حقبة الشعراء الرواد.. إضاءات على الأدب الكردي
قبل سنوات، عمد عروسان من مدينة السليمانية إلى توزيع ديوان شعري للشاعر نالي (توفي عام 1856) بدلا من الحلوى، على المدعوين في حفل زفافهم المقام حينها في إحدى قاعات الزفاف وسط المدينة. احتوى الديوان على قصائد كردية تحث على "الوفاء". وكانت هذه الخطوة حديث المدينة حينها لما فيها من رسائل إيجابية.
و"نالي" أحد شعراء الأكراد المشهورين، ولد عام 1800 في بلدة شهرزور بمحافظة السليمانية، وتأثر كثيرا بالأدب العربي والفارسي، وينتمي إلى مدرسة الشعر الكلاسيكي المدون باللهجة الكردية السورانية. وقد ذكره الباحث الروسي فلاديمير مينورسكي بقوله "أعتقد أن المركز الرئيسي للشعراء الأكراد قد انتقل إلى مدينة السليمانية، حيث عاش الشاعر المشهور جدا (نالي) وقدّر له أن يعيش فترة من الزمن".
وتصنف اللغة الكردية ضمن اللغات الهندو-أوروبية، وتتضمن لهجات مختلفة أبرزها الكرمانجية، والسورانية، والزازائية، والهورامية.
وتأثر الشعراء الأكراد ببيئتهم المحيطة، حيث لم تكن اللغة الكردية لغة رسمية أو دينية، لذلك لجأ الكثير منهم إلى العربية في كتاباتهم، خصوصا بعد إسلامهم لكونها لغة القرآن والسنة، ولأجل الانتشار والوصول إلى العامة بشكل أسرع. ورغم ذلك، فإن الكثير منهم استمر في الكتابة باللغة الكردية وترجمت أعماله لاحقا إلى العربية والفارسية وغيرهما.
وتمتد حقبة الشعراء الرواد في الأدب الكردي إلى قرابة القرنين، وتحديدا من منتصف القرن العاشر الهجري وهي المرحلة التي ضمت شعراء كبارا أمثال وفقي طيران وملا جزيري حتى القرن الثاني عشر حيث المرحلة التي ظهر فيها الشاعر حسين الباتيي وأحمد الخاني، إضافة إلى شعراء ناطقين بالسورانية أمثال الشاعر نالي وحاجي قادر ومولوي، ممن ظهروا أوائل القرن الثالث عشر.
وترى الأستاذة بكلية الآداب في جامعة السليمانية الدكتورة كويستان آكو أن "الشعر الكردي المعاصر نزع إلى التحرر من قيود القصيدة الكلاسيكية القديمة، وأصبح يميل أكثر نحو التجدد، رغم أنه ظل متأثرا بالأنماط الشعرية للدول والثقافات المجاورة".
وتواصل الدكتورة آكو حديثها للجزيرة نت وتقول إن "الشعر يرتبط -كما هو معلوم- بالأحداث السياسية والاجتماعية، لذلك فمن الطبيعي أن يتأثر الشعر الكردي خلال الفترات التاريخية بالجو العام الذي صاحبه، خصوصا أن الشعب الكردي مر بالكثير من التجارب الصعبة التي صاحبت تشكيل هويته، بدءًا من مرحلة التقسيم الكردي بين الدولة الساسانية والرومانية، وصولا إلى وقتنا الحالي".
وتضيف أن "الأدب الكردي بدأ بالازدهار بعد التسعينيات وتحديدا بعد مرحلة الحكم الذاتي، حيث بات بإمكان الشعراء الكتابة بلغتهم الأم، إضافة إلى العربية. كما بدأت النتاجات التي تتضمن النص مترجما من الكردية إلى العربية في ذات الكتاب، تزداد أكثر".
محطات
من أعلام الشعر الكردي الملا أحمد جزيري، وهو كاتب وشاعر كردي متصوف ولد عام 1570م في جزيرة "ابن عمر" بمحافظة شرناق جنوب شرقي تركيا حاليا.
وينتمي جزيري إلى مدرسة الشعر الكلاسيكي، ويعد الأشهر بين أقرانه، وهو في مرتبة ابن الفارض في الشعر العربي، وجمع في قصائده بين اللغات الكردية والعربية والفارسية والتركية متجاوزًا حاجز اللغة في شعره. كما تميز بتضمين شعره لمحات من صراعات القوى العظمى في ذلك الوقت، كالعثمانيين والفرس والروم.
شهرة هذا الشاعر ومكانته دفعت بعائلة الكُتبي أواب أحمد إلى تسمية مكتبة العائلة وسط مدينة دهوك باسم "مكتبة جزيري"، وقد أنشئت عام 1989، وهي تضم نتاجات لشعراء وكتاب أكراد، وتنوع محتواها بين اللغتين الإنجليزية والكردية.
يتحدث أواب عن النتاجات المعروضة على رفوف مكتبته ويقول "هذه مكتبة العائلة، وهي مشروع شخصي.. كان اسمها في البداية مكتبة النهضة، لكن تم تغييره لاحقا تيمّناًبالشاعر الكردي ملا جزيري".
وعن رأيه في إقبال الشباب على الشعر الكردي والاطلاع عليه، يضيف أواب في حديثه للجزيرة نت أن "أغلب مرتادي المكتبة هم من طلبة الدراسات العليا ممن يبحثون عن مصادر لبحوثهم الأدبية، أو من المثقفين الكبار في السن.. وقلة هم من يقتنون كتبا لأجل القراءة والاطلاع".
وفي معرض حديثه عن أهم الأعمال التي تلقى اهتماما من رواد المكتبة، يقول إن ديوان جزيري وشرحه يعد من أكبر وأهم التجميعات للتراث الشعبي الكردي، بالإضافة إلى مؤلفات شعراء آخرين مثل: خاني، ونالي، وشيركو بيكه، وغيرهم.