علاء الأسواني: الحجر الصحي يذكرني بثورة 25 يناير

Omran Abdullah - اعتبر الأسواني أول مصري يحصل على جائزة "برونو كرايسكي" التي فاز بها أيضا نيلسون مانديلا (غيتي) - بعد أن صنفته كواحد من أكثر المثقفين تأثيراً.. مقال للفورين بوليسي يشكك في ديمقراطية علاء الأسواني
قال الكاتب المصري علاء الأسواني إن العزلة التي سببتها جائحة كورونا تذكره باعتصام ميدان التحرير ومنع المعتصمين من الخروج (غيتي)

ضمن خطة مكافحة جائحة كورونا، اتخذت العديد من البلدان إجراءات احترازية تتضمن وقف رحلات الطيران منها وإليها، ووجد الكثير من المواطنين والسياح والمسافرين أنفسهم عالقين خارج بلادهم بطريقة غير متوقعة ولا يستطيعون السفر.

ووجد الكاتب المصري علاء الأسواني -صاحب رواية "عمارة يعقوبيان"- نفسه عالقا في مرسيليا بجنوب فرنسا، حيث يصبح الحجر الصحي والعزلة بعيدا عن الأهل لحظة مميزة لمراقبة الحياة وسلوك الناس.

وفي مقال بصحيفة لاكروا الفرنسية من إعداد أنييس روتفيل، يقول الأسواني إنه جاء هذه السنة إلى مرسيليا للعمل على روايته القادمة، بعد أن منعه انشغاله بالتدريس في الولايات المتحدة عام 2018 من تلبية دعوة صديقه تيري فابر، مدير برنامج الإقامة في معهد الدراسات المتقدمة بجامعة إيكس مرسيليا.

وأوضح الأسواني أنه بدأ التدريس في الولايات المتحدة منذ عام 2014، "تاريخ منعي من النشر في الصحف اليومية والحديث على الراديو والتلفزيون في مصر، قبل أن يبدأ نظام القضاء العسكري المصري بمقاضاتي عام 2019، بتهمة: إهانة الرئيس والقوات المسلحة والمؤسسات القضائية، بسبب روايتي الأخيرة: ها أنا أركض نحو النيل (جمهورية كأن)، المحظورة في مصر".

وضع غير متوقع
وفي روايته "جمهورية كأن"، يروي الأسواني حكاية شخصيات شكلت فسيفساء الثورة المصرية، معتبرا أن المصريين عاشوا في مجموعة أكاذيب بدت كأنها حقيقية، ويقصد الروائي المصري بروايته أن الثورة كانت "كأنها شيء لم يكن" وذهبت أدراج الرياح.

‪تسببت رواية
‪تسببت رواية "جمهورية كأن" التي تحمّل الأجهزة الأمنية مسؤولية إفساد الثورة المصرية، في إحالة مؤلفها لمحاكمة عسكرية (الجزيرة)‬ تسببت رواية "جمهورية كأن" التي تحمّل الأجهزة الأمنية مسؤولية إفساد الثورة المصرية، في إحالة مؤلفها لمحاكمة عسكرية (الجزيرة)

ويقول الكاتب المصري إنه وصل مرسيليا في 18 فبراير/شباط، حيث دعي لتدريس الكتابة الإبداعية في ورشة عمل في مانتون للعلوم السياسية، كما نظم وكيل أعماله برنامجا للاستفادة من إقامته في أوروبا، يشمل سلسلة من التوقيعات في باريس وبرشلونة واليونان وإيطاليا.

كما كان عليه أن يكون عضوا في لجنة تحكيم مهرجان سينمائي في جنيف، إلا أن هذا البرنامج بأكمله تم إلغاؤه بعد عشرة أيام من وصوله، "وانهار كل شيء بسبب فيروس… وها أنا ذا في جامعة إيكس مارسي المغلقة ومعي عدد قليل من الزملاء والأكاديميين والمقيمين الذين تقطعت بهم السبل مثلي".

ومع أن هذا الوضع غير متوقع -كما يقول الأسواني- فإنه ليس مزعجا، "فأنا في هذه المدينة التي أحبها لانفتاحها. إنها تغمرني في هذا العالم المتوسطي المألوف لدي. يذكرني بالإسكندرية التي تجري فيها أحداث روايتي القادمة التي أعمل فيها حاليا".

وأشار الكاتب إلى أنه يقيم في دار الفلكيين الفرنسيين، وهي قصر قديم تحمل كل شقة فيه اسم كوكب، وكان معه العديد من الأشخاص قبل أن يغادروا جميعا ويتركوه، "وأنا أعيش على كوكب زحل. وأنا الإنسان الوحيد في المبنى مع القطط".

وهذه اللحظة من الحجر الصحي "ليست صعبة بالنسبة لي"، كما يقول الكاتب "فأنا أحافظ على معنوياتي، أتصل بابني في القاهرة مرة يوميا وبزوجتي وابنتي في نيويورك. أنا قلق بشأنهم في هذه الظروف الصعبة التي لا يغادر الناس فيها منازلهم، وكوني في مرسيليا أو هناك في نيويورك لا يغير شيئا"، خاصة أن العودة في الوقت الحالي أمر معقد للغاية بسبب انخفاض عدد الرحلات الجوية.

حجر مثالي
يقول الأسواني "عندما بدأت أزمة كورونا هذه بتوابعها غير المسبوقة، قلت لنفسي انظر إلى الأشياء بشكل إيجابي. الأمر مؤقت وأنت لست سجينا وقد كنت تبحث عن مثل هذه العزلة. عندما كنت في مصر، كنت أعزل نفسي عدة مرات في السنة في منزل على البحر، لأكتب. بالنسبة للروائي الذي يحتاج إلى الهدوء، فإن الحجر مثالي".

إعلان

ومع تصريح بالخروج، يقول الكاتب إنه يكرس صباحه للكتابة ويقرأ في المساء، ويخرج أحيانا لجلب حاجياته من محلات التسوق القريبة.

وأشار الكاتب إلى أن هذا الحجر يثير في نفسه "ذكرى ما مررنا به في مصر خلال ثورة 2011″، حين كان هناك نوعان من الحجر، أولهما "اعتصام من كانوا مثلي في ميدان التحرير، وكنا قريبين من مليون شخص، طلب منا ضباط الجيش البقاء هناك وعدم الخروج. وهناك حجر عام لبقية السكان الذين فرض عليهم حظر التجول من السادسة مساء حتى السادسة صباحا".

وقال الكاتب إن هذه العزلة كانت بالنسبة له لحظة تفكير في المجتمع، تنكشف خلالها جميع التناقضات في عالمنا، "فهذه هي الرأسمالية التي تهتم بالاقتصاد أكثر من البشر، وهؤلاء هم الدكتاتوريون الذين يخفون حقيقة ما يحدث الآن في بلادهم".

وأضاف "هذه الأنانية تسود أوروبا. أدهشني حقيقة أنه لم يأت أحد تقريبا لمساعدة إيطاليا عندما دمرها الفيروس، لم يكن التضامن على مستوى الأزمة، رغم أنه كان ينبغي أن يكون هنا أكثر من أي مكان آخر. توقعت شيئا آخر من هذه الديمقراطيات: أنه عندما تكون حياة الناس مهددة، يجب القيام بكل شيء لإنقاذهم".

درس لسياسيي العالم
وأبدى الأسواني أمله في أن تكون أزمة كورونا درسا لساسة العالم، "لأننا إذا أنفقنا على البحث العلمي والمستشفيات ربع ما ننفقه على تصنيع أو شراء أو بيع الأسلحة في العالم، فلن يكون الوضع هكذا. ستكون لدينا الوسائل للاستجابة لمثل هذه الأزمة وتجنب كل هؤلاء الضحايا".

وأضاف "أنا مهتم جدا بالسلوك البشري، وهذه الفترة من الحجر القسري تمنحني الوقت والفرصة لمراقبته، فالإنسان يحاول دائما تقديم نفسه في صورة جيدة، ولكن في مثل هذه الأزمة تسقط الأقنعة، ولا يعود من الممكن الاختباء".

وعلى الرغم من هذه الفترة الصعبة، يقول الكاتب فإن مرسيليا لا تزال مفتوحة وأهلها ودودون ويحافظون على جو رائع، منذ اليوم التالي لإعلان الحجر الذي شعرنا فيه بالقلق والخوف.

ومع أنه محجوز في مرسيليا بعيد عن أهله ووطنه، فإن هذه العزلة تمثل بالنسبة له -على نحو ما- شكلا من أشكال الحرية التي يعيد اكتشافها، حيث البقاء وحيدا يعد وقتا رائعا للقراءة والتفكير والتأمل والكتابة.

يقول الأسواني "أشعر كما لو أن الزمن توقف. في هذه الحالة الفريدة تماما، أحاول التغيير وتصحيح أخطائي كإدمان السجائر، خفضت استهلاكي منها بشكل كبير".

وختم الأسواني قائلا "في هذه اللحظة بالذات، لم تعد الأولويات كما هي. وها أنا وحدي في هذا المنزل الكبير الذي عاش فيه علماء الفلك، اكتشفت أنني قادر على القيام بأشياء عملية لم أقم بها في المنزل أبدا، حيث كان هناك دائما شخص ما يعتني بها. هذا أحد دروس هذا الحجر الصحي: أن تعيد اكتشاف نفسك".

جمهورية كأن
وتحكي رواية الأسواني الأخيرة عن أحداث ثورة 25 يناير وما تلاها، وتسلط الضوء على إجهاض الثورة عبر شخصيات تتداخل مصائرها من خلفيات اجتماعية مختلفة لكنها تعيش نفس الأحداث، وللروائي المصري روايات حلل فيها واقع المجتمع المصري من زاوية نقدية مؤلمة وجريئة في الوقت ذاته. 

ويقول الأسواني في الرواية على لسان إحدى شخصياتها "كل شيء في مصر كاذب ما عدا الثورة. الثورة وحدها هي الحقيقة، لذلك يكرهونها لأنها تفضح فسادهم ونفاقهم. مصر هي جمهورية كأن، ونحن قدمنا للمصريين الحقيقة فكرهونا من أعماق قلوبهم".
 
وأصدر الأسواني روايته الشهيرة "عمارة يعقوبيان" التي اعتبرها شاهدا على تاريخ مصر الحديث، واشتملت على نقد اجتماعي وسياسي عميق، ورواية "نادي السيارات" التي تناول فيها حقبة أربعينيات القرن العشرين، منوها بقضايا الكرامة والحرية والعدل في المجتمع المصري.
المصدر : الصحافة الفرنسية + لاكروا

إعلان