وزير جديد ووعود بالتغيير.. هل تتحرر المدرسة الجزائرية من التسييس والمناهج المستوردة؟
"بسم الله الرحمن الرحيم".. كتبها وزير التربية الوطنية الجزائري الجديد محمد واجعوط على السبورة أثناء زيارته لإحدى ثانويات الجزائر العاصمة بعد أيام من تنصبيه رسميا يوم 4 يناير/كانون الثاني الماضي.
صورة الوزير وهو يخط البسملة بيديه والتي نشرتها وسائل إعلامية جزائرية على مواقع الإنترنت، قرأها البعض على أنها رسالة منه للجزائريين بأنه يحمل في حقيبته قطيعة مع من استغلوا مسألة البسملة لإثارة الجدل في المجتمع سابقا.
وتثار تساؤلات كثيرة حول مستقبل التعليم في الجزائر بعد رحيل وزيرة تعرضت لانتقادات شديدة من طرف الأسرة التربوية، ومجيء سلطة جديدة تعد بالتغيير وإعادة الهيبة والمصداقية للمدرسة الجزائرية.
ودعا الرئيس عبد المجيد تبون أثناء ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء يوم 2 يناير/كانون الثاني الماضي إلى ضرورة "إعادة النظر في المنظومة التربوية من الناحية البيداغوجية" (علم التربية).
بدوره، أقر الوزير واجعوط بأن المنظومة التربوية تحتاج إلى مراجعة وتغيير، وقال خلال لقائه مع النقابات إنه كأستاذ رياضيات وجد أخطاء فادحة في الكتب الموجهة للتلاميذ، وإنه على قناعة بوجود أخطاء مماثلة في التخصصات الأخرى، وذلك حسب ما كشفه للجزيرة نت الأمين العام الوطني للنقابة الوطنية المستقلة لأساتذة التعليم المتوسط السعيد بن ميرة بن سعيد.
تدني التعليم
لم تكن قضية البسملة (حذف "بسم الله الرحمن الرحيم" من الكتب) سوى القطرة التي أفاضت كأس الغضب والتذمر لدى الجزائريين، فالوزيرة السابقة للتربية نورية بن غبريط اتهمها أهل القطاع التربوي بأنها جاءت بمشروع تدميري للمدرسة الجزائرية، وهو ما ظهر في محتوى المناهج التي عملت على تطبيقها ضمن ما يعرف بإصلاحات الجيل الثاني.
ولكن، هل تتحمل بن غبريط وحدها مسؤولية تدني مستوى التعليم في الجزائر؟ سؤال يجيب عنه رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ علي بن زينة مؤكدا أن الوزيرة السابقة "تتحمل كامل المسؤولية عما حصل في قطاع التربية".
وأضاف بن زينة في حديثه للجزيرة نت أن بن غبريط "استغلت مرض الرئيس آنذاك عبد العزيز بوتفليقة لتعيث فسادا في المدرسة، وذلك رفقة من ساندوها حينها وخاصة السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المخلوع".
وكشف أن نقابته رفعت دعاوى قضائية ضد هذه الوزيرة المحسوبة على التيار الفرنكفوني والتي قال إنها "جاءت مرسولة لتدمير المدرسة الجزائرية انتقاما، أو لزرع أفكار وأيدولوجيات أخرى".
تسييس المدرسة
غير أن خبراء وأساتذة يرجعون التدني في مستوى التعليم إلى منظومة كاملة سيّست المدرسة لخدمة أجندتها الخاصة، وهو ما ذهبت إليه الأستاذة سعيدة بن أحمد بقولها إن تهديم المدرسة بدأ عام 1994 في عهد الوزير الأسبق أبو بكر بن بوزيد، حيث أفرغوا التعليم من محتواه بتطبيق مناهج دراسية فرضتها أياد خارجية لتحطيم المدرسة الجزائرية، وقالت للجزيرة نت إن شعار هذه الأيادي هو "لا نأتي إليكم بالسلاح، لكننا نحطم عقولكم وأدمغتكم".
وبدوره رأى بن حنيفية محمد -وهو أستاذ هندسة ميكانيكية من ولاية معسكر (شمال غربي الجزائر) أن سبب تدني التعليم يرجع إلى ما اعتبرها مشاريع فاشلة لحكومات متعاقبة، وتحدث عن "تدمير ممنهج" وعن عملية "تسييس" استهدفت المدرسة الجزائرية، وذلك عبر لجنة "بن زاغو" التي نصبها بوتفليقة وكانت بن غبريط من أعضائها، وقال إن الاتجاه الأيدولوجي أثر على المدرسة.
وكان بوتفليقة أعاد فتح ملف الإصلاحات عام 2000 عندما أمر بتشكيل لجنة لإصلاح المنظومة التربوية ترأسها لاحقا علي بن زاغو الأستاذ الجامعي المحسوب على التيار الفرنكفوني، وأثارت حينها الكثير من الجدل والصدام بين مختلف التيارات داخل الساحة الجزائرية.
وربط الأستاذ عقعاق محمد من ولاية الأغواط (بوابة الصحراء الجزائرية) تدني مستوى التعليم بثلاثة عوامل هي: الأسرة والأستاذ والوزارة، لكنه شدد على أن المشكل حصل بسبب عدم تفعيل المجلس الأعلى للتربية المنصوص عليه في القانون التوجيهي لعام 2008، والمخول له بناء المناهج التي تدرس للتلاميذ، حيث أوكلت المهمة -بحسبه- إلى لجان معينة على أساس أيدولوجي على غرار لجنة "بن زاغو".
استمرارية أم قطيعة؟
هناك هواجس كثيرة تؤرق الأساتذة وخبراء التربية بشأن مستقبل قطاع التعليم في الجزائر، لكنهم يؤكدون أن الإصلاح والتغيير يمكن أن يحدث لو توفرت الإرادة السياسية في المقام الأول.
وأجمع الأساتذة الذين تحدثت إليهم الجزيرة نت على أن الوزير الجديد للتربية الوطنية مطالب بتغيير محتوى المناهج والمواد التي تدرس للتلميذ في الأطوار الثلاثة للتعليم وعصرنتها لأنها لا تواكب قدراته الذهنية.
ويؤكد رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ في حديثه للجزيرة نت أن الجزائريين يريدون مناهج دراسية خاصة بهم، توائم ثقافتهم ودينهم.
ويرى المكلف بالإعلام لدى المجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني مسعود بوديبة أن الإرادة السياسية الحقيقية تظهر من خلال الهيئات والكفاءات المعينة التي لها صلة حقيقية بالميدان وبالمنظومة التعليمية ومنفتحة على المنظومات العالمية.
لكن بوديبة يرى أن هناك فرصة لمراجعة المنظومة التربوية بصفة متدرجة، ويطالب في حديثه للجزيرة نت بأن تعجّل الجهات المعنية في وضع خارطة طريق لإعادة هيكلة ومراجعة المنظومة في الطورين الابتدائي والتحضيري، على أن تسند المهمة إلى أهل الميدان وخبراء جزائريين معروفين بأعمالهم محليا ووطنيا ودوليا.
وفي رده على سؤال بشأن مصير إصلاحات الوزيرة السابقة التي أثارت الكثير من الجدل، دعا بوديبة إلى ضرورة تكريس ثقافة الاستمرارية بتدعيم ما هو إيجابي وإصلاح ما هو سلبي، وقال "لا يمكن الرجوع إلى نقطة الصفر"، مطالبا في المقابل ببناء برامج علمية بيداغوجية تربوية بعيدة عن التجاذبات الأيدولوجية والسياسية لأن المدرسة يجب أن تكون بعيدة عن الصراع الأيدولوجي.
واعتبر النقابي الجزائري أن ما فعلته بن غبريط بشأن حذف البسملة من الكتب ومنع الصلاة في المدارس وغير ذلك من القرارات التي مست الهوية الوطنية، لم تكن سوى عمل مغرض هدفه إدخال المدرسة الجزائرية في جدال عقيم قوامه صراعات أيدولوجية وسياسية بهدف تفكيك قوة المدرسة والمساس بحرمتها وقدسيتها، وقال إنها لم تستطع تطبيق تلك القرارات في الميدان لأنها لم تجد الإجماع عليها.
أما أستاذة التعليم الابتدائي نوال ق. فأصرت في حديثها للجزيرة نت على ضرورة إحداث القطيعة النهائية مع إصلاحات الوزيرة السابقة، وقالت "لا نريد سياسة الترقيع.. نريد إعادة النظر في المناهج والبرامج التي تدرس للتلاميذ".
واعتبرت نوال أن المشرفين على القطاع التربوي حولوا التلميذ إلى حقل تجارب لأنهم يطبقون عليه مناهج دراسية مستوردة لا علاقة لها بواقع وهوية المجتمع الجزائري، ولذلك لم تعد هناك أدمغة تتخرج من المدرسة الجزائرية.
التبعية لفرنسا
وركز أستاذ الهندسة الميكانيكية على مسألة الإرادة السياسية الحقيقية، ودعا إلى ضرورة التحرر من تبعية فرنسا في مجال المناهج الدراسية، متسائلا عن سبب عدم استفادة الجزائر من تجارب الدول الأخرى كالتجربة الآسيوية وخاصة منها السنغافورية والماليزية في مجال تدريس مادة الرياضيات.
وكانت الجزائر -بحسبه- من بين الدول الرائدة في هذه المادة، مشيرا إلى أن فرنسا نفسها شكلت لجنة لتدريس الرياضيات على الطريقة الآسيوية، وسيكون ذلك في غضون خمس سنوات.
من جهة أخرى، أكد الأساتذة وخبراء التربية الذين تحدثنا إليهم على أهمية حل مشاكل القطاع التربوي ككل، فالأستاذ عقعاق محمد يرى أن إصلاح ما أفسدته بن غبريط يكون بإعادة الاعتبار لأهل القطاع الذين همشتهم، وبتطهير محيط الوزير نفسه من بقايا من خلفهم في المنصب، والابتعاد عن الولاءات، وبتكوين جيد للأساتذة وإشراكهم في إعداد المناهج والبرامج، بالإضافة إلى اعتماد الكفاءة في تعيين مدراء التربية.