أحمد شوقي.. مدح الخديوي ونُفي إلى إسبانيا وبايعه الشعراء أميرا لهم

كان شوقي من أخصب شعراء العربية إنتاجا، فقد كتب ما يزيد عن 23 ألفا و500 بيت، وفي سنة 1927 بايعه الشعراء العرب كافة "أميرا للشعراء" في حفل كبير أقيم بالقاهرة، وبعد ذلك انصب اهتمام شوقي على الشعر المسرحي فأصبح رائده الأول على المستوى العربي.

القاهرة – في السابع من يناير/كانون الثاني 1888 نشرت جريدة الأهرام المصرية قصيدة لطالب مغمور، قدمتها قائلة "وقفنا على منظومة غراء من قلم الأديب أحمد أفندي شوقي، أحد تلامذة مدرسة الحقوق، يهنئ بها سمو الخديوي المعظم بدخول العام الجديد".

ولم تمر سنوات حتى كانت قصائد شوقي تتصدر صفحات الأهرام، وتصفه بـ"الشاعر الألمعي والكاتب الأديب"، ثم أطلقت عليه لقب أمير الشعراء بسبب قصيدته لرثاء مؤسسها بشارة تقلا، قال في مطلعها:

حل بالأمتين خطبٌ جليلُ

رجل مات، والرجال قليلُ

ووصل اهتمام جريدة الأهرام بقصائد شوقي إلى حد تنظيمها مسابقة أدبية في يناير/كانون الثاني 1928 للبحث عن المواهب الجديدة، لترجمة 10 قصائد لشوقي إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية.

وفي ذكرى ميلاده الـ150، وصفته الجريدة الرسمية الأهم في مصر بأنه "شاعر الحب والحكمة والوطنية، الذي أعاد إلى القصيدة العربية أناقتها ورونقها".

 

شاعر القصر

ولد أحمد بن علي بن أحمد شوقي يوم 20 رجب 1287هـ الموافق 16 أكتوبر/تشرين الأول 1868 في حي الحنفي بالقاهرة القديمة، لأب کردي وأم من أصول ترکية شرکسية، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل وعلى قدر كبير من الغنى والثراء، فتكفلت بتربيته ونشأ معها في القصر.

التحق في الرابعة من عمره بـ"كتاب الشيخ صالح" في حي السيدة زينب، فحفظ بعضا من القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم دخل "مدرسة المبتديان" (الابتدائية)، وبعدها دخل الثانوية فأظهر نبوغا فائقا كوفئ عليه بالإعفاء من المصروفات الدراسية، وانكب على دواوين فحول الشعراء العرب حفظا واستظهارا، فطفق الشعر يجري على لسانه.

كان طفلا عندما داعبه الخديو إسماعيل بنثر جنيهات ذهبية أمام عينيه عندما لاحظ تعلق نظره بالسماء، فاتجه بصره للذهب، فابتسم الخديو ونصح جدته بتكرار اصطحابه للقصر، ليتعلق قلب الفتى بالقصر وزعيمه ويقول فيه بعد سنوات:

أأخون إسماعيل في أبنائه

وقد ولدت بباب إسماعيلا

ولبست نعمته ونعمة بيته

فلبست جزلا وارتديت جميلا

من فرنسا إلى إسبانيا

التحق وهو في الـ15 من عمره بمدرسة الحقوق والترجمة -كلية الحقوق لاحقا- منتسبا إلى قسم الترجمة، وبعد تخرجه سافر 1887 إلى فرنسا على نفقة والي مصر العثماني الخديوي توفيق، فتابع دراسة الحقوق في مونبلييه، واطلع على روائع الأدب الفرنسي، وعاد إلى مصر 1891.

صار شوقي بعد عودته مقربا من الخديو عباس حلمي، وعُيّن رئيسا للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي، وانتدب سنة 1896 لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين المنعقد بجنيف في سويسرا، حتى قامت الحرب العالمية الأولى وخلع الإنجليز حلمي.

يرجع النقاد تأييده للخديوي إلى عدة أسباب، منها أن الخديوي هو ولي نعمته الذي تولى رعايته، ومنها الدافع الديني الذي كان يوجه الشعراء على اعتبار أن الخلافة العثمانية هي خلافة إسلامية يجب عليهم الدفاع عنها.

هاجم شوقي الاحتلال البريطاني لمصر مما أدى إلى نفيه إلى إسبانيا 1914، وفي المنفى اطلع على الأدب العربي ومظاهر الحضارة الإسلامية في الأندلس، فنظم الكثير من درر شعره إشادة بها وحنينا إلى بلده مصر التي عاد إليها بعد قضائه 4 سنوات في المنفى.

كان ميلاده الشعري الثاني في سنوات المنفى، وأنشد أجمل أشعاره الوطنية، ومن أشهرها قوله في الحنين لمصر ونيلها:

يا ساكني مصر إنا لا نزال على

عهد الوفاء وإن غبنا مقيمينـا

هلا بعثتم لنا من ماء نهركــــمُ

شيئــا نبل به أحشاء صادينـا

كلُّ المناهل بعد النيل آسنــــــة

ما أبعد النيل إلا عـن أمانينا

كما أنشد قصيدته الشهيرة في المنفى:

سَلا مِصْرَ هَلْ سَلا القلْبُ عَنْها

أَوْ أَسَا جرْحَهُ الزَمانُ المُؤَسِي؟

كُلَّمَا مرَتِ اللَّيالي عَلَيْه

رَقَّ والعَهْدُ في اللَّيالي تُقسِي

وطَني لَو شغِلتُ بِالخلدِ عَنهُ

نازَعَتني إِلَيهِ في الخلدِ نَفسي

عاد شوقي إلى مصر في نهاية العام 1919 بإذن من الملك فؤاد الأول، ليشهد أحداث ثورة 1919 ويسجلها.

مبايعته أميرا للشعراء

في دار الأوبرا في أبريل/نيسان 1927 اجتمع أعلام الأمة العربية احتفالا بإصدار الطبعة الثانية من ديوانه وعضويته في مجلس الشيوخ، لمبايعة شوقي أميرا للشعراء، بحضور كبار الشعراء وبينهم شاعر النيل حافظ إبراهيم، الذي قال مادحا شوقي:

أمير القوافي قد أتيت مبايعا
وهذي وفود الشرق قد بايعت معي

سمات شعره

جمع شوقي بين شاعر الحياة العربية والحضارة الإسلامية، بما فيها من قدم وإيمان، وشاعر الحياة الغربية الخاضعة للعلم، كما كان شاعر الحكمة وشاعر اللغة العربية السليمة، كما يقول موقع مكتبة الإسكندرية.

كان أعظم ما تركه شوقي قصائده في المسرح الشعري، الذي يعد رائده الأول عربيا، حيث قدم مسرحياته الشعرية الشهيرة مصرع كليوباترا وقمبيز ومجنون ليلى وعلي بك الكبير.

معارضة ثورة عرابي

لم يختلف شوقي كثيرا عن شعراء العرب في أزهى العصور الإسلامية في التقرب من الملوك والزعماء، ومدحهم أحيانا، وذم من يكرهونه أحيانا أخرى..كان لشوقي موقف معارض لثورة أحمد عرابي، وقيل إن الخديوي عباس أمره أن يذم عرابي، فأطاعه شوقي قائلا:
صغار في الذهاب وفي الإياب
أهذا كل شأنك يا عرابي

لكن شوقي لم يلبث أن مدح ثورة عرابي في المرحلة الثانية من حياته، إذ قال عنه في قصيدة البرلمان عام 1926:
بنيان آباء مشوا بسلاحهم
وبنين لم يجدوا السلاح فثاروا
فيه من التل المدرج حائط
من المشانق والسجون جدار

صداقة مع سعد زغلول

وقد ارتبط شوقي بصداقة كبار رجال السياسة والفن والثقافة، وربطته علاقة صداقة بسعد زغلول، وتقول جريدة أخبار اليوم إن سعد كان يعرف قدر شوقي جيدا، ويرى فيه عظمة لا شك فيها، لكنه كان يعيب عليه تقلبه، فكان إذا انقلب عليه الملك فؤاد ارتمى في أحضان سعد، وإذا رضى عنه الملك انقطع عنه.

من عبد الوهاب إلى أم كلثوم

كما ارتبط شوقي بصداقة قوية مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، رغم فارق السن الكبير، وكان عبد الوهاب يعتبره والده الروحي، وقدمه شوقي لكبار رجال العصر، وتعلم منه الكثير حتى عادات الأكل والمحافظة على الصحة.

اتجهت أم كلثوم إلى قصائد أحمد رامبي، في وقت ظل فيه شوقي مرتبطا بعبد الوهاب، وفي الأربعينيات اهتمت أم كلثوم بقصائد شوقي وقررت تقديمها بعد وفاته، فقدمت له 10 قصائد لحّنها جميعا رياض السنباطي، وأبرزها "نهج البردة" و"ولد الهدى" في مديح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى سلوا كؤوس الطلا، وسلوا قلبي، والسودان، وإلى عرفات الله، والنيل، وغيرها.

تراثه ووفاته

يرى كثيرون أن شوقي كان يملك خيالا خصبا وعاطفة صادقة ومشاعر جياشة، وكان صاحب موهبة شعرية فذة أكمل بها المهمة التي بدأها الشاعر المصري محمود سامي البارودي لإحياء الشعر العربي وإعادته إلى مستواه الرفيع في عهوده الزاهرة، إلا أن مدرسة العقاد النقدية -وعلى رأسها الأستاذ سيد قطب- نالت من شوقي وشعره، ووجهت إليهما إهانات مؤلمة.

وقد كان شوقي من أخصب شعراء العربية إنتاجا، فقد كتب ما يزيد على 23 ألفا و500 بيت، وفي سنة 1927 بايعه شعراء العرب كافة "أميرا للشعراء" في حفل كبير أقيم بالقاهرة، وبعد ذلك انصب اهتمام شوقي على الشعر المسرحي فأصبح رائده الأول على المستوى العربي.

جمع شوقي شعره في ديوان "الشوقيات" الذي صدر في 4 أجزاء، ثم جمع الدكتور محمد السربوني الأشعار التي لم يضمها الديوان في مجلدين أطلق عليهما "الشوقيات المجهولة".

وقبل يومين من ذكرى ميلاده الـ64، توفى شوقي يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول 1932، تاركا ديوانه العملاق "الشوقيات" ومسرحياته الشعرية، ودون أن يسمع صوت أم كلثوم يغني أشهر قصائده.

المصدر : الجزيرة

إعلان