الملكية الفكرية في العراق.. عقوبات مهملة وسرقات متزايدة
بغداد – تشكو النخب الثقافية والأدبية في العراق من اتساع ظاهرة سرقة الملكية الفكرية دون تحرك مؤسساتي للحد منها. ووسط فوضى الظروف الأمنية والسياسية، لم يقتصر التجاوز على الملكيات الفكرية بالإنتاجات الأدبية وحسب بل صار يتخذ أشكالا عدة من الانتهاكات في مختلف المجالات.
سرقة في وضح النهار
الصدفة وحدها هي ما جمعت الصحفية سهى عودة بأجزاء مقالاتها التي وجدتها منشورة بكاملها في مقالات لشخص آخر، خلال نشره لها في وكالات معروفة دون أن تنسب لها.
وخلال بحث كانت تجريه على الإنترنت، جذبها عنوان مقال منشور على إحدى الوكالات المحلية، قريب من عنوان مقال سابق نشرته في وكالة دولية.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsالعراق يتسلم لوح جلجامش وقطعا أخرى بعد فقدانها لثلاثة عقود
مع الإسلام أم قبله؟.. متى انتشرت اللغة العربية في العراق؟
وبعد القراءة اكتشفت أن أجزاء كاملة من مقالاتها قد نسخت ووضعت دون تغيير، مما دفعها للبحث عن صفحته الشخصية، وعند العثور عليها صدمت بأن أغلب مقالاته مبنية على أجزاء من مقالات أخرى لها ولغيرها.
وعمدت سهى لمراجعة الشخص المعني وواجهته، فإذا به يحظرها عن صفحته في فيسبوك، وتعامل مع الأمر ببرود.
تقول للجزيرة نت "أصبح سرقة المجهود الفكري أمر سهل في ظل الفوضى التي يعيشها العراق" مضيفة أن هناك قلة وعي قانوني وصحفي تجاه التعامل مع حالات كهذه.
سطوة النسخ واللصق
وسهى ليست الوحيدة، إذ تعرض غيرها لسرقات ملكية فكرية، منهم رئيس تحرير صحيفة العالم الجديد الإلكترونية الصحفي منتظر ناصر الذي يقول للجزيرة نت بأنه صار معتادا على سرقة مقالاته أو أجزاء منها.
وأضاف "إن الطارئين والصحفيين الكسولين اعتادوا على النسخ واللصق للمقالات الأخرى، أو أجزاء منها ونشرها في صحف محلية وحتى عربية، مستسهلين السرقة".
واعتبر أن غياب الإجراء الرسمي تجاه مثل هذه الأعمال، جعل من المنشورات الأدبية والصحفية فريسة سهلة لكل متطفل يجد أمامه مجهودا جاهزا.
وأرجع ناصر سبب شيوع السرقة الفكرية، لأمرين: الأول، أن المؤسسات الصحفية لا تطالب أو لا تحرص على مسألة الملكية الفكرية. والآخر، أن الجهة الإعلامية التي تنشر التقارير أو المقالات دون رقابة أو تدقيق، أو التأكد من صحة مصدرها، تتحمل جزءا كبيرا من شيوع ظاهرة السرقة المنتشرة.
اجتياح الملكية الفكرية
ظاهرة السرقة الفكرية لا تقف عند مستوى التقارير والمقالات الصحفية وإنما تتجاوزها للأعمال الأدبية، حيث يشكو أدباء ومثقفون من اتساع عمليات السرقة الفكرية، واتخاذها أشكالا متعددة، ليتحول الأمر إلى ما يشبه الظاهرة حسب قول الشاعر عمر السراي، والذي يوضح بأن سرقة الملكية طالت الشعر والنثر كذلك، وتجرأ البعض ليسرق كتبا أو أفكارا وينسبها لنفسه، بل ووصلت لمستويات أوسع عندما تعدت على الإطروحات الجامعية والتي من المفترض أنها تخضع لتدقيق ورقابة مؤسسات حكومية.
ويرى مثقفون في الظاهرة المتزايدة لسرقة الملكية الفكرية أنها لا تؤثر على المالكين الحقيقيين لهذه الأفكار وإنما تتجاوزهم لتعكس صورة سيئة عن المشهد الثقافي، وتلقي بظلالها سلبا على المثقفين ودور النشر كذلك، وهو ما يشير إليه سعد محسن، صاحب دار "سطور" للنشر.
قوانين مهملة
وتوفر قوانين حق المؤلف "رقم 30″ لعام 1971، وقرار" 84″ لسلطة الائتلاف المؤقتة، الحماية لحقوق الملكية الفكرية، بالمعاقبة بالسجن والغرامة لسارقي الملكية الفكرية، لكن هذه القوانين غير مفعلة.
وأكد الخبير القانوني طارق حرب، للجزيرة نت، أن الملكية الفكرية محفوظة بموجب القانون في العراق ولكنها مهملة وغير مطبقة عمليا.
وأضاف أن في العراق محكمة للنشر تختص بالنظر بهذا الجانب، إضافة إلى شروع وزارة الثقافة أيضا في تأسيس مركز وطني يتعلق بحماية حق المؤلف.
وتوضح هند الحديثي، عضو محكمة النشر ومديرة المركز الوطني لحماية حق المؤلف والحقوق المجاورة التابع لوزارة الثقافة، أن دور المركز هو توثيق الأعمال الأدبية والفنية والعلمية وكل ما هو مكتوب، لكنه يعتمد على تسجيل المؤلف وكل من له نتاج فكري وثقافي فني لتوثيق وتسجيل أعمالهم ونتاجاتهم في المركز، وذلك حسبما كتبت على موقع مجلس القضاء الأعلى.
وبينت أن الكثير من القضايا "تأتينا ونحن بدورنا نحولها لمحكمة النشر لتكون هي الحد الفاصل" موضحة أن المركز لا يتكفل بالمقاضاة القانونية كون القانون لا يمنح الصلاحيات بالمتابعة القانونية سوى توثيق وإثبات الحقوق.
ولا توجد إحصائية حول عدد حالات سرقات الملكية الفكرية نتيجة اعتماد المؤسسات الحكومية على القضايا التي يرفعها المؤلف وحسب، في وقت يطالب عدد كبير من الأدباء والمثقفين بتشكيل مؤسسة خاصة لحماية الملكية الفكرية، تواكب التغيرات الحاصلة، إضافة إلى عدم حصر حق الحماية للمؤلف بتوثيق المنتج الفكري في دار الكتب والوثائق العراقية.