أكاديمي بريطاني: بلفور الذي دمر إعلانه فلسطين أسهم في إرساء نظام أكاديمي عنصري
تماشيا مع كتابات السياسي والمستشار الأكاديمي آرثر بلفور، عومل الفلسطينيون على أنهم "شرقيون" غير قادرين على حكم أنفسهم أو تحقيق تقرير المصير، إذ شكّل فهمه العنصري للنظام العالمي العمود الفقري لوعد بلفور عام 1917.
في ذروة الحقبة الاستعمارية وتحديدا في منتصف القرن الـ19، تأسست الجامعات في مستعمرات القوى الاستعمارية من قبل نخب المستعمرين الأوربيين الذين نظروا لأنفسهم على أنهم "حملة مشاعل الحضارة والثقافة" في بلاد المستعمرات البدائية.
وفي الآونة الأخيرة، وضمن دراسات ما بعد الاستعمار، تشكل فهم نقدي لهذا التاريخ والدور الذي لعبته الجامعات في السياق الاستعماري الحديث.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsآلة الزمن لتجنب الرقابة والحظر.. دلالات الحرية في أدب الخيال العلمي العربي
هل أنت من محبي الخيال العلمي؟ علماء النفس يركزون أنظارهم عليك
مؤتمر "سان ريمو" وليس اتفاقية "سايكس بيكو".. هكذا تقاسمت فرنسا وبريطانيا كعكة الشرق الأوسط قبل مئة عام
تحالف الجامعات الاستعمارية
في الثامن من يوليو/تموز 1903، عُقد أول مؤتمر لجامعة الحلفاء في فندق "سيسيل" على نهر التايمز بلندن.
وفي مقاله بصحيفة "ذا ناشونال" (The National) الأسكتلندية، كتب نيكولا بيروجيني الأكاديمي والباحث في الدراسات الإيطالية ودراسات الشرق الأوسط بجامعة براون أن الهدف من إنشاء مؤسسات إنتاج المعرفة والشبكات الجامعية كان تعزيز الحكم الاستعماري البريطاني.
كان آرثر جيمس بلفور-رئيس وزراء المملكة المتحدة في ذلك الوقت، ومستشار جامعة أدنبره- أحد مهندسي هذا التحول الإمبراطوري نحو الأكاديمية، تم تعيين بلفور في منصب أدنبره عام 1891 وظل في هذا المنصب حتى عام 1930 وهي أطول فترة لمستشار في تاريخ جامعة أسكتلندا الأبرز.
في فندق سيسيل، ترأس بلفور حفل عشاء المؤتمر الذي حضره مندوبو الجامعات ورؤساء الكليات و"رجال بارزون في العمل التربوي والعلمي".
وبعد تناول الخبز المحمص المعتاد، ألقى بلفور كلمة احتفل فيها بتأسيس التحالف الأكاديمي البريطاني الاستعماري الجديد، وشرح لماذا كان هذا إنجازا سياسيا رائعا، وقال "إننا هنا نمثل ما سيصبح -كما أعتقد- تحالفا كبيرا لأعظم الأدوات التعليمية في الإمبراطورية؛ تحالف جميع الجامعات التي تشعر بشكل متزايد بمسؤولياتها، وليس فقط عن تدريب الشباب الذي يهدف إلى الاستمرار في تقاليد الإمبراطورية البريطانية، ولكن أيضا (بمسؤوليتها) عن تعزيز تلك الاهتمامات العظيمة للمعرفة والبحث العلمي والثقافة، التي بدونها لا يمكن لأي إمبراطورية، مهما كانت رائعة ماديا، أن تقول حقا إنها تسهم بدورها في تقدم العالم".
عنصرية استعمارية
في ذهن بلفور، كان التحالف الأكاديمي الجديد أداة حاسمة لترسيخ هيمنة بريطانيا العالمية. وكان أيضا أداة رئيسية لتأكيد الإحساس بالوحدة الأنجلوساكسونية العنصرية، إذ قال بلفور في كلمته بحفل العشاء "نحن نفتخر بمجتمع من الدم واللغة والقوانين والأدب".
بعد إنهاء ولايته بوصفه رئيسا للوزراء عام 1905، انسحب بلفور لمدة عقد من الزمان من مركز الصدارة في السياسة الخارجية الإمبراطورية، قبل أن يعود عام 1916 وزيرا للخارجية، لكن خلال تلك السنوات العشر، واصل بلفور -بوصفه مستشار جامعة أدنبره- بناء مساحة أكاديمية بريطانية لتكون مشروعا إمبراطوريا.
ربما بسبب اهتمامه المتزايد بـ"الشرق"، طُلب من بلفور عام 1912 أن يرأس جلسة المؤتمر الأول لجامعات الإمبراطورية حول "مشكلة الجامعات في الشرق في ما يتعلق بتأثيرها على الشخصية والأخلاق: المثل". وفي كلمته الافتتاحية، شدد على أنه في الجامعات الغربية، كان هناك "تكيف متبادل" بين المعرفة العلمية والتقاليد الاجتماعية والثقافية، بينما في الجامعات الشرقية، كان العلم والعادات الاجتماعية في طريقين متصادمين.
ويقول الكاتب -وهو المؤلف المشارك لكتاب "حق الإنسان في الهيمنة"- إن فكرة عدم التوافق المتأصل بين التقاليد الشرقية والعلم ترتكز على مفهوم عدم المساواة العرقية الطبيعية الذي أوضحه بلفور بوضوح قبل عدة سنوات من ذلك في كتابه "الانحطاط".
وفي ذلك الكتاب، افترض بلفور أن التاريخ الشرقي كان يهيمن عليه رتابة الاستبداد وعدم قدرة الشرقيين على حكم أنفسهم، وقال إنه لا يستطيع تصديق أن أي محاولة لتقديم بيئة تعليمية متشابهة لأجناس مختلفة قد تنجح في جعلهم متشابهين، لأنهم مختلفين وغير متكافئين منذ بداية التاريخ، وسيظلون مختلفين وغير متكافئين.
وعد بلفور
شكل هذا النوع من التفكير العنصري صنع بلفور للعالم الإمبراطوري -بوصفه رجل دولة ورجل علم وأكاديميا- وشكّل أيضا العمود الفقري لوعد بلفور عام 1917، الذي أنشأ إطارا قانونيا إمبراطوريا جديدا في الشرق الأوسط.
وصادق الإعلان -الذي صدر في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني- على إنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين، مع حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الوطنية ومنحهم حقوقهم المدنية والدينية فقط؛ في النهاية، تماشيا مع كتابات بلفور، عومل الفلسطينيون على أنهم "شرقيون" غير قادرين على حكم أنفسهم أو تحقيق تقرير المصير.
كتب بلفور الإعلان ووقعه قبل زيارة فلسطين، وكانت زيارته الأولى عام 1925، عندما افتتح الجامعة العبرية في القدس مرتديا ثياب جامعتي أدنبره وكامبريدج (حيث أصبح مستشارا لها هي الأخرى عام 1919)، وكونه ضيفا على الحركة الصهيونية، قام بجولة في أولى المستعمرات اليهودية التي أقيمت في فلسطين، بما في ذلك بلفورية، وهي مستوطنة كرستها لذكراه القيادة الصهيونية.
في خطابه الافتتاحي على جبل المشارف/المشهد (شمال شرقي القدس)، احتفل بلفور بالجامعة العبرية باعتبارها تجربة لتكييف "الأساليب الغربية" (العلوم والنظريات اليهودية) مع موقع آسيوي، وبوصفها مؤسسة قادرة على إعادة إحياء فلسطين الراكدة، بحسب تعبيره.
ونقل ذلك الزعيم الإسرائيلي حاييم وايزمان (1874-1952)، الذي لعب دورا حاسما في إقناع بلفور بإصدار إعلان عام 1917، في سيرته الذاتية "المحاكمة والخطأ"، كانت الجامعة العبرية حلما لوايزمان وكانت أداة حاسمة للتأكيد الصهيوني في فلسطين.
بعد الافتتاح، تم تضمين الجامعة العبرية في شبكة الجامعات الإمبراطورية المتحالفة التي ساعد بلفور في تشكيلها في بداية القرن.
إنهاء الاستعمار في الجامعات
تم محو الصلة بين إسهام بلفور في الحكم الإمبراطوري وإسهامه في تطوير الأكاديميات الإمبراطورية البريطانية لسبب ما من الذاكرة الجماعية، ولم تظهر في قدر هائل من الأدب والمناقشات المعاصرة حول مشاركته في الشؤون الإمبراطورية العالمية وخطيئته سيئة السمعة، بحسب تعبير الكاتب الذي يعمل محاضرا أول في كلية العلوم الاجتماعية والسياسية بجامعة أدنبره.
لهذا السبب، يتابع نيكولا بيروجيني، "قد نستغل هذا العام الذكرى السنوية لوعد بلفور، لإعادة اكتشاف هذا الارتباط وإثارة بعض الأسئلة الأساسية".
ويكمل "بصفتنا جامعات بريطانية تتبنى -رسميا وعلنيا- أجندة إنهاء الاستعمار، وتحاول إنهاء استعمار المناهج والأماكن الأكاديمية، كيف يمكننا إنهاء استعمار روايتنا التاريخية عندما يتعلق الأمر بالظلم الذي تعرض له الفلسطينيون نتيجة للإعلان الإمبراطوري الصادر عن أحد مستشارينا؟"
ويتابع الكاتب تساؤلاته "لماذا لا نعترف علنا بأن الرجل الذي تم تعيينه لتعزيز السمعة الأكاديمية البريطانية العالمية لمدة 4 عقود كان أيضا فاعلا سياسيا وفكريا رئيسيا في إنتاج نظام إمبراطوري عنصري طرد العديد من الشعوب؟ ماذا ستكون الآثار المترتبة على مثل هذا الاعتراف؟"
ويردف "بما أن قضية فلسطين لا تزال حية بوصفها قضية استعمارية، التي لا تزال تولد العنف ونزع الملكية، فكيف يمكننا أن نسهم -بإجراءات مؤسسية ملموسة وملموسة- في إنهاء استعمار فلسطين وإصلاح تورط جامعة أدنبره بمشروع استيطاني استعماري مستمر لحرمان الفلسطينيين من حق تقرير المصير واجتثاثهم من أرضهم؟"
ويختم الأكاديمي بجامعة أدنبره قائلا "في النهاية وبعد كل شيء، كان وعد بلفور أيضا إعلان رئيس جامعتنا".