عن الطيور نحكي.. صدى كورونا في أدب الأوبئة المصري منذ 40 عاما

أيقظ تفشي جائحة كورونا ذكريات العالم حول الأوبئة، وعلى مرّ التاريخ البشري ضربت الأوبئة الحضارات والمجتمعات، ولزمن طويل كان الوباء تقليدًا أدبيا مبثوثا في الشعر والرواية.
وفي هذا السياق، استعرض موقع "أوريان 21" الفرنسي العدد الأربعين من سلسلة كتب المغامرات "سفاري" ضمن مجموعة "روايات الجيب المصرية" في الثمانينيات، وصدر تحت عنوان "عن الطيور نحكي" للمؤلف المصري أحمد خالد توفيق، الذي استطاع بفضل قدرته على التنبؤ أن يقدم لنا في قصته صدى لما يحدث اليوم ونحن نعيش وباء كورونا.
يختم الكاتب قصته قائلا "الوباء الحقيقي المرعب قادم لا شك فيه.. سيبدأ من مكان ما في الصين أو (هونغ كونغ).. ساعتها لن يكون لنا أمل إلا في رحمة الله، ثم البيولوجيا الجزيئية وسرعة تركيب اللقاح".
وتروي هذه السلسلة -التي بلغت حلقاتها 53 بين القصص البوليسية والإثارة والرعب والخيال العلمي- مغامرات علاء عبد العظيم، وهو طبيب مصري شاب يعمل في منظمة غير حكومية تسمى "سفاري" في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
في العدد الأربعين من سلسلة سافاري بعنوان "عن الطيور نحكي"، يتحدث توفيق عن مرض غامض يصيب صديق البطل التونسي، وتشير الأدلة إلى ارتباط المرض بالدجاج.
وتتميز هذه القصة رغم طبيعتها الموجزة وأسلوبها البسيط، بأنها بما تطرقت إليه من طرق انتقال المرض ونظريات المؤامرة، ودور المختبرات الصيدلانية في بحث وتسويق اللقاحات؛ تحمل صدى كبيرا لوضعنا الحالي.
تنبؤ وخيال
وتنبأ توفيق (العراب) بأن المكان المتوقع ليبدأ منه هذا الوباء هو الصين، فيقول "أين يجتمع الخنزير والدجاجة؟ طبعا عند كل فلاح صيني، كل فلاح صيني يخفي في حظيرته مختبرا خطيرا للتجارب البيولوجية، وفي هذه الحظيرة تنشأ أنواع فيروسات فريدة لم نسمع عنها من قبل، ولهذا لا نسمع عن أوبئة الإنفلونزا المريعة إلا من جنوب شرق آسيا، حتى صار للفظة (إنفلونزا آسيوية) رنين يذكرنا بلفظة طاعون".
ويحكي توفيق أن فيروسات الطيور تصيب الخنازير، لتتطور وتكتسب قدرات أخطر، حيث تختلط صفات فيروسي الدجاجة والخنزير، ليصنعا فيروسا جديدا ممتازا ينتقل من الخنزير إلى الإنسان.
ومع بدء تفشي فيروس كورونا في الصين، تداول محبو "العراب" مقاطع قديمة من مقالات وقصص سابقة له، تحدث فيها عن الوباء المنتظر والخطر القادم الذي يهدد البشرية.
ونبّه الموقع إلى أن "عن الطيور نحكي" ليست المغامرة الأولى في روايات الجيب المصرية التي تتحدث عن وباء، إذ نجد الموضوع نفسه تحت عنوان "وباء شيطاني"، في سلسلة أخرى من المجموعة بعنوان "ملف المستقبل" للكاتب نبيل فاروق، ويروي فيها أن فيروسا تسبب في حالة من الذعر العام انتشر في إطار هجوم بيولوجي نفذته "دولة معادية" ضد مصر.
وتبدو روايات فاروق كأدب الجاسوسية والمغامرات، ويحكي قصصا خيالية لبطلها "أدهم صبري"، الذي يقدم نفسه بصورة تشبه جيمس بوند الشهير، وشريكته في الحياة والمغامرات "منى".
حصل أدهم صبري –حسب الموقع- على لقبه، لأنه الرجل الذي يوسع حدود الإمكانات، بذكائه وعدد اللغات التي يتقنها، ومعرفته الكاملة بجميع تقنيات فنون الدفاع عن النفس، متخلقا بأخلاق الفارس الذي لا يقتل إلا عند الضرورة المطلقة، ولا يقتل النساء مطلقا، ويصبح صورة خيالية لنموذج الوطني المثالي والمسلم الصالح، في صورة يمزج فيها الكاتب بين الخيال الأدبي والترويج الدعائي.
وفي "ملف المستقبل"، الحنين نفسه إلى الماضي المجيد يتم عرضه هذه المرة في عالم مستقبلي بداية القرن الحادي والعشرين، في وقت كان يمكن فيه تخيل السفر بسيارات طائرة، ولكن لا يمكن تخيل وجود شبكات اجتماعية.
وفي كتاب "عن الطيور نتحدث" الذي تنبأ بوباء رئوي لا يمكن السيطرة عليه، لا ينقذ المنطقة بطل مصري مثل أدهم صبري، وإنما فريق من الأطباء من جنسيات متعددة بقيادة بلجيكية وألمانية، كما يقول الموقع.
مستقبل غامض
وليست هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها محبو توفيق لأدبه، لمحاولة البحث عن نبوءاته ورؤيته الخاصة للمستقبل، حيث تداول كثيرون مقاطع من روايته الشهيرة "يوتوبيا" (2008)، التي تحدثت عن مصر عام 2023، حيث يعيش الأغنياء في معزل بالساحل الشمالي، في حين تفتقر مدن الفقراء لأبسط الخدمات الأساسية، كأنها نبوءة "العراب" لمستقبل قاتم لمصر، وشبهها البعض بالعاصمة الإدارية الجديدة؛ حيث سيعزل الأغنياء أنفسهم.
يقول توفيق في روايته "يوتوبيا.. المستعمرة المنعزلة التي كوّنها الأثرياء على الساحل الشمالي ليحموا أنفسهم من بحر الفقر الغاضب بالخارج، والتي صارت تحوي كل شيء يريدونه.. يمكنك أن ترى معي معالمها.. البوابات العملاقة.. السلك المكهرب.. دوريات الحراسة التي تقوم بها شركة "سيفكو" التي يتكون أكثر العاملين فيها من "مارينز" متقاعدين.. أحيانا يحاول أحد الفقراء التسلل للداخل من دون تصريح، فتلاحقه طائرة الهليكوبتر وتقتله كما حدث في ذلك المشهد الذي لا يفارق خيالي".