي العالمي، ويعود تاريخه للقرن 12 الميلادي، ويفترض أنه كان ملحقا بجامع جرفه فيضان مفاجئ قبل الحصار المغولي للمنطقة في القرن 13 الميلادي.
وتقول دائرة الإعلام والثقافة في ولاية غور (غربي أفغانستان) إن "منار جام" مهدد بالانهيار نتيجة زلزال ضرب الولايات الغربية في 17 يناير/كانون الثاني الجاري، وبسبب تساقط الثلوج والأمطار.
اقرأ أيضا
list of 4 items5 آلاف موقع أثري في بلد الحضارات القديمة.. مخاوف بشأن التراث الثقافي الأفغاني
“مقبرة الإمبراطوريات” على طريق الحرير.. أفغانستان منذ عصر الإسكندر المقدوني في رسوم تاريخية
فورين بوليسي: شاهدة على غزاة يأتون ويذهبون.. قلعة "بالا حصار" تختزل تاريخ أفغانستان
ويقول مدير دائرة الإعلام والثقافة في ولاية غور عبد الحي زعيم للجزيرة نت "إذا لم تتخذ اليونسكو خطوات جادة لإصلاح منار جام فسنشهد انهيار البرج، وهذا وصمة عار كبيرة للعالم، وهذا معلم أثري على الجميع أن يحاول إنقاذه من الانهيار".
إهمال أثر تاريخي
رغم اعتباره موقعا أثريا عالميا وإسلاميا فإنه لم يتم العمل على منعه من الانهيار، ويقول الكاتب والأديب الأفغاني حسن حكيمي للجزيرة نت "خصصت منظمة اليونسكو مليوني دولار لإصلاح وترميم المنارة إلا أن الحكومة السابقة أخفقت في توفير الأمن والحماية للخبراء الأجانب الذين وافقوا على بدء العمل في ولاية غور، والآن يجب على حركة طالبان واليونسكو والمؤسسات الدولية التي تهتم بالآثار التاريخية أن تمنع المنارة من الانهيار، ولم يتم عمل أي شيء خلال 20 عاما الماضية لحماية المنارة".
وتعد المنارة في موقع "منار جام" من أقدم المنارات المبنية من طوب الآجر والجص والبلاط المزجج في العالم، وأدرجت على قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 2002.
و"منار جام" أول موقع تراث ثقافي في أفغانستان صنف من قبل الإيسيسكو بأنه تراث إسلامي عام 2020، وفيه ثاني أطول منارة تاريخية في العالم بنيت من الطوب بعد "قطب منار" في الهند، ويعود تاريخ المنارة إلى حقبة الغوريين في القرن 12 الميلادي.
يقول المؤرخ الأفغاني حبيب الله رفيع للجزيرة نت "المنارة تقع قرب نهر هريرود الشهير في ولاية غور، وتم بناؤها -ويبلغ ارتفاعها 65 مترًا- عام 1190م في عهد السلطان غياث الدين غوري، وتشتهر بزخارفها المعقدة من الآجر والجص والبلاط المزجج، وبها كتابات بخطي الكوفي والنسخ وأنماط هندسية وآيات من القرآن".
واكتشفت المنارة عام 1958 من قبل علماء الآثار الفرنسيين، ومنذ اكتشافها وحتى أوائل السبعينيات كانت هناك جهود لترميمها على الدوام باهتمام الحكومات السابقة، ولكن بعد الغزو السوفياتي لم يبذل أي جهد يذكر لحمايتها وترميمها.
وتعد المنارة في "منار جام" واحدة من 60 منارة بُنيت بين القرنين 11 و13 الميلاديين في آسيا الوسطى وأفغانستان وإيران، كرمز لانتصار الدين الإسلامي في هذه المناطق؛ حيث بنيت عشرات المآذن والمنارات الشبيهة في المنطقة.
وبنيت المنارة في عهد الغوريين، وهم سلالة مسلمة (أفغانية أو تركية) حكمت أفغانستان وشمال الهند في القرن 12 الميلادي، وضمت السند والبنجاب ودهلي وأراضي تشكل الآن جزءا من بلاد الهند وإيران ونيبال وميانمار وآسيا الوسطى.
والسلطان غياث الدين محمد بن سام كان حاكم الغوريين من 1163 إلى 1202، وتوسعت البلاد في عهده من جرجان (شمال إيران حاليا) إلى البنغال (شرق شبه القارة الهندية).
معرض للخطر
حاولت اليونسكو عام 2012 وضع خطة شاملة للمسح ثلاثي الأبعاد للمنارة، وتم التقاط صور للهيكل الخارجي لتوفير نماذج لإعادة الإعمار، لكن عدم الاستقرار السياسي والأمني ونقص التمويل كان السبب الرئيسي لعدم القيام بأية خطوة لأجل ترميم المنارة.
ويقول مصدر بوزارة الثقافة والإعلام الأفغانية للجزيرة نت إن علماء الآثار قاموا بتحليل صور الأقمار الصناعية وبيانات من خرائط غوغل لإجراء اكتشافات جديدة حول المنارة والموقع المحيط بها، إلا أن التحول السياسي في أفغانستان عرقل عملية الترميم، وعلى اليونسكو وحركة طالبان الإسراع في إنقاذ ما تبقى منها.
ويقول الدكتور خوشال روهي المستشار السابق لوزير الإعلام للجزيرة نت "منذ 2002، ظل المنار على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، وكانت نسبة الانهيار كبيرة جدا ولم نتمكن من فعل أي شيء، وأخفقت الحكومة الأفغانية السابقة في الحفاظ على هذا الأثر العالمي وأعتقد أننا مقصرون في ذلك".
تتكون المنارة من 8 جوانب تشكل جوانبها معًا صفحة تحتوي على كتابات باللغة العربية، وتشتمل على كتابة بالكوفي والنسخ وأنماط وزخارف هندسية وآيات قرآنية.
توجد في الجانب السفلي من المنارة نقوش طويلة يبدأ نصها بشكل دائري، وتحتوي على 976 كلمة من "سورة مريم". وبعدها كلمة الشهادة والآية الكريمة (نصر من الله وفتح قريب)، وفي الصفحة الأخيرة كتب بخط الكوفي "السلطان المعظم غياث الدين غوري".
يقول عالم الآثار الأفغانية عمرا خان مسعودي للجزيرة نت "بمرور الزمن والإهمال أتلفت معظم النصوص المكتوبة، لدرجة أنه لا يمكن قراءة بعض السطور التي كتبت بأسلوب جميل للخط الكوفي".
ويوضح الكاتب والأديب عبد الوهاب توخي للجزيرة نت أن "اللغة العربية دخلت في القرن السابع الميلادي إلى أفغانستان، وعلاقة الشعب الأفغاني بالثقافة واللغة العربية قديمة جدا، لم يهتم العرب بهذه الرقعة وتركوها لغيرهم، وبناء المنارة بهذه الضخامة وقبل عدة قرون دليل على قوة الفتح الإسلامي".
موقع "منار جام" التاريخي أخذ في التآكل بسبب تدفق المياه في نهر هريرود الذي يقع بالقرب منه، مما يهدد المنارة، وفعلا تأثر الشاطئ الجنوبي بسبب الأمطار الموسمية وارتفاع منسوب المياه في النهر. وحسب علماء الآثار الفرنسيين فإن "منار جام" يميل درجتين نحو النهر الذي يقع إلى الشمال.