عيد الأكراد والفرس وشعوب آسيا.. النوروز يجمع ملايين المحتفلين

أكراد في دهوك بكردستان العراق يحملون الشعلات النارية احتفالا بعيد النوروز رغم تفشي جائحة كورونا (رويترز)

اعتاد الفرس والكرد وبعض شعوب غرب ووسط آسيا الاحتفال بعيد النوروز يوم 21 مارس/آذار من كل سنة، وهو يعتبر رأس السنة الفارسية والسنة الكردية، ويحتفل به نحو 300 مليون في جميع أنحاء العالم باعتباره بداية عام جديد. ولهذا الاحتفال تاريخ طويل يمتد لأكثر من 3 آلاف سنة، في آسيا الوسطى وحوض البحر الأسود والشرق الأوسط والقوقاز وقزوين ومناطق أخرى.

ولكن لم يعد النيروز (يوم الاعتدال الربيعي) مقتصرا على الكرد والفرس فحسب، بل عم الدول التي يسكنها بعض هذه القوميات. ففي العراق يشارك العرب الكرد في احتفالهم، على الرغم من اختلاف بعض التقاليد، ففي احتفالات العرب لا تشعل النار ولا يرتدون الزي الكردي التقليدي، إنما هو احتفال عابر كجزء من عرف كردي تسرّب للقوميات الأخرى.

وأصل كلمة النوروز متأتية أساسا من مقطعين صوتيين مختلفات "نو" و"روز"، وتعني اليوم الجديد. وللنوروز الكثير من الحكايات والقصص الشعبية التي تختلف من دولة لأخرى، ولا سيما أن الكرد يعتبرونه عيدا قوميا، وهو عطلة رسمية في العراق وغيرها من الدول المعنية به، وفي عام 2010 أدرجت اليونسكو عيد النوروز في لائحة التراث الثقافي غير المادي للبشرية.

النوروز وأدباء الكرد

وقد استطلعت الجزيرة نت آراء بعض المثقفين، وسألتهم: كيف يحتفل الكرد بعيد نوروز؟ وهل هناك اختلاف أو فرق بين احتفالات الكرد العراقيين والسوريين من حيث الأعراف؟ وهل كتب الشعراء الكرد نصوصا عنه؟ وهل يشارك الشعراء والكتاب أهلهم بهذه الطقوس أم يختلفون عنهم، بما أن للشعراء والكتاب أعرافهم الخاصة وأفكارهم المختلفة؟

يقول الشاعر والمترجم غسان حمدان إنه "على الرغم من أن للنوروز تاريخا قديما، فإنه لا يوجد رأي حتمي بشأنه تاريخه حتى الآن، ولكن أكراد كردستان الأربعة متفقون على وجود هذا اليوم الوطني، ويحتفل به في جميع بقاع كردستان، كل قسم يحتفل حسب الحرية المتاحة له في البلد (العراق، تركيا، سوريا، إيران) كي يعيد ذكرى أجداده".

ويستدرك "لكن بالعموم، الكل يحتفل بأن يتجمعوا على الجبال وخارج المدينة بإشعال النار وقت غروب الشمس، تخليدا لذكرى ثورة كاوه والحداد ضد طغيان الملك الأسطوري ضحاك، ويشاركون الرقص الكردي لابسين الثوب الكردي التقليدي، وهناك من يتنافس بالقفز فوق تلك النيران أيضا".

ويضيف حمدان للجزيرة نت، أن أول احتفال رسمي بالنوروز كان سنة 1933، حيث أشعل حسين حزني موركرياني النار فوق قلعة أربيل، وفي السليمانية قام الشاعر بيره مرد بإحياء ذكرى نوروز لأول مرة.

ويشير حمدان إلى تحولات النوروز في سوريا، حيث تحول العيد الكردي بعد اضطرابات سياسية في ثمانينيات القرن الماضي إلى عيد طبيعة الأم، ثم إلى الأم، وبعدها صار يُعرف في الدول العربية الأخرى بعيد الأم، بحسب روايته.

نصوص النوروز

وعن احتفال الأدباء والشعراء الكرد، يبين المترجم غسان حمدان أن للشعراء الكرد التقليديين والحديثين نصوصا عن نوروز، وكل واحد منهم يراه بنظرة مختلفة: وأول من كتب عن النوروز هو الشاعر أحمدي خاني، إذ قال عن عادات الكرد في ذلك اليوم:
كان الناس يخرجون بالجمل
صبي وشقي وشيخ كهل
يوم يكون العيد عيد نوروز
تصير العظمة مكسبنا بنوروز

وأوضح أن النوروز عند الشعراء الكرد يمثل بداية فصل جديد، وتجدد الطبيعة، وعلامة النجاة من الظلم، وكذلك يدل على الشجاعة والتضحية. يقول الشاعر الكردي المعاصر عبد الله بشيو (ولد 1946):
لن أحتفل بنوروز هذه السنة
بدون الجبال
وبدون ريح الأزهار
لن أحتفل بنوروز
بدون شعلة النار الحمراء
لن أحتفل بنوروز
لو كنت لا أرى غبار أقدام الشباب
حين يرقصون
وأكون على رأس الدبكة

وبيّن حمدان أنه كباقي الأعياد، يشارك الفرد مجتمعه، سواء كان شاعرا أو سياسيا أو شخصا عاديا، ومن ذلك مشاركة الشاعر الخالد بيره مرد الناس بنوروز، حيث دعا يوم 19 مارس/آذار 1940 أهالي السليمانية لحضور المهرجان، بقوله: "نوروز، ومن أجل أن تعلموا أننا لم نستغن عن هذا العيد. سنقيم مساء الأحد على تل مام يارا مهرجان نوروز، وسنخرج للهواء الطلق يوم الجمعة. يمكن للجنس اللطيف (الإناث) القدوم -بعد أن كنَّ كسيرات في موسم الثلج- لتتفتح أجنحتهن ويشاركن الجنس الخشن (الذكور)، دون أن يختلط بعضهم ببعض في الرقص الكردي".

وكتب الشاعر بيره مرد شعرا خالدا عن نوروز نسمعه كل سنة مع قدوم الربيع، يردده الشعراء والمطربون والشباب والشيوخ منذ القدم، ومن أشهرهم المغني الإيراني الكردي حسن زيرك، ومنه:
ها قد عاد نوروز اليوم في العام الجديد
عاد عيد قديم بالهناء والفرح
كم سنين اكتأبت زهرة آمالنا وبدماء الشباب
برعمت زهرة الربيع داخل كل هذا الترَح

وفي حديث للجزيرة نت، قال الشاعر العراقي الشاب إبراهيم ألماس إنه بخلاف الشعوب الفارسية والكردية، تحتفل قوميات أخرى في دول كثيرة كأذربيجان وأفغانستان وكشمير والعراق وإيران ودول أخرى بالمناسبة، ويشعل الكرد النار ويرقصون حولها، بينما تجمع بعض النساء الملابس القديمة وتحرقها احتفالا بهذا اليوم.

وأضاف ألماس "لا يمكن اعتبار نوروز عيدا قوميا أو دينيا ينحصر على شعب معيّن، إذ تحتفل به شعوب آسيا الوسطى والصغرى ومناطق أخرى.. لا يوجد اختلاف، لكن العيد أخذ طابعا قوميّا لدى الأكراد".

وعن الشعر وكيف يحتفل الشعراء من القوميات التي تحتفي بعيد النوروز، بيَّن الشاعر أن الشعراء من مختلف القوميات قد تغنّوا بهذا العيد، "أستذكر منهم من الفرس: حافظ شيرازي، وسعدي شيرازي، ومن الكرد: مولوي، وبيره مرد، وعبد الله كوران، ومن العرب: المتنبي، والبحتري، والسياب، وكثيرون آخرون".

وعن نفسه، قال ألماس: "أما بالنسبة لي، فلا أحب المناسبات العامة، وكلّ يوم جديد عندي هو مناسبة جديرة بالاحتفاء".

لا أحد يعرف على وجه الدقة تاريخ بداية الاحتفال بالنوروز، لكن أفضل التقديرات تعود به لزمن قديم في حدود 3 آلاف سنة. ويعود أصل النوروز إلى الدين الفارسي القديم "الزرادشتية"، ولأنها دين قديم منذ آلاف السنين، فقد انتقلت خارج حدود بلاد فارس القديمة، في زمن توسّع الإمبراطوريات الفارسية، وتأثرت بها الشعوب المجاورة، ولهذا يحتفل الملايين من غير الإيرانيين بالنوروز حتى الآن.

المصدر : الجزيرة