وول ستريت جورنال عن نهاية الاتحاد السوفياتي: لماذا انهارت "إمبراطورية الشر"؟
قبل 30 عاما، اختفى الاتحاد السوفياتي من الوجود، ليس بسبب الضغوط الغربية أو الصعوبات الاقتصادية، بل بسبب الرؤية الإصلاحية الكارثية لميخائيل غورباتشوف.
يقول الكاتب فلاديسلاف زوبوك -في تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال (WSJ) الأميركية- إنه بداية من تاريخ 25 ديسمبر/كانون الأول 1991، انتهى رسميا وجود الاتحاد السوفياتي، وتنحى الرئيس ميخائيل غورباتشوف تاركا المنصب لخلفه بوريس يلتسن الذي رفع علم الاتحاد الروسي فوق مبنى الكرملين.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالتصوّف خيال أدبي أم أيدولوجيا مقاومة للغزاة.. كيف نظر المستشرقون الروس إلى متصوفة القوقاز؟
نوبل للآداب.. هل هي جائزة سياسية متنكرة في قناع أدبي؟
أدب قوقازي داغستاني جديد.. روايات أليزا جانيفا ونقد جريء لأحوال روسيا
في ذلك الوقت، اعتقد كثير من الأميركيين أن السياسات الأميركية ساهمت في تدمير هذه "الإمبراطورية الشريرة"، وأن المشاكل الاقتصادية والعسكرية وحركات التمرد داخل جمهوريات الاتحاد ليست إلا سببا ثانويا، لكن الكاتب يؤكد أن هذه التفسيرات التي كانت شائعة حول انهيار الاتحاد السوفياتي، ثبت لاحقا أنها تفتقر إلى الدقة.
إذ إن الالتزامات العسكرية لهذا الاتحاد في ذلك الوقت ظلت قابلة للاحتمال، وحالة الجيش كانت جيدة بعد الانسحاب من أفغانستان وشرق أوروبا، والصناعات العسكرية كانت فعالة ومحدودة الكلفة مقارنة بالغرب.
أما انخفاض أسعار النفط في ذلك الوقت، فإنه لم يمثل صدمة مفصلية لهذا الاتحاد، باعتبار أن أنابيب النفط والغاز المتجهة نحو أوروبا الغربية ظلت تمثل مكسبا حقيقيا رغم كل الصعوبات.
إصلاحات غورباتشوف
ويضيف الكاتب أن الضغوط التي كان يسلطها الغرب ودفعت القيادة السوفياتية للشروع في إصلاحات في النظام الشيوعي، لم تكن هي أيضا السبب المباشر للانهيار.
والذين عايشوا الاتحاد السوفياتي في أعوامه الأخيرة بعد نهاية حقبة ستالين، كانوا يتوقعون من هذا النظام أن ينتج قيادات شابة تحقق الإصلاحات المطلوبة، لكن هذه الإصلاحات كان يمكن القيام بها على الطريقة الصينية ربما، دون المساس بطبيعة الدولة.
لكن عوضا عن ذلك، فإن التاريخ قدم لنا غورباتشوف الذي تفكك الاتحاد بعد 5 سنوات فقط من وصوله للحكم.
إذ إن غورباتشوف كان ينظر إلى فكرة إصلاح النظام السوفياتي على أنها تجربة مثالية، وقد عمل على تغيير كل ما فعله ستالين، وحاول الجمع بين الاشتراكية والديمقراطية.
إلا أن مساعيه لدفع الاقتصاد نحو اللامركزية، ومنحه حكومات الأقاليم درجة من الحرية، وتقديمه امتيازات لمديري الشركات الحكومية عوض أن يعزز الإنتاجية والحماس، فتح الباب أمام الاستغلاليين لافتراس الاقتصاد دون تقديم أي إنتاج.
ويضيف الكاتب أن اللامركزية السياسية التي عمل عليها غورباتشوف أدت هي أيضا إلى نتائج عكسية، إذ إنه أجبر المكتب السياسي للحزب الحاكم والقيادات الإقليمية على تمرير الصلاحيات السياسية نحو مجالس شعبية تسمى السوفياتات، وكان يأمل في أن تمثل هذه المجالس مدرسة للديمقراطية، إلا أنها في الواقع كانت سببا في تغذية النعرات الانفصالية والقومية والشعبوية، وهو ما خلق وضعا تصعب السيطرة عليه.
وعلى الصعيد المالي أيضا، عمل غورباتشوف على التحول نحو الديمقراطية، وقام بإصلاحات تسمح ببعث البنوك الخاصة وطباعة الروبل بكل حرية. هذه الإجراءات أدت إلى تزايد التضخم، واختفاء السلع من رفوف المتاجر، وخسارة الناس قيمة مدخراتهم المالية، وانهيار التوازنات المالية السوفياتية التي كانت تعاني من الهشاشة لوقت طويل.
هذه الدوامة المأساوية كان يمكن تجنبها -بحسب رأي الكاتب- لو أن الكرملين خاض هذه الإصلاحات بشكل أكثر حذرا وبراغماتية، إذ كان بإمكانه أن يدفع نحو تحرير السوق ولكن من دون تفكيك النظام الدكتاتوري الحاكم، وهو ما فعلته الصين. ولكن الطريقة التي اعتمدها غورباتشوف فتحت الباب أمام سيل جارف من المشاكل، وانتشار الاحتقان والتمرد على نطاق واسع.
انفصال وانفجار
ويضيف الكاتب أنه بحلول الوقت الذي كان فيه الاتحاد السوفياتي يعاني من الهزيمة على أطرافه، كانت جمهوريات البلطيق تسعى نحو الاستقلال، وحدث انفجار في القوقاز.
أما روسيا التي تمثل قلب هذا الاتحاد، فقد قررت الخروج منه آخذة معها كل النفط والغاز والذهب والماس، إلى جانب العاصمة موسكو وحتى الكرملين، وأصبح يلتسن أول رئيس في التاريخ الروسي في يونيو/حزيران 1991، وباتت سياسته الانفصالية عاملا حاسما أدى لتفكيك الاتحاد السوفياتي. وفي نفس الوقت تراجعت شعبية غورباتشوف إلى ما تحت 20%، بعد أن اعتبره أغلب الروس مسؤولا عن تدهور مستوى المعيشة.
وفي أغسطس/آب 1991، وافق غورباتشوف على منح روسيا صلاحيات واسعة بقيادة يلتسن، شرط أن تبقى جزءا من الاتحاد الذي لم يعد شيوعيا.
هذا الاتحاد الجديد عانى من الضعف في ظل انفصال جمهوريات البلطيق، وهيمنة روسيا، وتمتع أوكرانيا بنصف استقلال. ولذلك فإن وزراء غورباتشوف نظموا انقلابا من أجل إجهاض هذا الاتفاق، إلا أن محاولتهم أدت في النهاية إلى استسلام جهاز الاستخبارات كي جي بي، والجيش، والشرطة، بشكل مهين أمام يلتسين وأنصاره.
مباشرة بعد ذلك، أمسك يلتسن بالسلطة وأطاح بغورباتشوف، وحظر الحزب الشيوعي وقام بحل الحكومة المركزية، ثم حصل على صلاحيات التحكم في الترسانة النووية وطباعة العملة. وهكذا فإن التجاذبات الداخلية في موسكو هي التي أدت إلى تفكيك الاتحاد السوفياتي، وليست موجة الضغوط والأفكار الليبرالية.