الشاعر محمد عبد الباري يطلق مبادرة "كتابة" لنشر الشعر السوداني
ترمي مبادرة "كتابة" إلى دعم حركة الشعر السوداني بأطيافه ومدارسه الفنية كافة، والإسهام في حل مشكلة النشر والتوزيع في السودان.
الخرطوم – أُعلنت بالعاصمة السودانية الخرطوم مبادرة "كتابة" التي أطلقها الشاعر محمد عبد الباري لنشر الشعر السوداني، وذلك ليلة استهلال الطبعة السودانية من ديوانه الأخير (لم يعد أزرقًا) الذي يعدّ الرابع للشاعر السوداني الشاب ويتكون من 18 قصيدة.
ديوان يقود دواوين
أسباب كثيرة دفعت عبد الباري الذي عاش معظم حياته في المغترب للبحث عن ناشر لطبعة سودانية لدواوينه حتى يتسنى للقارئ السوداني امتلاكها بعنت أقل، فكان أن وقع الاختيار على دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر، التي أخبرها الشاعر بتنازله عن عائدات هذه الطبعات على أن تخصص لنشر دواوين لشعراء شباب.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsنداء لحماية أهرام مروي ومعالم البجراوية.. السودان يناشد اليونسكو إنقاذ آثاره من الفيضانات
طريق الحج الأفريقي مرورا بالسودان.. قوافل تاريخية مقدسة وثقها الشعر وأدب الرحلة
مالكوم إكس معجبا بالمهدي وأم درمان.. كيف غيّر سودانيون حياة “الحاج مالك الشباز”؟
وفكرة المبادرة، حسب ما قال محمد عبد الباري للجزيرة نت، "نشأت عندي مع التفكير في إصدار طبعة سودانية، فكان الاتفاق مع دار جامعة الخرطوم للطباعة والتوزيع. وفي الحقيقة كانت المبادرة تطويرا لهذا التعاون ولكن أعتقد أن التفكير في عمل شيء مماثل بدأ قبل ذلك"، لتكون دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر أول الشركاء ولتخطّ مبادرة "كتابة" أول سطورها.
وعن ذلك يقول مدير الدار الدكتور أسامة تاج السر للجزيرة نت "في اللحظة التي أخبرنا فيها محمد عبد الباري بتنازله عن حقوقه إسهاما في طباعة بعض الأعمال السودانية، دخلت دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر شريكا، فخصصت نسبة من نصيبها في الدواوين الثلاثة الأولى لمصلحة المبادرة، وزادت هذه النسبة في الديوان الأخير (لم يعد أزرقا)".
وما بين الاتفاق على النشر وتدشين الديوان تطورت فكرة المبادرة، واتسعت آفاقها، فمن تنازل عن نصيب الطباعة إلى مبادرة تحت مظلة تتسع لكثير من الشركاء يأمل مطلقها أن تكون رافعة للشعر السوداني.
قبل البداية
أزمة النشر الأدبي في السودان قديمة تنفرج بقدر حينًا، وتضيق أحايين أخر. وفي أفضل أحواله كان النشر دون المستوى المطلوب لتختلّ المعادلة، وهذا ما أدركه محمد عبد الباري عند زيارته الأولى للسودان "خلفية حياتي الشخصية التي جعلتني أتأخر في زيارة السودان هي التي جعلتني قادرا على ملاحظة المفارقة عند أول زيارة لي. هناك غنى في المشهد الأدبي السوداني من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك غياب لهذا الغنى، والأمر يعود بلا شك لمشكل اقتصادي كبير، أحد أوجه هذا المشكل ضعف حركة النشر والتوزيع".
ولعل المتأمل في الأدب السوداني يلحظ تأخر حركة النشر مقارنة بالإنتاج الأدبي ما يجعل النظر إلى الأدب السوداني بعين المطبوع ناقصا. الجزيرة نت سألت الدكتور الصديق عمر الصديق مدير معهد البروفيسور عبدالله الطيب بجامعة الخرطوم، ومدير بيت الشعر الخرطوم عن ذلك فقال إن "المسافة كبيرة بين المنتج الإبداعي والمنشور منه، وإنك لتعجب لأسماء كبيرة في الشعر السوداني لم يخرج إبداعها في دواوين. ما يحدث فجوة لدارس الأدب المعتمد على المطبوع فقط" .
وتذهب المبادرة في منشوراتها إلى أن الأدب السوداني على امتداد حقب متطاولة ظل ممثلا عربيا بأسماء محدودة، كذلك الأديب السوداني يعاني في نشر أعماله ويلاقي في ذلك عنتا وحيفا كبيرين. كل ذلك أثر في وجود الشعر والأدب السودانيين في مشهد الكتابة العربية، ورسم صورة غامضة لدى كثير من متابعي الأدب في الوطن العربي.
هموم مشتركة واتحاد للغايات
المبادرة وجدت ترحيبا كبيرا من عدد من المؤسسات أولها جامعة الخرطوم ممثلة في دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر، ومعهد البروفيسور عبدالله الطيب للغة العربية، فضلا عن بيت الشعر الخرطوم الذي يتخذ من الجامعة مقرا له.
الدكتور الصديق واصل حديثه للجزيرة نت قائلا "هذا الوضع الشائه يحتاج إلى تغيير، ولقد وافقت رؤية الشاعر محمد عبد الباري ما نسعى لأجله. ويقيننا أن المبادرة ( كتابة) ستحقق مراميها بإذن الله وإن من الجيد أن تتضافر الجهود من أجل بلوغ الغايات المشتركة" .
في حين يرى الدكتور أسامة تاج السر، مدير دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر، أن مشكلة النشر أثرت في مسيرة الشعر السوداني، فيقول إن "الشعر السوداني ظلّ يشكو إهمال النشر، داخل السودان وخارجه، وقد لمسنا حماسة كبيرة، ورؤية ثاقبة من عبد الباري للنشر. إن همنا الأكبر في هذه المبادرة خدمة الشعر السوداني، وإخراجه في أبهى حلة تليق به، وهذا ما تحققه هذه الشراكات التي ندعمها كل الدعم".
أفق جديد
وترمي مبادرة كتابة إلى دعم حركة الشعر السوداني بأطيافه ومدارسه الفنية كافة، والإسهام في حل مشكلة النشر والتوزيع في السودان. كذلك تستهدف إحياء دور القصيدة السودانية في إثراء المشهد الشعري العربي بطباعة الأعمال الفائزة والمنتخبة طبعات خاصة تتوفر في أغلب العواصم العربية.
وهذا ما يعدّه الشاعر والصحفي حاتم الكناني، في حديثه للجزيرة نت، أفقا جديدا إذ يقول إن "مبادرة (كتابة) انتباهة موفقة إلى معضلة سودانية، ولئن سبقت إلى ذلك من خلال مبادرات أخرى إلا أن الأفق الجديد هاهنا هو محاولة إخراج هذا المنتج إلى المشهد العربي"، ويضيف "لئن كانت الشراكات الأولى محلية ممثلة حتى ساعة إطلاق المبادرة في (دار جامعة الخرطوم للطباعة والنشر بجامعة الخرطوم/معهد البروفيسور عبد الله الطيب للغة العربية/بيت الشعر الخرطوم) إلا أن المساعي متصلة مع رعاة وشركاء آخرين في الداخل، فضلا عن شركاء من خارج السودان".
ويقول عبد الباري للجزيرة نت بشأن الشراكات "شركاؤنا في الخارج حتى الآن المؤسسة العالمية للشعر العربي (أدب) ومقرّها الرياض، ودار صوفيا بالكويت. وأود أن استغل هذه الفرصة لألفت النظر إلى أننا ما زلنا في طور التكوين ولم نبلغ المرحلة النهائية"، ويضيف "أعتقد أنه بحلول موعد إعلان الفائزين في نوفمبر/تشرين الثاني سنكون قد بلغنا المرحلة النهائية في ما يتعلق بآفاق الشراكة والتعاون"، في حين تواصل المبادرة مساعيها مع شركاء آخرين في ما يخص النشر والترويج الإعلامي.
مسارات وتواريخ
وللمبادرة مساران يستهدف أولهما الشعراء الشباب وتحدد آلية التنافس بلائحة خاصة بالمسابقة، ومسار ثان قائم على ترشيح الدواوين التي ترى المبادرة أهمية طباعتها أو إعادة طباعتها، في الشعر السوداني.
في حين يتكون هيكل المبادرة من أجسام ثلاثة: مجلس أمناء المبادرة وهو حسب وصف المبادرة في طور التكوين يتألف من مجموعة من المتخصصين، وتوكل إليه مهمة وضع الملامح الأساسية للمبادرة ويشرف على كل مراحل العمل ويختار لجان التحكيم ويصادق على قراراتها، في حين تحكّم لجنة التحكيم (الجسم الثاني) الأعمال المقدمة، وتختار الدواوين الفائزة، وفق منافسة معلنة الشروط كما تعمل على ترشيح أعمال للطباعة خارج إطار المنافسة.
في حين تقع الأعباء الإدارية على لجنة تنفيذية يختارها الشركاء الأساسيون تضطلع بمهام العمل الإداري، وتعمل هذه اللجنة على الجانب الإعلامي.
وتعتمد المبادرة في تمويلها اعتمادا أساسيا وأوليا على عائدات الطبعة السودانية من دواوين محمد عبد الباري، فضلا عن مساهمات الشركاء والرعاة.
والمبادرة فتحت أبوابها لاستلام الدواوين حتى 19 سبتمبر/أيلول، على أن تُعلن الأعمال المرشحة للطباعة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري.
ويلفت الدكتور الصديق الانتباه إلى بعد آخر، فيقول إن "قليلين من أهل الإبداع من أدركوا مسؤولياتهم المجتمعية، ومحمد (عبد الباري) من سلالة الشعراء السودانيين الذين مدّوا أياديهم للأجيال اللاحقة، وهو بهذه الخطوة يتعامل بأفق متسع وفكر يشبه العصر".
في حين يرى الكناني، في اتصال مع الجزيرة نت، أن عبد الباري "مهتم بإصلاح السفينة لا القفز منها وأن (كتابة) ستحقق الكثير"، إذ يأمل شباب الشعر في السودان أن تكون كتابة بارقة أمل.