أعراق مختلفة في مصر القديمة.. هل عرف الفراعنة القدماء العنصرية والطبقية حقا؟
في الواقع، لا يوجد بيولوجيا ما يسمى "الأجناس"، حيث يعتبر كل البشر جينيا جزءا من فصيلة الإنسان العاقل نفسها، لكن البشر قسموا أنفسهم على أساس العرق والجنسية.
وفي تقرير نشرته صحيفة "صوت العربي" المكسيكية (La Voz del Árabe)، قال الكاتب جيراردو ب. تابر، إن حركة "حياة السود مهمة" التي اندلعت في أعقاب حادثة مقتل مواطن أميركي أسود في مدينة مينيابوليس في الولايات المتحدة، أشعلت موجة من الاحتجاجات ضد وحشية الشرطة والعنصرية في أكثر من ألفي مدينة، في كل من الولايات المتحدة وحول العالم.
وسلطت هذه الأحداث الضوء مرة أخرى على النقاش حول سؤال حساس هو "هل الأجناس البشرية موجودة حقا؟". ولعل الجواب على هذا السؤال هو أن "الأجناس" غير موجودة؛ فمن الناحية البيولوجية، يعد البشر جزءا من فصيلة الإنسان العاقل نفسها.
بهذا المعنى، كما هو الحال في العديد من الكائنات الحية الأخرى، توجد متغيرات على مستوى السمات المظهرية، والتي تأتي من التكيف مع البيئة وتنتقل عن طريق الوراثة الجينية، ولعل أبرز هذه المتغيرات يكمن في تركيز الميلانين، وهو صبغة تحمي من الأشعة فوق البنفسجية وتنظم إنتاج فيتامين "د 3" (D3) في الجسم. وبهذه الطريقة، يتوافق لون بشرة الشخص مع درجة التعرض للشمس التي عاشها هو وأسلافه على مدى أجيال عديدة.
أعراق مختلفة في مصر القديمة
وأورد الكاتب أن مجموعات عرقية مختلفة مرت على مصر، وتواصلت مع بعضها البعض منذ زمن بعيد، وشكلت كيانات سياسية متميزة. وبهذه الطريقة، أنشأ السكان القدامى لبلد النيل دولة ثيوقراطية ونظرة للعالم جعلتهم "الشعب المختار" للآلهة التي عبدوها، وميزتهم عن جيرانهم الآخرين.
ولا يعني ذلك بالضرورة أن المصريين القدماء كانوا عنصريين وكارهين للأجانب، ولكن لسوء الحظ، فرض المجتمع الغربي نماذج عنصرية على تصور تاريخ مصر الفرعونية على مدار القرون الماضية؛ فنظرا إلى أن الفراعنة يُعتبرون "مهد الحضارة"، كان هناك سعي إلى ضم شخصياتها الرئيسية، التاريخية أو الوهمية، إلى النمط الظاهري السائد في أوروبا الغربية. ومن بين الأمثلة التي تدل على هذا المفهوم هي اللوحات الزيتية، مثل لوحة "اكتشاف موسى" لفريدريك جودال والسير لورنس ألما تاديما.
في الآونة الأخيرة، استمرت هذه الممارسة، خاصة في الأفلام التي تم إنتاجها في هوليوود والتي استمرت فيما يسمى بتبييض الشخصيات الرئيسية، كما يتضح من أفلام مثل "كليوباترا" للمخرج جوزيف مانكيفيتس، و"خروج: الآلهة والملوك" للمخرج ريدلي سكوت، و"آلهة مصر" للمخرج أليكس بروياس.
المركزية الأفريقية
من ناحية أخرى، ظهر أيضا ما يسمى بالمركزية الأفريقية، التي تنبع جذورها من أعمال المثقفين من أصل أفريقي في أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20، والتي تعززت بنشاط عصر حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة بين عامي 1955 و1969.
في الواقع، يجادل هذا الموقف الأكاديمي بأن المركزية الأوروبية منعت الاعتراف بمساهمات أفريقيا في تاريخ البشرية، كما يهدف إلى تمييز تأثير الشعوب الأوروبية والشرقية عن الإنجازات الأفريقية الأصلية. وبهذا المعنى، فمن المناسب دراسة تاريخ العالم بطريقة غير استعمارية.
لكن في بعض الحالات المؤسفة، يقول الكاتب، أصبح هذا الموقف متطرفا، مدعيا أن "أفريقيا السوداء" كانت وحدها المسؤولة عن خلق الفلسفة والعلوم والتكنولوجيا، وأن شعوب الشرق الأوسط وأوروبا قامت فيما بعد بانتزاع هذه المجالات منها.
وبالمثل، فإن أصحاب هذا الموقف يرون أن "أصل الحضارة" قد يكمن في مصر القديمة، لكنهم يشيرون إلى أن "انحدارها" بدأ عندما "اختلطت" مجموعات من الخارج بالسكان الأصليين، الذين فقدوا "نقاءهم". والواقع أن الحجج شبيهة جدا بتلك التي استخدمت لتبرير "التفوق العرقي" غير الموجود في ألمانيا النازية بين عامي 1933 و1945.
والجدير بالذكر أن السؤال الملح الذي طرحه كثير من الذين يكتبون مثل هذه السطور هو: هل كان قدماء المصريين من البيض أم السود؟ ولعل الجواب دائما هو أنهم لا ينتمون لأي من الجانبين، بل كانوا مصريين، من لون مصري وثقافة مصرية، وتحدثوا وكتبوا باللغة المصرية القديمة.
مجتمع طبقي
في الأزمنة القديمة لم يكن البقاء على قيد الحياة مشكلة للصيادين والمزارعين، فجمع المحاصيل في يوم واحد بواسطة امرأة واحدة قد يكفي أسرة لـ3 أيام، بحسب مقال المؤرخ الأميركي مارشال ساهلينز لموقع "ذا كونفرزيشن" (The Conversation).
كان النظام الاقتصادي في الحضارة المصرية القديمة فريدا، لا يكتفي بالطعام والبقاء، بل بتكريس الموارد والطاقات لإنشاء وصيانة المقابر الضخمة والأهرامات والمعابد، وهو النموذج الذي جعل المجتمع المصري طبقيا منقسما بين فئة كبار الملاك والمسؤولين الأغنياء، وعامة الشعب الفقير.
بناء المقابر الضخمة كان سمة لمصر الفرعونية، وهيمن عليها الاعتقاد بأن الملك شخص مقدس في حياته وبعد وفاته. وكان يمتلك الأرض ويقوم بمنحها لمن يريد، فجعل عامة الناس من الشعب تعمل فقط مقابل الطعام والشراب والمسكن، فيما عمل كثير من العمال مقابل طعامهم أو كانوا مجرد عبيد.
في هذا المجتمع -الذي لا تعتبر فيه المعادن الثمينة وسيلة التبادل السائدة، وكان معظمها في أيدي الملوك وفي المعابد- كانت الثروة مرادفة لحيازة الأرض، ومن الناحية النظرية كانت كل الأرض تخص الفرعون الذي كان بإمكانه التصرف فيها متى شاء، وأعطيت مساحات كبيرة للجيش، الذي احتاجه الملوك بصفة خاصة في أوقات الاضطرابات، وكانوا يقومون بمكافأة قادة الجيش بتخصيص الأراضي.
تم استثمار قدر كبير من الأراضي المصرية في ذلك الوقت لبناء المقابر والمعابد الملكية التي كان من المفترض أن تستمر إلى الأبد، وأغلبها كان ملكا لكبار المسؤولين وقادة الجيش والكهنة وكبار الملاك.
وكان مجتمع تلك الفترة أشبه بالنظام الإقطاعي، الذي كان موجودا في أوروبا في العصور الوسطى، بحسب آندريس وينكلر المحاضر بقسم المصريات بجامعة أكسفورد البريطانية.
ويقول المؤرخون إن الفرعون كان يفرض الضرائب على كبار الملاك الذين يقومون بجبايتها من صغار المزارعين، وكانت الإدارة المصرية القديمة مركزية وطبقية وصارمة.