الجزيرة نت تستطلع آراء مثقفين سودانيين حول تحولات بلادهم وارتباطها بالمشهد الثقافي
الشاعرة إيمان آدم: "الحراك الثقافي لا ينفصل عن المشهد في عمومياته، بل هو مرآته والنابع منه، وهو أبهى تجليات الحياة؛ وبشكل عام، الثقافة لا تنبت في الدكتاتوريات"
الخرطوم – استيقظت الخرطوم صباح 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على أصوات المجنزرات والسيارات العسكرية مؤذنة بوضع جديد فاجأ السودانيين.
الجزيرة نت تواصلت مع أدباء ومفكرين وفاعلين في المشهد الثقافي السوداني لتستجلي آراءهم بشأن أثر ما جرى على الحياة الثقافية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأكثر من 70 لسانا، بينها الفور والزغاوة والبجاوية.. لغات السودانيين تقاوم شبح الاندثار
صوت قرى دارفور الذي سكت.. رحيل الروائي والقاص السوداني إبراهيم إسحاق
مالكوم إكس معجبا بالمهدي وأم درمان.. كيف غيّر سودانيون حياة “الحاج مالك الشباز”؟
وإن لم تعزف الموسيقى
عاش السودانيون كثيرا من الانقلابات الناجحة والفاشلة التي ألقت بظلالها على كل جوانب الحياة، ولم تسلم منها الثقافة بطبيعة الحال؛ مما رسّخ شيئا من العلم بطقوس الانقلابات وملامحها بالشارع السوداني، إذ تشكل الموسيقى العسكرية أكثر ملامحها وضوحا، خاصة بالنسبة لرجل الشارع.
فالتلفزيون الرسمي وإذاعة أم درمان عادة ما يبثان موسيقى عسكرية تُقطع بين الفينة والأخرى بعبارات تنبه على قرب إذاعة بيان ما.
لكن في هذه المرة كانت الأغنيات الوطنية هي المسيطرة ليبدأ أول سطور رواية "تصحيح المسار" وفقا لوصف قائد الجيش السوداني ما قام به، ويتبعه الخطاب الإعلامي الرسمي الرافض توصيف ما جرى بالانقلاب، وهذا ما لا يتفق معه كثيرون.
ويصف الأمين العام لاتحاد الكتاب السودانيين نادر السماني ما حدث بالانقلاب قائلا "ما حدث انقلاب كامل الأركان"، ولدى سؤالنا عن رأي الاتحاد، قال "بطبيعة الحال، الرأي واضح؛ نحن ضد أي حكم عسكري ولن نرجع للوراء. نحن مع الانتقال الديمقراطي بالطريقة التي ارتضاها الشعب، ولا يمكن أن نكون مع كبت الحريات وضد إرادة الجماهير".
سألنا الشاعر أزهري محمد علي -أحد أهم الشعراء السودانيين الذين ارتبط اسمهم بالثورة- عن كونه كثيرا ما شوهد يقود مواكب المتظاهرين، فأجاب "الشعب السوداني سابق، والرهان على وعيه وعلى إيمانه بحريته.. لن نعود للمربع الذي يريدوننا فيه، الشعب من سيقرر مستقبله".
وأضاف أزهري محمد علي "ما حدث أمر مرفوض بداهة، نحن على المبادئ ذاتها وفي الخندق نفسه بأسلحتنا التي أزحنا بها من سبق: السلمية والإيمان بالقضية".
وكان اتحاد الكتاب السودانيين قد أصدر بيانا في يوم موكب 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري جاء فيه: "سئل الجبل يوما: لماذا تناطح بقمتك السحاب؟ فأجاب: سلوا الوادي".
وأردف الشاعر "هذا هو الوادي قد صار جبلا في وجه الريح.. يقاوم ولا يساوم.. رفض ولا يرضخ.. يتمرد ولا ينحني.. ويتحدى ويغضب.. فلا مجال لكسر إرادة هذا الشعب، ولا مجال للمساومة، ولا ردة عن درب ثورة الوعي السلمية مهما كان حجم التآمر فلا شراكة ولا تفاوض ولا مساومة.. ولا نكوص عن العهد الذي قطعه شعبنا مع الشهداء الذين يعيشون معهم ويملؤون وجدانهم".
تغيرات فكرية
ردود الأفعال تختلف من وقت لآخر تأثرا بعوامل عدة، وقبول حدث في زمان ما لا يعني استمرار قبوله؛ وهذا ما أظهره الشارع السوداني في مواكبه التي خرجت بعد 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأكده الشاعر والروائي والناقد السوداني عادل سعد بقوله "لقد أنتجت ثورة ديسمبر/كانون الأول وعيا جديدا لا يركن لقبول حكم عسكري جديد يستولي على السلطة تحت أي ذريعة ويكرس عودة للوراء، ولن يقبل بغير حلمه المشروع بحكم مدني ديموقراطي".
وأضاف سعد -في إفادته للجزيرة نت- رابطا بين الحكم العسكري والثقافة قائلا "لقد احتكرت المؤسسة العسكرية السلطة ومارست عنفها الإقصائي تجاه الكيانات الأخرى وبخست من دورها، بل ظلت تحتقر كل سلطة مدنية، تبعا لذلك سعت لإخماد الأصوات الثقافية التي تدعو إلى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان".
وهو ما اتفق معه أيضا الأمين العام لاتحاد الناشرين السودانيين نور الهدى محمد، مشيرا إلى أن تنامي الوعي لدى الشعب السوداني الناتج من تراكمات معرفية وتجارب أنضجتها ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 جعلت الإذعان لكل ما هو جبري أمرا غير مقبول، وأضاف أن "الجماهير الهادرة في الشوارع هي فقط من تقرر مصيرها".
الثقافة بنت الحرية
لا يمكن الفصل بين ما هو سياسي وما هو ثقافي، مع إمكانية تعميم عدم فصل السياسة عن جميع أوجه الحياة والمثقف يخضع لتعقيدات الحكم والسياسة وجديدها لعمومية المواطنة وخصوصية الثقافة.
ويشير نور الهدى محمد إلى ذلك في حديثه قائلا "لن نمل من المناداة بالديمقراطية والحرية والسعي لها، هذه الأشياء تهمني كمواطن بالدرجة الأولى كما تهمني ناشرا، فحركة الأدب والنشر تقوم على الحرية قبل كل شيء".
الشاعرة إيمان آدم رأت صعوبة الفصل بين ما هو ثقافي والمشهد العام في الخرطوم قائلة -للجزيرة نت- "الحراك الثقافي لا ينفصل عن المشهد في عمومياته، بل هو مرآته والنابع منه، وهو أبهى تجليات الحياة؛ وبشكل عام، الثقافة لا تنبت في الدكتاتوريات".
البحث عن الحرية متنفسا لورود الثقافة همٌ جعل المثقف السوداني يتقدم الصفوف منافحا عن الحريات والديمقراطية في شتى الأوقات؛ فما من ثورة في السودان إلا والمثقفون والمبدعون في صفوفها الأولى.
والأمر طبيعي عند الأديب عادل سعد وله مبرراته التي أبداها -للجزيرة نت- قائلا: "لا يوجد مثقف معزول أو خارج سياقه الاجتماعي والتاريخي. لذلك، كان عليه أن يناضل من أجل ترسيخ الديموقراطية لا لقيمتها السياسية والأخلاقية فقط، بل لأنها أساس وجوده كمثقف وفاعل في تأسيس الدولة المدنية".
نهر آخر
ظلت الساحة الثقافية في السودان حاشدة بالفعاليات في الأشهر الماضية، وظل نهرها عذبا جاريا لكن المشهد تغير الآن؛ فتوقفت الأنشطة والفعاليات الجماهيرية في ظل حالة الطوارئ والمشهد السياسي غير المستقر، فتأجلت مهرجانات ثقافية وملتقيات كان التخطيط لها قد اكتمل، كما توقف معرض الخرطوم الدولي للكتاب بعد يومين فقط من انطلاقه.
ورأى مراقبون أن أي جهة تقوم بعمل في هذا التوقيت تحكم على نفسها بالإبحار عكس التيار؛ فالحياة في الخرطوم لم تصل مرحلة الاستقرار الذي يجعل الفعاليات الثقافية تنتظم كما لا يستطيع منظم التحكم في مصير التجمع الذي صنعه.
وترى إيمان آدم خالد أن طاقات المبدعين والمثقفين تجري في نهر آخر، وتضيف "الفعل الثوري هو المقدم الآن على أي فعل والمستوعب لطاقات المبدعين والمثقفين".
التزام الصمت
بعض الذين تواصلت معهم الجزيرة نت رفضوا الإدلاء بتصريحات مما استدعى للذاكرة ما حدث لبعض الشعراء والجهات التي دعمت انقلاب هاشم العطا في بداية سبعينيات القرن الماضي.
الانقلاب الذي لم يدم سوى 3 أيام تم الزج بعده بكل من سانده إلى السجون، وفي مقدمتهم الشاعر محجوب شريف والفنان محمد وردي، لكن الذي لا خلاف عليه أن المستقبل ملبد بالغيوم وأن الثقافة تحتاج إلى سماء أكثر صحوا في بلاد اعتادت الأجواء المشمسة.