في ذكرى وفاته.. حكايات محمود درويش في بغداد

زيارات درويش إلى بغداد بدأت عام 1971، عندما حضر إلى الجامعة المستنصرية وغرد بأشعاره الجميلة، التي سحر بها طالباتها قبل طلابها

درويش7 مجلة فلسطين الان
درويش أحب بغداد وأحبته، وكانت له صداقات حميمة مع العديد من شعراء العراق (مواقع التواصل)

بغداد- الشعر العظيم يشبه دهشة السير في الغابات، وهناك تنصت لجريان الماء في نهر لا تراه، وتسمع أصواتا آتية كالهمس من أماكن خفية، أو تحس نشوة الموسيقى المنسابة مع رذاذ الشلالات أو ندى الصباحات على الأشجار.

هكذا هي قصائد الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي تصادف ذكرى وفاته الـ13 في التاسع من أغسطس/آب.

كان الراحل قد أحب بغداد على نحو جنوني، وكتب عنها وعن شعرائها أجمل قصائده. بدأت زياراته عام 1971، عندما حضر إلى الجامعة المستنصرية وغرد بأشعاره الجميلة، التي سحر بها طالباتها قبل طلابها.

ما بينه وبين لميعة

يتحدث الكاتب العراقي زيد الحلي للجزيرة نت عن قصص عديدة للشاعر الراحل في بغداد، منها أن الشاعرة العراقية الراحلة لميعة عباس عمارة قالت ذات مرة إنها التقت بدرويش بحضور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وكانت تنظر إليه دون قصد، لكنه أحرجها بالقول لماذا تحدقين في وجهي؟ فرد عرفات على الفور، وهل تريدها أن تحدق بوجهي.

الناقد فاضل ثامر
ثامر: درويش حول الشعر إلى رغيف خبز ونبراس يضيء ظلام هذا الزمان (الجزيرة)

شبه السياب بجلجامش

كان درويش قد كتب الكثير عن شعراء العراق منهم بدر شاكر السياب رائد الشعر الحر، حيث خاطبه:
أتذكّرُ السيّاب… لم يَجدِ الحياةَ
تخيّل بين دجلةَ والفراتِ، فلم يفكّر
مثلَ جلجامشْ بأعشاب الخلودِ

كما كتب ذات يوم لصديقه الأثير الشاعر سعدي يوسف (توفي 2021)، قائلا:
العراق، العراق دم لا تجففه الشمس
والشمس أرملة الرب فوق العراق.
يقول القتيل العراقي للواقفين على الجسر: عُمْتُمْ
صباحاً، فما زلت حياً. يقولون: ما زلت
ميتاً يفتش عن قبره في نواحي الهديل

وقال عنه صديقه رئيس اتحاد الأدباء العراقيين السابق والناقد فاضل ثامر "مهما نستذكر المنجز الشعري الإبداعي للراحل فمن الصعوبة أن نفي حق هذا المبدع، الذي حول الشعر إلى رغيف خبز، ونبراس يضيء ظلام هذا الزمان".

حب بغداد

وقال الشاعر عبد المنعم حمندي للجزيرة نت إن "درويش أحب بغداد وأحبته. وكانت له صداقات حميمة معي ومع الشعراء حميد سعيد وسعدي يوسف ومحمد مهدي الجواهري وسامي مهدي ويوسف الصائغ. كما زار بغداد كثيرا، وأنشد في مرابضها، ومهرجاناتها، وسهر في لياليها".

ويستذكر حمندي جلوسه على طاولة واحدة مع درويش في مطعم الصنوبر عام 1977، وكانت معه زوجته السورية رنا قباني ابنة أخ الشاعر نزار قباني، ودار بيننا حوار جميل عن الشعر، كما تحدث عن مشروعه في مجلة الكرمل، وطموحاته بأن تتصدر الدوريات العربية.

ويشير حمندي إلى أن لقاءاته مع درويش تكررت في بغداد وعمان، بصحبة الشاعر الفلسطيني خيري منصور، وزاره مرة في عمان، كان وقتها قد تزوج من ابنة وكيل وزارة الثقافة المصري، ثم انفصل عنها. فقال درويش حينها "انفصال بلا خسائر إنسانية، ليعلن بعدها إضرابه عن الزواج، لأن الشعر توحّد وأفضل الوحدة مع القصيدة".

وأشار حمندي إلى أنه أهداه ديوانه "أول النار"، واستمع درويش لقصيدته، وأعجب بمقطع:

الذئب أمسى حارساً والحلمُ شَاة

وكنتُ بينهما الفلاة

مَن ذا يؤلف بيننا

وأنا الذبيحُ

فأصيحُ في كلّ اَلْجِهَات

اَلذِّئْب يخرجُ من نعاسي

والحلم شاة

فصفق درويش وقال لا منبع للشعر سوى العراق.

محمد حسين كمر7
حسين كمر: درويش اعجب بتلحيني أغنية قصيدته "شمس العراق" (الجزيرة)

أجمل ما سمعت

وقال الأكاديمي والملحن محمد حسين كمر للجزيرة نت إنه في عام 2002 كلف بتلحين 5 قصائد من قبل دار ثقافات العالم في برلين، حين أقامت مهرجان الشعر العربي، منها قصيدة "شمس العراق" لدرويش، وغنتها الفنانة فريدة. وبعد سماعه الأغنية قام درويش من مكانه وصعد إلى المسرح واحتضنني وقبلني، وقال (هذا أجمل ما سمعت).

وقال المدير العام للشؤون الثقافية الشاعر عارف الساعدي إنه يرجع الفضل إلى درويش في التحولات الفنية والموضوعية، ومثلما وقف الجواهري دون قصد بوجه شعراء التفعيلة، استطاع درويش أن يقف بوجه موجة الحداثة وشعراء قصيدة النثر الكاسحة، وأثبت أن النص الإيقاعي نصٌّ لن يموت أيضاً، بل العكس، هو النص الأكثر جذباً للقراءة والسماع.

المصدر : الجزيرة

إعلان