فجره تنظيم الدولة عند سيطرته على المدينة.. تعرف على مزار الأربعين صحابيا في تكريت

كان لمزار الأربعين نصيب من تدمير تنظيم الدولة للآثار في العراق، فقد فجّره التنظيم عندما سيطر على تكريت عام ٢٠١٤.

مزار الأربعين صحابيا يعدّ من أقدم المعالم التاريخية في مدينة تكريت (الجزيرة)

تكريت- يعدّ ما يعرف بمزار الأربعين صحابيا وسط مدينة تكريت، مركز محافظة صلاح الدين (شمال بغداد)، أحد أهم المواقع الدينية والتاريخية في العراق.

ويذكر أهالي المنطقة أن المزار يضم قبر 40 صحابيا استشهدوا خلال الفتوحات الإسلامية في تكريت، التي وقعت في السنة الـ11 للهجرة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن أبرز المدفونين فيها الصحابيان عبد الله بن المعتم وعمرو بن جندب الغفاري، وأقيمت فوق قبورهم آنذاك مدرسة دينية ومسجد وعدد من القباب.

ويقع المزار على مسافة لا تزيد على 300 متر من سور مدينة تكريت إلى يسار طريق بغداد-الموصل الذي أنشئ على جزء من السور، وتفصل البناء عن المدينة مقبرة واسعة في جنوب غربي المدينة.

المزار له رمزية خاصة لدى سكان مدينة تكريت (الجزيرة)

معلم بارز

ويذكر أهالي تكريت هذه القصة باستمرار رغم أن كتب التاريخ والرحلات والتراجم لم تذكر معلومات تؤكد صحة ما ورد عن وجود هذا المزار، سوى ما ذُكر عن وجود قبر الصحابي عمرو بن جندب الغفاري، الذي يحظى بأهمية كبيرة لدى أبناء المدينة، ويُزار في المناسبات الدينية والأعياد.

ويقول المواطن بديع التكريتي إن سكان تكريت تعلقوا بالمزار منذ الطفولة، وكانوا يزورونه مع أمهاتهم في المناسبات الدينية، وهنّ يطلبن النذور والتبرك بالمزار.

ويضيف "أما في أيام عيد الفطر وعيد الأضحى فكنا نقصد الساحة المقابلة للمزار، حيث كانت تقام ألعاب العيد والاحتفالات به والمناقب النبوية والاحتفال بالمولد النبوي، كل هذه المناسبات والذكريات تزيد تقديرنا ومحبتنا لمزار الأربعين".

مزار الأربعين صحابيا في تكريت المصدر: الجزيرة
زمن تشييد المزار يعود وفقا لمتخصصين إلى الربع الأخير من القرن الخامس الهجري (الجزيرة)

زمن التشييد

ويعود زمن تشييد المرقد -حسب متخصصين- إلى الربع الأخير من القرن الخامس الهجري، لذلك يعدّ من بين أقدم المعالم التاريخية في مدينة تكريت.

ويتحدث الباحث في تاريخ مدينة تكريت محسن عوف التكريتي للجزيرة نت بالقول إن المزار ارتبط بالفتح الإسلامي لمدينة تكريت التي كانت تحت حكم المسيحيين النساطرة، فتشير كثير من الروايات التاريخية إلى أن الصحابي عمرو بن جندب الغفاري كان على رأس الجيش الإسلامي الذي فتح المدينة في السنة الـ16 للهجرة.

ودفن الغفاري في موقع مزار الأربعين الذي شيّد بعد أكثر من ٥٠٠ عام على مقتله، في حين أن الروايات التاريخية عن وجود قبور لـ40 صحابيا آخر ضعيفة.

‫ولا تزال كتابات بعض الرحّالة الأوربيين المهتمين بالآثار العربية والإسلامية التي تعود معظمها إلى بداية القرن الحالي من أبرز ما كتب عنه، فقد وصفوه ورسموا رسما تخطيطيا لبعض أقسامه وصوّروا الشاخص منها.

أما من الناحية الأثرية، فقد شيّد المزار على طريقة العمارة المقبّبة من العمارة الإسلامية المتقدمة النشأة، وتخطيط البناء وطرازه العمراني يشير إلى أسلوب البناء الذي انتشر في العراق قبل الإسلام، وزاد الإقبال عليه في العصور الإسلامية، ونعني بذلك صحنًا تحيط به الأبنية من جميع الجوانب، وتنفتح عليه بأبواب مباشرة، كما يوضح التكريتي.

وشُيّد معظم البناء بالحصى والجص إلا أجزاء قليلة منه شُيدت بطابوق وجص، وكُسِيَ البناء كله بطبقة من الجص، ويتميز البناء بمتانة خاصة، والغرفتان المهمتان لهما جدران سميكة وارتفاع متين يبلغ 10 أمتار.

ويشغل الغرفة الركنية منهما قبر ضخم طوله 3 أمتار وعرضه متران، ويرتفع عن مستوى الأرض بنحو متر، هو قبر عمرو بن جندب الغفاري‬، ويرتفع بناء الغرفة بشكل هرمي بسيط ينتهي بقبة نصف كروية واضحة التدبّب يعلوها من الخارج نتوء هرمي قصير.

وقد حاول المعمار إخفاء الانتقال من الشكل المربع إلى الشكل الدائري الذي تتركز عليه القبة بتطويل مرحلة الانتقال أو الرقبة. وتسقف الغرفة المجاورة المشابهة قبة أيضا، وتمثل هاتان القبتان المتجاورتان ظاهرة عمرانية مهمة في تاريخ العمارات العربية الإسلامية.

ويتحدث الباحث في آثار صلاح الدين الأستاذ عادل وصفي عن المزار قائلًا "إن طريقة البناء في خططها العمارية ومكوّنها الهندسي تعبّر عن مدرسة إسلامية متقدمة بنشأتها على قريناتها من المدارس الأولى مثل المدرسة المستنصرية في بغداد، والمدرسة الكمالية في القاهرة".

وتعزيزًا لتوثيق أمرها كمدرسة متقدمة، نذكر ما جاء عن الباحث الآثاري العراقي بهنام أبو الصوف بشأنها في قوله "أكدت الدراسة الأثرية والتأريخية المقارنة أن عمارة الأربعين في تكريت هي بقايا لواحدة من أقدم المدارس الدينية التي أُنشئت في العالم الإسلامي".

ويرجح أن أحد حكام مدينة تكريت أعاد بناء مزار الأربعين، وجعله مدرسة في الوقت نفسه لتدريس علوم الدين، إذ يوضح هذه الحالة تخطيط البناء على نحو عام، ففيه مسجد مهم جدًّا وعدد من الغرف لا يزيد على 10 غرف لأمور التدريس، وإيوانان مُتقابلان يؤكدان الغاية من تشييد هذا البناء ليكون مزارًا ومدرسة في الوقت نفسه.

مزار الأربعين صحابيا في تكريت المصدر: الجزيرة
تنظيم الدولة فجّر المزار عند سيطرته على المدينة عام 2014 (الجزيرة)

العمارة والزخارف

وتبرز العناصر العمارية والزخرفية في هذا البناء، فهو مُربع الشكل طول ضلعه 47 مترًا، وتُقابل أركانَهُ الجهات الأربع، ووُزّعت مرافق البناء على كامل الجدران، ويطل على مساحة مستطيلة الشكل واسعة، ‬وتوجد بئر أمام البناء النهري الذي يشغل الركن الشرقي.

ويظهر أن هذا القسم مخصص للخدمات من طبخ واستحمام وغيرها، وفضلا عن ذلك جمع المعمار جملة من العناصر الفنية العمارية التي سادت وانتشرت قبل بناء مزار الأربعين، فطوّر بعضها وأبدع وأضاف إليها قبابًا كروية مدبّبة، ومحارب فخمة جميلة، وحنايا بهيئة مقرنصات وأعمدة شبه إسطوانية مفردة تارة ومزدوجة تارة أخرى، كُلها جمعت في بناء واحد بصورة متناسقة وجميلة.

ولم يفُت المعمار تحلية البناء بتشكيلات زخرفية تتألف من أغصان نباتية تلتف وتنتهي بأنصاف مراوح نخيلية حفرت على طبقة من الجص، وبطريقة مائلة واستخدم بعض العناصر العمارية لأغراض زخرفية.

وتجدر الإشارة إلى أنه ورد في كتب التاريخ التي تتناول المدارس الدينية نص يذكر "مدرسة همامية في تكريت" نسبة إلى أمير تكريت همام الدين تبر بن علي المتوفى سنة 578 هجرية/1182 ميلادية، ويرجح أن المقصود بها المدرسة نفسها التي شُيّدت في مزار الأربعين.

وكان لمزار الأربعين نصيب من تدمير تنظيم الدولة الإسلامية للآثار في العراق، فقد فجّره عندما سيطر على تكريت عام ٢٠١٤، وشكل ذلك صدمة كبيرة لأهالي المدينة لرمزية المكان لديهم.

ومنذ ذلك الحين حتى هذه اللحظة يطالب أهالي تكريت الحكومة والجهات المختصة بإعادة إعمار وترميم مزار الأربعين الذي يعدّ عندهم مزارا دينيا ومعلما أثريا وتاريخيا ومقصدا اجتماعيا.

المصدر : الجزيرة